تمام المنة ليس بالأكل والشرب في الجنة
·الثواب الأعظم :-
بداية أنا لا أنفي وجود الأكل والشرب في الجنة لأن هذا ثابت بإذن الله بالقرآن والكتاب المقدس ( له مقال مستقل ) وعقلاً ( وهذا ما سنقرأه بالسطور المقبلة ) ولكن ما أود أن أشير إليه بهذا العنوان أن الثواب المرجو عند المسلمين والدافع والحافز لعبادتهم هو إشتياقهم لرؤية الله جل شأنه وذلك ما يقره القرآن في قوله تعالى{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} (22) {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (23) سورة القيامة {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (26) سورة يونس والحسنى هي الجنة والزيادة هي رؤية المولى جل شأنه وإن أشد عقوبة هدد الله بها الكافرين ونعوذ بالله أن نكون منهم فنحرم حرمانهم العظيم وهو الحرمان من رؤية رب العالمين فقال تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (15) سورة المطففين فهنا التوعد بالحرمان ليس من طعام أو شراب أو نساء ولكن الحرمان من رؤية المولى عز وجل مما يدل على أن تمام المنة ليس بالأكل والشرب ونساء الجنة ولكن برؤية رب الجنة مما يدل على أن الإسلام لم يغفل غالجانب الروحي او يعطيه إهتماماً قليلاً بل جعله هو الأساس في الثواب وهو قمة العقاب .
·هل يجوز عقلاً وجود الأكل والشرب بالجنة :-
الشئ جائز وقوعه عقلاً إذا أنتفى عنه اعتراض يمنع وقوعه، فمثلاً جائز عقلاً أن أتكلم وذلك لعدم وجود ما يمنعني من الكلام ولكن إن كان هناك اعتراض يمنع الكلام فهنا لا يجوز عقلاً أن تتكلم وإذا أخبر شخص بذلك كُذِب .
فنبدأ من النهاية ما الأعتراضات التي توجه لوجود الأكل والشرب التي تحول وجوده .
في الحقيقة لا يوجد ما يمنع أو يحول عقلاً ولكن سنورد بعض كلامهم الساذج لكي لا يظن ظن أن هذا الكلام له أي معقولية تمنع من الرد عليه ولكن قبل إيراد الإعتراضات نسأل .
·كيف يصح الإعتراض أصلاً على وجود طعام وشراب بالجنة ؟
يصح الإعتراض إذا أحد دخل الجنة ورأى أن لا تشمل على طعام أو أن يخبره من رأها أو صنعها أو يصله الخبر بسند صحيح متصل عن أحدهما فهل عند النصارى شئ من ذلك أبداً والله ما عندهم منه من شئ ( بل على العكس إن كتابهم يثبت إشتمال الجنة على الطعام ) فإن كان ليس عندهم شئ صحيح يستندوا عليه في النفي فلا يحق لهم ذلك أصلاً لأنه أمر غيبي والأمر الغيبي لا يصح الإعتراض عليه بالعقل ولكن يثبت بالنقل فمثلاً شخص يصف لي قرية في الصعيد وأنا لم أذهب إليها وليس عندي خبر موثوق به عنها فهل يحق لي الإعتراض على كلامه أو أن أكذبه لا يحق لي بل ما يسعني هو تصديقه إلى أن يصلنا شئ مما ذكرنا من رؤية مباشرة أو خبر صحيح متصل السند للرائي ينفي كلامه فأكذبه أو أعترض عليه .
·الإعتراضات والرد عليها :-
هذا بعض كلامهم الساذج الذي لا يحق لهم أصلاً إن كان ليس ساذجاً قوله وذلك بناءاً على الفقرة السابقة نريده ونرد عليه .
1.الإعتراض : المتعة الحقيقية هي المعيشة مع الله وليس الأكل والشرب .
الـــرد : بداية هل يمنع من استمتاعي بوجودي مع شخص أن يحتفي بي هذا الشخص ويقدم لي المأكل والمشرب هل ينقص من متعتي أن أزور أخي ويقدم لي العشاء أم أنه يضاعف شعوري بالسعادة أن أخي أكرمني فالبعقل لا توجد أي وجاهه في هذا الإعتراض .
2.الإعتراض : الأكل للحفاظ على الحياة وأنا في الجنة لي جسد ممجد فلا أحتاج للأكل والشرب لأني مخلد .
الـــرد : الإعتراض به مغالطة أو جهل فإننا نتناول الطعام ليس للحفاظ على الحياة فحسب ولكن ما أغفله المعترض أننا نتناول الطعام من أجل المتعة وإلا لما لا نأكل البرسيم وهو مغذي ويحافظ على حياتنا ولماذا ننوع في الطعام إلا للمتعة ففي الجنة صحيح أننا لا نتناول الطعام للحفاظ على الحياة ولكن نتناوله للمتعة .
3.الإعتراض : الزواج لإبقاء النوع وذلك عن طريق النسل وفي الجنة لا حاجة لنا في ذلك لأننا خالدون .
الـــرد : هذه مثل سابقتها وإن كانت أظهر في المغالطة لأن الزواج ليس فقط لإبقاء النوع ولكن للمتعة أيضاً ويدل على ذلك وما أظهرة أن من المتزوجين لا يريد الإنجاب ومنهم من يتزوج وهو منجب ولا حاجة له في الإنجاب فما داعيه للزواج إلا المتعة .
ونهاية أنه لا يوجد مانع عقلاً من اشتمال الجنة على الطعام والشراب .
·هل من الحكمة الألهية أن يكون في الجنة أكل وشرب ؟
إن الحكمة الألهية قضت بذلك فليس من المعقول أن أعرض الثواب الروحي على من لا يتوجد عنده أي روحانية فيجب التدرج معه من عرض ثواب مادي ثم أُعده وأعلمه كيف تكون علاقته بربه فيرتقي روحياً فيسعى هو إلى الثواب الروحي فيشتاق إليه ويخشى ضياعه منه .
فمثلاً إن أردت أن أعلم رجلاً أمياً القراة والكتابة فهل من المعقول أقول له تعلم القراة والكتابة لأعطيك كتاباً لتقرأه مهما كانت قيمة الكتاب فهو لن يقدر قيمته إلا أذا كان يقرأ فوقتها يقدر قيمة الكتاب ولكن أعرض عليه أولاً حافزاً مادياً وليكن تعلم وخذ مبلغ من المال فسيسارع للتعلم فإن هذا الحافز يلائم رغباته وبعد التعلم يعرف قيمة القراة فيسعى إلى الثواب المعنوي فيقول هو إن أتقنت تعطيني كتاباً أقراه وبعدها يكون حافزي له معنوي .
·هل توجد أدله في الكتاب المقدس على اشتمال الجنة طعام وشراب ؟
- نعم أهمها :-
1.العودة إلى الأصل، أدم قبل الخطيئة ومع اتصاله بالله ووجوده معه كان يأكل ويشرب فحين أخطأ تغيرت طبيعته فمن البديهي عندما نتخلص من الخطيئة ويكافئنا الله أن نعود للأصل الذي كان عليه أدم قبل الخطيئة، وهذا الأصل كان مشتمل على جسد مادي يأكل ويشرب ولولا الخطيئة لظل كذلك .
2.بعد قيامة المسيح من الأموات ( على اعتقاد النصارى ) وهذا نموذج لقيامته بنص الكتاب أنه كان أول قيامة الأموات ( وهذا فيه نظر ) أي أول البعث أكل وشرب فما المانع إذن بعد أن نعود للجنة أن نأكل ونشرب .
تعليق