الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ..
فعلى المرة الثانية على التوالي السادسة في تاريخ مصر فاز الفريق المصري الأول لكرة القدم ببطولة كأس الأمم الإفريقية 2008 م التي أقيمت بغانا ، وقد عمت الفرحةُ أغلبية الشعب المصري ، وخرجت الجماهير إلى الشوارع المصرية ؛ لتعبر عن فرحتها وسعادتها بهذا الفوز!! ، بل وخرجت أيضا قطاعات من الجماهير العربية غير المصرية كبعض جماهير شعب غزة ؛ لتعبر عن فرحتها بفوز منتخب مصر ، خاصة بعد الموقف الذي صنعه اللاعب محمد أبو تريكة !...
وفي الحقيقة لا نستطيع أن ننهى الشعب عن الفرحة بالفوز ، فهذا من سابع المستحيلات ! ، لكن نريد أن نضع الأمور في موازينها الشرعية ، وأن نرد الحدث إلى شريعة ربنا جل في علاه ، وأن نسلم لها كما قال تعالى في سورة النور: ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) ) وإليكم - إخواني الأحباب - بعض الوقفات الشرعية السريعة ...
1 - نبذة سريعة عن أحكام السبق :
حث الإسلام على قوة البدن و الاهتمام بصحته ، لذلك فإن الرياضة من الأمور المشروعة في الإسلام ودلت على ذلك نصوص كثيرة ليس هذا موضع بسطها ،وذلك إذا انتوى المرءُ بها المرء نية صالحة ، ولم تكن اللعبة محرمة في حد ذاتها ، ولم تشمل على محرم ، ولم يغلب على الظن تأديتها إلى محرم، هذا لا إشكال فيه ...
لكن الإشكال يكمن في السَّبَق - بفتح السين والباء -و هو الجوائز التي تُعطى للفائزين وله صور ثلاث :
أ - أن يكون من جهة مستقلة عن اللاعبين كالسلطان ونحوه ....
ب - أن يكون من أحد اللاعبين بأن يقول أحدهما للاّخر إن سبقتك فليس لي شيء وإن سبقتني فلك كذا ..
ج - أن يكون المبلغ مدفوعا من اللاعبين إلا واحدًا ومن فاز أخذ المال كله :
مثال : المتسابقون هم : محمد - زيد - عمرو - عمر - أحمد ...
سيدفع كل واحد منهم عدا محمد عشرة جنيهات مثلًا ومن فاز- بمن في ذلك محمد - فإنه سيأخذ الأربعين جنيهً ، فهذا جائز عند الجماهير خلافًا للمالكية رحمهم الله ، شريطة أن لا يكون محمد واثقا من النصر ، بأن كانت فرسه مثلًا لا يُسبق مثلها أو نحو ذلك ، فإن كان واثقا لا يحل بالإجماع...
هذا هو معنى السبق الذي يقصده الفقهاء ..
أما إن أخرج جميع اللاعبين مالًا على أن يأخذها الفائز فهذا محرم عند جماهير أهل العلم خلافًا للإمامين ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله ...
- وللعلماء فيه - أي في الصور الثلاث - أقوال منها:
1 - عدم جوازه إلا في سباق الخيل أو الإبل أو الرمي بالسهام ، وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنابلة والمالكية وغيرهما، وحجة الجمهور في ذلك ما رواه الإمام أحمد رضي الله عنه وبعض أصحاب السنن بسند حسن صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر ) ..
والخف هو الإبل والنصل السهم ذو النصل والحافر ...
2 - عدم جوازه إلا فيما يكون عونًا على الجهاد ، فإن الجامع للخف والنصل والحافر كونها من عدد الجهاد ، فما كان من عدد الجهاد أيضا ، جاز فيه السبق ، وهذا هو المعتمد عند الشافعية ورواية عند الحنابلة..
3 - عدم جوازه إلا فيما فيه مصلحة للدين عموما سواء في الجهاد أو غيره كطلب العلم ونحوه وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى ( ج4 ص418 - طبعة دار القلم - بيروت - لبنان ) ...
4 - جوازه في كل شيء مباح وهذا قد رُوي عن عطاء رحمه الله ...
ولم أرَ إسنادًا إلى عطاء بذلك، بل ذكر ذلك الشيخ المطيعي رحمه الله في تكملة المجموع ( ج15 ص131) كما نقله أيضا عنه الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار ( ج12 ص381 - المكتبة الشاملة ) ..
ولعل الأقربَ والله أعلم هو القول الثالث فكل ما فيه مصلحة للأمة الإسلامية جاز السباق عليه بعوض ، أما مالم يكن فيه منفعة فيجوز دون عوض مالم يكن محرمًا في حد ذاته ، أو اشتمل إلى محرم ، أو غلب على الظن أنه سيؤدي إلى محرم ، ويكره الإكثار منه ، فعلى هذا فإن السبق على كرة القدم الراجح فيه الحرمة؛ فليس صابًا في مصلحة الأمة ، بل قد يصب في الاتجاه العكسي ! مع ما تشتمل عليه الكرة في وضعها الحالي من بعض المخالفات الشرعية ، إضافة إلى المبالغ الهائلة التي تنفق لهم ، وهذا من غش الرعية ، والتخوض في مال الله بغير حق ...
للمزيد انظر :
* المغني ( ج22 ص16 - طبعة المكتبة الشاملة )
* تكملة المجموع ج15 ص128
* الموسوعة الفقهية الكويتية ج 24 ص123
* موقف الشريعة الإسلامية من الميسر والمسابقات الرياضية والتلفزيونية لفضيلة الأستاذ الدكتور رمضان حافظ عبد الرحمن الشهير بالسيوطي - أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر - القاهرة ( طبعة دار السلام ) ...
2 -حكم الانتماء إلى الفراعنة وغيرهم من الكفار :
روى الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ :
(انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ قَالَ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الْإِسْلَامِ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوْ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ )
فللأسف الشديد نشاهد في كل البطولات التي تشارك فيها مصر نزعة فرعونية جاهلية ! سواء من المعلقين أو من بعض الجماهير وبعض اللاعبين ، وقد نسينا أو تناسينا كفر هؤلاء الفراعنة وظلمهم وعتوهم !
فهل نريد أن نكون رفقاءهم في جهنم والعياذ بالله ؟!
إن كثيرًا من شعب مصر لا ينتمون في الأصل إلى الفراعنة ، بل إلى العرب ؛ لأن كثيرًا من العرب هاجرت إلى مصر - خاصة إلى صعيد مصر - بعد أن تزينت مصر وازدانت بنور الإسلام على يد سيدنا وتاج رأسنا أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنه ..
أما المجموعة التي ترجع أصولها إلى هؤلاء الفراعنة ، فيجب أن يكون شعارها هو شعار الخليل عليه السلام ومن اّمن معه حيث قالوا لقومهم : ( إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) ( الممتحنة 4 )
3 - يا رجال الأعمال اتقوا الله !
قال تعالى في سورة الأنعام: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (141)
وقال تعالى في سورة الإسراء ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27))
فإن كان تعالى قد ذم المبالغة في الإنفاق في سبيله ، فكيف بالمبالغة في الرياء والشهرة ؟!
سمعنا عن رجال الأعمال الذين أخرجوا الملايين للاعبي الكرة الذي يمتلكون الملايين ! ومنهم من تكفل بحجهم وحج ذويهم ، وما ذاك إلا رياء وسمعة ونفاقا ؛ لأنه لو كان يرجو الله لدفعها لليتامى والثكالى والأرامل والمستضعفين في كل مكان في العراق والشيشان وأفغانستان وغزة وفلسطين والصومال والنيجر و .....إلخ
فاتقوا الله يا رجال الأعمال ، واعلموا أنها أيام قليلة ، وتكونون في بطن الأرض ، حيث المساءلة الربانية عما استودعكم الله تعالى من هذه الأموال ، فقد روى الترمذي رحمه الله من حديث أبي بردة رضي الله عنه أ، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ما عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه )
4 - الولاء والبراء جناحا الأمة
فإذا قطع أحدهما أو الاثنان سقطت الأمة ، ولم تستطع إكمال الطيران ؛ حتى تحلق في قمة العالم ! والولاء باختصار يعني المحبة والنصرة لله ورسله عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين كل على حسب إيمانه ، والبراء يعني التبرؤ والعداء للطواغيت والكفار والمنافقين كل أيضا على درجة كفره ..
للأسف تهدد البطولات الرياضية هذين الأصلين كثيرًا ، فنجد كثيرًا من شباب المسلمين قد تعلقوا بكفار ؛ لأنهم ذوو مهارة كروية ، وهذا لعمر الله من الغفلة والحماقة !
كيف نقدم المهارة الرياضية على ديننا ؟!
إذا تعلقت بلاعبٍ كافر لأنه ذو مهارة رياضية ، فتذكر أنه سب ربك حينما نسب الولد !
تذكر أن كثيرًا من اللاعبين حتى من المسلمين - إلا من رحم - يجاهرون بالفسق والمعاصي !
فهل يهون الدين من أجل المهارة الكروية ؟!
5 - القدوة الرسول لا لاعبو الكرة أو غيرهم وحكم التشبه بالفاسق
فنحن وهم علينا أن نقتدي بسيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم ، امتثالًا لأمر الحق جل وعلا في سورة الأحزاب : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21))
فللأسف الشديد نجد أن لاعبي الكرة صاروا هم القدوة الحقيقية لقطاع كبير من شباب المسلمين والله المستعان !
فإذا حلق رأسه حلق الجميع وإن وفره وفروه ! وإن كتب الحروف عليه كتبوه ، فعقولهم في إجازة ، وشخصيتهم صليت عليها الجنازة !!
وكما أسلفنا أن كثيرًا من لاعبي الكرة كفار أو فاسقون ، فما حكم التشبه بالفاسق ؟؟
روى أبو داود - رحمه الله - في سننه - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ( ج12 ص11 ) :
( قَال الْقُرْطُبِيُّ : لَوْ خُصَّ أَهْل الْفُسُوقِ وَالْمُجُونِ بِلِبَاسٍ مُنِعَ لُبْسُهُ لِغَيْرِهِمْ ، فَقَدْ يَظُنُّ بِهِ مَنْ لاَ يَعْرِفُهُ أَنَّهُ مِنْهُمْ ، فَيُظَنُّ بِهِ ظَنُّ السَّوْءِ فَيَأْثَمُ الظَّانُّ وَالْمَظْنُونُ فِيهِ بِسَبَبِ الْعَوْنِ عَلَيْهِ .)
فهذا مع الفساق فكيف الحال مع الكفار ؟!
6 - المساجد تشكو وقت المباريات
ربما من السهل أن تعلم إن كانت هناك مبارة أو لا من حال المسجد ! فإذا رأيتَ المسجد أقل من حالته المعتادة بكثير فاعلم أن هناك مباراة !
صلاة الجماعة التي أُمر بها المجاهدون في ساحات الوغى ، وأمر بها الأعمى ، وكاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق على المتخلفين عنها بيوتهم .... مع كل هذا صارت المباراة من أعذار ترك الجماعة وإلى الله المشتكى ..
فيا مسلمون بالله عليكم لا تجعلوا دينكم أهون شيء عليكم ، و لا تجعلوا صلاتكم عُرضةً للأحداث تتقلب بها كيف تشاء ، بل اجعلوها هي أساس حياتكم وقِوامها ؛ حتى تفلحوا في الدارين ...
7 - وختامًا : كلمة شكر
مع ما ذكرنا من المخالفات إلا أنني أشكر لبعض للإخوة اللاعبين الصحوة الإسلامية التي بذرت بذورها ولله الحمد ، ويتمثل ذلك في السجود لله تعالى شكرًا عند الانتصار ، والإمساك بالمصحف الشريف ، والتضامن مع المستضعفين من المسلمين ، وحسن الخلق ..
وأخص بالذكر الأخ اللاعب ( محمد أبو تريكة ) الذي يمثل نقطة بيضاء في ثياب الكرة السوداء ، ونرجو له ولإخوانه مزيدًا من الالتزام بأحكام الشرع ، ومزيدًا من البعد عن المعاصي ، وبإذن الله الخير موجود ، ويحتاج إلى من يفتش عنه ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه والتابعين ...
محمد العبادي
فعلى المرة الثانية على التوالي السادسة في تاريخ مصر فاز الفريق المصري الأول لكرة القدم ببطولة كأس الأمم الإفريقية 2008 م التي أقيمت بغانا ، وقد عمت الفرحةُ أغلبية الشعب المصري ، وخرجت الجماهير إلى الشوارع المصرية ؛ لتعبر عن فرحتها وسعادتها بهذا الفوز!! ، بل وخرجت أيضا قطاعات من الجماهير العربية غير المصرية كبعض جماهير شعب غزة ؛ لتعبر عن فرحتها بفوز منتخب مصر ، خاصة بعد الموقف الذي صنعه اللاعب محمد أبو تريكة !...
وفي الحقيقة لا نستطيع أن ننهى الشعب عن الفرحة بالفوز ، فهذا من سابع المستحيلات ! ، لكن نريد أن نضع الأمور في موازينها الشرعية ، وأن نرد الحدث إلى شريعة ربنا جل في علاه ، وأن نسلم لها كما قال تعالى في سورة النور: ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) ) وإليكم - إخواني الأحباب - بعض الوقفات الشرعية السريعة ...
1 - نبذة سريعة عن أحكام السبق :
حث الإسلام على قوة البدن و الاهتمام بصحته ، لذلك فإن الرياضة من الأمور المشروعة في الإسلام ودلت على ذلك نصوص كثيرة ليس هذا موضع بسطها ،وذلك إذا انتوى المرءُ بها المرء نية صالحة ، ولم تكن اللعبة محرمة في حد ذاتها ، ولم تشمل على محرم ، ولم يغلب على الظن تأديتها إلى محرم، هذا لا إشكال فيه ...
لكن الإشكال يكمن في السَّبَق - بفتح السين والباء -و هو الجوائز التي تُعطى للفائزين وله صور ثلاث :
أ - أن يكون من جهة مستقلة عن اللاعبين كالسلطان ونحوه ....
ب - أن يكون من أحد اللاعبين بأن يقول أحدهما للاّخر إن سبقتك فليس لي شيء وإن سبقتني فلك كذا ..
ج - أن يكون المبلغ مدفوعا من اللاعبين إلا واحدًا ومن فاز أخذ المال كله :
مثال : المتسابقون هم : محمد - زيد - عمرو - عمر - أحمد ...
سيدفع كل واحد منهم عدا محمد عشرة جنيهات مثلًا ومن فاز- بمن في ذلك محمد - فإنه سيأخذ الأربعين جنيهً ، فهذا جائز عند الجماهير خلافًا للمالكية رحمهم الله ، شريطة أن لا يكون محمد واثقا من النصر ، بأن كانت فرسه مثلًا لا يُسبق مثلها أو نحو ذلك ، فإن كان واثقا لا يحل بالإجماع...
هذا هو معنى السبق الذي يقصده الفقهاء ..
أما إن أخرج جميع اللاعبين مالًا على أن يأخذها الفائز فهذا محرم عند جماهير أهل العلم خلافًا للإمامين ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله ...
- وللعلماء فيه - أي في الصور الثلاث - أقوال منها:
1 - عدم جوازه إلا في سباق الخيل أو الإبل أو الرمي بالسهام ، وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنابلة والمالكية وغيرهما، وحجة الجمهور في ذلك ما رواه الإمام أحمد رضي الله عنه وبعض أصحاب السنن بسند حسن صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر ) ..
والخف هو الإبل والنصل السهم ذو النصل والحافر ...
2 - عدم جوازه إلا فيما يكون عونًا على الجهاد ، فإن الجامع للخف والنصل والحافر كونها من عدد الجهاد ، فما كان من عدد الجهاد أيضا ، جاز فيه السبق ، وهذا هو المعتمد عند الشافعية ورواية عند الحنابلة..
3 - عدم جوازه إلا فيما فيه مصلحة للدين عموما سواء في الجهاد أو غيره كطلب العلم ونحوه وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى ( ج4 ص418 - طبعة دار القلم - بيروت - لبنان ) ...
4 - جوازه في كل شيء مباح وهذا قد رُوي عن عطاء رحمه الله ...
ولم أرَ إسنادًا إلى عطاء بذلك، بل ذكر ذلك الشيخ المطيعي رحمه الله في تكملة المجموع ( ج15 ص131) كما نقله أيضا عنه الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار ( ج12 ص381 - المكتبة الشاملة ) ..
ولعل الأقربَ والله أعلم هو القول الثالث فكل ما فيه مصلحة للأمة الإسلامية جاز السباق عليه بعوض ، أما مالم يكن فيه منفعة فيجوز دون عوض مالم يكن محرمًا في حد ذاته ، أو اشتمل إلى محرم ، أو غلب على الظن أنه سيؤدي إلى محرم ، ويكره الإكثار منه ، فعلى هذا فإن السبق على كرة القدم الراجح فيه الحرمة؛ فليس صابًا في مصلحة الأمة ، بل قد يصب في الاتجاه العكسي ! مع ما تشتمل عليه الكرة في وضعها الحالي من بعض المخالفات الشرعية ، إضافة إلى المبالغ الهائلة التي تنفق لهم ، وهذا من غش الرعية ، والتخوض في مال الله بغير حق ...
للمزيد انظر :
* المغني ( ج22 ص16 - طبعة المكتبة الشاملة )
* تكملة المجموع ج15 ص128
* الموسوعة الفقهية الكويتية ج 24 ص123
* موقف الشريعة الإسلامية من الميسر والمسابقات الرياضية والتلفزيونية لفضيلة الأستاذ الدكتور رمضان حافظ عبد الرحمن الشهير بالسيوطي - أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر - القاهرة ( طبعة دار السلام ) ...
2 -حكم الانتماء إلى الفراعنة وغيرهم من الكفار :
روى الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ :
(انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ قَالَ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الْإِسْلَامِ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوْ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ )
فللأسف الشديد نشاهد في كل البطولات التي تشارك فيها مصر نزعة فرعونية جاهلية ! سواء من المعلقين أو من بعض الجماهير وبعض اللاعبين ، وقد نسينا أو تناسينا كفر هؤلاء الفراعنة وظلمهم وعتوهم !
فهل نريد أن نكون رفقاءهم في جهنم والعياذ بالله ؟!
إن كثيرًا من شعب مصر لا ينتمون في الأصل إلى الفراعنة ، بل إلى العرب ؛ لأن كثيرًا من العرب هاجرت إلى مصر - خاصة إلى صعيد مصر - بعد أن تزينت مصر وازدانت بنور الإسلام على يد سيدنا وتاج رأسنا أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنه ..
أما المجموعة التي ترجع أصولها إلى هؤلاء الفراعنة ، فيجب أن يكون شعارها هو شعار الخليل عليه السلام ومن اّمن معه حيث قالوا لقومهم : ( إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) ( الممتحنة 4 )
3 - يا رجال الأعمال اتقوا الله !
قال تعالى في سورة الأنعام: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (141)
وقال تعالى في سورة الإسراء ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27))
فإن كان تعالى قد ذم المبالغة في الإنفاق في سبيله ، فكيف بالمبالغة في الرياء والشهرة ؟!
سمعنا عن رجال الأعمال الذين أخرجوا الملايين للاعبي الكرة الذي يمتلكون الملايين ! ومنهم من تكفل بحجهم وحج ذويهم ، وما ذاك إلا رياء وسمعة ونفاقا ؛ لأنه لو كان يرجو الله لدفعها لليتامى والثكالى والأرامل والمستضعفين في كل مكان في العراق والشيشان وأفغانستان وغزة وفلسطين والصومال والنيجر و .....إلخ
فاتقوا الله يا رجال الأعمال ، واعلموا أنها أيام قليلة ، وتكونون في بطن الأرض ، حيث المساءلة الربانية عما استودعكم الله تعالى من هذه الأموال ، فقد روى الترمذي رحمه الله من حديث أبي بردة رضي الله عنه أ، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ما عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه )
4 - الولاء والبراء جناحا الأمة
فإذا قطع أحدهما أو الاثنان سقطت الأمة ، ولم تستطع إكمال الطيران ؛ حتى تحلق في قمة العالم ! والولاء باختصار يعني المحبة والنصرة لله ورسله عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين كل على حسب إيمانه ، والبراء يعني التبرؤ والعداء للطواغيت والكفار والمنافقين كل أيضا على درجة كفره ..
للأسف تهدد البطولات الرياضية هذين الأصلين كثيرًا ، فنجد كثيرًا من شباب المسلمين قد تعلقوا بكفار ؛ لأنهم ذوو مهارة كروية ، وهذا لعمر الله من الغفلة والحماقة !
كيف نقدم المهارة الرياضية على ديننا ؟!
إذا تعلقت بلاعبٍ كافر لأنه ذو مهارة رياضية ، فتذكر أنه سب ربك حينما نسب الولد !
تذكر أن كثيرًا من اللاعبين حتى من المسلمين - إلا من رحم - يجاهرون بالفسق والمعاصي !
فهل يهون الدين من أجل المهارة الكروية ؟!
5 - القدوة الرسول لا لاعبو الكرة أو غيرهم وحكم التشبه بالفاسق
فنحن وهم علينا أن نقتدي بسيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم ، امتثالًا لأمر الحق جل وعلا في سورة الأحزاب : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21))
فللأسف الشديد نجد أن لاعبي الكرة صاروا هم القدوة الحقيقية لقطاع كبير من شباب المسلمين والله المستعان !
فإذا حلق رأسه حلق الجميع وإن وفره وفروه ! وإن كتب الحروف عليه كتبوه ، فعقولهم في إجازة ، وشخصيتهم صليت عليها الجنازة !!
وكما أسلفنا أن كثيرًا من لاعبي الكرة كفار أو فاسقون ، فما حكم التشبه بالفاسق ؟؟
روى أبو داود - رحمه الله - في سننه - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ "
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ( ج12 ص11 ) :
( قَال الْقُرْطُبِيُّ : لَوْ خُصَّ أَهْل الْفُسُوقِ وَالْمُجُونِ بِلِبَاسٍ مُنِعَ لُبْسُهُ لِغَيْرِهِمْ ، فَقَدْ يَظُنُّ بِهِ مَنْ لاَ يَعْرِفُهُ أَنَّهُ مِنْهُمْ ، فَيُظَنُّ بِهِ ظَنُّ السَّوْءِ فَيَأْثَمُ الظَّانُّ وَالْمَظْنُونُ فِيهِ بِسَبَبِ الْعَوْنِ عَلَيْهِ .)
فهذا مع الفساق فكيف الحال مع الكفار ؟!
6 - المساجد تشكو وقت المباريات
ربما من السهل أن تعلم إن كانت هناك مبارة أو لا من حال المسجد ! فإذا رأيتَ المسجد أقل من حالته المعتادة بكثير فاعلم أن هناك مباراة !
صلاة الجماعة التي أُمر بها المجاهدون في ساحات الوغى ، وأمر بها الأعمى ، وكاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق على المتخلفين عنها بيوتهم .... مع كل هذا صارت المباراة من أعذار ترك الجماعة وإلى الله المشتكى ..
فيا مسلمون بالله عليكم لا تجعلوا دينكم أهون شيء عليكم ، و لا تجعلوا صلاتكم عُرضةً للأحداث تتقلب بها كيف تشاء ، بل اجعلوها هي أساس حياتكم وقِوامها ؛ حتى تفلحوا في الدارين ...
7 - وختامًا : كلمة شكر
مع ما ذكرنا من المخالفات إلا أنني أشكر لبعض للإخوة اللاعبين الصحوة الإسلامية التي بذرت بذورها ولله الحمد ، ويتمثل ذلك في السجود لله تعالى شكرًا عند الانتصار ، والإمساك بالمصحف الشريف ، والتضامن مع المستضعفين من المسلمين ، وحسن الخلق ..
وأخص بالذكر الأخ اللاعب ( محمد أبو تريكة ) الذي يمثل نقطة بيضاء في ثياب الكرة السوداء ، ونرجو له ولإخوانه مزيدًا من الالتزام بأحكام الشرع ، ومزيدًا من البعد عن المعاصي ، وبإذن الله الخير موجود ، ويحتاج إلى من يفتش عنه ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه والتابعين ...
محمد العبادي
تعليق