بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[ تأمل جسم الطائر و خلقته ]
فإنه حين قدّر أن يكون طائراً في الجو خفف جسمه وادمج خلقه واقتصر به من القوائم الأربع على ثنتين ، ومن الأصابع الخمس على الأربع ، ومن منفذي الزبل والبول على واحد يجمعهما ثم خلق ذا جو مجدود محس ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيفما توجه كما يجعل صدر السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء ، وتنفذ فيه وجعل في جناحيه وذنبه ريشات متان لينهض به للطيران ، وكسى جسمه كله الريش ليتداخله الهواء فيقله ، ولما قدر أن يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلعاً بلا مضغ نقص من خلقة الإنسان وخلق له منقاراً صلباً جاسياً يتناول به طعمه فلا يتشجج من التقاط الحب ، ولا يتقصف من نهش اللحم.
ولما عدم الأسنان وصار يزدرد الحب صحيحاً واللحم غريضاً أعين بفضل حرارة في الجوف يطحن له الطعام طحناً فيستغنى عن التقدم في مضغه ، واعتبر ذلك بأن عجم العنب وغيره يخرج من أجواف الإنس صحيحاً ، ويطحن في أجواف الطير حتى لا يرى له أثر .
ثم جعل أيضاً مما يبيض بيضاً ، ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت الفراخ تنجل في جوفه ، وتمكث فيه حتى تستحكم وتكبر لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران
أفلا ترى كيف يوجد كل شيء خلقه مشاكلاً للأمر الذى قدر أن يكون عليه .
لما صار الطير المسخر السابح في هذا الجو يقعد على الطير فيحضنه أسبوعاً وأسبوعين ومن الطير من يلقط الطعم بعد أن يستقر في حوصلته فيغدو به فراخه لأى معنى يحتمل هذه المشقة ، وليس بذي روية ولا تفكير في عاقبة ، ولا يؤمل في فراخه ما يؤمل الإنسان في ولده من العز والبر ، والرفد وبقاء الذكر فهذا من فعله يشهد بأنه معطوف على فراخه لعلة لا يعرفها هو ولا يفكر فيها وهى دوام النسل وبقاؤه .
[ انظر إلى الدجاجة ]
كيف تهيج لحضن البيض ، والتفريخ وليس لها بيض مجتمع ولا وكر قط ، بل تبعث لذلك بعثة فتنتفخ وتقاقي وتمنع الديك نفسها وتمتنع من الطعام حتى يجتمع لها البيض وتحضنه وتفرخ فلم كان ذلك منها إلا لإقامة النسل ولا روية لها ولا فكر في عاقبة.
[فكر في خلق البيضة]
وما فيها المح الأصفر الخائر ، والماء الأبيض الرقيق فبعضه لينشو به الفرخ وبعضه ليغتذي به إلى أن تنجاب عنه البيضة ، وما في ذلك من التدبير.
فإنه لما كان نشو الفرخ في تلك القشرة المستحصفة التي لا مساغ لشيء إليها جعل معه في جوف البيضة من الغذاء ما يكفى به إلى خروجه منها كمن يحتبس في حصن حين لا يوصل الى ما فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفى به الى خروجه منه.
[ فكر في حوصلة الطائر ]
وما قدرت له فإن مسلك الطعم الى القانصة ضيق لا ينفذ فيه الطعم إلا قليلاً قليلاً فلو كان الطائر لا يلتقط حبة ثانية حتى تصل الأولى إلى القانصة . لطال ذلك عليه فمتى كان يستوف طعمه ، وإنما يختلسه إختلاساً لشدة الحزر فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعى ما أدرك فيها من الطعم بسرعة ثم ينفذ إلى القانصة على مهل وفي الحوصلة أيضاً خصلة أخرى فإن من الطير ما يحتاج أن يزق فراخه فيكون رده الطعم عن قرب أسهل عليه.
فإن كان اختلاف الألوان والأشكال في الطير إنما يكون من قبل امتزاج الأخلاط واختلاف مقاديرها بالهرج والإهمال .
فهذا الوشي الذى تراه في الطواويس والتدرج والدراج على استواء ومقابلة نحو ما يخط بالأقلام كيف يأتي به الإمتزاج المهمل على شكل واحد لا يختلف .
تأمل ريش الطير كيف هو فإنك تراه منسوجاً كنسج الثوب من سلوك دقائق قد ألف بعضها إلى بعض كتأليف الخيط الى الخيط، والشعرة الى الشعرة، ثم ترى ذلك النسج إذا مددته ينفتح قليلاً، ولا ينشق ليتداخله الريح فيقل الطائر إذا طار وترى وسط الريشة عموداً غليظاً قد نسج عليه ذلك كهيئة الشعر ليمسكه بصلابته ، وهى القصبة التي تكون في وسط الريشة وهو مع ذلك أجوف ليخف على الطائر فلا يعوقه عن الطيران .
هل رأيت هذا الطائر الطويل الساقين، وعرفت المنفعة له في طول ساقيه، فإنه يرعى أكثر ذلك في ضحضاح تراه يركز على تينك الساقين كأنه زيبة فوق مرقب فيتأمل ما يدب في الماء ، فإذا رأى شيئاً من حاجته خطا خطاً رقيقا حتى يتناوله ولو كان قصير القائمتين كان حين يخطو نحو الصيد ليأخذه يشق بطنه الماء فيثوره ، ويذعر منه الصيد فيتفرق عنه فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ولا يفسد عليه مطلبه .
تأمل ضرباً من التقدير في خلق الطير فإنك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق ، وذلك ليتناول طعامه من الأرض ، ولو كان طويل الساقين قصير العنق لما استطاع أن يتناول شيئاً من الأرض وربما أعين مع طول العنق بطول المنقار ليزداد المطلب عليه سهولة ، وله إمكاناً أفلا ترى أنك لا تفتش شيئاً من الخلقة إلا وجدته على غاية الصواب والحكمة.
[ انظر إلى العصافير ]
كيف تطلب أكلها بالنهار كله فلا هي تفقده ، ولا هي تجده مجموعا معداً بل تناله بالحركة والطلب وكذلك تجد الرزق كله فسبحان الذى قدره كيف فرقه وبعده ، ولم يجعله مما لا يقدر عليه إذا جعل بالخلق الحاجة إليه ولم يجعله مبذولأ فينال بالهوينا إذا كان لا صلاح للخلق في ذلك ، فإنه لو كان يوجد مجموعا معداً كانت البهائم ستكب عليه ، ولا تقلع حتى تبشم عنه فتهلك ، وكان الناس سيصيرون بالفراغ والكفاية إلى غاية الأشر حتى يكثر الفساد وتظهر الفواحش . أعلمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا ليلاً كمثل البوم والخفاش والهوام فإنه يقال : إن معاشها في هذا الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب وغيرها ، وذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت السراج بالليل في صدّح او عرصة دار اجتمع عليه من هذه الضروب شيء كثير فمن أين يأتي ذلك كله إلا من القرب؟.
فإن قيل : إنه يأتي من الصحارى والبراري . قيل له : كيف يواف تلك السرعة من موضع بعيد ؟ وكيف يبصر من ذلك البعد سراجاً في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه مع أن هذه الضروب ترى عياناً تتهافت على السراج من قرب فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل موضع من الجو.
وهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[ تأمل جسم الطائر و خلقته ]
فإنه حين قدّر أن يكون طائراً في الجو خفف جسمه وادمج خلقه واقتصر به من القوائم الأربع على ثنتين ، ومن الأصابع الخمس على الأربع ، ومن منفذي الزبل والبول على واحد يجمعهما ثم خلق ذا جو مجدود محس ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيفما توجه كما يجعل صدر السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء ، وتنفذ فيه وجعل في جناحيه وذنبه ريشات متان لينهض به للطيران ، وكسى جسمه كله الريش ليتداخله الهواء فيقله ، ولما قدر أن يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلعاً بلا مضغ نقص من خلقة الإنسان وخلق له منقاراً صلباً جاسياً يتناول به طعمه فلا يتشجج من التقاط الحب ، ولا يتقصف من نهش اللحم.
ولما عدم الأسنان وصار يزدرد الحب صحيحاً واللحم غريضاً أعين بفضل حرارة في الجوف يطحن له الطعام طحناً فيستغنى عن التقدم في مضغه ، واعتبر ذلك بأن عجم العنب وغيره يخرج من أجواف الإنس صحيحاً ، ويطحن في أجواف الطير حتى لا يرى له أثر .
ثم جعل أيضاً مما يبيض بيضاً ، ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت الفراخ تنجل في جوفه ، وتمكث فيه حتى تستحكم وتكبر لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران
أفلا ترى كيف يوجد كل شيء خلقه مشاكلاً للأمر الذى قدر أن يكون عليه .
لما صار الطير المسخر السابح في هذا الجو يقعد على الطير فيحضنه أسبوعاً وأسبوعين ومن الطير من يلقط الطعم بعد أن يستقر في حوصلته فيغدو به فراخه لأى معنى يحتمل هذه المشقة ، وليس بذي روية ولا تفكير في عاقبة ، ولا يؤمل في فراخه ما يؤمل الإنسان في ولده من العز والبر ، والرفد وبقاء الذكر فهذا من فعله يشهد بأنه معطوف على فراخه لعلة لا يعرفها هو ولا يفكر فيها وهى دوام النسل وبقاؤه .
[ انظر إلى الدجاجة ]
كيف تهيج لحضن البيض ، والتفريخ وليس لها بيض مجتمع ولا وكر قط ، بل تبعث لذلك بعثة فتنتفخ وتقاقي وتمنع الديك نفسها وتمتنع من الطعام حتى يجتمع لها البيض وتحضنه وتفرخ فلم كان ذلك منها إلا لإقامة النسل ولا روية لها ولا فكر في عاقبة.
[فكر في خلق البيضة]
وما فيها المح الأصفر الخائر ، والماء الأبيض الرقيق فبعضه لينشو به الفرخ وبعضه ليغتذي به إلى أن تنجاب عنه البيضة ، وما في ذلك من التدبير.
فإنه لما كان نشو الفرخ في تلك القشرة المستحصفة التي لا مساغ لشيء إليها جعل معه في جوف البيضة من الغذاء ما يكفى به إلى خروجه منها كمن يحتبس في حصن حين لا يوصل الى ما فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفى به الى خروجه منه.
[ فكر في حوصلة الطائر ]
وما قدرت له فإن مسلك الطعم الى القانصة ضيق لا ينفذ فيه الطعم إلا قليلاً قليلاً فلو كان الطائر لا يلتقط حبة ثانية حتى تصل الأولى إلى القانصة . لطال ذلك عليه فمتى كان يستوف طعمه ، وإنما يختلسه إختلاساً لشدة الحزر فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعى ما أدرك فيها من الطعم بسرعة ثم ينفذ إلى القانصة على مهل وفي الحوصلة أيضاً خصلة أخرى فإن من الطير ما يحتاج أن يزق فراخه فيكون رده الطعم عن قرب أسهل عليه.
فإن كان اختلاف الألوان والأشكال في الطير إنما يكون من قبل امتزاج الأخلاط واختلاف مقاديرها بالهرج والإهمال .
فهذا الوشي الذى تراه في الطواويس والتدرج والدراج على استواء ومقابلة نحو ما يخط بالأقلام كيف يأتي به الإمتزاج المهمل على شكل واحد لا يختلف .
تأمل ريش الطير كيف هو فإنك تراه منسوجاً كنسج الثوب من سلوك دقائق قد ألف بعضها إلى بعض كتأليف الخيط الى الخيط، والشعرة الى الشعرة، ثم ترى ذلك النسج إذا مددته ينفتح قليلاً، ولا ينشق ليتداخله الريح فيقل الطائر إذا طار وترى وسط الريشة عموداً غليظاً قد نسج عليه ذلك كهيئة الشعر ليمسكه بصلابته ، وهى القصبة التي تكون في وسط الريشة وهو مع ذلك أجوف ليخف على الطائر فلا يعوقه عن الطيران .
هل رأيت هذا الطائر الطويل الساقين، وعرفت المنفعة له في طول ساقيه، فإنه يرعى أكثر ذلك في ضحضاح تراه يركز على تينك الساقين كأنه زيبة فوق مرقب فيتأمل ما يدب في الماء ، فإذا رأى شيئاً من حاجته خطا خطاً رقيقا حتى يتناوله ولو كان قصير القائمتين كان حين يخطو نحو الصيد ليأخذه يشق بطنه الماء فيثوره ، ويذعر منه الصيد فيتفرق عنه فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ولا يفسد عليه مطلبه .
تأمل ضرباً من التقدير في خلق الطير فإنك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق ، وذلك ليتناول طعامه من الأرض ، ولو كان طويل الساقين قصير العنق لما استطاع أن يتناول شيئاً من الأرض وربما أعين مع طول العنق بطول المنقار ليزداد المطلب عليه سهولة ، وله إمكاناً أفلا ترى أنك لا تفتش شيئاً من الخلقة إلا وجدته على غاية الصواب والحكمة.
[ انظر إلى العصافير ]
كيف تطلب أكلها بالنهار كله فلا هي تفقده ، ولا هي تجده مجموعا معداً بل تناله بالحركة والطلب وكذلك تجد الرزق كله فسبحان الذى قدره كيف فرقه وبعده ، ولم يجعله مما لا يقدر عليه إذا جعل بالخلق الحاجة إليه ولم يجعله مبذولأ فينال بالهوينا إذا كان لا صلاح للخلق في ذلك ، فإنه لو كان يوجد مجموعا معداً كانت البهائم ستكب عليه ، ولا تقلع حتى تبشم عنه فتهلك ، وكان الناس سيصيرون بالفراغ والكفاية إلى غاية الأشر حتى يكثر الفساد وتظهر الفواحش . أعلمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا ليلاً كمثل البوم والخفاش والهوام فإنه يقال : إن معاشها في هذا الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب وغيرها ، وذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت السراج بالليل في صدّح او عرصة دار اجتمع عليه من هذه الضروب شيء كثير فمن أين يأتي ذلك كله إلا من القرب؟.
فإن قيل : إنه يأتي من الصحارى والبراري . قيل له : كيف يواف تلك السرعة من موضع بعيد ؟ وكيف يبصر من ذلك البعد سراجاً في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه مع أن هذه الضروب ترى عياناً تتهافت على السراج من قرب فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل موضع من الجو.
وهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو.