من هو السامري ؟
بقلم : رشيد المليكي والاخ /هاشم
قال تعالى: {قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} (طه 20 : 85) .
يقول البعض: كيف يذكر القرآن "السامري" ولم يكن هناك سامريون في عهد سيدنا موسى عليه السلام, وإنما جاءوا بعده بمئات السنين حيث تسموا بهذا الإسم نسبة إلى مدينة "السامرة" التي بناها الملك عُمري؟ كما أن التوراة الحالية تقول بأن سيدنا هارون عليه السلام هو الذي صنع العجل!
الجواب:
أولا : يوجد فرق بين "السامرة_المدينة" وبين "السامرة_الإقليم" , السامرة كمدينة (وعاصمتها : شكيم) يذكر سفر الملوك الأول أن من بناها هو(عمري) احد ملوك إسرائيل(1 الملوك 16: 24-25), والحقيقة لا يعلم بضبط هل هو أول من بناها؟ , أم انه أعاد بناءها , كل ذلك يضل قيد الاحتمالات .
ثانيا : "السامرة_الإقليم" , وهي إقليم يضم عدة مدن, ومنها مدينة السامرة , ولا يعرف بالضبط متى أطلق هذا الاسم على هذا الإقليم .
ولكن أشار العهد القديم إلى هذا الإقليم لأول مرة أثناء ملك( يربعام) حينما أشير إلى وجود معابد في مرتفعات مدن إقليم السامرة (1 الملوك 13 : 32-33).
تقول دائرة المعارف الكتابية_تحت مادة(السامرة-الإقليم) :
}لم تظهر كلمة " السامريين " كتعبير سياسي إلا بعد هزيمة السامرة على يد الملك الأشوري سرجون الثاني فى 721ق. م. أما الاستخدام الوحيد لكلمة " السامرة " في العهد القديم للدلالة على إقليم السامرة ، فقد ورد في سفر الملوك الثاني ( 17: 24و29).{
وعليه فربما نسب "السامري" إلى(السامرة- الإقليم) لا إلى (السامرة- المدينة).
ثالثا : يرى البعض أن ""السامرة" تمثل الصيغة اليونانية لاسم "السامرية" والتي في الأصل هي "شومرون"."
““Samaria” represents the Greek form of the name Σαμάρεια Samareia; the original is שׁמרון shômerôn (margin)”
ويقول آدم كلارك المفسر المشهور:
"هذه الفقرة من المفترض أن تُقرأ "اشترى جبل شمرون من شومر و أطلق عليها اسم شمرون . . ."
"This should be read, “He bought the hill of Shomeron from Shomer, and called it Shomeron .
إذن فـ"السامرة" اسمها في العبرية "شمرون" و من ينتسب إلى هذه المدينة هو "شامروني= سامري" وعلى هذا الأساس فإنه يتبين لنا بأن لقب "السامري" الذي صنع العجل هو لقب قبيلة مشهورة في ذلك الوقت ، فالشمرونيون (أو السامريون) هم بنو شمرون بن يساكر بن يعقوب (إسرائيل) عليه السلام (يساكر هو أحد أسباط بني إسرائيل الإثني عشر)، كما يبين ذلك سفر الأرقام:
"بَنُو يَسَّاكَرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِتُولاعَ عَشِيرَةُ التُّولاعِيِّينَ. وَلِفُوَّةَ عَشِيرَةُ الفُوِّيِّينَ. وَلِيَاشُوبَ عَشِيرَةُ اليَاشُوبِيِّينَ. وَلِشِمْرُونَ عَشِيرَةُ الشِّمْرُونِيِّينَ." (الأرقام 26 : 23-24) . و هناك رأي آخر يقول أن (شمرون) مدينة أخرى غير (السامرة) , كانت حاضرة في أيام "يشوع" خليفة موسى_عليه السلام_ , تقول دائرة المعارف المسيحية ( مادة "شمرون" ) :
}أسم عبري معناه "ساهر أو متيقظ" ، وهو اسم :
1- الابن الرابع لساكر بن يعقوب ، من الذين نزلوا معه إلي مصر (تك 46 : 13 ، عد 26 : 24 ، 1 أخ 7 : 1) .
2- إحدى المدن الملكية في كنعان التي كانت في حلف مع يايين ملك حاصور للوقوف في وجهبني إسرائيل بقيادة يشوع . ولكن يشوع هزمهم هزيمة نكراء عند مياه ميروم ، واستوليعلي مدنهم (يش 11 : 1-20 ، 12 : 20) . وقد وقعت المدينة بعد ذلك في نصيب سبط زبولون (يش 19 : 15) وتسمي أيضا "شمرونمرأون" (يش 12 : 20) ، ولا يُعلم موقعها الآن بالضبط{ _
وعليه فـ (السامري) هو شخص انتسب إلى هذه المنطقة أو السبط , فحور اسمه إلى العربية , ومن ضمن تحوير الأسماء من العبرية إلى العربية , تحويل "الشين" العبري, إلى "السين" العربي (موشى= موسى , يشوع = يسوع , شالوم= سلام).
ثالثا : إن الشخص الذي صنع العجل كان حارسا على مخيم بني إسرائيل , ومراقبا فيه ,وقد استطاع أن يلاحظ اثر الرسول ( المرجح أن المقصود به "ملاكا" ) , ثم قام بعملته , فهو حارس المخيم , وكلمة حارس تعني بالعبرية ( شامر) , راجع دائرة المعارف الكتابية ( مادة " شامر"). وتم تحوير اللفظ من العبرية إلى العربية "شامر = سامري" كما عرفنا سابقا . وعليه فان موسى كان يقول" ماذا فعلت يا "شامر"؟ أي "ماذا فعلت أيها الحارس؟
رابعا : ان الاعتماد على كتب (اهل الكتاب) في القصص والإخبار جائز , فقد وجه الله _سبحانه_ مشركي مكة إلى سؤال أهل الكتاب بسبب شكهم في "نبوة محمد"_عليه الصلاة والسلام_ فقال لهم :
قال تعالى: (بَلْ قَالُوَاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأوّلُونَ .مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ. وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوَاْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (الأنبياء - الآية:4_7).
و كلمة " الذكر" من الكلمات العامة التي تطلق كصفة ولكن بحسب السياق , وهي هنا يقصد بها "الأمم السابقة التي جاءتها الرسل , مثل اليهود و النصارى , وغيرهم . ولكن أهل الكتاب كانوا اقرب إلى كفار قريش فالتوجيه عام لمن شك في النبوة , وخاص بأهل مكة"
يقول المفسرون :
} يقول تعالى رادًا على من أنكر بعثة الرسل من البشر " وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " أي جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر لم يكن فيهم أحد من الملائكة كما قال في الآية الأخرى " وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " وقال تعالى " قل ما كنت بدعا من الرسل " وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم لأنهم أنكروا ذلك فقالوا " أبشر يهدوننا " ولهذا قال تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " أي اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف هل كان الرسل الذين آتوهم بشرا أو ملائكة وإنما كانوا بشرا وذلك من تمام نعمة الله على خلقه إذ بعث فيهم رسلا منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم.{_تفسير ابن كثير.
وبرغم جواز الأخذ منهم إلا أننا نأخذ بحذر . ليس بسبب الاختلاف الديني , ولكن بسبب الشك في مصداقية وعلمية تلك الكتب . وذلك لأن بها أخطاء كثيرة ومنكرات جسيمة ، وخاصة في موضوع الأسماء. وكمثال بسيط :
التناقض في أسماء زوجات عيسو ، فعيسو هو ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وهو الأخ الأكبر لسيدنا يعقوب عليه السلام. تزوج عيسو ثلاث زوجات (اثنان كنعانيات أو حثّيّات والثالثة بنت عمه سيدنا إسماعيل عليه السلام).
ولكن المشكلة تكمن في التحيّر والتناقض الواضح في أسمائهن، فهل كانت زوجته بسمة ابنةً لإيلون الحثي؟
أم كانت ابنةً لإسماعيل ابن الخليل إبراهيم عليهما السلام؟ وهل زوجته ابنة إسماعيل هي محلة أم بسمة؟
وهل كانت ابنة إيلون هي بسمة أم عدا؟ وهل كانت أحد زوجاته الثلاث يهوديت أم أهوليبامة؟
وهناك تناقض آخر هو هل كان (عنى) ذكراً أم أنثى؟
1_"ولما كان عيسو ابن أربعين سنة اتخذ زوجة يهوديت ابنة بيري الحثّي وبسمة ابنة ايلون الحثّي." . . ."فذهب عيسو الى إسماعيل واخذ محلّة بنت إسماعيل بن إبراهيم أخت نبايوت زوجة له على نسائه" (التكوين 26 : 34 ، 28 : 9)
2 _ "أخذ عيسو نساءه من بنات كنعان. عدا بنت إيلون الحثّي وأهوليبامة بنت عنى بنت صبعون الحوّي: وبسمة بنت إسماعيل أخت نبايوت." (التكوين 36 : 2-3)
3 _ "وهذان ابنا صبعون أيّة وعنى. هذا هو عنى الذي وجد الحمائم في البرية إذ كان يرعى حمير صبعون أبيه. وهذا ابن عنى ديشون. وأهوليبامة هي بنت عنى." (التكوين 36 : 24-25)
ولهذا فإنه لا يعتمد على كتبهم كامل الاعتماد . وما جاء القرآن إلا لأنه مهيمناً على الكتب السابقة ومبيناً للحق الذي غيره الناس وحاشا لنبي كريم مثل سيدنا ومولانا هارون عليه السلام أن يأمر بعبادة غير الله تعالى أو أن يصنع صنماً .
روى أبو داود في سننه :
3644ـ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني ابن أبي نملة الأنصاري، عن أبيه أنه بينما هو جالس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعنده رجلٌ من اليهود مرَّ بجنازة فقال: يا محمد، هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "اللّه أعلم" قال اليهودي: إنها تتكلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا باللّه ورسله، فإِن كان باطلاً لم تصدقوه، وإن كان حقّاً لم تكذبوه"._السلسة الصحيحة للألباني"رقم 422"_المجلد الأول.
وهذا الموقف إنما يكون فيما لم ينزل به شيء , أما ما نزل به الوحي فقد حسم أمره , وأما ما اتفقا عليه فلا حرج , وهو من نوع ما تواتر في الأمم التي بعثت فيها الأنبياء و الكتب , مثل الاتفاق أن الله تعالى إنما بعث بشر رسل ولم يبعث ملائكة , ولذلك لفت الله نظر المشركين أن يسالوا الأمم السابقة التي بعث فيها الأنبياء (وأهل الكتاب يومئذ اقرب لهم) لكي يعلموا أن الله تعالى لم يرسل غير البشر. وذلك أنهم اعترضوا كيف أن الله تعالى يرسل بشرا ولم يرسل ملاكا من السماء. وقد أخطاء من استدل بهذه الآية على أن الأنبياء رجال فقط, وأنهم ليس فيهم نساء, للأسباب التالية:
1-أن سبب نزول الآية يوضح أن ما يريده الله تعالى هو نفي إرسال الملائكة.
2-أن القران الكريم استخدم لفظ(الرجال) بمعنى "مجموعة من الناس" مثل قوله تعالى: (وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) [الأعراف: 46]
3-أن الله تعالى ذكر في آية أخرى يفهم منها جواز وجود أنبياء من النساء, قال تعالى:(رَفِيعُ الدّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التّلاَقِ) [سورة: غافر - الآية: 15]
*ولكن هناك بالمقابل رأي يقول انه من الممكن أن يرسل الله تعالى ملائكة إلى نساء صالحات لسبب شخصي (مثل أم موسى وأم عيسى ولا يطلق عليهن "أنبياء " بل بالأحرى "صديقات" . )
تعليق