الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على سيد المرسلين و الرحمة المهداة للعالمين والأسوة الحسنة للمربّين وعلى آله وصحبه أجمعين ولو كره الكافرون.
مند أن بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وأعداؤه يحاربونه بكل الوسائل التي تتاح لهم. فقد بدأت قريش بالحوار والمهادنة معه صلى الله عليه وسلم. حينما أرسلوا إليه جَدّه عبد المطلب وخيّروه بأن يملّكوه إن كان يريد ملكا و إن كان يريد مالا أعطوه حتى يصبح أغناهم, وكل ذلك من أجل أن يسكت عن الدين الجديد.ولكنه صلى الله عليه وسلم قال كلمته التي سجلها التاريخ من ذهب" و الله لو وضعوا الشمس عن يميني و القمر عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه." فحسم المسألة و قطع الطريق على كل المساومين. وأدركت قريش أن الأمر أكبر مما كانت تتصور, إذ كيف بمحمد صلى الله عليه وسلم أن يبدي هذا التحدي وهو لا زال في مهد دعوته , من هنا بدأت المواجهة تأخذ منحا جديدا وهو التهديد والترهيب بل وصلت المسألة إلى التعذيب و التنكيل وإخراج المؤمنين من ديارهم وفرض الحصار عليهم – وهو ما نراه إلى يومنا هذا وآخره قطاع غزة – والله المستعان-
وعندما فشلت تلك الحرب الضروس ضد مؤمني مكة, رأى الكفار أن يضيفوا منهجا جديدا - أقل كلفة كما نقول بمصطلح العصر- وهو محاولة تشكيك الناس في صدق الرسول الجديد صلى الله عليه وسلم , لعل الناس الذين لا يعرفونه من قريب أن يبتعدوا ولا يهتموا برسالته. فبدئوا يرسلون إليه من يحاوره في القرآن الكريم , لكنهم سرعان ما انهزموا والكل يعرف قصة الوليد بن المغيرة وكان من أفصح الشعراء وأبلغهم بيانا وأعلمهم بشعر العرب, فخَيَّر الرسولَ صلى الله عليه وسلم بين الزواج أو المال وحتى المُلك – كما قلنا من قبل- وعندما انتهى قال له الرسول صلى الله عليه وسلم "هل انتهيت. الآن أتكلم " وقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم سورة فصلت 13 حتى وصل إلى الآية الكريمة {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}فقال الوليد أنشدك الله و الرحم يا محمد أن تسكت. فسكت الرسول صلى الله عليه مسلم. ثم رجع الوليد إلى قريش ولما سألوه عما سمع قال" و الله إن فيه لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلو ولا يُعْلى عليه وإنه ليحطم ما تحته" و فكر مليا ثم قال قولوا للناس إنه ساحر.- وقد أنزل الله تعالى فيه آيات تتلى إلى يوم القيامة. ولكن ليست باب القصيد في موضوعنا- وعند فشلهم بدؤوا ينعتونه بكل الأوصاف فمن شاعر لساحر ومنها لكاهن مع أنها أوصاف لا يمكن أن تجتمع في شخص واحد لأن الساحر لا يمكن أم يكون شاعرا, فالأول لا إنسانية فيه ولا رحمة و لا شفقة في حين أن الثاني كله أحاسيس مرهفة و عواطف جياشة. ولكن الهزيمة والخذلان جعلتهم لا يدركون ما يقولون.
وإني لأرى الحكاية نفسها تتكرر في عصرنا هذا حيث أن الغرب الصليبي استعمر العالم الإسلامي في القرن19 وحتى النصف الأول من القرن 20 فكانت كل المحاولات الاستعمارية تتجه نحو محو السّمة الدينية من المجتمع الإسلامي. وبعد أن خرج منه تركه مجتمعا متخلفا علميا ومبتدعا عقديا إذ كان المستعمر لا يترك من الشعائر إلا ما هو خطأ و مناقض للتعاليم الدينية الصحيحة... ولكن سرعان ما رجعت الأمة لدينها وظهر من المؤمنين رجال من القرآن الكريم ومن تربية الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم.وبعد أن كانت المساجد مملوءة الشيوخ والأئمة من حَملة القرآن دون العلم به. بدأ الشباب يملأ بيوت الله و بدأت السنّة تحيى من جديد. ورجعت المرأة لحجابها.وانتعشت المساجد بالأئمة الربّانيين الحاملين لكتاب الله و العالمين بأحكامه و المطبقين لها , مما قضّ مضاجع الغرب الصليبي من جديد. إذ رأى أن تلك السنوات الطويلة من الحرب على الإسلام ذهبت أدراج الرياح, وأن العملاق كما يسمّونه بدا يتحرك من جديد. فأعلنوا الحرب, ولكن طبعا بوسائل جديدة منها إقناع العالم أن الإسلام دين إرهاب وحقد وكراهية للآخر. وحدث ما حدث بعد 11 سبتمبر التي أُلْصِقت بالمسلمين بهتانا وعدوانا. وفتح الغرب الصليبي لنفسه الباب على مصراعيه لضرب المسلمين بكل قوة وبكل الأسلحة الغير الشرعية و الممنوعة دوليا , فما دام المسلمون هم الضحية فلا أسلحة تُمْنع ولا قوانين تُذْكر...
ولكن ظهرت مشكلة أخرى وهي أن ألإسلام الذي أرادوا حصره في العالم العربي و الإسلامي , يفاجئهم بأنه تجاوز الحدود ليصل إلى أغلب مناطق أوربا وأمريكا بل وحتى واشنطن التي وقعت فيها أحداث 11 سبتمبر. وأصبحنا نرى غربيات بالحجاب وشبابا أوربيا بالمئات يسلم ويؤدّي فريضة الحج . ويعتبر الإسلام بحق الدين الذي بيده حل ّ مشاكل العالم و تحقيق السلم و السلام الحقيقيين . فحاول الصليبيون مرة أخرى - وهم في الحقيقة لم يتوقفوا أبدا ولكنهم يغيرون أساليبهم فقط - فخرجوا لنا قبل سنوات بباطل سموه "الفرقان الحق " وكان كله باطلا ولكن لم يجد لا إقبالا ولا آذانا مع أن وسائل إعلامهم طبّلت له وكأنه أكبر تحدٍ يواجه قرآن المسلمين. و اليوم لا نكاد نرى أحدا يتحدث عنه. فلم يبق لهم سوى ما فعله كفار قريش من قبلهم وهو الإساءة و الشتم واتهام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما ليس فيه من صفات الكل يعرفها. مما يدلّ على إفلاسهم في النيل من الإسلام و رسوله صلى الله عليه وسلم بالحجة الدامغة و البرهان العلمي. فكلما تناظر اثنان وانهزم أحدهما قفز هذا الأخير للتغطية على هزيمته إلى الصياح و الشتم وهو في الحقيقة إعلان عن الهزيمة ليس إلاّ. وهذا ما وقع لكل الذين أرادوا النيل من شخص الرسول صلى الله عليه سلم.
إذ سرعان ما ظهر فشلهم فهربوا إلى الأساليب التي ذكرنا. لذلك لم يبق لهم سوى تشويه صورته بالرسوم الكاريكاتورية لعلها تغيّر من الرأي العام الأوربي, خاصة وأننا نعلم مدى تأثر الناس بالإعلام الذي يملك أساليب التأثير بشكل رهيب. كما أن الصورة قد تؤثر في الشخص لسرعة التصاقها بالذهن و خفة رسالتها. فلم يبق لهم من الأساليب إلا الصور.لأن الحوار كان في صالح الإسلام. والمناظرة بالحجة و الرهان كانت في صالح الإسلام, والكذب والتزوير لم يفلحا في شيء. والإسلام بدأ يغزو أوربا وأمريكا وبدون سيف أو إراقة دماء كما يدّعي أعداء الإسلام.وهذا كذلك كان من أشدّ ما واجهه الصليبيون إذ كانت أكذوبة انتشار الإسلام بحد السيف تفي بالغرض في كثير من الحالات. وهاهو اليوم الرأي العام العالمي يرى كيف أن الإسلام ينتشر بين بلدانه بدون سيف ولا حرب ولا إرهاب.ولم يرسل المسلمون ولو جنديا واحدا. بل يرى الغرب نفسه كيف أنه هو المعتدي على المسلمين. ومع ذلك لا زال المسلمون يعرضون الإسلام على الغرب نفسه بالتي هي أحسن. وتلك من أوامر ديننا الحنيف. فلم يجدوا سوى الشتم والصور وهو الإعلان الرسمي لهزيمة الكفر بإذن الله. ولكن كيف الوصول إلى من رفع الله ذكره . وتكفل بتربيته وحفظ رسالته. و الآيات في هذا الباب كثيرة لكنها جُمِعت في واحدة {وأنك لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4
وكثيرا ما نسمع قائلا يقول أن الذين يسيئون للرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرفونه ولو أنهم درسوا سيرته لما فعلوا ذلك . أجيبه على الفور أنه مخطئ . لأنهم اختاروه هو بالذات صلى الله عليه سلم من بين كل الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن بين كل المسلمين. وما فعلوا ذلك إلا لأنهم يعرفون أنه هو القدوة والمربّي. كما أنهم يبرّرون جرائمهم تلك لأن محمدا صلى الله عليه وسلم في نظرهم إرهابي و سفّاك دماء وأن الإسلام الذي جاء به دين عنف وشدة وإكراه. وأنه جاء بالقتل وسفك الدماء وإذلال المرأة وغيرها من التهم التي لا تخفى على أحد. ويكفينا قول المولى عزّ و جلّ في محكم تنزيله في هذه القضية {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146
وقد يسأل آخر ولماذا يتجرؤون على الرسول بهذه البساطة تحت مسمى حرية التعبير وحرية الصحافة وهم يعرفون مكانته في نفوس المسلمين؟
والجواب هو أن أناسا من بني جلدتنا محسوبين على الإسلام وبأسماء عربية, فتحوا لهم الباب على مصراعيه إذ لا يتورّع هؤلاء في نقد تعاليم القرآن , بل يرفضون كل ما هو إسلامي ويجاهرون بمحارته. هؤلاء الذين يصفق لهم الغرب ويجزي لهم العطاء ويرسل إليهم الدعوات في كل مناسباته وحفلاته فظنوا أنهم محبوبون لديه وهم و الله ليسوا سوى وسيلة في أيادي أسيادهم يحركونهم حسب الظروف و المصالح. هؤلاء هم الذين حدثنا عنهم القران الكريم في قوله تعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120 هؤلاء هم الذين شجّعوا الغرب الصليبي على فعلته الشنيعة أو على الأقل سهّلوا الأمر عليه. أما ما يدّعون من أن هذا وقع تحت حماية القانون الذي يكفل لهم حرية التعبير والصحافة أقول لهم لماذا تكيلون بمكيالين فالحرية لكم في الطعن في المقدسات الدينية للمسلمين و شتم رسولهم , ولكن الويل كل الويل لكل من شكّك في أسطورة الهلكوست أو حتى أشار إليها مع أنها حدث تاريخي . وانظر إلى جبن هؤلاء أمام المنظمات الصهيونية التي تتحكم في إعلامهم وتحِلّ لهم ما في مصلحتها وتحرّم عليهم ما سيفضحها أمام العالم. فالجميع يعلم أن قصة الهلكوست مختلقة و ملفقة و مُبالَغ فيها وتستغلها المنظمات الصهيونية لاستبزازالحكومات الأوربية. ومع ذلك فالكل صامت, ولا أحد يجرأ على قول الحقيقة مع أن تاريخ وقوعها ليس بالبعيد مما يعني صعوبة الكذب فيها .وصدق من قال : ضرب امرئ واحد مسألة لا تُغْتفــــــــــر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر .
وصل اللهم وسلم على سيدنا وقدوتنا محمد خاتم الأنبياء وإمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ولو كره الكافرون. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تعليق