البخل مسخرة الساخرين !!!
1 – الدلالة المعجمية
البخل في دلالته المعجمية يعني ما يناقض السخاء والكرم .. بلا تحديد لنمط معين .. فهو إذن معنى عام يمكن أن يشمل المال وغير المال.. ومما يؤيد هذه الدلالة في نظري قول المثل العربي : " أبخل من مادر !! " و" مادر" هذا رجل من بني هلال كان مفرطا في البخل إلى حد بعيد .. فقد حكي عنه أنه سقى إبلا له ، فبقي في أسفل الحوض ماء قليل ، فمدره أي ملأه بالطين والحجر حتى لا ينتفع بمائه من بعده فسمي لذلك " مادرا "...
واللافت للانتباه أن البخل في المعاجم الأجنبية يرتبط في دلالته المعجمية بحب المال والرغبة المفرطة في جمعه (AVARICE) ....
ومن المعنى العربي الحقيقي السالف الذكر انتقل اللفظ إلى دلالته المجازية والتي تعني المنع والإمساك ...
2 – البخل في المجتمعات العربية والإسلامية
أ – البخل من أرذل الصفات
البخل ظاهرة اجتماعية هي في عرف المجتمعات العربية والإسلامية من أرذل الصفات.. كانت تعتبر، و بخاصة في ما مضى من عهود، أشد وقعا على النفوس من وقع الحسام المهند !! ولذا فقد كان الكريم المعطاء مقصد المادحين من الشعراء وغيرهم من ذوي الحاجات ، وبالمقابل كان البخلاء من ذوي الجاه والثراء أكثر تعرضا لهجاء وسخط الساخطين ؛ يدل على ذلك هذا الكم الهائل من موضوعات البخل والبخلاء الذي يزخر به تراث الأقدمين ...
قال الشاعر :
أرى الناس خلان الجواد ولا أرى **** بخيلا له في العالمين خليل
وإني رأيت البخل يزري بأهله **** فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
وإني رأيت البخل يزري بأهله **** فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
قالت أم المؤمنين أخت عمر بن عبد العزيز : " لو كان البخل سربالا ما لبسته ، ولو كان طريقا ما سلكته "
ب – البخل مهلكة الأمم
من ذلك أن الإسلام اعتبر البخل مهلكة للأمم وعاقبة وخيمة تقتضي الحيطة والحذر .. قال الرسول الكريم: " إياكم والشح ! فإن الشح أهلك من كان قبلكم .. " وقال تعالى: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا يوم القيامة "
ج – البخل و مقومات السيادة
وأكثر من ذلك فقد جعل الإسلام الجود والكرم من مؤهلات السيادة والرئاسة. وفي هذا يحكى أن الرسول ( ص) عزل " الجد بن قيس " عن تولي أمر حي من الأنصار وأزاحه من منصبه عندما علم ببخله ، فكان أن نصب مكانه " عمرا بن الجموح " المعروف بجوده وسخائه ؛ على إثرها مدحه شاعر الأنصار بقصيدة نقتطف منها ما يلي :
وقال رسولُ الله و الحـقُّ قـولُه **** لمن قال منا من تسمون سيدا ؟
فقالوا له جـد بن قيس على التي **** نبخله فيهــا وإن كان أسـودا
فسوَّد عمرو بن الجموح لجـوده **** وحـق لعمرو بالندى أن يسـوَّدا
فقالوا له جـد بن قيس على التي **** نبخله فيهــا وإن كان أسـودا
فسوَّد عمرو بن الجموح لجـوده **** وحـق لعمرو بالندى أن يسـوَّدا
3- بين البخل والسخاء في هذا المجتمع أوذاك
ولا ينبغي أن يفهم مما سبق أن الجود والكرم من القيم المحمودة المقصورة على المجتمعات العربية والإسلامية وبأن البخل فيها نادر، ولكن مما لا شك فيه أن وجودها أو عدمه وبدرجة معينة يتوقف على العادات والتقاليد والثقافة السائدة..
والحق أن البخل وما يقابله من الكرم لم يعد له في الوقت الحالي ما كان له من مكانة في تراث القدماء، وما عاد موضوعا جاريا إلا على السنة السمار والمتندرين والفكاهيين. وأغلب الظن أن ذلك يعود لتطور الحياة الاجتماعية وانشغال الناس بما استجد من الأمور....
4 – نماذج من بخل البخلاء
كانت نظرة الناس ، عامتهم وخاصتهم ، للبخيل أو الشحيح نظرة مهينة مخزية .. يتقاذفونه في أحاديثهم حتى إنه أصبح مثارا للتندر والتفكه ، لأنهم كانوا يعتبرونه فاقدا لدماثة الأخلاق كالمروءة والإيثار والعطاء.. وفي الطرف الآخر تناولته أقلام وألسنة الأدباء بالنقد اللاذع والهجاء الساخط ؛ ونسجوا من خلال ذلك طرائف وحكايات ونظموا قصائد وأشعارا إلى الحد الذي أصبح فيه مسخرة للساخرين ...
أ – البخل في طرائف الكتاب
* يحكى أن الحطيئة كان من أشهر بخلاء العرب ؛ فقد مر به رجل وهو على مقربة من بوابة منزله ممسكا بعصا وقال له : أنا ضيف .. فأشار الحطيئة إلى عصاه قائلا : أترى هذه ؟ إنها أعدت للضيفان من أمثالك !!
*وكان المتنبي (الشاعر المشهور) بخيلا جدا ، مدحه أحدهم بقصيدة..
فقال له : كم أملت منا على مدحك ؟
قال: عشرة دنانير...
قال ا لمتنبي : والله لو ند فت قطن الأرض ، بقوس السماء ، على جباه الملائكة ، ما دفعت لك دانقا!
* وقيل لخالد بن صفوان: - وقد كان بدوره من أشهر البخلاء العرب - لم لا تنفق ومالك عريض ؟؟
فقال : الدهر أعرض منه !!
* وقال أعرابي بخيل لنزيل نزل به :
نزلت بواد غير ممطور ، ورجل بك غير مسرور ، فأقم بعدم ، أو ارحل بندم!
* طبخ بعض البخلاء قدراً من الطعام ، وجلس يأكل مع زوجته فقال: ما أطيب هذا الطعام لولا كثرة الزحام! فقالت امرأته : وأي زحام و ما ثمة إلا أنا وأنت ، فقال : كنت أحب أن أكون أنا والقدر...
* وقف سائل ببا ب يطلب إحسانا فقال له البخيل: النساء لسن في المنزل يرزقك الله…
فرد السائل : إنني أسألك رغيفاً وليس عروسا!!.
* قال بعضهم لبخيل : لم لا تدعوني يوما إلى بيتك ؟
قال :لأنك جيد المضغ ، سريع البلع ، إذا أكلت لقمة هيأت أخرى !
قال : أتريد مني إذا أكلت لقمة أن أصلي ركعتين ثم أعود إلى الثانية ؟ !
ب – البخل في شعر الشعراء
* يقول جرير في هجائه اللاذع لقبيلة بني تغلب لحرصها الشديد على إخفاء الطعام عن النزلاء والطارقين:
قوم إذا أكـلوا أخفوا كلامـهم *** واستوثقوا من رتاج الباب والدار!!
قوم إذا استنبح الضيفان كلبهم *** قالوا لأمهم بـــولي على النار!!
قوم إذا استنبح الضيفان كلبهم *** قالوا لأمهم بـــولي على النار!!
* ويذكر صاحب المستظرف بيتين لشاعر مجهول يستنهض المضيف لإنقاذ ضيوفه من الهلاك المحقق بعد أن أخذ الجوع منهم مأخذه:
يـا قائماً في بـيته قـاعداً **** من غير مامعنى ولا فائدة
قد مات أضيافك من جوعهم **** فاقرأ عليهم سورة المائدة
قد مات أضيافك من جوعهم **** فاقرأ عليهم سورة المائدة
* ويصف شاعر حالة بخيل يتجشم المخاطر والأهوال ويؤثر الهلاك من أن يفرط في مثقال ذرة مما يملك :
لو عبر البحر بأمواجـه **** في ليلة مظلمـة بـاردة
وكفـه مملـوءة خـردلا **** ما سقطت من كفه واحدة
* ويقول بعض الضيوف الذين قضوا ليلتهم في بيت أحد البخلاء إلى حد استحالت فيه إلى مأثم :
فبتنا كأنا بينهم أهل مأتم **** على ميت مستودع بطن ملحدِ!
يحدث بعضا بعضنا بمصابه **** ويأمر بعضا بعضنا بالتجلد!
يحدث بعضا بعضنا بمصابه **** ويأمر بعضا بعضنا بالتجلد!
طبعا .... منقول
تعليق