16
ما هو الخطأ في الاعتقاد بأن
ما هو الخطأ في الاعتقاد بأن
التطور يمكن أن يتأكد في المستقبل؟
لا يوجد فرق بين سخافة الادعاء بأن الطائرة النفاثة يمكن أن تتكون من خلال المصادفة وبين الادعاء بأن الخلية الحية يمكن أن تتكون بنفس الطريقة، على الرغم من أن تصميم الخلية أفضل بكثير من تصميم الطائرة النفاثة التي ابتدعها أفضل المهندسين باستخدام أكثر أنواع الإنسان الآلي تقدما، وبواسطة أكثر التقنيات تطورا، في أحدث المصانع.
عندما يوضع بعض الناس ممن يؤيدون نظرية التطور في موقف حرج، فإنهم يلجئون إلى الادعاء بأنه "حتى إذا لم تؤكد الاكتشافات العلمية نظرية التطور اليوم، فإن تلك التطورات سوف تحدث في المستقبل".
وتتمثل نقطة البداية الأساسية هنا في اعتراف أنصار التطور بالهزيمة في ميدان العلوم. فبقراءة ما بين السطور يمكننا أن نتبين التالي: "نعم، نقر نحن المدافعين عن نظرية التطور بأن اكتشافات العلوم الحديثة لا تؤيدنا. ولهذا السبب، لا نرى بديلا عن إحالة الموضوع إلى المستقبل".
وتتمثل نقطة البداية الأساسية هنا في اعتراف أنصار التطور بالهزيمة في ميدان العلوم. فبقراءة ما بين السطور يمكننا أن نتبين التالي: "نعم، نقر نحن المدافعين عن نظرية التطور بأن اكتشافات العلوم الحديثة لا تؤيدنا. ولهذا السبب، لا نرى بديلا عن إحالة الموضوع إلى المستقبل".
ولكن العلم لا يعمل بهذا المنطق. فالعالِم لا يكرس نفسه تكريسا أعمى منذ البداية لنظرية ما، أملا في ظهور الأدلة المؤيدة لتلك النظرية في يوم من الأيام. ذلك أن العلم يدرس الأدلة المتاحة ويستخلص منها الاستنتاجات. لهذا، يجب أن يقبل العلماء "التصميم"، أو بعبارة أخرى حقيقة الخلق، التي أثبتتها الاكتشافات العلمية.
ومع ذلك، وعلى الرغم مما سبق، فإن التحريض والدعاية التي يُروج لها أنصار التطور ما زالت قادرة على التأثير على الناس، لا سيما أولئك الذين لا يلمون إلماما كاملا بالنظرية. ولهذا السبب، سيكون من المفيد أن نعرض الإجابة بالكامل:
يمكننا أن نبحث صحة نظرية التطور من خلال ثلاثة أسئلة أساسية:
- كيف نشأت أول خلية حية؟
- كيف يمكن لنوع حي أن يتحول إلى نوع آخر؟
- هل يوجد أي دليل في سجل الحفريات على أن الكائنات الحية خضعت لمثل تلك العملية؟
لقد أُجرِي خلال القرن العشرين عدد كبير من البحوث الجادة حول هذه الأسئلة الثلاثة، التي ينبغي على النظرية أن تجيب عليها بوضوح. ومع ذلك، فقد كشفت تلك البحوث أن نظرية التطور لا تستطيع تفسير الحياة. وسيتضح ذلك عندما نتناول تلك الأسئلة الواحد تلو الآخر.
1. يمثل السؤال المتعلق "بأول خلية" مأزقا مهلكا للغاية بالنسبة إلى مؤيدي التطور. فقد كشفت البحوث التي أجريت حول هذا الموضوع أن من المستحيل تفسير نشوء أول خلية بواسطة مفهوم "المصادفة". وقد صاغ فريد هويل ذلك على النحو التالي:
"إن فرصة نشوء أشكال الحياة العليا بهذه الطريقة تضاهي فرصة اكتساح إعصار لساحة خردة وتجميعه لطائرة بوينج 747 من المواد الموجودة داخل الساحة".63
دعونا نستخدم مثالا نبين من خلاله التناقض الذي وقع فيه أنصار التطور. تذكّر المثال الشهير الذي ضربه ويليام بيلي Willian Paley وتخيل شخصا لم يشاهد في حياته ساعة قط، شخصا على جزيرة مجدبة مثلا، عثر في أحد الأيام على ساعة بالمصادفة. لن يكون بمقدور هذا الشخص الذي يرى ساعة حائط من بعد 100 متر أن يتبين كنهها بالضبط، وقد لا يتمكن من التمييز بينها وبين أي ظاهرة طبيعية من صنع الرياح، والرمال، والأرض. ومع ذلك، فمع اقتراب هذا الشخص من الساعة، فإنه سيفهم بمجرد النظر إليها أنها مصممة. وكلما اقترب منها أكثر، فلن يساوره أدنى شك في ذلك. وقد تكون الخطوة التالية هي فحص سمات هذا الشيء، وما فيه من فن واضح. وعندما يفتح الساعة ويتأملها تفصيليا، سيرى بداخلها كمًّا هائلا من المعرفة التراكمية يفوق ما كان ظاهرا من الخارج، وأنها نتاج عقل ذكي. وسيؤدي كل فحص لاحق إلى تأكيد هذا التحليل أكثر فأكثر.
وتظهر حقيقة الحياة في وضع مشابه كلما تقدم العلم. فقد كشفت التطورات العلمية عن كمال الحياة على مستوى الأجهزة، والأعضاء، والأنسجة، والخلايا، بل وحتى الجزيئات. ومن خلال كل تفصيل جديد ندركه نتمكن من رؤية البعد المدهش في هذا التصميم بقدر أكبر من الوضوح. وكان أنصار التطور في القرن التاسع عشر، الذين رأوا أن الخلية ليست سوى كتلة صغيرة من الكربون، في نفس موقف ذلك الشخص الذي ينظر إلى الساعة من بعد 100 متر. ومع ذلك، يستحيل أن نجد اليوم ولو عالما واحدا لا يعترف بأن كل جزء من أجزاء الخلية يمثل في حد ذاته عملا فنيا وتصميما رائعا. فحتى غشاء الخلية الصغيرة، الذي وُصف بأنه "مرشح اختياري"، يحتوى على قدر هائل من الذكاء والتصميم. ذلك أنه يميز الذرات، والبروتينات، والجزيئات المحيطة به وكأن لديه إدراكا واعيا خاصا به، ولا يسمح بدخول الخلية إلا للمواد الضرورية فقط (لمزيد من التفاصيل، انظر كتاب هارون يحيى "العلم المخبوء في الخلية"). وعلى عكس التصميم محدود الذكاء في الساعة، فالكائنات الحية نتاج مذهل للذكاء والتصميم. وبعيدا عن إثبات حدوث التطور، فإن البحوث التفصيلية التي يتسع نطاقها باستمرار والتي يتم إجراؤها على البُنى الحية، التي لم يُكشف حتى الآن إلا عن بعض تركيباتها ووظائفها، تتيح لنا فهم حقيقة الخلق بشكل أفضل.
2. يؤكد أنصار التطور أن النوع يمكن أن يتغير إلى نوع آخر عن طريق الطفرة والانتقاء الطبيعي. وقد بينت كل البحوث التي أجريت حول الموضوع أنه ليس لأي من هاتين الآليتين أي تأثير تطوري من أي نوع. وقام كولين باترسون Colin Patterson ، كبير علماء الحفريات بمتحف التاريخ الطبيعي في لندن، بتأكيد هذه الحقيقة في الكلمات التالية:
"لم ينتج أحد قط نوعا من الأحياء بواسطة آليات الانتقاء الطبيعي. ولم يقترب أحد من ذلك قط، ويتمحور معظم الجدل الدائر حاليا في الداروينية الجديدة حول هذه القضية".64
وتبين البحوث التي أجريت حول الطفرة أنها لا تتسم بأي خصائص تطورية. ويقول عالم الوراثة الأمريكي بي. جي. رانجاناثان B. G. Ranganathan :
"لم ينتج أحد قط نوعا من الأحياء بواسطة آليات الانتقاء الطبيعي. ولم يقترب أحد من ذلك قط، ويتمحور معظم الجدل الدائر حاليا في الداروينية الجديدة حول هذه القضية".64
وتبين البحوث التي أجريت حول الطفرة أنها لا تتسم بأي خصائص تطورية. ويقول عالم الوراثة الأمريكي بي. جي. رانجاناثان B. G. Ranganathan :
"أولا، إن حدوث الطفرات الحقيقية في الطبيعة أمر نادر للغاية. ثانيا، إن معظم الطفرات ضارة لأنها تغييرات عشوائية أكثر منها منظمة في بنية الجينات؛ وأي تغيير عشوائي في نظام على درجة عالية من الترتيب سيكون إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل. فمثلا، إذا ضرب زلزال منشأة على درجة عالية من النظام مثل أحد المباني، فسيحدث تغيير عشوائي في هيكل المبنى لن يكون، على الأرجح، تحسنا".65
وكما رأينا، فإن الآليات التي تقترحها نظرية التطور لتكوُّن الأنواع غير مجدية على الإطلاق، بل إنها ضارة في الواقع. ومن المفهوم أن تلك الآليات، التي تم اقتراحها في الفترة التي لم يكن العلم والتكنولوجيا قد وصلا فيها إلى المستوى اللازم لإظهار أن هذا الادعاء ليس أكثر من نتاج للوهم، ليس لها أي تأثيرات نشوئية أو تطورية.
3. وتُظهر الحفريات أيضا أن الحياة لم تنشأ نتيجة أي عملية تطورية، بل نشأت فجأة، نتيجة "تصميم" مثالي. وتؤكد ذلك كل الحفريات التي تم اكتشافها حتى الآن. ويبيِّن نايلز إلدردج Niles Eldredge ، عالم الحفريات الشهير من جامعة هارفارد والقيِّم على المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، أنه لا يوجد أي احتمال للعثور على أي حفريات في المستقبل قد تغير الموقف:
"هناك قفزات في سجل الحفريات، وتبين كل الأدلة أن السجل حقيقي؛ ذلك أن الفجوات التي نراها تعكس أحداثا حقيقية في تاريخ الحياة – وليست نتاجا لسجل حفريات رديء الصنع".66
ويعلن عالم أمريكي آخر، روبرت ويسون Robert Wesson ، في كتابه الصادر في سنة 1991 بعنوان ما وراء الانتقاء الطبيعي Beyond Natural Selection ، أن "الفجوات الموجودة في سجل الحفريات حقيقية وغير اعتيادية". ويسهب في هذا الادعاء على النحو التالي:
"ومع ذلك، فالفجوات الموجودة في السجل حقيقية. ومن غير الاعتيادي على الإطلاق عدم وجود سجل يحتوي على أي تفرعات ذات أهمية. فالأنواع عادة ما تكون مستقرة، أو قريبة جدا من الاستقرار، لفترات طويلة، ونادرا ما يُظهر النوع تطورا نحو نوع جديد في حين لا يُظهر الجنس قط تطورا نحو جنس جديد وما يحدث هو نوع من الإحلال، ويكون التغيير مفاجئا تقريبا" .67
وختاما، لقد مرت نحو 150 سنة منذ طرح نظرية التطور لأول مرة، وقد خالفتها كل التطورات العلمية اللاحقة لها. وكلما تعمق العلم في دراسة تفاصيل الحياة، اكتُشفت أدلة أكثر على كمال الخلق، وتبينت الاستحالة التامة في نشأة الحياة وتنوعها اللاحق بالمصادفة. ويكشف كل بحث من البحوث دليلا جديدا على التصميم في الكائنات الحية، ويزيد من وضوح حقيقة الخلق. وقد تكشّف بطلان نظرية التطور بشكل أكبر مع مرور كل عَقد من الزمان منذ عصر داروين.
وباختصار، لا يساند التقدم العلمي نظرية التطور. ولهذا السبب، لن تساند التطورات المستقبلية النظرية أيضا، بل ستثبت بطلانها أكثر فأكثر.
ويبقى أن نقول إن ادعاءات التطور ليست شيئا لم يحله العلم أو يفسره بعد، وسيتمكن من تفسيره في المستقبل. بل على العكس، فقد دحضت العلوم الحديثة نظرية التطور من جميع النواحي وأثبتت من كل وجهات النظر استحالة أن تكون مثل هذه العملية الخيالية قد حدثت في أي وقت من الأوقات. ومن ثم، فإن الادعاء بأن مثل هذا المعتقد الذي لا يمكن التمسك به سوف يتم إثباته في المستقبل لا يعدو أن يكون نتاجا لخيالات وأوهام نابعة من عقليات الدوائر الماركسية والمادية التي ترى في التطور دعامة لأيديولوجياتها. إنهم يحاولون مواساة أنفسهم فحسب نظرا ليأسهم الشديد.
ولهذا السبب، فإن الإيمان بفكرة أن "العلم سوف يثبت التطور في المستقبل" لا يختلف عن الإيمان بأن "العلم سوف يبين في يوم ما أن الأرض ترتكز على ظهر فيل".
تعليق