ماذا يحدُث لو أن مسيحي مُفكِّر .. استخدم في الثالوث عقْلَه !!
رِحلة في منطِق مسيحي مُفكِّر ... وسِر فشل العقل الأقدس ..!!
الأب هِنري بولاد.
الآب هنري بولاد ... مدير مدارس اليســـوعيـين الكاثوليك بالقاهِرة ... له وقفات أدبية مع العقيدة المسيحية و الدراسات الروحية ... و له العديد من الكُتُب التي تلقى رواجاً بين الطائِفة الكاثوليكية و من أشهر مؤلّفاتِه : السلام الداخلي , ومنطق الثالوث ..
و مِن كِتابِه منطِق الثالوث ... قرأت ما عجِبت وتعجّبت له و سُرعان ما زال العجب و حلّ محلّه مشاعِر من الأسى و الألم أشعرتني بمدى الحسرة على هذا الفِكْر الذي يتبخّر كُلية و يتلاشى عِنْدما تُداعِبه رسائِل الحق , و كأن إشارات الخلايا العقلية عندهم تتوقف نهائياً عن العمل حين يتعلّق الحديث عن الثالوث و العقيدة المسيحية ...
أتحسّر أن أرى بيننا من المُثقفين و العقلانيين من يتبنّون هذا الفِكر و يدّعون السلام الروحي , و النظرة العقلانية ... و هم أبعد ما يكون عنها ...أتعجّب و أشعُر بالأسى على الغيبوبة الفِكْرية التي يعيشها المُثقف المسيحي و الطبيب المسيحي و المُتعلِّم المسيحي , حين ننتقِل إلى الحديث عن الثالوث و العقيدة ...!!
وكأن العقل شيء , والمسيحية شيء آخر ...!!
تجِد هذا الإنسان الجالِس أمامك قِمة في التفكير السلِس و اللباقة الأخّاذة , و رِّقة المعاملة , و المنطقية المُقْنِعة , وفجأة تسقط و تتهاوى وتتلاشى كأن لم تكُن حين يتحوّل الحديث إلى الثالوث و العقيدة ....
طبيب مسيحي مِصْري , معي في عملي , تناقشْنا وتحاورنا , و تلذّذنا بنعمة العقل , ما يُعجِبني فيه أنه لا يقبل أي شيء في الوجود إلا بالعقل , حتى الدين .. وهو ما يأخذه على المُسلِمين , برغم احتِرامه للإسلام على حد قوْلِه إلا أن المُسلِم عِنْده لا يبحث , و لا يتفلسف ولا يستنِد إلى الدليل و البُرهان , ويتمنى أن يرى المُسلِم مؤمِن عقلاني .. فهو يتعبّد في العقل ...!!
حقيقة شعُرت أن في هذا الرجُل ضالتي , أراه يجوب الآفاق بأبحاثِه و مراجِعِه , ولا يقبل إلا التوثيق لكل صغيرة وكبيرة .. ما أروع أن يشهد مسيحي للحق , ويعترِف أن المسيحية لا تملِك أي دليل عقلاني ...!! .. هذا الرجُل الذي لا يقبل إلا التوثيق و على الخصوص في العقائِد .. لابُد أنه سيكون له رأي آخر ..
كانت مُباراة بسيطة في ألِف باء المسيحية , وكلي أمل أن يهدِه الله على يدي , مباراة بسيطة و انهار معها كل شيء , سقط القِناع ... و المُفكّشر الذي لا يقبل إلا العقل , يترفّع عن استِخدامك العقل و يفشل العقل في العقائِد .. وكأن العقلانية تخص كل العقائِدِ إلا المسيحية ...!! , فقامت أحد الزميلات و قالت بِتِلقائِيّة تحمِل مزيجاً من الحِنق و السُخرية و التأفّف و الحسرة على ما وصل له الحال .. " لا حول ولا قوة إلا بالله , ومراجِع إيه بس إللي فلقتِنا بيها يا دكتوووووور ...شاي يا عم عبده " !!
حقيقة إني اعترِف أن العقل و الفِكر و اللباقة و الفهم ينهار أمام العقائِد المسيحية ...!!!
سجِّلوا هذا الإعتراف ..
حقيقة إني اعترِف أن العقل و الفِكر و اللباقة و الفهم ينهار أمام العقائِد المسيحية ...!!!
الطبيب المدعي للفهم , و الفيلسوف المتزعّم للمنطقية , إن أردت كشف حقيقته و فضح هويّتِه فما عليْك إلا أن تُواجِههُ بمسيحيّتِه ...!!
لا أستطيع حقيقة نقل الحِوار كامِلاً ... و لِذا فآثرت أن أنتقِل لِقراءة بسيطة في فِكر أحد كِبار المسيحية , و لنقرأ ما يقوله هنري بولاد ... عن "الثالوث الأقدس " ... و الذي لم يُذكر قط في الكِتاب المُقدس و لم تعرِفه الكنيسة إلا في مجمع القسطنطينية 381 م , ولا عِلاقة له لا بالله ولا قوانين الله , وإنما بمجموعة من البشر ارتئوا تأليه الروح و الإبن ... حسب ما أوصلهُم فلسفتُهُم وقصور فِهْمِهِم !!
يحكي بولاد عن أغسطينوس قصة غريبة .. برغم سذاجتِها إلا أنها والله .. تحمِل بين ثناياها حقاً و عقلاً .. لمن هباه الله العقل ... فيقول بولاد :
" ولعلّ بعضنا يذكر قصة القديس أوغسطينس، الفيلسوف الكبير الذي عاش في القرن الخامس الميلادي، وهو من أعظم شخصيّات تاريخ الكنيسة. كان يتمشّى في أحد الأيّام على شاطئ البحر ذهابًا وإيابًا، يتأمّل في الثالوث الأقدس، ويحاول أنْ يحلّ مشاكله، ليرى كيف يمكن أن يكون ثلاثة في واحد، وواحدًا في ثلاثة. وبينما هو كذلك، رأى طفلاً وقد حفر حفرة صغيرة على الشاطئ وراح يملأ هذه الحفرة من ماء البحر بواسطة صدفة صغيرة.
إبتسم له أوغسطينس وقال له: ماذا تفعل؟
أجاب : أريد أنْ أضع البحر في هذه الحفرة.
قال له أوغسطينس: هذا مستحيل، يا حبيبي، لأنّ الحفرة صغيرة جدًا.
فردّ عليه الطفل: كذلك أنت عندما تحاول أنْ تضع الثالوث الأقدس، وهو أعمق الأسرار فى عقلك المحدود. واختفى الطفل من أمام أوغسطينس."
من يقرأ و يستمِع لهذه القِصة الساذِجة , سيُدْرِك في الحال سذاجتها و ضمور فِكْر قائِلِها , لأن في هذه القصة منطق فِطْري يُحارب به واضعيها أنفُسهُم ...
فالحفرة الصغيرة لا ولن تستوعِب هذا الماء , وكما قال أغسطينوس يستحيل ...." مستحيل، يا حبيبي، لأنّ الحفرة صغيرة جدًا " , وكأنه يرد على نفسِه ...
ودعونا نُجرِّب بعض المنطق على نفْس مقياس هذه القِصة :
مقياس القِصة ومنطِقها :
أريد أنْ أضع البحر في هذه الحفرة.
قال له أوغسطينس: هذا مستحيل، يا حبيبي، لأنّ الحفرة صغيرة جدًا.
قال له أوغسطينس: هذا مستحيل، يا حبيبي، لأنّ الحفرة صغيرة جدًا.
- منطقياً فإنه يستحيل أيضاً أن يستوعِب الرحِم الأنثوي الذي اختلط بدماء فاسِدة و خلايا ميِّتة , وأغذية أرضية , يستحيل أن يحمِل إله الأكوان داخِلَه ...
- منطقياً فإنه كما استحال أن يدخُل ماء البحر في الحُفرة , فيستحيل أن يكون الخارِج من مخرج البول إله الاكوان ... و منطقياً يستحيل أن يخرُج من عزّ وجلّ من مكان يخرُج منه أردأ الفضلات , فلن يكون أبدا الخارِج من هذا المكان عزّ أو جلّ .. يستحيل أن يخرج من هذا المخرج إله الاكوان ..
- منطقياً يستحيل للجسد البشري (جسد الإنسان يسوع ) الضعيف الدودة المولود من المرأة , يستحيل أن يحمِل هذا الجسد خالِق الوجود و إله الاكوان و مليكه فيه ... و كما قال الطفل ..لا يُمكِن أن تحمِل الحُفرة الصغيرة ماء البحر ...!!!
منطقي أم لا يا سادة؟!!
منطقي أم لا يا صديقي المسيحي ؟!!!
منطقي أم لا يا هنري بولاد؟!!
منطقي أم لا يا صديقي المسيحي ؟!!!
منطقي أم لا يا هنري بولاد؟!!
بالتأكيد منطقي , و هو على نفس منطِقك ...!!
إلا أن بولاد هو أيضاً كطبيبِنا ... خرج بِنتيجة خلع فيها عباءة العقل .. و حتمية المرجعية ... فبولاد لا يُريد أبداً أن يقيس العقيدة بمنطقيّتِه المُعتادة التي كثيراً ما أزعجنا بِها ... و بِخِلاف الفِطرة و بِخِلاف ما توقّعناه مِنه ...خرج بولاد على أتباعِه مُعقِّباً على هذه القِصّة فقال :
" لا أعلم هل هذه القصّة واقعيّة أمّ خياليّة، لكنّ المهم أنَّ الغرض منها واضح، وهو أنَّ الإنسان يجد نفسه عاجزًا، حين يحاول أنْ يضع سرّ الله في عقله المحدود."...!!
وفجأة ... يُدرِك هذا المنطقي ماهو فيه مِن حسرة .. ويتدارَك مدى التناقُض الذي لا يليق بِعِنوان كِتابِه .. فيُناقِض نفسه و يبدأ عِنواناً جديداً أكثر مناقضة لما وصل إليه .. و يُخالِف فيه ما وصل له قبله أباه أغسطينوس .. وكأنه أصيب بانفِصام مُفاجىء :
" أهمّيّة استخدام العقل في تقبّل الحقائق الإيمانيّة : "
و لكِن هنا يُدرِك بولاد حقيقة نفسِه , و يُدرِك أن القارىء لن يألو جهْداً في إدراك تناقض الآب بولاد .. وما أصاب فِكره من اضطِراب .. فما كان مِنه إلا أن تذاكى واعتذر اعتِذارا بارِدا بفلسفة ساذِجة .. لا تليق بدعاواه ... فيقول :
" أهمّيّة استخدام العقل في تقبّل الحقائق الإيمانيّة :
قد يبدو هذا العنوان متناقضًا مع سالفه، ولكنّ ذلك غير صحيح، إذْ إنَّ الإنسان، عندما يولد في إطار عائلة مسيحيّة، يقبل إيمانًا موروثًا عن أهله، ويقبله بطريقة عمياء، تصلح لعمره الصغير. فإنْ ظلَّ على هذا المستوى - مستوى الإيمان التقليديّ المسلّم به - بعد أن كبر، قد يكون هذا خطأ، إذْ إنَّ الله منحنا ما نسمّيه العقل، ونحن نستخدم هذا العقل لحلّ مسائل الرياضة والعلوم واللغات والتجارة والعمارة وحلّ مشكلات الحياة. نستخدمه في كلّ المجالات، ولكن، حين نصل إلى المستوى الإيمانيّ، نقول: " قف، لا تستخدم عقلك، إنّ في استخدامه لخطرًا ". لماذا؟ هل هناك تناقض بين الإيمان الذي يأتي من الله، والعقل الذي هو أيضًا من الله؟ هل نعتبر الإنسان الذي يتساءل حول إيمانه مخطئًا؟ أقول: لا، وليس مسموحًا فقط أن يستخدم العقل في مجال الإيمان والدين، بلّ إنَّ ذلك واجب ضروريّ وحتميّ."
وهكذا مِن اعتِراف بولاد بفشلِه و فشل من سبقوه في إدراك الثالوث بالعقل ... مع ما يُناقِض ذلِك كِتابه و منطِقه .. و مِن ثمّ تراجُعِهِ عن دعْواه .. بتناقض يرى هو أنه ليس بتناقُض ..
إلا أننا سنتمسّك بهذا التراجع , و نقبل الدعوة الصريحة إلى استِخدام العقل يا بولاد على المُستوى الإيماني ... و نتسائل : هل جرّبت يوماً أن تستخدِم أنت شخصياً العقل مع الثالوث ؟!! هل نجحت على الأقل يا بولاد في كِتابِك هذا في إثبات ما فشل فيه أغسطينوس ؟!!
إن مِن علامات الفشل .. أن يتنقّل المُفكِّر من تناقض إلى تناقُض ...
وأذكى المُفكِّرين البؤساء .. هو من يُدرِك أنه يُناقِض نفسه.
وأكثر هؤلاء الأذكياء بؤساً .. هو من يسعى في التبرير لتناقضاتِه المتكرّرة والمتوالية ...
وتظل الحقيقة أن المُفكِّر المسيحي طبيباً كان أو وزيراً أو قِساً , يظل كل مسيحي يُناقِض نفسه و يُناقِض عقله , ويُناقِض فِكْره مهما بلغ تبريرُه .. حين تصدِمه في مسيحيتِه ..
و مهما بلغ ادِّعائهُم للعقلانية , فلن يبقى لهم من هذه العقلانية المزعومة إلا فلسفة ممزوجة باعتِذارات بارِدة مؤدّاها - هو ما وصل له أغسطينوس أباهم الاكبر ... يستحيل أن نستخدِم العقل في فهم العقيدة المسيحية !!! ..
وتتبخّر دعاوى بولاد و زميلُنا المسيحي
و تظل نظرياتِهم تبريرات لسِر فشل العقل الأقدس ..!!
و تظل نظرياتِهم تبريرات لسِر فشل العقل الأقدس ..!!
تعليق