لم تتوقف الاستنتاجات والتحليلات التى أحاطت بأكثر الحوادث فجيعة وغموضًا ربما فى تاريخ الكنيسة القبطية الحديث، مقتل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار والتى تلتها سلسلة من الأحداث الغريبة، لا تقل عن حادثة القتل غموضًا، بدأت بالإعلان عن تجريد الراهب أشعياء المقارى من رهبانيته وإعادته لاسمه العلمانى وائل سعد، ثم انتحار زميله فلتاؤس المقارى بوسيلتين بقطع الشرايين ثم القفز من أعلى مبنى بالدير، ثم يتبين إن "أشعياء" حاول الانتحار أيضًا أثناء التحقيق معه وقبل إخلاء سبيله.
<a href="https://adserver.adtech.de/adlink/3.0/1422/6592900/0/16/ADTECH;loc=300" target="_blank"><img src="https://adserver.adtech.de/adserv/3.0/1422/6592900/0/16/ADTECH;loc=300" border="0" width="1" height="1"></a>
إشعياء المقارى مع البابا شنودة
وصية "الأنبا ابيفانيوس" التى صارت قرارات باباوية بعد مقتله
تلا الحادث مباشرة، سلسلة قرارات باباوية غير مسبوقة عرفت باسم الـ"12 قرار" لضبط الرهبنة، أوقف البابا بموجبها ترقية الرهبان لرتب الكهنوت وأعلن إغلاق الأديرة أمام طالبى الرهبنة لمدة عام كامل يبدأ من أغسطس، مع تنظيم قضية رحلات وزيارات الأديرة ومنع الرهبان من الظهور الإعلامى ومن التواصل عبر حسابات التواصل الاجتماعى وكذلك حضور المناسبات خارج الدير.
القرارات التى أعلنها البابا ووقعها من لجنة شئون الرهبنة بالمجمع المقدس، تلاها الكشف عن تسجيل صوتى نسب للأنبا أبيفانيوس من اجتماع داخلى مع رهبانه بالدير عام 2016 كان يمهد لهم صدور مثل هذه القرارات، حتى إنه كان يظهر وكأنه يطالب بها فيقول "عايزين قرارات مركزية من قداسة البابا، ويعترف إن الكهنوت تسبب فى حروب بالدير، والكهنوت هى تلك الرتب التى يتحصل عليها الرهبان فيصبح بموجبها قسًا يستطيع ممارسة الأسرار المقدسة من زواج وصلاة وتعميد وغيرها من طقوس الكنيسة غير إنه لا يستطيع أن يفعل ذلك قبل الترقى لتلك الدرجة.
الأنبا ابيفانيوس: هناك حروبا فى الدير والكهنوت مرض أصاب الرهبنة
الأنبا أبيفانيوس فى التسجيل الصوتى المسرب، وصف قضية الكهنوت بالمرض، فإذا كانت الحياة الرهبانية تقوم على التجرد والتواضع والبعد عن شهوات الحياة ومناصبها الزائلة، فإن الكهنوت وفقا للأسقف المغدور مرض يبحث له عن علاج.
ويضيف: نطالب كرهبان الكنيسة ببدء حياة جديدة "اللى حصل حصل، كرهبان شربنا كلنا من نفس الكأس ورسمونا كلنا قساوسة" ما ذنب الأجيال القادمة؟ علينا ونبدأ حياة جديدة ونبدأ طقسا جديدا كفاية اللى حصل".
الرهبان الذين أدخلهم البابا شنودة الدير بعد وفاة المسكين
الوصية السابقة التى حاول الأنبا أبيفانيوس إقناع رهبانه المتحاربين بها، كانت أول قرار صدر من البابا عقب مقتله، فيقول "نبدأ حياة رهبانية مع الله بداية من قداسة البابا بتشجيع العودة للأصول الأولى للرهبنة، و يمكن إصدار قرارات حكيمة ومركزية نخضع لها جميعا كرهبان لإصلاح مسيرتنا، أتمنى أن سيدنا البابا يوقف رسامة الكهنة فإذا تساوى الرهبان جميعا دون رسامات لن تشعروا بالمشكلة صدقونى".
الأنبا إبيفانيوس.. كيف غيرت تلمذته على يد متى المسكين حياته؟
كان الأنبا إبيفانيوس تلميذًا مخلصًا للقمص متى المسكين، يؤمن بالرهبنة الجادة إذ عرف عن دير أبو مقار الحياة الرهبانية الجادة والمتقشفة فقد كان الدير بعيدًا عن الكنيسة الرسمية لا يستقبل زوارًا إلا فيما ندر بالشكل الذى حفظ له خصوصيته وأبعده عن ضجيج العالم الخارجى فتحول رهبانه إلى علماء يكتبون الأبحاث ويترجمون عن اللغات القديمة وينتجون الأفكار، وخلفهم مساحات شاسعة من الأراضى والمزارع ينفقون بها على حياتهم الرهبانية ويتبرعون بما يزيد عن حاجتهم للفقراء.
يقول الأنبا إبيفانيوس عن حياته الرهبانية المتقشفة أيام متى المسكين "فى دير أبو مقار عشنا 40 سنة بلا كهنوت ولم يكن لدينا مشكلة صدقونى، ولم نحارب بالكهنوت وكنا فرحين جدا وإن كانوا يضغطوا على راهب لرسامته قس مكنش بيصلى، رسمونى قسيسا غصب عنى وبكيت بالدموع أمام المسيح وأقول مش هترسم".
الانبا ابيفانيوس
الأنبا إبيفانيوس: متى المسكين أجبرنى على الكهنوت
ويروى الأسقف المغدور كيف أجبره القمص متى المسكين على الترقية لرتبة القس كى يتمكن من صلاة القداسات : وقالولى أبونا متى بيغصب عليك لازم تترسم، وقلت مش هصلى قداسات لغاية ما ابونا كيرلس المقارى نظره ضعف جدا و شعرت بمسئولية أمام المسيح فابتديت اطبع له الخولاجى (كتب الصلاة) بخط كبير كى يستطيع إن يقرأ وكنا فرحانين ولكن لما بدأ الكهنوت فى الزيادة كلنا حاربونا بالكهنوت".
ظل الأنبا إبيفانيوس مع رهبان ديره المتعاركين، يحاول حل مشاكلهم باللين مرة وبالشدة مرة، حتى انتهى الأمر بوفاته الغامضة، إذ اختلفت التركيبة الفكرية لآباء الدير عن تلك التى كانت أيام القمص متى المسكين، حين دخل البابا شنودة الدير عام 2009 فى زيارة تاريخية عقب وفاة المسكين أراد فيها استعادة الدير بشكل مركزى وإخضاعه لسلطة الكنيسة القبطية، حتى إنه رسم "عين" عدد غير قليل من الرهبان اقترب عددهم من الـ70 راهب فى تلك السنوات، كان من بينهم الراهبين الاثنين "أشعياء" الذى تم تجريده من رهبنته، وفلتاؤس الذى حاول الانتحار، بالإضافة إلى يعقوب الذى استقل عن الدير وأسس دير ثالث بوادى النطرون يحمل اسم الأنبا كاراس.
لم يستطع الأنبا ابيفانيوس، حل تلك الأزمات المتوارثة مع رهبان الدير من الشنوديين إن صحت التسمية، حتى إنهم كانوا يتحزبون ضده فى أوقات كثيرة، إن أراد اتخاذ قرار ضد أحدهم أو عقابه على مخالفة لا تسمح بها الحياة الرهبانية، وظل هكذا رئيس للدير بسلطات كاملة مدعوم من البابا تواضروس الذى يعتبره مستشاره اللاهوتى والروحى.
كيف تعامل الرهبان الشنوديين مع العصر الجديد فى الكنيسة؟
الرهبان الذين تم إدخالهم الدير عقب وفاة متى المسكين، وكانوا يشعرون بالحظوة أيام البابا شنودة الذى رسمهم "عينهم" بنفسه لم يستطيعوا التآلف مع الوضع الجديد عقب وصول البابا تواضروس لسدة كرسى مارمرقس، مع ميله الواضح للأفكار الآبائية التى آتى بها متى المسكين، ثم اختياره للأنبا أبيفانيوس بين ثلاثة من تلاميذ متى المسكين لرئاسة الدير، أشعر الرهبان الشنوديين إن تلك الحظوة التى كانوا يتمتعون بها فى زمن البابا شنودة قد ذهبت إلى غير رجعة، مما جعلهم مضطرين للتوافق مع رئيس الدير الجديد الأنبا أبيفانيوس وهو ما لم يحدث ومن بين ذلك رغبة الأسقف فى نقل "أشعياء المقارى" من الدير والتحقيق معه من قبل لجنة مجمعية تنتهى إلى نقله إلى دير الزيتونة بالعبور، فما كان منه إلا أن جمع توقيعات من زملائه للبقاء فى الدير وظل هكذا حتى صدور قرار تجريده من الرهبنة.
كيف ينظر متى المسكين وتلاميذه للعلاقة مع الكنائس الأخرى؟
من بين تلك الأفكار التى ينفرد بها القمص متى المسكين عن باقى آباء الكنيسة، هى قضية العلاقة مع الكنائس الأخرى، وهو الجدل الذى عرف طريقه للكنيسة القبطية فى أعقاب الانشقاق الذى وقع سنة 451 م، بعد مجمع خلقدونية الذى رفضت الكنيسة القبطية نتائجه، وانشقت على أثره كنائس العالم إلى نوعين كنائس خلقدونية وأخرى لا خلقدونية، حيث كان الخلاف فى الأساس على مسألة طبيعة المسيح، إذ تؤمن الكنيسة القبطية ومعها كافة الكنائس اللاخلقدونية إن للمسيح طبيعة واحدة وتشترك في هذا الإيمان الكنائس السريانية، والأرمنية، والأثيوبية، والهندية، وهى الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية (اللاخلقيدونية).
بينما الكنائس الخلقيدونية الكاثوليكية واليونانية (الروم الأرثوذكس) فتؤمن بطبيعتين للسيد المسيح وتشترك في هذا الاعتقاد أيضًا الكنائس البروتستانتية ولذلك تُعْرَف كل هذه الكنائس باسم أصحاب الطبيعتين.
فى الوقت الذى كان فيه آباء الكنيسة القبطية، يغلقون الباب أمام أى محاولات للتقارب مع الكنائس الأخرى المختلفة معاهم فى الإيمان، كان الأب متى المسكين يرى إن الخلافات اللاهوتية لا تنفى حقيقة إيمان الجميع بالمسيح، وكان هو أول من أطلع على أقوال وآراء قديسى الكنائس غير القبطية أى من الكنيسة الجامعة، والتى لا تعرفهم الكنيسة القبطيـة، مثـل: القديس غريغوريوس الكبير، والقديس يوحنا الدمشقى، والقديس ساروفيم ساروفسكي، مما فتح للأقباط نافذة جديدة على الكنائس الشقيقة الأخرى،.
ثم بدأ الأب متى المسكين يذكر فى عظاته أسماء قدِّيسين غربيين كان لهم تأثيرٌ فى حياته الروحية، ومسيرته الرهبانية، مثل: القديسة تريزا الطفل يسوع، والقديس فرنسيس الأسيزى. فكان لمثل هذه الكتابات والأقوال أثرٌ فعَّالٌ فى حياة الأقباط تجاه قدِّيسى الكنيسة الجامعة.
كان الأنبا أبيفانيوس تلميذا نجيبا للقمص المسكين فى تلك الزاوية، إذ دأب البابا تواضروس على ترشيحه لحضور الكثير من المؤتمرات اللاهوتية والعقائدية فى الخارج حيث بلغت تلك المؤتمرات 20 مؤتمرا فى خمس سنوات، قدم فيها الأسقف المغدور أفضل صورة لكنيسته فى الخارج.
الانبا ابيفانيوس
البابا تواضروس ومحبته للكنائس الأخرى.. أفكار المسكين تطغى
أما البابا تواضروس نفسه، فمنذ مجيئة لكرسى البطريرك عام 2012 وقد أخذ على عاتقه حل تلك الخلافات التاريخية والانقسامات والعداوات التى هال الزمن عليها التراب، بينما يتمسك بها المتشددون الأرثوذكس، إذ كانت أول زيارة خارجية للبابا تواضروس نحو الفاتيكان، ليبدأ عهده بما يردده دائما من سعى نحو الوحدة الكنسية فالكنائس جميعا أعضاء فى جسد المسيح الواحد مثلما يقول.
طوال السنوات الخمسة الفائتة، دأب البابا تواضروس على زيارة كنائس مختلفة فى الإيمان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار المسيحى، حتى إنه صلى فى كنيسة لوثرية بالسويد، الأمر الذى فجر عاصفة من الانتقادات ضده، مع اتهامات جاهزة له بمحاولة إفساد الإيمان الأرثوذكسى القويم تقودها جيوش من التقليديين الذين يعادون توجهاته.
البابا تواضروس يغير المجمع المقدس بعد معركة معمودية الكاثوليك
فى مايو الماضى، بلغت رغبة البابا فى قيادة الكنيسة نحو المستقبل أفقًا أوسع، فقد كان بابا الإسكندرية الذى لم ينسى واقعة إحراجه أمام الفاتيكان يتطلع للتحليق بعيدًا فى قضية الوحدة بين الكنائس، ورأى فى تغيير لجان المجمع المقدس غايته.
حين زار بابا الفاتيكان مصر، وجد البابا تواضروس الفرصة سانحة لقبول معمودية الكاثوليك وتوقيع إتفاقية مع الفاتيكان، لمحو هذا الشقاق التاريخى بعد زيارات محبة متبادلة، حتى فوجئ بعاصفة من التيار التقليدى دفعته للتراجع عن توقيع الاتفاقية واستبدال لفظة قبول معمودية الكاثوليك بالعبارة "السعى نحو قبول المعمودية"، إذ هوجم البابا من الأنبا إبرام أسقف الفيوم والأنبا اغاثون أسقف مغاغا وراجت حملات ضده، عمل بعدها الأنبا إبرام إلى تقديم استقالته للبابا قيل وقتها إن ذلك بسبب رفضه توجهات البابا الانفتاحية، فى هذا الوقت كان الأنبا أبيفانيوس من كبار داعمى البابا فى المجمع المقدس ومعه مجموعة من أساقفة يميلون للبابا بالقلب والعقل.
الأنبا ابيفانيوس.. ذهب الرجل المؤمن بالكنيسة الواحدة
ثم جاء مايو الماضى ،وعملت الكنيسة على تسليم وتسلم مناصبها العليا، فانتقل الأنبا دانيال الذراع اليمنى للبابا نحو منصب سكرتير المجمع المقدس خلفا للأنبا رافائيل ، وجرى تغيير واسع فى تلك اللجان المجمعية، ثم ابتكر البابا منصب جديد للأنبا أبيفانيوس هو منصب مراقب الحوار اللاهوتى على أن يبدأ بموجبه حوارا مع الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة مثل كنيسة الروم الأرثوذكس، وهى المهمة التى كانت من مسئولية لجنة الحوار اللاهوتى التى يجلس على مقعدها الأنبا بيشوى منذ سنوات طويلة، أهم أساتذة اللاهوت التقليديين فى الكنيسة العريقة.
كل تلك المياه جرت فى النهر، حتى استيقظ الأقباط على حادث مقتل الأنبا أبيفانيوس المأساوى وما تلاه من ألغاز لم تنفك حتى اليوم.
الرهبان الذين أدخلهم البابا شنودة الدير بعد وفاة المسكين
نقلا عن موقع اليوم السابع
<a href="https://adserver.adtech.de/adlink/3.0/1422/6592900/0/16/ADTECH;loc=300" target="_blank"><img src="https://adserver.adtech.de/adserv/3.0/1422/6592900/0/16/ADTECH;loc=300" border="0" width="1" height="1"></a>
إشعياء المقارى مع البابا شنودة
وصية "الأنبا ابيفانيوس" التى صارت قرارات باباوية بعد مقتله
تلا الحادث مباشرة، سلسلة قرارات باباوية غير مسبوقة عرفت باسم الـ"12 قرار" لضبط الرهبنة، أوقف البابا بموجبها ترقية الرهبان لرتب الكهنوت وأعلن إغلاق الأديرة أمام طالبى الرهبنة لمدة عام كامل يبدأ من أغسطس، مع تنظيم قضية رحلات وزيارات الأديرة ومنع الرهبان من الظهور الإعلامى ومن التواصل عبر حسابات التواصل الاجتماعى وكذلك حضور المناسبات خارج الدير.
القرارات التى أعلنها البابا ووقعها من لجنة شئون الرهبنة بالمجمع المقدس، تلاها الكشف عن تسجيل صوتى نسب للأنبا أبيفانيوس من اجتماع داخلى مع رهبانه بالدير عام 2016 كان يمهد لهم صدور مثل هذه القرارات، حتى إنه كان يظهر وكأنه يطالب بها فيقول "عايزين قرارات مركزية من قداسة البابا، ويعترف إن الكهنوت تسبب فى حروب بالدير، والكهنوت هى تلك الرتب التى يتحصل عليها الرهبان فيصبح بموجبها قسًا يستطيع ممارسة الأسرار المقدسة من زواج وصلاة وتعميد وغيرها من طقوس الكنيسة غير إنه لا يستطيع أن يفعل ذلك قبل الترقى لتلك الدرجة.
الأنبا ابيفانيوس: هناك حروبا فى الدير والكهنوت مرض أصاب الرهبنة
الأنبا أبيفانيوس فى التسجيل الصوتى المسرب، وصف قضية الكهنوت بالمرض، فإذا كانت الحياة الرهبانية تقوم على التجرد والتواضع والبعد عن شهوات الحياة ومناصبها الزائلة، فإن الكهنوت وفقا للأسقف المغدور مرض يبحث له عن علاج.
ويضيف: نطالب كرهبان الكنيسة ببدء حياة جديدة "اللى حصل حصل، كرهبان شربنا كلنا من نفس الكأس ورسمونا كلنا قساوسة" ما ذنب الأجيال القادمة؟ علينا ونبدأ حياة جديدة ونبدأ طقسا جديدا كفاية اللى حصل".
الرهبان الذين أدخلهم البابا شنودة الدير بعد وفاة المسكين
الوصية السابقة التى حاول الأنبا أبيفانيوس إقناع رهبانه المتحاربين بها، كانت أول قرار صدر من البابا عقب مقتله، فيقول "نبدأ حياة رهبانية مع الله بداية من قداسة البابا بتشجيع العودة للأصول الأولى للرهبنة، و يمكن إصدار قرارات حكيمة ومركزية نخضع لها جميعا كرهبان لإصلاح مسيرتنا، أتمنى أن سيدنا البابا يوقف رسامة الكهنة فإذا تساوى الرهبان جميعا دون رسامات لن تشعروا بالمشكلة صدقونى".
الأنبا إبيفانيوس.. كيف غيرت تلمذته على يد متى المسكين حياته؟
كان الأنبا إبيفانيوس تلميذًا مخلصًا للقمص متى المسكين، يؤمن بالرهبنة الجادة إذ عرف عن دير أبو مقار الحياة الرهبانية الجادة والمتقشفة فقد كان الدير بعيدًا عن الكنيسة الرسمية لا يستقبل زوارًا إلا فيما ندر بالشكل الذى حفظ له خصوصيته وأبعده عن ضجيج العالم الخارجى فتحول رهبانه إلى علماء يكتبون الأبحاث ويترجمون عن اللغات القديمة وينتجون الأفكار، وخلفهم مساحات شاسعة من الأراضى والمزارع ينفقون بها على حياتهم الرهبانية ويتبرعون بما يزيد عن حاجتهم للفقراء.
يقول الأنبا إبيفانيوس عن حياته الرهبانية المتقشفة أيام متى المسكين "فى دير أبو مقار عشنا 40 سنة بلا كهنوت ولم يكن لدينا مشكلة صدقونى، ولم نحارب بالكهنوت وكنا فرحين جدا وإن كانوا يضغطوا على راهب لرسامته قس مكنش بيصلى، رسمونى قسيسا غصب عنى وبكيت بالدموع أمام المسيح وأقول مش هترسم".
الانبا ابيفانيوس
الأنبا إبيفانيوس: متى المسكين أجبرنى على الكهنوت
ويروى الأسقف المغدور كيف أجبره القمص متى المسكين على الترقية لرتبة القس كى يتمكن من صلاة القداسات : وقالولى أبونا متى بيغصب عليك لازم تترسم، وقلت مش هصلى قداسات لغاية ما ابونا كيرلس المقارى نظره ضعف جدا و شعرت بمسئولية أمام المسيح فابتديت اطبع له الخولاجى (كتب الصلاة) بخط كبير كى يستطيع إن يقرأ وكنا فرحانين ولكن لما بدأ الكهنوت فى الزيادة كلنا حاربونا بالكهنوت".
ظل الأنبا إبيفانيوس مع رهبان ديره المتعاركين، يحاول حل مشاكلهم باللين مرة وبالشدة مرة، حتى انتهى الأمر بوفاته الغامضة، إذ اختلفت التركيبة الفكرية لآباء الدير عن تلك التى كانت أيام القمص متى المسكين، حين دخل البابا شنودة الدير عام 2009 فى زيارة تاريخية عقب وفاة المسكين أراد فيها استعادة الدير بشكل مركزى وإخضاعه لسلطة الكنيسة القبطية، حتى إنه رسم "عين" عدد غير قليل من الرهبان اقترب عددهم من الـ70 راهب فى تلك السنوات، كان من بينهم الراهبين الاثنين "أشعياء" الذى تم تجريده من رهبنته، وفلتاؤس الذى حاول الانتحار، بالإضافة إلى يعقوب الذى استقل عن الدير وأسس دير ثالث بوادى النطرون يحمل اسم الأنبا كاراس.
لم يستطع الأنبا ابيفانيوس، حل تلك الأزمات المتوارثة مع رهبان الدير من الشنوديين إن صحت التسمية، حتى إنهم كانوا يتحزبون ضده فى أوقات كثيرة، إن أراد اتخاذ قرار ضد أحدهم أو عقابه على مخالفة لا تسمح بها الحياة الرهبانية، وظل هكذا رئيس للدير بسلطات كاملة مدعوم من البابا تواضروس الذى يعتبره مستشاره اللاهوتى والروحى.
كيف تعامل الرهبان الشنوديين مع العصر الجديد فى الكنيسة؟
الرهبان الذين تم إدخالهم الدير عقب وفاة متى المسكين، وكانوا يشعرون بالحظوة أيام البابا شنودة الذى رسمهم "عينهم" بنفسه لم يستطيعوا التآلف مع الوضع الجديد عقب وصول البابا تواضروس لسدة كرسى مارمرقس، مع ميله الواضح للأفكار الآبائية التى آتى بها متى المسكين، ثم اختياره للأنبا أبيفانيوس بين ثلاثة من تلاميذ متى المسكين لرئاسة الدير، أشعر الرهبان الشنوديين إن تلك الحظوة التى كانوا يتمتعون بها فى زمن البابا شنودة قد ذهبت إلى غير رجعة، مما جعلهم مضطرين للتوافق مع رئيس الدير الجديد الأنبا أبيفانيوس وهو ما لم يحدث ومن بين ذلك رغبة الأسقف فى نقل "أشعياء المقارى" من الدير والتحقيق معه من قبل لجنة مجمعية تنتهى إلى نقله إلى دير الزيتونة بالعبور، فما كان منه إلا أن جمع توقيعات من زملائه للبقاء فى الدير وظل هكذا حتى صدور قرار تجريده من الرهبنة.
كيف ينظر متى المسكين وتلاميذه للعلاقة مع الكنائس الأخرى؟
من بين تلك الأفكار التى ينفرد بها القمص متى المسكين عن باقى آباء الكنيسة، هى قضية العلاقة مع الكنائس الأخرى، وهو الجدل الذى عرف طريقه للكنيسة القبطية فى أعقاب الانشقاق الذى وقع سنة 451 م، بعد مجمع خلقدونية الذى رفضت الكنيسة القبطية نتائجه، وانشقت على أثره كنائس العالم إلى نوعين كنائس خلقدونية وأخرى لا خلقدونية، حيث كان الخلاف فى الأساس على مسألة طبيعة المسيح، إذ تؤمن الكنيسة القبطية ومعها كافة الكنائس اللاخلقدونية إن للمسيح طبيعة واحدة وتشترك في هذا الإيمان الكنائس السريانية، والأرمنية، والأثيوبية، والهندية، وهى الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية (اللاخلقيدونية).
بينما الكنائس الخلقيدونية الكاثوليكية واليونانية (الروم الأرثوذكس) فتؤمن بطبيعتين للسيد المسيح وتشترك في هذا الاعتقاد أيضًا الكنائس البروتستانتية ولذلك تُعْرَف كل هذه الكنائس باسم أصحاب الطبيعتين.
فى الوقت الذى كان فيه آباء الكنيسة القبطية، يغلقون الباب أمام أى محاولات للتقارب مع الكنائس الأخرى المختلفة معاهم فى الإيمان، كان الأب متى المسكين يرى إن الخلافات اللاهوتية لا تنفى حقيقة إيمان الجميع بالمسيح، وكان هو أول من أطلع على أقوال وآراء قديسى الكنائس غير القبطية أى من الكنيسة الجامعة، والتى لا تعرفهم الكنيسة القبطيـة، مثـل: القديس غريغوريوس الكبير، والقديس يوحنا الدمشقى، والقديس ساروفيم ساروفسكي، مما فتح للأقباط نافذة جديدة على الكنائس الشقيقة الأخرى،.
ثم بدأ الأب متى المسكين يذكر فى عظاته أسماء قدِّيسين غربيين كان لهم تأثيرٌ فى حياته الروحية، ومسيرته الرهبانية، مثل: القديسة تريزا الطفل يسوع، والقديس فرنسيس الأسيزى. فكان لمثل هذه الكتابات والأقوال أثرٌ فعَّالٌ فى حياة الأقباط تجاه قدِّيسى الكنيسة الجامعة.
كان الأنبا أبيفانيوس تلميذا نجيبا للقمص المسكين فى تلك الزاوية، إذ دأب البابا تواضروس على ترشيحه لحضور الكثير من المؤتمرات اللاهوتية والعقائدية فى الخارج حيث بلغت تلك المؤتمرات 20 مؤتمرا فى خمس سنوات، قدم فيها الأسقف المغدور أفضل صورة لكنيسته فى الخارج.
الانبا ابيفانيوس
البابا تواضروس ومحبته للكنائس الأخرى.. أفكار المسكين تطغى
أما البابا تواضروس نفسه، فمنذ مجيئة لكرسى البطريرك عام 2012 وقد أخذ على عاتقه حل تلك الخلافات التاريخية والانقسامات والعداوات التى هال الزمن عليها التراب، بينما يتمسك بها المتشددون الأرثوذكس، إذ كانت أول زيارة خارجية للبابا تواضروس نحو الفاتيكان، ليبدأ عهده بما يردده دائما من سعى نحو الوحدة الكنسية فالكنائس جميعا أعضاء فى جسد المسيح الواحد مثلما يقول.
طوال السنوات الخمسة الفائتة، دأب البابا تواضروس على زيارة كنائس مختلفة فى الإيمان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار المسيحى، حتى إنه صلى فى كنيسة لوثرية بالسويد، الأمر الذى فجر عاصفة من الانتقادات ضده، مع اتهامات جاهزة له بمحاولة إفساد الإيمان الأرثوذكسى القويم تقودها جيوش من التقليديين الذين يعادون توجهاته.
البابا تواضروس يغير المجمع المقدس بعد معركة معمودية الكاثوليك
فى مايو الماضى، بلغت رغبة البابا فى قيادة الكنيسة نحو المستقبل أفقًا أوسع، فقد كان بابا الإسكندرية الذى لم ينسى واقعة إحراجه أمام الفاتيكان يتطلع للتحليق بعيدًا فى قضية الوحدة بين الكنائس، ورأى فى تغيير لجان المجمع المقدس غايته.
حين زار بابا الفاتيكان مصر، وجد البابا تواضروس الفرصة سانحة لقبول معمودية الكاثوليك وتوقيع إتفاقية مع الفاتيكان، لمحو هذا الشقاق التاريخى بعد زيارات محبة متبادلة، حتى فوجئ بعاصفة من التيار التقليدى دفعته للتراجع عن توقيع الاتفاقية واستبدال لفظة قبول معمودية الكاثوليك بالعبارة "السعى نحو قبول المعمودية"، إذ هوجم البابا من الأنبا إبرام أسقف الفيوم والأنبا اغاثون أسقف مغاغا وراجت حملات ضده، عمل بعدها الأنبا إبرام إلى تقديم استقالته للبابا قيل وقتها إن ذلك بسبب رفضه توجهات البابا الانفتاحية، فى هذا الوقت كان الأنبا أبيفانيوس من كبار داعمى البابا فى المجمع المقدس ومعه مجموعة من أساقفة يميلون للبابا بالقلب والعقل.
الأنبا ابيفانيوس.. ذهب الرجل المؤمن بالكنيسة الواحدة
ثم جاء مايو الماضى ،وعملت الكنيسة على تسليم وتسلم مناصبها العليا، فانتقل الأنبا دانيال الذراع اليمنى للبابا نحو منصب سكرتير المجمع المقدس خلفا للأنبا رافائيل ، وجرى تغيير واسع فى تلك اللجان المجمعية، ثم ابتكر البابا منصب جديد للأنبا أبيفانيوس هو منصب مراقب الحوار اللاهوتى على أن يبدأ بموجبه حوارا مع الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة مثل كنيسة الروم الأرثوذكس، وهى المهمة التى كانت من مسئولية لجنة الحوار اللاهوتى التى يجلس على مقعدها الأنبا بيشوى منذ سنوات طويلة، أهم أساتذة اللاهوت التقليديين فى الكنيسة العريقة.
كل تلك المياه جرت فى النهر، حتى استيقظ الأقباط على حادث مقتل الأنبا أبيفانيوس المأساوى وما تلاه من ألغاز لم تنفك حتى اليوم.
الرهبان الذين أدخلهم البابا شنودة الدير بعد وفاة المسكين
نقلا عن موقع اليوم السابع
تعليق