بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم :
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
من عظمة الإسلام أنه يُعطي كل ذي حق حقه حتى و لو كان من غير المسلمين و الآية الكريمة التالية نزلت حتى تُبريء يهودي من تهمة السرقة التي اتهم بها ظلما و زورا :
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا..... سورة النساء آية رقم 105
و القصة كالتالي كما وردت في تفسير الجلالين :
وَسَرَقَ طُعْمَة بْن أُبَيْرِق دِرْعًا وَخَبَّأَهَا عِنْد يَهُودِيّ فَوُجِدَتْ عِنْده فَرَمَاهُ طُعْمَة بِهَا وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا سَرَقَهَا فَسَأَلَ قَوْمه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَادِل عَنْهُ وَيُبْرِّئهُ فَنَزَلَ "إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَاب" الْقُرْآن "بِالْحَقِّ" مُتَعَلِّق بِأَنْزَل "لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه" أَعْلَمك فِيهِ "وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ" كَطُعْمَةَ "خَصِيمًا" مُخَاصِمًا عَنْهُمْ
و في تفسير الطبري :
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُم بَيْن النَّاس بِمَا أَرَاك اللَّه } ... إِلَى قَوْله : { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه } فِيمَا بَيْن ذَلِكَ فِي طُعْمَة بْن أُبَيْرِق وَدِرْعه مِنْ حَدِيد الَّتِي سَرَقَ , وَقَالَ أَصْحَابه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلنَّبِيِّ : اعْذِرْهُ فِي النَّاس بِلِسَانِك ! وَرَمَوْا بِالدِّرْعِ رَجُلًا مِنْ يَهُود بَرِيئًا .
و في الحديث الصحيح :
40289 - كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق قالها قال وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمى رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدي عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي إنه قد عدى علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم. قال وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح وإسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال أنا أسرق فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة. قالوا إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمى يا ابن أخي لو أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له. قال قتادة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- سآمر في ذلك . فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم ، يقال له : أسير بن عروة ، فكلموه في ذلك ، واجتمع في ذلك ناس من أهل الدار ، فقالوا : يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح ، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ، ولا ثبت . قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال : عمدت إلى أهل بيت ، ذكر منهم إسلام وصلاح ، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة ؟ . قال : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأتاني عمي رفاعة ، فقال : يا ابن أخي ما صنعت ، فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله المستعان ، فلم يلبث أن نزل القرآن . { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما } بني أبيرق ، { واستغفر الله } مما قلت لقتادة { إن الله كان غفورا رحيما . ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما . يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم . إلى قوله رحيما . أي لو استغفروا الله لغفر لهم . { ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه } إلى قوله { وإثما مبينا } – قولهم للبيد – { ولولا فضل الله عليك ورحمته } إلى قوله { فسوف نؤتيه أجرا عظيما . } فلما نزل القرآن أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة . فقال قتادة : لما أتيت عمي بالسلاح ، وكان شيخا قد عشا أو عسا – الشك من أبي عيسى – في الجاهلية ، وكنت أرى إسلامه مدخولا ، فلما أتيته قال : يا ابن أخي هو في سبيل الله ، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا . فلما نزل القرآن ، لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية ، فأنزل الله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا . إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } . فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر ، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح ، ثم قالت : أهديت لي شعر حسان ، ما كنت تأتيني بخير
الراوي: قتادة بن النعمان - خلاصة الدرجة: حسن - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3036
و هذه القصة موجهة للنصارى حتى يُفكروا فيها ليأخذوا العبرة و يعلموا أن الإسلام حق و يحكم بالحق ، فالحمد لله على نعمة الإسلام و كفى بها نعمة .
تعليق