بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (87) سورة الحجر
لقد أيد الله تعالى الأنبياء بمعجزات كل على حسب ما يفهم قومه، فموسى عليه السلام قد أيده الله بمعجزة العصا والآيات التسع التي ذكرها الله في القرآن، وذلك بتحويلها أي العصا إلى حية تسعى. فقد اشتهر في زمنه السحر، فخاطبهم الله تعالى بما يفهموه. و أيد الله تعالى عيسى عليه السلام بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، فقد اشتهر زمنه بالطب والعلم. أما سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فقد كانت معجزته متناسبة مع ما يفهمه العرب آنذاك، إذ كانوا أصحاب فصاحة وبلاغة، فأيده الله تعالى بمعجزة القرآن الكريم الذي هو عين الفصاحة والبلاغة، فهو بلغتهم وحسب فهمهم، ولكنهم بضلالهم وعنادهم قد ادعوا بأن هذا الكلام إنما هو سحر وكهانة، لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله على الرغم مما كانوا عليه من فصاحة وقوة في اللغة فقال تعالى :
{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (88) سورة الإسراء
وقال تعالى :
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (38) سورة يونس
فهذا هو القرآن يتحدى المشركين وقد صموا آذانهم عن سماعه خوفا من أن يسحروا به. تحداهم أن يأتوا بآية أو سورة ولكنهم عندما عجزوا قال بعضهم لبعض لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، حتى لا تسحروا به، وحتى تبقى لكم السيادة والعزة. قال تعالى عنهم:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت
فقد كانت هذه المعجزة هي من أوصلت المسلمين والعرب إلى العز والسؤدد، بعد أن كانوا رعاة أغنام وتجارا، يأكل الضعيف القوي، جاهلين بكل شيء إلا الشعر والحقد والاختلاف الذي عاد إليه العرب بعد أن تخلوا عن دينهم وعقيدتهم ومنهجهم الذي رباهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كان العرب يعيشون حياة الأنعام كما وصفهم الله تعالى في القرآن :
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان
كانت العادات الجاهلية تفتك بالمجتمع من وأد للبنات إلى النسيء إلى انتهاك للأشهر الحرم، ومن ذلك كثير مما يهدم الأسر ة والمجتمع وما يؤدي إلى الانحلال الخلقي الذي يودي بالمجتمع إلى الهاوية، وبعد هذا التفكك الذي كانت عليه العرب، جاء القرآن الكريم والنور المبين والصراط المستقيم بالمنهج الذي يخلص المجتمع من جاهليته ووثنيته، ويؤدي به إلى العيش الرغيد في الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنت نبيه } رواه البيهقي في سننه .
إن عظمة القرآن الكريم تتمثل بأنه لم يأتي بمنهج لعصر دون العصور، بل هو معجزة الله الباقية مادامت الأيام، فما زالت حتى الآن تكتشف أشياء قد أثبتها القرآن الكريم وتكلم عنها منذ أربعة عشر قرنا، وعندما ظن المسلمون والعرب أن الحضارة تكون بشيء غير القرآن، نادوا بالتحرر من قيود الإسلام وإتباع ما تنتجه العقول غير المسلمة، فضاعوا وأصبحت تدوسهم الأقدام.
ولو أننا أمعنا النظر في آيات القرآن الكريم لوجدنا فيها الخلاص من كل مشاكلنا، فإذا قرأنا في القرآن وبحثنا في آيات الأحكام لوجدنا أنه لا تخلوا سورة تقريبا من الأمر بالصلاة، فهل تأملنا يوما ما السر في ذلك ؛ الكثير ممن أسلم حديثا يتكلم عن معاناته طيلة فترة حياته قبل الإسلام من أمراض النفس والإكتئاب والشعور بعدم السعادة والرضى. فهذا جيفري لانغ يتكلم عن نفسه قبل الإسلام وكيف أنه عندما صلى لأول مرة وجد صعوبة بالغة بالقيام بهذا العمل وما فيه من إذلال للنفس وركوع وسجود، ولكنه وكما يقول عندما انتهى من الصلاة وجد نفسه يبكي بكاء لم يبكه من قبل، ثم أحس بسعادة غامرة وكأن كل هموم الدنيا قد انزاحت عن كاهله .
هذا الإحساس بالخضوع والخشوع بنفس الوقت هو ما يجب أن يشعر به المسلم الحق. والسر في ذلك أن الصلاة هي صلة العبد بربه، فعندما يتوضأ المسلم - وهو عمل حسي مادي- يشعر بالكثير من المعاني الروحية أهمها ضرورة طهارة الظاهر والباطن، الجسد والقلب قبل البدء بالصلاة، وبعد الوضوء يصف المسلم قدميه متأهبا للوقوف بين يدي الله عز وجل فيستشعر مدى اعتزازه بهذه المزية بأن أذن له الله عز وجل بالوقوف بين يدي ملك الملوك ليناجيه، وكأنه في حديث خاص مع خالقه، ثم يقول الله أكبر فتطيح كل الخلائق وكل العلائق بالدنيا، فالله تعالى هو أكبر من كل شيء ... من المال والأهل والولد والعشيرة بالتقرب منه تقوم هذه الأشياء، وبالابتعاد عنه تكون هذه الأشياء إنما هي بلاء وفتنة قال تعالى :
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (15) سورة التغابن
وسنحاول أن نستشعر معاني الصلاة الروحية فيما يأتي..
يتبع..............
تعليق