الدوجماتية
والكتاب المقدس
الجزء الأول
دراسة من إعداد
المهندس زهدي جمال الدين محمد
الإسكندرية في 20 أغسطس 2018 وقفة عرفات 9 ذو الحجة 1439هجرية.
والكتاب المقدس
الجزء الأول
دراسة من إعداد
المهندس زهدي جمال الدين محمد
الإسكندرية في 20 أغسطس 2018 وقفة عرفات 9 ذو الحجة 1439هجرية.
تعريف بالمؤلف بقلم سعادة اللواء مهندس أشرف عفيفي
هو ليس أديباً مما تألفون ولا باحثاً مما تعهدون ولاعالماً مما تحسبون ولا فقيهاً مما تعدون فلا تجهدوا أنفسكم في البحث عن تقسيم يسهل إدراجه تحته. صدقوني !........لن تجدوا.
كثيرا ما أحببت أن أحكي عنه حتى أضع بين يدي الناس مثلاً وقدوة معاصرة، خصوصاً في هذا الوقت الذي تبوأت فيه النفايات مجالس الكبار،لكنني كلما هممت بذلك أقف محتاراً كحيرة خراشٍ الذي كلما هم بصيد غزالة لمح أخرى فانشغل بالأخرى وهكذا حتى انقضى يومه دون الفوز بواحدة وما جنى إلا مشقة الصيد،فعن أي سمت أتحدث؟ وعلى أي ملمح سأركز؟ فتقهرني المعاني وأراني قعيداً حيث بدأت، أأحدثكم عن عذوبة حديثه؟، أم عن وضوح بيانه ونصوع برهانه وإفحام حجته؟، أم عن رجاحة عقله؟، أم وضاءة الإيمان التي تكسو وجهه النضر الوسيم؟، أم عن كده وجده واجتهاده ودأبه؟، أم عن بحور علمه؟.. أم أم.
لو قلت لكم أنه قلعة علمية يصعب عليكم معرفة أي باب من أبوابها العديدة هو بابها الرئيس، أو أنه كمتجر العطور الفواحة الذي تغشاك منه ألاف الروائح الذكية فلاتدري أيهم أذكى وأروع، أو هو مكتبة حية عامرة تحتاج عمراً لفهرستها وحصر عناوينها ماوفيته حقه.
هو نسيج خاص متفرد لاشبيه له، لاتستطيع وصفه مهما أوتيت من بلاغة، تحتار في وسمه ورسمه، وتستصغر الألقاب الشائعة عليه فجميعها لا تلائمه. فإن قصرت في وصفه فلي كل العذر فلا أملك من الأدوات مايقاس صاحبنا به ولا قوالب جاهزة لمقارنته بها.
أقرب الألقاب التي تناسبه من وجهة نظري هو " دائرة معارف بشرية"، نعم إن لقب دكتور أو مهندس أو شيخ أو فقيه أو باحث أو عالم أو مفكرأو أستاذ أو أديب أو طبيب أو فيلسوف قد يصف وجهاً أو ملمحاً من صاحبنا، لكنك حينها ستكون كمن يصف غابة الأمازون الساحرة بأنها مكان فسيح به أشجار كثيرة أو كمن يختزل البحر في أمواجه الهادرة أو جمال أسماكه، وهو وصف لايحمل أي دلالة أو تعبير، حتى وإن صح، خصوصاً بعدما ماعت تلك الألقاب و رأينا أشكالاً، يعف اللسان في مقامنا هذا عن ذكرها تحملها.
عندما تقرأ له أو تجالسه تأسرك هيبته، وحدة ذكائه وفطنته، وسلالسة أدائه، وفصاحة ألفاظه ومعانيه، وبداهة حجته، وعمق أفكاره ومتانة بنيانها وبديع ترتيبها، فلا يخالجك شك أن الفكرة قد مرت على خط إنتاج متكامل حتى اكتمل صنعها واختبارها وتغليفها.
أحياناً أتخيله وكأنه يقف في محرابه كالحواة يقبض قبضة بيده من الطبيعة أو التاريخ أو الدين أو غيرها ثم ينقي التبر من التراب بعين خبيرة و يبدأ بصياغة حليه بدأب بالغ غير عابئ بمال ولا وقت، أو يجمع الشظايا المتناثرة بجوار بعضها البعض فتظهر روعة اللوحة، أو يغوص فيكشف اللآليء الدفينة في أعماق البحار، فيكشف لك في كل مرة جوانب وأسرار ومواطن تشعرك في ذاتك بنقص في الإدراك وعطب في الحواس، فلا تجد حينها إلا الصمت تعبيراً والدهشة جواباً، وإذا به يزيل الغيم والغبش من عينيك فترى في القبح جمالاً وفيما اعتادته عيناك من الصور والأمور مايستنطق منك التسليم والعرفان والتذكرة بقدرة الله وعظمته.
رغم كتابته ما يزيد عن ٦٠ كتاباً، ورغم إثرائه للمكتبة الإسلامية والعلمية في العديد من المجالات وأخصها مقارنة الأديان والبحوث الإسلامية،ورغم أنه يكتب كما يتنفس، ورغم غزير كتاباته وبوستاته ولمحاته وسكناته التي تتساقط منها المعاني، والتي هي درر منثورة لايجاز ولايليق تركها دون جمع وتبويب،أقول أنك رغم ذلك تلمس بيديك أن روح الهواة لم تفارقه قط، و تشعر أيضاً كما لو أن هناك قوة جابرة تسوقه وتدفعه دفعاً لذلك، وكأن الله كلفه واختصه دون غيره بتبصير الناس وتثقيفهم وتوسيع مداركهم واستنهاض هممهم كما لو كانوا عياله.
هل وصلت إليكم صورة رجل جاد جاف خشن لايعرف الضحك، لاتتسع حياته لغير البحث والعلم والكد ولا مساحة لديه للعاطفة؟.
ألم أحذركم من صعوبة وصفه؟. لماذا تقفزون إلى الأحكام وتستعجلون النتائج ؟.
حسناً دعوني أزيدكم من الشعر بيتاً:
له قلب طفل غض نضر، ملئ بالبراءة والحب والحياة، ضحكته صافية راقية تجبرك على البشاشة، تشعر في حضرته بأبوته الفياضة وحنانه الغامر واهتمامه الجارف،وهو هين لين سهل تنسى أحياناً من فرط لينه أن محدثك هو موسوعة علمية جامعة تمشي على قدمين.
نسيت أن أخبركم أن صاحبنا أيضاً مشبوب العاطفة والخيال وله نصيب من معظم الفنون، وهو كتلة من الأحاسيس والمشاعر الرقيقة النبيلة.
هل فهمتم أن صاحبنا تسوقه عاطفته وتخضعه المشاعر وبالتالي فمن السهل كسره ؟ من فهم ذلك وجب عليه الكفارة والاستغفار، فصاحبنا كالجبل الأشم لاتلين عريكته ولا تخدش شكيمته مُلِمَّة، ولو أردتم عنواناً للصبر والثبات والرجولة والإثرة والعطاء فضع صاحبنا فوراً بلاجدال، ولولا أن المقام لايليق لذكرت الملمات التي تئن منها الجبال الرواسي والتي تتكسر على سندان صبر صاحبنا بيقين في الله لايهتز، وثقة في نصره لاتتزعزع.
لو أنك تابعت بوستاته أو تعليقاته لوجدتها فريدة عجيبة لانظير لها، وراءها جهد مضن ومكتبة غاية في النفاسة، ولحار لبك في وصف البوست وصاحبه، فتجد الرجل يغطس بنا يوماً إلى أعماق البحار ويستعرض غريب أسماكه وعجائب مخلوقاته، ثم يعرج بنا على جمال اللوحات المرسومة باليد ودقة وصفها وبديع تفاصيلها وماوراء فرشاتها،ثم يميل على أشهر الموسيقات التصويرية للأفلام الغربية وطريقة عملها والمقصود منها، ثم ملمح في فيلم أجنبي يحلل فيه مابين السطور، ثم تاريخ السينما الغربية وتسلسل تشويه صورة العرب والمسلمين، ثم أنواع العناكب وبيوتها وغرائب صنعها، ثم مجتمعي النحل والنمل ومافيهما من حكمة وعجائب،ثم تراه يطير إلى القمر وخسوفه وانشقاقه، والإنجيل ونبؤاته، والفلك وآياته، والمعادلات الرياضية والرقم باي وقصته، والقضايا الإسلامية كالإسراء والمعراج، وتعدد الزوجات في الإسلام، ومفهوم الزكاة، وليلة القدر، وصور كثيرة من إعجاز القرآن لفظا ورسماً وبياناً، والقيم الإنسانية كالحب والوفاء والإتحاد وعمارة الأرض والعلم وحرية الفكر وغيرها الكثير والكثير والكثير،لكن نظرته في كل مرة ليست كنظرة غيره من علماء المجال ذاته، فهي أعمق وأكثر دقة وبساطة في الوقت ذاته. وعلى الرغم من ذلك تحتاج إلى قراءتها عدة مرات.
وهو في كل مرة لايعطيك المعلومة العلمية جافة مجردة تحتاج إلى مجاهدة للنفس لبلعها، وإنما يضعها في أسلوب عرض بديع ويربطها بالواقع وبالقرأن الكريم وإعجاز خلق الله وصدق آياته.
طبعاً ما ذكرته من تنوع الموضوعات هو نقطة من بحر تباينها.
قديماً قالوا (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) وهي مقولة على فرض صحتها تحتاج عند عالمنا الفذ موائمة ومقاربة وتوفيق، فنقول إما أن تلك الفنون هي جميعا فنونه ومجاله، فصاحبنا صاحب فنون ومجمع علوم وبالتالي فإن المقولة لاتنطبق عليه، أو إن المقصود بالعجائب في حالته هو معناها الإيجابي الذي يحير الألباب والعقول فيأخذ بمجامعها.
هل اتضحت صورته؟ لا تلوموا أنفسكم فلم أصف فيه شيئا بعد ولو بسطتُ القول فيه ماوسع المقام.
إنما حديثي عن:بديع الزمان زهدي جمال الدين محمد.
اللهم يارب الأرباب ياخالق السماوات والأرض وبديعهما بارك لنا في علم عبدك زهدي جمال الدين وعمله وعمره وصحته وأًفِض عليه من بركاتك ورحماتك، وبارك في ذريته وكفكف دمعه وهون عليه، واجعله من السعداء الذين لا يشقى جليسهم، وارزقنا صحبته في الفردوس الأعلي، على سرر متقابلين، وأنصر أمة الإسلام واحفظ علماءها.
لواء مهندس
أشرف عفيفي
أشرف عفيفي
الباب الأول
الدوجماتية والكتاب المقدس
مقدمة
الدوجما Dogma أو الجزمية أو دوجماتية (أو دوجمائية) هي التزمّت لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته، أو كما هي لدى الإغريق الجمود الفكري.
وهي التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي، أو موضوع غير مفتوح للنقاش أو للشك.
ويعود أصل الكلمة إلى اليونانية خ´دŒخ³خ¼خ± والتي تعني "الرأي" أو "المعتقد الأوحد".
كما أنها تمثل الاستبدادية والمعصومية والدمجية أو اللادحضية (الزعم بأن قولا معينا غير قابل للدحض بتاتا)، والقبول الخانع (من قبل الملتزمين) واللاشكية هي لب فكرة الدوجماتية.
هذه الأفكار تستدعي عادة الانتقاد من قبل المعتدلين والمنفتحين‘ ولذلك تستخدم كلمة الدوجماتية غالبا للإشارة إلى عقيدة أو مبدأ لديه مشكلة الزعم بالحقيقة المطلقة كما أن من سمات الدوجماتية هي القطع برأي أو معتقد بغض النظر عن الحقائق أو ما يحصل على أرض الواقع، وهو ما يسمى في اللغة العربية بـ "التعسف".
تستخدم كلمة دوجماتية، أيضا، لوصف الرأي الغير مدعوم ببراهين.
الدوجماتية في الدين والاعتقاد
توجد الدوجماتيات في مختلف الفرق والأديان (على جميع المستويات)، مثل المسيحية واليهودية والإسلام، بحسب آراء بعض علماءها والتي تلزم أتباعها باعتناق أركان أو مبادئ بشكل دوجماتي.
والدوجماتيات في الأديان يمكن أن يتم توضيحها وتبيينها أكثر ولكن ليس مناقضتها, ويعتبر رفض الدوجماتية "هرطقة" في بعض الأديان .
ويعود أصل هذا المصطلح إلى كلمة دوجما Dogmaالواردة في الفكر الديني المسيحي الكاثوليكي ، وتعني المبدأ الذي ينسب إليه الصحة المطلقة، ويدخل ضمن هذا الإطار مفهوم عصمة البابا الكاثوليكية والذي تعتبر تعاليمه رسمياً بمثابة إلهام إلهي.
ويستخدم هذا المصطلح اجتماعياً وسياسياً لوصف المناهج والأساليب الفكرية المتعصبة والمتحجرة والتي تجافي المعقولية والمنطق.
والحركات السياسية و الدينية المتزمتة اليوم تعتمد النهج الدوجمائي وتعتبر كل خروج أو رفض لمقولاتها وقناعاتها بالانحراف.
وفي نطاق ببغاوية اللادينيين العرب أصبحوا يفترون على الإسلام بإلصاق الدوجماتية به ظلماً وعدواناً، مع أنهم هم الأجدر به، لأن الاقتناع بالإسلام أمر اختياري يلي التفكير والتدبر.
هذا ومن الجدير بالذكر أن محمد أركون الذي يسمي نفسه بأبي العلمانيين والحداثيين والعقلانيين يستخدم هذا المصطلح وغيره حيث يصف العلماء والفقهاء – ضمن مسلسل الهجمة العدائية للإسلام – بأنهم مسجونيين داخل السياج الدوجمائي.
أما بالنسبة لمحمد أركون واستعماله للمصطلحات الضبابية وغير العربية فإنه يريد هو وغيره من دعاة التغريب أن يقوضوا دعائم وجود الأمة ، فيبدؤون بتغيير مفردات تراثها العظيم ، وأنى لهم ذلك !.
إن أغرب ما في أمر أصحاب القراءات المعاصرة هو أنهم يصرحون بأن ما يسعون إليه هو هدم ما يسمونه ( القديم ) وإحلال جديد محله ، وهذا الجديد في نظرهم هو تعاليم المادية التاريخية الماركسية واللينينية ، ومن هنا لجئوا إلى أساليب ملتوية ، لترويج أفكارهم الوهمية ، فكانت الضبابية والتعتيم على الحقائق ، واللبس والغموض في التعبير ، فالدوجمائية ، والغنوصية ، والأبستمولوجية ، والأمبريقية ، والأنسنة ، والإسلاموية ، والسلفوية ، والزمكانية ، والمكانزماتية ، والهرمونوطيقية ، وألفاظ كثيرة غيرها ، كلها من تعابيرهم ومصطلحاتهم، وتعابير ومصطلحات مؤيديهم ومقومي أفكارهم الوهمية ، وهي كلها ألفاظ تندس في مؤلفاتهم ليسير القارئ من خلالها في طريق التغريب ، بقصد إيهامه بتخلف وعيه، وبعدم قدرته على استيعاب ما يكتبون.
المصطلح بشكل عام يدل على نوع من الأسس الفكرية, التي يلتزم بها شخص ما بطريقة متعنتة وغير عقلية, مكرسة بفعل التقاليد, رافضًا الدخول في نقاشها أو في تقديمها ووضعها على طاولة الحوار والنقد.
إن التأكيد المتغطرس على الآراء والحقائق على مر التاريخ، وبالتأكيد في العصور الأخيرة، يعطينا المثال تلو الأخر على أن الدوجما العقائدية تؤدي إلى نتائج مؤسفة.
نحن نرى في حكوماتنا، في ديننا، وفي علاقاتنا- عندما نحمل معتقدات دوجماتية، فنحن نغلق عقولنا على وجهات النظر والآراء البديلة- يشير العلاج السلوكي العقلاني العاطفي إلى أن المعتقدات غير العقلانية هي دوجمائية في طبيعتها، تتنافى مع الواقع التجريبي، وغير منطقية، وتعيق الأفراد عن تحقيق أهدافهم.
فالدوجمائية تقود الأفراد إلى مشاكل فكرية عندما يتجاهلون الأدلة التي لا تدعم خط تفكيرهم، عندما ينخرط الأفراد في التحيز التأكيدي (تصفية الأدلة التي تتعارض مع معتقدات المرء)، وعندما يكون الأفراد غير قادرين على تحمل وجهات النظر المتضاربة.
والأفراد الذين يؤيدون المعتقدات الدوجمائية ولا يسمحون بتفسيرات بديلة غالبًا ما يجدون أنفسهم يعانون من الغضب عندما تكون هناك اختلافات بين توقعاتهم وواقعهم.
نحن جميعًا لدينا آراء لكن حين نعتبرها غير قابلة للدحض أو النقد ونحيطها بهالة من القداسة هنا نصبح في ورطة حقيقية, لأن اللاشكّية هي لب فكرة الدوجمائية.
أن أخطر دوجمائية منتشرة بقوة في العالم والتي بسببها تحول العالم إلى مساحة للدماء والحرب والمعارك المقدسة هي الدوجمائية الدينية.
وتشير الدوجمائية الدينية على الحكم الصادر عن المؤسسة الدينية للتعريف بحقيقة متعلقة بالإيمان, والذي يصبح حكمًا قاطعًا غير قابل للجدل- والتي تعتبر جزءاٌ من الإرث الفقهي الحاسم- هذه الدوجما لا يمكن أن تكون موضع نقد أو شك أو استفهام من قبل المؤمن وإلا أُعتبر مشككًا بإيمانه وخارجًا عن دينه.
من المعارك الإسلامية التاريخية، إلى الحروب الصليبية المسيحية، إلى الاشتباكات البروتستانتية الكاثوليكية، وحروب اليهود والمسلمين، والمؤسسات الدينية المنظمة والعقائد ولدت الكراهية الجماعية والصراعات- ديانات اليوم هي في صراع عنيف في جميع أنحاء العالم- لقد حان الوقت للتنديد بالدوجمائية العقائدية المناهضة للحرية على أنها غير أخلاقية.
إن العالم لا يحتاج إلى “حرب على المخدرات” أو “الحرب على الفقر” فالرأسمالية السوقية الحرة البسيطة، بدلًا من الإدارة الحكومية، يمكن أن تخفف من حدة هذه المشاكل بالنسبة لأي بلد.
إن ما يحتاجه العالم هو “حرب أخلاقية على الدوجما الدينية”
ومن هذا المبدأ سيكون نقاشي في كافة المواضيع المطروحة هنا..
فلم تكن الأمّة الواحدة مختلفة قطّ ولا جاهلة بمسألة خلق آدم وكيفيّتها، قبل بزوغ التوراة (السبعينيّة) التي نصّبت من نفسها حكماً مُهيمناً في مثل هذه المسائل، فإنّ الكهنة السبعين الذين كتبوا التوراة قاموا بكتابتها ووفق منظورهم وفهمهم بعد أنْ ضمّنوا كتابهم كلّ الأساطير الشعبية المقتبسة من الأمم التي قبلهم والتي كان يتمّ تناقلها شفوياً، وأثبتوها ليصوغوا لهم تراثاً مركزيّاً منتحلاً منفوخاً يخرجوا به من بداوتهم المفتقرة للحضارة، وصيّروا الأمر وكأنّ موسى عليه السلام هو الذي أتى بها، ولا نستبعد أنّه عليه السلام أتى ببعض أخبارها لأنّ الرسالات والنبوّات تراكميّة، والمحقّقون رأوا اليوم بأمّ أعينهم أنّها منحولة ومقتبسة ممّن قبلهم، حيث تكشّف لها وجودٌ أقدم في كتابات وألواح ورُقُم السومريّين العرب والبابليّين والسوريّين وعرب مصر والجزيرة.
إنّ نسبة هذه المقولات إلى موسى عليه السلام وبالتالي إلى الله عزّ شأنه، أضفت بالقدسيّة على ما يُسمّى بالتوراة ليُوسَم بالكتاب المقدّس، الذي نُسلِّم بأنّه يتضمّن بعض ما جاء به موسى عليه السلام.
ومع أنّ القرآن الكريم جاهد ليُسقط القداسة عمّا كتبه الأحبار وكُتّاب التوراة بقوله (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)(البقرة:79)، إلاّ أنّ الأمر مضى تاريخيّاً بخلاف الفوائد والتضمينات والتوصيات القرآنيّة، فكان أنْ عطّلتْ تلك القداسة الزائفة مسيرة الفكر في أمرٍ كان محسوماً لدى الأوائل، وعُدَّ من بدهيّاتهم، هو أمر عطّل الفكر الإسلامي برمّته في مثل هذه القضايا، بدخول كثيرٍ من أهل الكتاب في الملّة الجديدة بفهوماتهم القديمة المظنون قدسيّتها، وبثّها كحقائق واستيلائها على الفكر، ثُمّ كان تقريب الكثير من أولئك الكتابيّين من الكهنة والأحبار إبّان العصور الأولى ، وبعد انفتاح باب الروايات لكلّ ذي مأرب، طُمّ وادي الفكر بالكثير من الروايات التوراتيّة الذين كانوا هم أساسه ومنبعه وبُذّاره.
أسوق هذه المقدمة بعدما زرت أحد المواقع المسيحية / العلمانية اسمه ##### الإسلامية
والموقع يعرف نفسه عى أنه موقع إسلامي إلا أنه يتناول الموضوعات الإسلامية بطريقة مستفزة فراح كتابها يستلون آيات من القرءان الكريم ويحرفونها ثم يشرعون في شرحها بطريقة تعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس من خلال المنظور الإسلامي، وأنى لهم هذا وقد حرفوا في متن النص..
والأهم من ذلك كله أنهم يتخذون من شعار المدينة المنورة شعاراً للموقع.
وليس هذا فحسب ولكنهم تناولوا الذات الإلهية من وجهة نظر المسلمين بالطعن والتحريف بالإضافة إلى شخصية الرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. ومن أحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..خذ على سبيل المثال تناولهم لحديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوارد في باب الإيمان قالوا:
ورد فى صحيح البخاري فى "بَاب الْإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ " :
" حَدَّثَنا اإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا" .
أنظر صحيح البخاري - محمد بن إسماعيل البخاري - كتاب فضائل المدينة - باب الإيمان يأرز إلى المدينة الحديث رقم 1777– الجزء الثاني – ص : 664 – طبعة دار ابن كثير - سنة النشر: 1414هـ / 1993م.
شبكة القراءات القرآنية
ثم عبروا عن الحديث برسم كاريكاتوري رمزوا فيه للإسلام بحية عظيمة سوداء تشكل اسم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعالم مشغول بقطع جزء من ذنب الحية وعنوان الكاريكاتير .. اقطعوا راس الحية.
ومعنى (يأرز) يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه , وهذا إشارة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففيه بيان لحدث عظيم في آخر الزمان وهو أن الإيمان الذي خرج من المدينة أول الأمر وانتشر في أصقاع المعمورة شرقا وغربا ودانت له الدول العظمى ودخل فيه الناس أفواجا وظهر ظهور عظيما في العالم على سائر الأديان.
هذا الإيمان ينحسر ويقل ويصبح غريبا في آخر الزمان فيعود وينزوي إلى أصله في المدينة كما تعود الحية بعد انتشارها إلى جحرها وهذا فيه كناية عن غربة الدين في آخر الزمان كما كان غريبا في أوله ويأوي الثلة الباقية من أهل الإيمان إلى المدينة .
فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة , ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد هاجروا إلى المدينة , فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان .
تعليق