بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا مسلمين ، والحمد لله الذي جعل من عقيدتنا حب الأنبياء و المرسلين جميعا والحمد لله الذي جعل حب الصحابة سمة نمتاز بها
هذه رحلة عبر التاريخ نعيش فيها لحظات مع رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم، ولكني بداية أعتذر له ولكم عن قصوري عن توفيته حقه وعجزي عن أن أقدره قدره.. كيف وهو خير الورى وأفضل من وطئ الثرى؟ كان بين المرسلين علمًا، وبين الناس معلمًا، وللمؤمنين قدوة وأسوة ومعلمًا.
ذاك الداعية العظيم، والنبي الكريم؛ الذي جاء إلى هذه الأمة الضعيفة المنهكة، المتحاربة المتفرقة، فجمع بالإسلام شتاتها، ووحد بالتوحيد كلمتها وصفها، ورفعها بالإسلام فوق الرؤوس، أنا وأنت وأبي وأبوك، وجدي وجدك لم يكن لنا تاريخ، بل كنا أذل أمة، أمة تأكل الميتة وتشرب الخمر وتأتي الفواحش وتطوف بالأصنام وتعبد الأوثان؛ حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام، فأخرجنا من ظلمات الكفر إلى أنوار الإيمان، ومن ذل المعاصي إلى عز الطاعة، وأخذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا إلى الله رب العالمين.
إن البرية يوم مبعث أحمد *** نظر الإله لها فبدل حالها
قد كرم الإنسان حين اختار من *** خير البرية بدرها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة *** جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحـوه *** لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
بعد 23 عامًا من بعثته خرج أصحابه من هذه الجزيرة لا بدبابات ولا بصواريخ وإنما خرجوا بلا إله إلا الله فتفتحت أمامهم البلاد ودانت لهم رقاب العباد، فسبحان من حول هؤلاء من السلب والنهب إلى الوئام والحب
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الجمعة:2]. {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:164].
هو منة الله الكبرى على المؤمنين، ورحمته العظمى التي أرسلها للعالمين.
هو دعوة أبيه إبراهيم حين قال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة:129].
وبشارة أخيه عيسى في قوله: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:6]
ورؤيا أمه آمنة حين رأت أنه خرج منها نورًا أضاءت له قصور كسرى وقيصر كما أخبر بذلك عن نفسه.
عندما ولد تزلزلت عروش الكفر فتصدع إيوان كسرى وسقطت بعض شرفاته وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، وكانوا يعبدونها من دون الله وهي التي لم تطفأ منذ ألف عام.
وكذلك اهتز الفلك لمبعثه وبداية قيادته للعالم، فبدأت السماء ترمي الشياطين بالشهب واللهب حتى لا يتسمعوا إلى الوحي كما كانوا يتسمعون إليه قبل بعثته.
وبمبعثه أغلقت الجنة أبوابها فلا تفتح إلا من طريقه، ولا يدخلها إلا أتباعه ومحبوه: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من جثى جهنم".
ما بين قول الله له: {اقرأ}، إلى قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} عاش النبي صلى الله عليه وسلم حياة النبوة والرسالة:
عالما من العبادة: الصلاة، الصيام، الذكر، الجهاد.
عالما من الزهد: في مسكنه، وفي مطعمه، وفي ملبسه، وفي ميراثه.
عالما من المعجزات: الجذع، الاستسقاء، القمر، الطعام.
عالما من الأخلاق: في صبره، وتواضعه، وشجاعته، وكرمه.
عالما من التربية: مع المرأة، مع الأسرة، مع الزوجة، مع الطفل.
عالم من العبادة
أما عن صلاته: فحدث ولا حرج، كان يقرأ في الركعة الواحدة بالبقرة والنساء وآل عمران، فيقف عند كل خير فيسأل الله وعند كل آية عذاب فيستعيذ بالله ويسأله عفوه، ثم يركع فإذا ركوعه قريبًا من وقوفه، ويرفع مثل ذلك ويسجد نحوًا من ذلك.
وكان يصلي لله حتى تتشقق قدماه، وتتفطر دمًا، فإذا سئل عن ذلك قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟".
فيا من تزهدون في الصلاة وتستعجلون الخروج منها ليكن لكم في رسول الله أسوة حسنة.
وأما صيامه:
فكان يصوم الأيام والليالي المتواليات مواصلاً لا يأكل في ليل ولا نهار،
فيقول له أصحابه: إنك تواصل – يريدون أن يفعلوا مثله – فقال: "إني لست مثلكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".
قال ابن القيم:
لا يطعمه طعامًا حسيًّا وإلا لم يكن صائمًا، وإنما يطعمه اللطائف والمعارف والحكم والفتوحات الربانية.
فقوت الروح أرواح المعاني *** وليس بأن طعمت وأن شربت
لها أحاديث من ذكراك تشغلها *** عن الطعام وتلهيها عن الزاد
وأما جهاده:
فهو البطل المقدام والشجاع النحرير، يفر الكماة والأبطال وهو ثابت لا يفر، هل سمعتم أنه فر يومًا من الأيام؟
فر عنه أصحابه يوم أحد فبقى في نفر قليل لم يتراجع ولم يتزعزع، وفروا عنه يوم حنين فجعل يضرب وجوه الكفار وحده ويقول: "أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب".
يقول عليٍّ:
كنا إذا اشتد الكرب وحمى الوطِيس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون أقربنا من العدو.
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة *** أدبت في هول الردى أبطالها
وإذا نطقت صدقت فيما قلته *** لا من يكذب فعلها أقوالها
تمر بك الأبطال ترمى هزيمة *** ووجهك وضاح وثغرك باسم
عالم من الزهد:
أما مسكنه:
فيحدثك عن الحسن البصري يقول:
دخلت حجر بيوت النبي ولو شئت أن أمس السقف بيدي لمسسته.
دخل عليه عمر فلم يجد في البيت شيئًا يرفع إليه البصر ووجد الحصير قد أثر في جنبه الشريف،
فبكى وقال: يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيماهم فيه من النعمة وأنت رسول الله وهذا حالك؟
قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!
وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "ما لي وللدنيا وما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها".
أما طعامه:
فتقول عائشة رضي الله عنها:
"مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع نساؤه من خبز الشعير 3 أيام، وكان يمر اليوم واليومان ولا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يملأ به بطنه من الدقل.
وقالت رضي الله عنها لعروة بن الزبير:
كان يمر الهلال تلو الهلال تلو الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ولا يوقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار.
قال: فما كان طعامكم يا خالة؟
قالت: الأسودان التمر والماء.
وأما ميراثه:
فمات ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل طعام يطعمه لأهله.
هذا وهو الذي ملك الدنيا ولكنه زهد فيها ووزعها على أتباعه فأعطى رجلاً مائة من الإبل وذاك مائة، وأعطى رجلاً مرة غنمًا بين جبلين،
وفي الأخير قال:
نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
تبع إن شاء الله
تعليق