من يتق الله
تعرف ” التقوى ” بأنها الهروب و الإبتعاد عن إغضاب الله عز و جل خوفا منه سبحانه و تعالى و خوفا من عقابه .
ولقد حدثنا القرآن الكريم كثيرا عن ” التقوى ” و مظاهرها و نتائجها فى الدنيا و الآخرة , بل ووضح لنا القرآن تعريفها و معناها .
وأبدأ الحديث عن تقوى الله عز وجل بتعريف القرآن لمفهومها و معناها .
ففى سورة البقرة يقول سبحانه و تعالى عن التقوى أنها خير ما يتزود إبن آدم خاصة فى الحج :
” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) ” .....
كذلك يحدثنا القرآن بمظاهرها و تعريفها ليعلمنا أن من مظاهرها ” العفو ” :
” وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) ” ....
وعلمنا الله عز و جل كذلك أن القسط و العدل و شهادة الحق هى كذلك من معالم التقوى :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) ” ( سورة المائدة )............................
وأن من مظاهره الإصلاح فقال عز وجل فى سورة النساء :
” وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) ”..............................
وأن المتقين هم من تلفت أنظارهم و عقولهم آيات الله فى الخلق , فقال سبحانه و تعالى فى سورة يونس :
” إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)” .....
وأن تعظيم و توقير شعائر العبادة و إحترامها أيضا من مظاهر التقوى , بل هى من علامات تقوى القلوب , أى أن من مظاهر التقوى ما هو ظاهر للناس عيانا من تصرفات المسلم و منها ما لا يعلمه إلا الله , بين الله سبحانه و تعالى و عبده :
” ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ” ( سورة الحج ) ..................
ويخبرنا الله سبحانه و تعالى أن تقوى القلوب من أعظم ما يتصف به المؤمن فيقول عز و جل فى نفس السورة :
” لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)”.
ومثلما علمنا القرآن الكريم معناها فكذلك أطلعنا على جزاء من يتق الله , فجعل الله سبحانه و تعالى التقوى من أسباب النجاة من كيد الكائدين من المنافقين و الكافرين فقال عز و جل فى سورة آل عمران :
” إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) ” .............
بل جعلها الله عز و جل من أسباب النصر و التثبيت فكانت سببا لنزول الملائكة فى عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم لدعم المسلمين فى القتال , فقال سبحانه و تعالى فى كتابه العزيز فى نفس السورة :
” بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) ” , رابطا الصبر بالتقوى فجعل الصبر من مظاهر و علامات التقوى .........
وبشرنا سبحانه و تعالى فى القرآن بالجزاء العظيم لمن يتق الله عز وجل , فقال سبحانه و تعالى فى سورة آل عمران :
” فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) ” .
وجعلها الله سبحانه و تعالى سببا لمغفرته عز و جل لعباده الذين يتقونه و سببا لتكفير ذنوبهم بل جعلها الله عز و جل سببا لمساعدته لعباده المتقين على التفرقة بين الخير و الشر فقال سبحانه و تعالى فى سورة الأنفال :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) ” .
وكذلك فى سورة الحجرات :
” إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) ” .
وجعلها الله سبحانه و تعالى من أسباب تقبله عز و جل للعمل الصالح فقال سبحانه فى سورة المائدة على لسان ” هابيل ” :
” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) ” .
و لا جزاء يعادلها حقا إلا جزاء الآخرة :
” وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) ” ( سورة الأنعام )
” وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)” ( سورة الأعراف )
” وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) ” ( سورة يوسف ) ........................................
وجعلها الله سببا لنزول رحمته سبحانه و تعالى كما قال فى سورة الأعراف :
” وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) ” .
وكذلك هى سبب لتبشير المؤمنين بالخير فى الدنيا و الآخرة :
” الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ” ( سورة يونس ) ...
وسببا للنجاة من الشر و الأذى :
” وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) ” ( سورة النمل ) .........
” وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) ” ( سورة فصلت ) ........
وفى سورة واحدة وهى سورة الطلاق وفى أربعة آيات متتالية جعل الله سبحانه و تعالى التقوى من أسباب الخروج من الأزمات و سببا للرزق و سببا لتيسير الله عز و جل للعبد التقى و سببا للمغفرة و تكفير الذنوب و مضعفة الثواب , فقال عز و جل :
” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) ” .............
فما أعظم قيمة التقوى و مقامها فى الإسلام
فهى الدافع الحقيقى الذى يجعل المؤمن يحسن فى كل شئ
فيتقن عمله و يحسن لغيره و يراعى حرمات الغير و يحترم حدود الله عز وجل و شرائعه و شعائر عبادته .
و صدق الله العظيم الذى قال ” وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)” ( سورة طه ) ..........................
وشكرا على سعة صدوركم و صبركم
جزاكم الله خيرا .................................................. .....................................
تعليق