أرادوا تنقية رسائل أغناطيوس من المنحول
فوقعوا في مُستنقع إنجيل مُرقس السري
فوقعوا في مُستنقع إنجيل مُرقس السري
قبل أن استشهِد بِشخصية ما لابد أن أدرِك أن ما استشهِد به شخصية تاريخية وأن لهذه الشخصية كِتاباتٌ أصيلة ولا غُبار عليها , فهل أكّد لنا صديقنا ذلِك , ليطمئِن قلب القاريء الكريم؟!
إن رسائِل هذا الرجُل " أغناطيوس" مُمتلِئة تماما بروح بولس الرسول , في حين لا تتفِق مع أي نوع من الأفكار الموجودة في الأناجيل قط . وليس هذا فحسب بل إن هذه الرسائل تُخالف التطور المنطقي للكنيسة .. وهذا هو السبب الذي جعل العلماء يبحثون في حقيقة مصداقيتها وأصالتِها ...[1]!!
هل نعلم يا أعزائي أن :
خلال العصور الوُسطى كان لأغناطيوس حوالي ثلاثة عشر رِسالة منتشِرة و مُتداولة , من بينها رِسالة كتبها إلى مريم العذراء والِدة الإله شخصياً[2]؟!!!
من جدل حول أصالة رسائل أغناطيوس إلى اكتِشاف إنجيل لمُرقس سري:
لقد كانت هذه الرسالة سبباً في أن يشرع العلماء مع أوائِل القرن الميلادي السابع عشر , في دراسة هذه الرسائل بل و التشكيك فيها وفي أصالة جميع رسائِل أغناطيوس, واحتدم صِراع عنيف بين المُتزمتين الإنجليز الين لا يُريدون أن يسقُط تِمثال الآب المؤسِّس الأول للكنيسة , و بين الإنجليكانيين والذين يرون أن أغناطيوس لم يكُن غير واحِد من سلسلة مُبكِّرة من الآباء ولم يكُن أولهم , إلى أن خرج أحد الشباب المتزمت والمتحمس جون ميلتون والذي أكّد ان رسائل أغناطيوس كُلها رسائِل منحولة ومُزوّرة , وكان ذلِك قبل سنوات من تأليف كتابه "الجنة المفقودة" , فتوجّهت جميع السهام ضِدّه. و انتهى هذا الصِّراع إلى ان هناك رسائل منحولة لأغناطيوس ولكِن ليس كُلُّ رسائِلِه.[3]
إلا أن نتيجة هذا الخِلاف هو :
1- تنقية رسائل أغناطيوس من المنحول بأيدي الكتبة المهرة:
قيام اسحق فوس Isaac Foss عام 1644 بطباعة الرسائل التي لم يثبُت أنها منحولة بلغتها اليونانية الأصلية , ولم تكُن تحوي نُسخته تلك رسالة أغناطيوس إلى رومية والتي تم إثبات أصالتها وإدخالها مع الرسائل بعد عامين آخرين.
2- الوقوع في فخ الكتبة المهرة مرة أخرى ومُرقس السري:
انتهت مُشكِلة الرسائل ومرت حقوب على نشر وطبع الكِتاب , لكِن إذ بالمفاجآت تتوالى مرة أخرى , وفي أحد نُسخ هذا الكِتاب اكتشف مورتون سميث في بدايات القرن العشرين بين ثنايا نُسخة موجودة في الكنيسة بأورشاليم , رسالة تخص اكليمندوس السكندري , و مكتوبة بخط اليد في ظهره , و يُعتقد أن راهِب قام بنسخها في ظهر هذه النُسخة , و تتحدّث عن إنجيل مُرقس السرِّي , وبالتأكيد ولأن الكتاب ظهر في القرن السابع عشر , فستكون هذه الرسالة لم تُكتب على أقل تقدير في هذه النُسخة قبل نهاية القرن الميلادي السابع عشر . ولكِن هل لهذه الرسالة أصول ؟!!.. هل نقلها راهِب بنفس الخط و الأسلوب لظهر هذا الكِتاب ؟!!.. وهل ثبُت أن هناك إنجيل سري لمُرقس؟!!.. هذا موضوع آخر ...!!
ولكِن ماذا نستفيد مِن هذه القِصة؟!!
إن كِتاب فوس هذا هو أول كِتاب يقوم بتنقية جميع رسائل أغناطيوس اليونانية من كل تحريف وتزييف أدخله النساخ المهرة عليها , وقام بقذفِها خارِجاً . و من قِمّة السُخرية أن يكون في نفس هذا الكِتاب رِسالة تعود لكليمندُس السكندري تتحدّث عن إنجيل متى السري , جعلت العُلماء لا يستطيعون تكذيبها لأن واضِعها أحبك الصنعة سواءاً في قُدرته الشديدة وتمكّنِه من الكِتابة بأسلوب إكليمندُس والذي جعل الخُبراء يقولون أنه لا يُمكِن أن يكتب هذه إلا إكليمندُس , وأن الراهب الذي نقلها في جلدة الكتاب قد نقلها من وثيقة مفقودة ...!!! .
إن السخرية كل السُخرية أن تكون هذه الرسالة أصلاً مُزيّّفة على اكليمندُس السكندري ولا يستطيع عالم إثبات ذلِك , ويتم وضعها في الكِتاب الذي تم تنقيته أصلاً من الرسائل المُزيّفة على أغناطيوس ... !!
(أخيراً .. التزييف مالهوش كبير)
إن التزييف في رسائل الآباء لا يوجد أسهل مِنه , حِرفة أتقنها الكتبة والنُّسّاخ , ولِذا كيف لنا أن نتأكّد من سلامة نُسخة مخطوطة مكتوبة بِحِرص على يد مُزيِّف ماهِر إن لم يكُن لدينا السند الصحيح و الأدلة الأكيدة على تسلُّم هذه النسخة يداً بيد منذ لحظة كِتابتِها ؟!!!
أترك لكل قارىء نبيه أن يُمعِن النظر في هذه القصة البسيطة و ذلِك , وهذا قبل أن نوغِل أو يوغِل أي باحِث حق , في حوار حول عقيدة كاتِب رِسالة أو الإستِهاد بما هو مكتوب على لِسانِه ... قبل أن يُدرِك إن كان أصلاً قد تسلمها يداً بيد منذ كِتابتِها أم لا....!!!
هذا هو فائِدة السند , وفائِدة تسلُّم العِلم شِفاها , حتى ولو مكتوب :
هذا هو فائِدة علم الرِّجال وعلم التوثيق , وعلم الجرح والتعديل , والتي ستظل المسيحية بفقدانها تتخبط إلى أن يرِث الله الارض وما عليْها ... هل كان يجرؤ عالِم أن يقرأ من صحيح البُخاري دون أن يكون البخاري قد قرأه وأقرأ صحيحه على شيخ فشيخ إلى أن وصل إليه مقروءا؟!!!.... لا يُمكِن .... وهكذا .. يظل المُسلِم ولله الحمد رافِعاً رأسه , حامِداً ربه , شاكِراً لأنعُمِه , مُمتناً لِرجال أخلصوا لهذا الدين فراعوا حق الله , فحافظ الله لنا على ديننا ...
و الحمدلله على نِعْمة الإسلام. !!
__________________________
[1]Brooke Foss Westcott, " A General Survey of the History of the Canon of the New Testament", P.34
[2]Bart D. Ehrman, "Lost Christianities", P.76.
[3]Lightfoot, The Apostolic Fathers: Clement, Ignatius, and Polycarp, pt. 2, Ignatius and Polycarp, 1:237ff.
تعليق