الحمد لله
لا بد أن نحدِّد أولا ما هو الجوهر الذي جاءت الشريعة الإسلامية تدعو الناس إليه ، وبه افترقت عن الوثنية الجاهلية ، ثم سندرك بعد ذلك إن كان الطواف بالكعبة من مظاهر الوثنية أو من مظاهر التوحيد والإسلام .
وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى وجدنا أن جوهر دين الإسلام هو الانقيادُ والاستسلام لأوامر الله ، واتخاذُهُ سبحانه ربا ومعبودا فرداً صمداً ، والكفرُ بما دونه من المعبودات الباطلة .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) النساء/65 .
وقال تعالى : ( وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) لقمان/22 .
وقال عز وجل : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/54 .
وأما الوثنية الجاهلية فهي تعني الاستسلام لغير الله ، والإقبالَ على أي شيء دون الله من حجر أو وثن أو ولي ، إقبال العابد الراغب الراهب الضعيف الذليل ، وهذه الأمور – في الإسلام - لا تنبغي إلا لله سبحانه وتعالى .
يقول عز وجل : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31 .
وقال تعالى : ( ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12 .
ويقول سبحانه : ( مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) الكهف/26 .
فإذا تقرر هذا استطعنا أن نفرِّق بين حال المسلم الموحِّد ، وبين حال المشرك الوثني في المسائل التي تتشابه في ظاهرها ، فمثلا :
المسلم الموحِّدُ يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعظمه ويبجله ويفديه بروحه ونفسه وماله ويطيع أوامره ، كل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى في قوله : ( فالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157 .
أما المشرك الوثني فتراه يُقبل على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، يسأله قضاء حوائجه ، ويستغيث به لتفريج همومه ، ويدعوه دعاء المذلة والعبودية ، فيقيمه مقام الألوهية ، وقد يعتقد أن بيده خزائن السماوات والأرض ، وأن اللوح المحفوظ من علمه ، إلى غير ذلك قاله أو اعتقده بعض الجهلة ، والمشرك في ذلك لم يمتثل أمر الله ، ولا أسلم وجهه له سبحانه ، بل أسلم نفسه لغير الله ، وأطاع الشيطان في ذلك .
ومثال آخر :
المسلم الموحِّد يطيع أوامر الله منقاداً فيها لعظمته سبحانه وتعالى ، فإذا أمره بالسجود لبشر ، أو بتعظيم بشر ، أو حجر : فإنه يمتثل ذلك عبادة لله تعالى ، واستسلاماً لأمره وحكمه ، كما فعلت الملائكة حين أمرهم الله بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا .
أما المشرك الوثني فهو يسجد للبشر أو للحجر تعظيماً لذات البشر والحجر ، وانقياداً لما يتوهمه فيهم من نفع أو ضر ، وإقبالا عليهم بالرغبة والرهبة والخشوع والتذلل ، وهو في ذلك لم يراع أمراً لله تعالى ، ولم يستجب لحكمه سبحانه ، إنما توجه لمخلوق دون الله بالانقياد والعبادة بمحض هواه وإرادته .
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية والعبودية : فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده ، وهو لغيره ممتنع باطل ، وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له ، ولو أمرنا أن نسجد لأحدٍ من خلقه غيره : لسجدنا لذلك الغير ؛ طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظِّم من سجدنا له ، ولو لم يفرض علينا السجود : لم يجب البتة فعله ، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه ، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم ، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 4 / 360 ، 361 ) .
وبذلك نفرق بين أحوال كثيرة قد يتشابه فيها الفعلان في الظاهر ، إلا أن حقيقة أحدهما أنه من الإسلام والتوحيد والإيمان ، والثاني إنما هو شرك وكفر ووثنية .
ومن ذلك الطواف بالكعبة :
فالمسلم الموحد يمتثل أمر الله تعالى له في كل صغير وكبير ، وهو حين يسمع قوله تعالى : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) الحج/29 : لا يملك إلا أن يمتثل ذلك ، فيطوف بالكعبة المشرفة حبّاً لله ، وطاعة له ، ورغبة إليه سبحانه ، يرجو رحمة من الله ، ويخشى من عذابه ، ولا يتعدى ما أُمر به من الطواف ، فلا يتمسح بأحجار هذا البيت ، ولا يعتقد فيها النفع أو الضر .
أما المشرك الوثني : فهو الذي يطوف بالأحجار أو القباب أو المقامات تعظيماً لها لذاتها ، يرجو منها تفريج الكربات ، وإجابة الدعوات ، يبكي خوفاً منها ، ويتضرع رغبة في عطائها ، ويتقرب إليها بأنواع العبادات من السجود أو الذبح أو الطواف أو الدعاء ، وهو في ذلك لا يمتثل أمراً لله ، ولا شريعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، بل يستجيب للهوى والشيطان .
إذن فالفرق كبير وظاهر بين أعمال أهل التوحيد والإسلام ، وبين مظاهر الوثنية والشرك ، ومن لم يتنبه لهذا الفرق اختلطت عليه الأمور ، وما عاد يفرق بين الكفر والإيمان .
ونرجو أن يكون الفرق بين الحالين قد اتضح .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islamqa.com/index.php?ref=82349&ln=ara
لا بد أن نحدِّد أولا ما هو الجوهر الذي جاءت الشريعة الإسلامية تدعو الناس إليه ، وبه افترقت عن الوثنية الجاهلية ، ثم سندرك بعد ذلك إن كان الطواف بالكعبة من مظاهر الوثنية أو من مظاهر التوحيد والإسلام .
وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى وجدنا أن جوهر دين الإسلام هو الانقيادُ والاستسلام لأوامر الله ، واتخاذُهُ سبحانه ربا ومعبودا فرداً صمداً ، والكفرُ بما دونه من المعبودات الباطلة .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) النساء/65 .
وقال تعالى : ( وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) لقمان/22 .
وقال عز وجل : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/54 .
وأما الوثنية الجاهلية فهي تعني الاستسلام لغير الله ، والإقبالَ على أي شيء دون الله من حجر أو وثن أو ولي ، إقبال العابد الراغب الراهب الضعيف الذليل ، وهذه الأمور – في الإسلام - لا تنبغي إلا لله سبحانه وتعالى .
يقول عز وجل : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31 .
وقال تعالى : ( ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12 .
ويقول سبحانه : ( مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) الكهف/26 .
فإذا تقرر هذا استطعنا أن نفرِّق بين حال المسلم الموحِّد ، وبين حال المشرك الوثني في المسائل التي تتشابه في ظاهرها ، فمثلا :
المسلم الموحِّدُ يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعظمه ويبجله ويفديه بروحه ونفسه وماله ويطيع أوامره ، كل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى في قوله : ( فالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157 .
أما المشرك الوثني فتراه يُقبل على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، يسأله قضاء حوائجه ، ويستغيث به لتفريج همومه ، ويدعوه دعاء المذلة والعبودية ، فيقيمه مقام الألوهية ، وقد يعتقد أن بيده خزائن السماوات والأرض ، وأن اللوح المحفوظ من علمه ، إلى غير ذلك قاله أو اعتقده بعض الجهلة ، والمشرك في ذلك لم يمتثل أمر الله ، ولا أسلم وجهه له سبحانه ، بل أسلم نفسه لغير الله ، وأطاع الشيطان في ذلك .
ومثال آخر :
المسلم الموحِّد يطيع أوامر الله منقاداً فيها لعظمته سبحانه وتعالى ، فإذا أمره بالسجود لبشر ، أو بتعظيم بشر ، أو حجر : فإنه يمتثل ذلك عبادة لله تعالى ، واستسلاماً لأمره وحكمه ، كما فعلت الملائكة حين أمرهم الله بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا .
أما المشرك الوثني فهو يسجد للبشر أو للحجر تعظيماً لذات البشر والحجر ، وانقياداً لما يتوهمه فيهم من نفع أو ضر ، وإقبالا عليهم بالرغبة والرهبة والخشوع والتذلل ، وهو في ذلك لم يراع أمراً لله تعالى ، ولم يستجب لحكمه سبحانه ، إنما توجه لمخلوق دون الله بالانقياد والعبادة بمحض هواه وإرادته .
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية والعبودية : فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده ، وهو لغيره ممتنع باطل ، وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له ، ولو أمرنا أن نسجد لأحدٍ من خلقه غيره : لسجدنا لذلك الغير ؛ طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظِّم من سجدنا له ، ولو لم يفرض علينا السجود : لم يجب البتة فعله ، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه ، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم ، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 4 / 360 ، 361 ) .
وبذلك نفرق بين أحوال كثيرة قد يتشابه فيها الفعلان في الظاهر ، إلا أن حقيقة أحدهما أنه من الإسلام والتوحيد والإيمان ، والثاني إنما هو شرك وكفر ووثنية .
ومن ذلك الطواف بالكعبة :
فالمسلم الموحد يمتثل أمر الله تعالى له في كل صغير وكبير ، وهو حين يسمع قوله تعالى : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) الحج/29 : لا يملك إلا أن يمتثل ذلك ، فيطوف بالكعبة المشرفة حبّاً لله ، وطاعة له ، ورغبة إليه سبحانه ، يرجو رحمة من الله ، ويخشى من عذابه ، ولا يتعدى ما أُمر به من الطواف ، فلا يتمسح بأحجار هذا البيت ، ولا يعتقد فيها النفع أو الضر .
أما المشرك الوثني : فهو الذي يطوف بالأحجار أو القباب أو المقامات تعظيماً لها لذاتها ، يرجو منها تفريج الكربات ، وإجابة الدعوات ، يبكي خوفاً منها ، ويتضرع رغبة في عطائها ، ويتقرب إليها بأنواع العبادات من السجود أو الذبح أو الطواف أو الدعاء ، وهو في ذلك لا يمتثل أمراً لله ، ولا شريعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، بل يستجيب للهوى والشيطان .
إذن فالفرق كبير وظاهر بين أعمال أهل التوحيد والإسلام ، وبين مظاهر الوثنية والشرك ، ومن لم يتنبه لهذا الفرق اختلطت عليه الأمور ، وما عاد يفرق بين الكفر والإيمان .
ونرجو أن يكون الفرق بين الحالين قد اتضح .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islamqa.com/index.php?ref=82349&ln=ara
تعليق