كان ابن خفيف من أولاد الأمراء .. زهد في الدنيا وتفرغ للعلم والعمل .
يقول: نهبت في البادية، وجعت حتى سقطت لي ثمانية أسنان، وانتثر شعري، ثم وقعت إلى فيد، وأقمت بها حتى تماثلت، وحججت، ثم مضيت إلى بيت المقدس، ودخلت الشام، فنمت إلى جانب دكان صباغ، وبات معي في المسجد رجل به قيام، فكان يخرج ويدخل فلما أصبحنا صاح الناس، وقالوا: نقب دكان الصباغ وسرقت، فدخلوا المسجد ورأونا، فقال المبطون: لا أدري، غير أن هذا كان طول الليل يدخل ويخرج، وما خرجت إلا مرة تطهرت، فجروني وضربوني، وقالوا: تكلم، فاعتقدت التسليم، فاغتاظوا من سكوتي، فحملوني إلى دكان الصباغ، وكان أثر رجل اللص في الرماد، فقالوا: ضع رجلك فيه، فكان على قدر رجلي، فزادهم غيظا.
وجاء الامير، ونصبت القدر، وفيها الزيت يغلى، وأحضرت السكين ومن يقطع، فرجعت إلى نفسي وإذا هي ساكنة، فقلت: إن أرادوا قطع يدي سألتهم أن يعفو عن يميني لاكتب بها، وبقي الامير يهددني ويصول، فنظرت إليه فعرفته، كان مملوكا لابي، فكلمني بالعربية وكلمته بالفارسية، فنظر إلي وقال: أبو الحسين - وبها كنت أكنى في صباي - فضحكت، فأخذ يلطم برأسه ووجهه، واشتغل الناس به، فإذا بضجة، وأن اللصوص قد أخذوا، فذهبت والناس ورائي وأنا ملطخ بالدماء، جائع لي أيام لم آكل، فرأتني عجوز فقيرة، فقالت: ادخل، فدخلت، ولم يرني الناس، وغسلت وجهي ويدي، فإذا الامير قد أقبل يطلبني، فدخل ومعه جماعة.
وجر من منطقته سكينا، وحلف بالله إن أمسكني أحد لاقتلن نفسي، وضرب بيده رأسه ووجهه مئة ضفعة حتى منعته أنا، ثم اعتذر وجهد بي أن أقبل شيئا فأبيت وهربت ليومي .
[سير أعلام النبلاء ]
تعليق