بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على معلم البشرية الأدب والأمانة وحسن الخلق: محمد بن عبد الله النبى الأمى الأمين، قائد الأنبياء وإمام المرسلين، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
قليل من الناس هم الّذين يبحثون عن الحق ، وقليل من هؤلاء من تجدهم على استعداد لبيع كل ما يملكون ، والتضحية بكل غث وثمين بحثًا عن الحقيقة واتباعها. وقليل من رجال الدين الّذين يبيعون مراكزهم وأموالهم ومتعهم الدنيوية سعيًا وراء الحق ، وطلبًا للآخرة ، والخلود فى جنانها.
وكثير من الناس من فضَّل أن يتبع هواه دون بحث، وسعى فى حياته يكفِّر هذا ، ويُخطِّىء ذاك ، ويظنُّ أنه يملك الحقيقة ، ولا يستطيع إثباتها ، فهو قد آمن بأوهام ، وبنى عليها أكاذيب، فأصبح لا يرى سواها ، ولا يؤمن بوجود حقيقة غيرها ، ولا يُجهد نفسه فى التفكير ولا البحث عن حقائق تتعلق بإيمانه ، بل لا يتمنى أن يعرف غيرها. فأصبحوا كالأنعام يحملون أسفارًا ، لا تعرف ما تحمل ، ولا تفهم ما يُقال. وهم من شبَّههم عيسى ابن مريم عليه السلام بمن لهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها.
فليحذروا عذاب الله الذى أنذرهم به: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف
ففى أى صف من هؤلاء أنت عزيزى القارىء؟
إيَّاك أن تكون من أصحاب القلوب الغلف! فهؤلاء لعنهم الله بكفرهم: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} (155) سورة النساء
ولكن كن من المهتدين أولى الألباب، وأصحاب العقول، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) الزمر
وكن من الذين إِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (83-85) سورة المائدة
أما بعد ..
إن الصدق فى القول والعمل هو نوع من أنواع العدل، الذى أمر الله تعالى به، وحث عليه ولو كان ذلك على أقرب الناس وأحبهم إلىّ. فقال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} الأنعام (152)
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ.} النساء (135)
وقال جل جلاله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} النساء (58)
وقال تبارك اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ، وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ. اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. وَاتَّقُواْ اللّهَ. إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المائدة (8)
وقال تقدست صفاته: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} المائدة (42)
وقال جل شأنه: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل (90)
وليس العدل المطلوب توافره فى المؤمن هو العدل مع المؤمنين فقط، بل العدل مع المخالفين لدينه ، بل ومع الكافرين بالله ، وأكبر درجات العدل أن يقيم الإنسان العدل على نفسه. وذلك العدل هو الصدق مع النفس ومع الآخرين. لذلك وصف الله الصادقين بأنهم هم المتقون ، ووعدهم جنة الخلد.
والصادقون هم المتقون الذين يخافون الله فى قولهم وأعمالهم، وهم أهل الجنة: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الزمر (33) ، {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا} الفرقان (15)
وقال تعالت صفاته: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} المائدة (119)
ووصف الله تعالى المؤمنين فاعلى الخير بأنهم الصادقين: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} البقرة (177)
ويأمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والعمل الصالح ، ليكونوا من أهل الجنة مع الصدِّيقين يوم الحساب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة (119)
والصدق من الفضائل التى يعرف لها المؤمن والكافر فضلها ، وقيمتها فى الدعوة ، وهى أول مراحل الإيمان والتصديق بالله ورسله وكتبه. لذلك نجد الكفار اشترطوا على الأنبياء والمرسلين أن يثبتوا صدقهم بعدة طرق مختلفة ليتبعوهم: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الحجر (6-7) ، {مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الشعراء (154) ، {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الشعراء (187) ، {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} العنكبوت (29) ، {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الأحقاف (22)
والمتدبر لاشتراطات الكفار السابقة يلاحظ أنهم بداية كذبوا على أنفسهم ، فأضلهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله ، فكذبوا على الله ورسله. ومن هنا يحذر الله تعالى الكاذبين المكذبين غير العادلين مع الله أو رسله أو أنفسهم والآخرين ، ويتوعدهم فى الآخرة: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } الأحزاب (8)
وعلى ذلك فإن العدل قيمة تشمل جميع مناحى الحياة ، كما يقول موقع صُنَّاع الحياة. وإنه شهادة التاريخ على سلامة المجتمعات والكيانات والأمم. وهو الأمن حين تضطرب الموازين والمعايير. وهو الحارس الذي يحول دون دمار النفوس، وخراب العمران. وهو قوام الدنيا والدين. وسبب صلاح العباد والبلاد. يحكم الأقوال والأفعال ويصلح الأجساد والأبدان. فبالعدل قامت السماوات والأرض. وتآلفت به الضمائر والقلوب. والتأمت به الأمم والشعوب. وغمر الناس بالتناصف والتعاطف. وضمهم بالتواصل والتجانس. إنه القسطاس المستقيم لكل شيء وكل فرد. لا تميل كفته. ولا يختل ميزانه. ولا يضطرب مقياسه. هو صفة الله تعالى. وميزانه في الأكوان.
وحذَّرَ الله أن كل عدل أو ظلم ، وكل صغيرة وكبيرة سيجدها المرء فى سجل أعماله فى الآخرة ، وسوف يُحاسب عليها: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} الكهف (49)
وحرَّم الله الظلم على نفسه ، فقال في الحديث القدسي:(يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا) رواه مسلم.
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم.
بل جعل الظلم لازمة من اللوازم المصاحبة للكفر، فقال: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة 254، وبيَّن أن أعظم أنواع الظلم هو الكذب على الله والشرك به، فقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان 13، فكأنما يقول إن الظلم نوع من أنواع الشرك.
وإن العدل فى القول والعمل لفضيلة يرفع الله بها العادلين في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فهو سياج الاطمئنان والاستقرار بين الأفراد والجماعات، ثم إن الأمة لا تُحترم ولا يكتب لها البقاء، ولا تحتل مكانتها اللائقة بها بين الأمم الراقية، إلا بقدر ما يتحقق فيها من العدل ، فعندما يدعو الإسلام إلى العدل ويأمر به كما جاء ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} (90) سورة النحل، فإن ذلك يعد في الوقت نفسه دعوة إلى حرية الإنسان وكرامته ، وتأكيدًا لحقوقه الإنسانية العامة. لذلك يعد الكفاح من أجل رفع الظلم عن المظلومين وتحقيق العدل بين الناس من الواجبات الإنسانية والدينية على السواء.
والإنسان مسئول مسئولية دينية وأخلاقية عن إقامة العدل الذى هو أساس العمران في هذا الوجود وهذا يعني ضرورة التغلب على نوازع الهوى، وتغليب جانب العقل. ولا سيما إن كان هذا الإنسان الذى يُنتظر منه العدل والصدق رجلاً عرف عنه الأخلاق أو الدين.
ولا تقتصر مقاومة الظلم على المجتمعات الإسلامية، أو رجال الدين فقط، فهي على العكس من ذلك خصيصة إنسانية تتجاوز الحدود الدينية والثقافية بين بني البشر. وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نشير إلى أن المفهوم الإسلامي للعدل لا يتعارض مع مثيله في الحضارات السابقة في الشرق والغرب.
فالعدل يأمر به الله ، ويعلمه رسله ، وتنادى به الفضيلة ، وتصيح به الإنسانية ، ويصرخ عليه العدل قائلين: إنه على كل إنسان فى الحياة أن يقاوم الكذب فى نفسه أولاً ثم مع الآخرين ، ويعدل مع نفسه أولاً ثم مع الآخرين.
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من الصادقين قبل الرسالة وبعدها ، حتى أن كفار مكة أسموه الصادق الأمين ، قبل أن تأتيه الرسالة. وتصديقًا لهذا فقد كانوا يحفظون عنده متعلقاتهم الثمينة قبل الدعوة ، ولمدة 13 سنة يحاربونه ، ويريدون التخلص منه ومن دعوته، لكن لم ينسوا أنه أصدق من فيهم ، وأكثرهم أمانة. فلم يكفوا من وضع متعلقاتهم الثمينة عنده. وعندما همُّوا بقتله، أمره الله بالهجرة إلى المدينة ، فترك عليًا رضي الله عنه فى فراشه ليتمكن من الهرب ، وليرد عليهم أماناتهم. ففى الوقت الذى يفكرون فيه فى قتله ، يعدل ويرد عليهم أماناتهم. فأى أخلاق هذه؟! وأى صدق هذا؟!
قارن هذا بما يؤمن به القمص زكريا بطرس من أن الرب أمر موسى عليه السلام بسرقة المصريين قبل خروجهم من مصر: (21وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهَذَا الشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ. 22بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلِبُونَ الْمِصْرِيِّينَ».) خروج 3: 21-22
(35وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً. 36وَأَعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى أَعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ.) خروج 12: 35-36
وكان عيسى صلى الله عليه وسلم من الصادقين فقد شهد له الناس بقولهم: (يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللَّهِ بِالْحَقِّ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ.) متى 22: 16 ، فكن من الصادقين ولا تبالى بأحد!
وطالب اليهود أن يكونوا من الصادقين فى نفوسهم أولاً: (وَلِمَاذَا لاَ تَحْكُمُونَ بِالْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ؟) لوقا 12: 57، فاحكم بالحق من قبل نفسك!
وذلك ليخرجهم من ربقة الشيطان إلى الحرية التى لا تُعرف إلا بالحق: (وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ.) يوحنا 8: 32 ، (فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً.) يوحنا 8: 36
ونقرأ فى الكتاب الذى يقدسه اليهود والمسيحيون أن الكذب من الضلالات البيِّنة التى تبيد أممًا بأكملها ، فها هو الرب يتفق مع موسى على الكذب على المصريين لسرقتهم قبل الخروج: (35وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً. 36وَأَعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى أَعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ.) خروج 3: 22، و12: 35-36
وعندما أراد الرب أن يضلِّل أخاب أشار عليه الشيطان أن يكون لسان كذب فى فمه ، ووافقه الرب لعلمه أن الكذب مُهلك: (19وَقَالَ: [فَاسْمَعْ إِذاً كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. 20فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. 21ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ 22فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ. فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هَكَذَا.) ملوك الأول 22: 19-22
(30لِذَلِكَ هَئَنَذَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِينَ يَسْرقُونَ كَلِمَتِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.) إرمياء 23: 30
(32هَئَنَذَا عَلَى الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلاَمٍ كَاذِبَةٍ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِينَ يَقُصُّونَهَا وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَمُفَاخَرَاتِهِمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلاَ أَمَرْتُهُمْ. فَلَمْ يُفِيدُوا هَذَا الشَّعْبَ فَائِدَةً يَقُولُ الرَّبُّ].) إرمياء 23: 32
بل غضب الرب على أنبيائه الكذبة لادعائهم أن الرب أوحى إليهم، وفضحهم على الملأ: (8لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لأَنَّكُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِـالْبَاطِلِ وَرَأَيْتُمْ كَذِباً, فَلِذَلِكَ هَا أَنَا عَلَيْكُمْ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.) حزقيال 13: 8
وباستمرار كذبهم تطاولوا على كتاب الله كما تطاولوا على أنبيائه فحرفوه وأدانهم الرب وفضح أعمالهم: (كَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَلَدَيْكُمْ شَرِيعَةَ الرَّبِّ بَيْنَمَا حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ المُخَادِعُ إِلَى أُكْذُوبَةٍ؟) إرمياء 8: 8
(4اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ! 5الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ.) مزمور 56: 4-5
(15وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتَعَمَّقُونَ لِيَكْتُمُوا رَأْيَهُمْ عَنِ الرَّبِّ فَتَصِيرُ أَعْمَالُهُمْ فِي الظُّلْمَةِ وَيَقُولُونَ: «مَنْ يُبْصِرُنَا وَمَنْ يَعْرِفُنَا؟». 16يَا لَتَحْرِيفِكُمْ!) إشعياء 29: 15-16
الأمر الذى جعل الكتاب يقول إن كل الأنبياء الذين سبقوا يسوع ما هم إلا لصوص وسُرَّاق: (8جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ وَلَكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ.) يوحنا 10: 8
والأمر الذى دفع عيسى صلى الله عليه وسلم إلى اتهام اليهود صراحة بتحريف الكتاب وإبطال وصية الله مقدمين وصاياهم على كتاب الله ، حتى أصبحت العبادة عبارة عن تقاليد الكهنة ولا علاقة لها بأوامر الله أو تعاليم أنبيائه: (6فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ! 7يَا مُرَاؤُونَ! حَسَناً تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: 8يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هَذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً. 9وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ».) متى 15: 6-9
وكذلك عندما أراد بولس أن يُضلل أتباع عيسى صلى الله عليه وسلم ويقضى على دينهم، اتبع الكذب ، ودافع عنه ، ليكسب أتباعًا كثيرين لدينه الجديد: (7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟) رومية 3: 7
وتلوَّن بكل لون تبعًا للشخص الذى يتعامل معه ليربح الأكثرين ويكون شريكًا فى الإنجيل: (19فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرّاً مِنَ الْجَمِيعِ اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ. 20فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ 21وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ لِلَّهِ بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ - لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. 22صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً. 23وَهَذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ لأَكُونَ شَرِيكاً فِيهِ.) كورنثوس الأولى 9: 19-23
بل نسبوا الكذب لأنبياء الله ، الذين هم صفوة البشر وقدوته:
فها هو نبى الله إبراهيم أبو الأنبياء قد نسبوا إليه الكذب واتهموه ببيع شرفه حفاظًا على حياته ، وليربح من وراء جمال زوجته المال الوفير: (11وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ امْرَأَتِهِ: «إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ. 12فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ. 13قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ». 14فَحَدَثَ لَمَّا دَخَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ رَأَوُا الْمَرْأَةَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ جِدّاً. 15وَرَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ 16فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْراً بِسَبَبِهَا وَصَارَ لَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ وَأُتُنٌ وَجِمَالٌ.) تكوين 12: 11-16
مع الأخذ فى الاعتبار أن سارة كانت تبلغ من العمر وقتها أكثر من 66 عامًا تقريبًا. فلك أن تتخيل أن فرعون يشتهى امرأة ذات 66 ربيعًا ، ويترك العذراوات الفاتنات!! ولك أن تتخيل أن المرأة ذات السبعين ربيعًا مازال بها ملامح جمال!! إنه الكذب والافتراء على أنبياء الله وذويهم!! وبهذا الكذب ضلوا وأضلوا!
وها هو نبى الله يعقوب يكذب على أبيه ويسرق البركة والنبوة من أخيه وبذلك فرض على الرب أن يوحى إليه أو اتهم الرب بالجهل وعدم علم هذه الحادثة: (تكوين الإصحاح 27)
ولن أسترسل فى ذكر الكذب الذى نسبه الكتاب (المقدس) لكل نبى ، بل ونسبه للرب نفسه ، كما ذكرت من أمره لموسى صلى الله عليه وسلم وقومه بسرقة حلى وملابس المصريين وقت خروجهم من مصر. فمن أراد الاستزادة فعليه بكتابى (ماذا خسر العالم بوجود الكتاب المقدس، مكتبة وهبة).
أما هذا الكتاب يتخصص فى الرد على اللقاء الأول لزكريا بطرس مع مذيعته التى تسمى نفسها ناهد متولى. ويتناول هذا اللقاء فرية الثالوث التى يروج لها كل مسيحى لم يفهم طبيعة رسالة نبيه، ومنهم القمص زكريا بطرس، والذى أعياه إثباتها فلجأ إلى القرآن وتفسيره الشخصى لإثبات صدق عقيدته ، التى لم يعرفها يسوع ولا تلاميذه، ولم يفهمها آباء الكنيسة الأولون، ولا يفهمها هو نفسه ، بل وصفتها مذيعته مسيحية الأصل بأنها عقيدة معقَّدة.
وستجدنى أتخذ الموضوعية فى ردى عليه ما استطعت، فلا ألومه إلا لتحامله أو لتفريطه فى فهم شىء واضح للعيان، أو بتر نص عن سياقه، أو لقلة علمه فى مسألة بديهية فى دينه، أو موضوع البحث الذى يتناوله هو، أو لاستشهاده بحديث يعلم أنه موضوع ، وغير معتبر فى الإسلام وعند المسلمين ، كما فعل القمص مرقس عزيز خليل فى كتابه (المرأة فى اليهودية والمسيحية والإسلام). والذى جارى طبع كتابى للرد عليه.
* * *
منهج زكريا بطرس والمستشرقين فى البحث والحوار:
أما بشأن المنهج الذى يسير عليه الكثير من المستشرقين والمسيحيين ومنهم القمص زكريا بطرس فى حلقاته فهو كالآتى:
أولاً: يذكر آيات أو ألفاظ على أنها موجودة بالقرآن وهي غير موجودة بالمرة، معتمدًا فى ذلك على أن من يستمع إليه من المسلمين البسطاء الذين لن يراجعوا أقواله. أو من أتباعه الذين يثقون به كرجل دين، لن يتحققوا من صدق ما يقول، أو يريدون الثقة به، لأن ذلك سيسعدهم نفسيًا ، ويُشعرهم بأنهم أصحاب حق، طالما أن المهاجم مسيحى ، ولا يجد من المسلمين ردًا عليه. ومن ذلك ادعائه أن القرآن يقول (لا تكذبوا على الله وروحه) ، ولا يوجد فى القرآن مثل هذا. ولكن الآية الموجودة هى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} (32) سورة الزمر
لذلك يمتنع القمص زكريا بطرس عن قبول المناظرات العلنية ، وهو نفس الأمر الذى رفضه بابا الفاتيكان مع الشيخ أحمد ديدات رحمه الله، وعندما قبل لقاءه اشترط أن يكون اللقاء داخل جدران مكتبه ، وبدون تصوير أو تسجيل!!
وهو نفس ما يفعله القمص زكريا بطرس ، فهو يتجاهل الرد على مناظراتى الكتابية له رغم علمه بها! فقد أصدرت له عدة كتب بعض منها على النت ، وكلها بمكتبة وهبة بالقاهرة. ومازلت فى انتظار ردوده الكتابية ، لتتواصل المحبة التى من أجلها عمل لقاءاته التليفزيونية هذه. ويتجاهل دعوة الزملاء المناظرين على برنامج الدردشة الشهير البالتوك ، ورفض دعوتهم له فى مناظرة علنية تليفزيونية على أحد قناوات القمر الصناعى ، مدفوعة الأجر من قبل المسلمين، مع دفع أجر له شخصيًا. وكان هذا أحد أسباب عودة زينب إلى الإسلام ، بعد أن ذهب مناظرون معها إلى أحد مقاهى الإنترنت ، وبعد أن تقبل الكلام معهم ، فوجىء أنهم يُسائلونه عن أى كتاب مقدس يتكلم ، هل هو الإثيوبى أو البروتستانتى أم ... أم .... فقاطعهم، وسحب منهم الميكروفون ، ووضع على اسمها ( حيث كانوا يُناظرون باسمها) نقطة حمراء ، وبذلك منعها من الكلام ومن كتابة النصوص ، وأخذ يحثهم على الرد والتقاط الميكروفون، ويصيح بصورة مسرحية أنهم لا يملكون الرد ، وهم مقيدون بهذه النقطة الحمراء. الأمر الذى أكد لها كذب القمص ، وتهربه من المواجهة. ومازال العرض قائمًا للمناظرة لعله يمكنه إثبات صحة عقائده أو كتابه!!
ثانيًا: يستدل بأسماء غير معروفة ولا مقبولة كتبت فى أماكن مجهولة، كما لو كانت هذه وجهة نظر الإسلام. وذلك مثل قوله في الحلقة الثانية: (هكذا قال الدكتور الإسلامي الشقنقيطي في بحث كتبه بالفرنسية في جامعة فى فرنسا "باريس").
فمن هو الدكتور الشقنقيطى هذا؟ وفى أى جامعة نشر هذا البحث؟ ومن الذى قام بترجمته إلى العربية أو الإنجليزية ليفهمه القمص؟ أو ما درجة إتقانه للفرنسية حتى نثق فيما فهمه؟ وفى نفس الوقت ليس من الموضوعية فى البحث أن يكون القمص زكريا الخصم والقاضى فى نفس الوقت!
وفي الحلقة الثالثة قال: (الشيخ عبد الكريم الجبلى قال هذا ... في مجلة كلية الأداب عام 1934) وبالطبع لا نعلم شيئًا عن مجلة كلية الآداب ، ولا نعرف شيئًا عن ميول كاتب المقال العقيدية (هذا إن كان بها ما قاله بالفعل).
ولا نعلم أيضًا شيئًا عن الشيخ عبد الكريم الجبلى ، ولا أعلم كيف لا يستشهد بأمهات الكتب الإسلامية ، بل تركها كلها ليكون استشهاده فقط بمجلة كلية الآداب!! فهل من الموضوعية فى البحث أن يستشهد بمجلة لكلية الآداب على موضوع دينى؟
والذى يجب أن يعرفه القارىء المسلم والمسيحى أنه لا يُقام الحُجة على الإسلام إلا بقول الله تعالى أو بقول رسوله الذى ثبت صحته وتواتره السليم. وما عدا ذلك فيقول علماؤنا أنفسهم: (كلٌ يؤخذ منه ويُرد إلا الرسول ). وبهذا تنتهى قضية الاستشهادات من كلام المؤرخين أو المفسرين. وهذا ما يلاحظه العالم كله. فقد يختلف عالم مع أستاذه فى فقه آية أو حديث. فلا يوجد فى الإسلام تقديس للأشخاص، ولكن احترام متبادل بين العالم وتلاميذه. ونؤمن أنه لا يُعرف الحق بالرجال، ولكن يُعرف الرجال بالحق.
ثالثًا: يستدل بأسماء شهيرة فى مجال الإسلام والفكر الإسلامى ويُنسب إليها جهلاً وزورًا ما لم يقله هذا الكاتب. ومثل هذا ما حكاه عن الأستاذ عباس محمود العقاد فى كتابه ”الله“. فقد ذكر الأستاذ العقاد ملخصًا لرأى كهنة المسيحية فى التثليث، فأخذه القمص وادعى على الأستاذ العقاد أنه هو صاحب هذه الآراء ، المؤمن بها، المؤيد لها ، المدافع عنها. فيصبح بذلك الرجل المسلم مسيحيًا دون أن يعلم صاحب الشأن. والغرض من ذلك هو التغرير بالجهلاء وغير المثقفين لتنصيرهم. الأمر الذى يدل فى الحقيقة على أن الحق والصدق قد أعياهم فى الحصول على ثمرة فى مجال التنصير بالعقل وعرض الدين عرضًا صريحًا بيَّنًا ، ومقارنة ذلك مقارنة صريحة أمينة بما عندهم.
والأغرب من ذلك أنه يرفع الكتاب فى حلقاته المصوَّرة ، وتُعرِض الكاميرا هذا الجزء ، دون تفنيد الأستاذ العقاد ، الذى يلى فى الصفحات التى تلى استشهاده بآراء كهنة التثليث.
ومثل ذلك من يخرج علينا ويدعى أنه كان مسلمًا وتنصَّر ، حتى إن احد الفتيات حكت عن قصتها أيام إسلامها وأنها قامت بالحج منذ سنة ، ولما حاوطتها الأسئلة للتأكد من صدق كلامها ، قالت: صدقونى أنا حجيت العام الماضى فى مولد النبى.
وقال آخر إن صلاة العصر سنة ، وليست فرض ، وقال ثالث إن من قواعد الإيمان الخمس عند المسلمين: الشهادة أولا ، ثم قراءة الفاتحة ، ثم قراءة التشهد، ونسى الاثنين الآخرين. فكذبهم فى هذا المضمار لا ينتهى ، حتى ادعوا على الشيخ الفحام ، شيخ الأزهر ، بعد مماته أنه تنصَّر.
وما هذا إلا اعتراف ضمنى صريح بفشلهم وانتصار الإسلام فى الجانب الروحى والعقلى. كما أنهم قد أثبتوا بهذا الكذب والتزوير أنه من المستحيل انتشار المسيحية إلا بالكذب والخداع ، ولهم فى إمامهم بولس أسوة سيئة. فهو نفس الطريق الملتوى الذى اتبعه أستاذه بولس من قبل، فعندما فشل فى تعذيب أنصار عيسى وإثنائهم عن دين الحق لجأ للكذب لتضليل أصحاب العقول الملوثة بالوثنية والجهل: (7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟) رومية 3: 7
يتبع
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على معلم البشرية الأدب والأمانة وحسن الخلق: محمد بن عبد الله النبى الأمى الأمين، قائد الأنبياء وإمام المرسلين، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
قليل من الناس هم الّذين يبحثون عن الحق ، وقليل من هؤلاء من تجدهم على استعداد لبيع كل ما يملكون ، والتضحية بكل غث وثمين بحثًا عن الحقيقة واتباعها. وقليل من رجال الدين الّذين يبيعون مراكزهم وأموالهم ومتعهم الدنيوية سعيًا وراء الحق ، وطلبًا للآخرة ، والخلود فى جنانها.
وكثير من الناس من فضَّل أن يتبع هواه دون بحث، وسعى فى حياته يكفِّر هذا ، ويُخطِّىء ذاك ، ويظنُّ أنه يملك الحقيقة ، ولا يستطيع إثباتها ، فهو قد آمن بأوهام ، وبنى عليها أكاذيب، فأصبح لا يرى سواها ، ولا يؤمن بوجود حقيقة غيرها ، ولا يُجهد نفسه فى التفكير ولا البحث عن حقائق تتعلق بإيمانه ، بل لا يتمنى أن يعرف غيرها. فأصبحوا كالأنعام يحملون أسفارًا ، لا تعرف ما تحمل ، ولا تفهم ما يُقال. وهم من شبَّههم عيسى ابن مريم عليه السلام بمن لهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها.
فليحذروا عذاب الله الذى أنذرهم به: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف
ففى أى صف من هؤلاء أنت عزيزى القارىء؟
إيَّاك أن تكون من أصحاب القلوب الغلف! فهؤلاء لعنهم الله بكفرهم: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} (155) سورة النساء
ولكن كن من المهتدين أولى الألباب، وأصحاب العقول، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) الزمر
وكن من الذين إِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (83-85) سورة المائدة
أما بعد ..
إن الصدق فى القول والعمل هو نوع من أنواع العدل، الذى أمر الله تعالى به، وحث عليه ولو كان ذلك على أقرب الناس وأحبهم إلىّ. فقال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} الأنعام (152)
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ.} النساء (135)
وقال جل جلاله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} النساء (58)
وقال تبارك اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ، وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ. اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. وَاتَّقُواْ اللّهَ. إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المائدة (8)
وقال تقدست صفاته: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} المائدة (42)
وقال جل شأنه: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل (90)
وليس العدل المطلوب توافره فى المؤمن هو العدل مع المؤمنين فقط، بل العدل مع المخالفين لدينه ، بل ومع الكافرين بالله ، وأكبر درجات العدل أن يقيم الإنسان العدل على نفسه. وذلك العدل هو الصدق مع النفس ومع الآخرين. لذلك وصف الله الصادقين بأنهم هم المتقون ، ووعدهم جنة الخلد.
والصادقون هم المتقون الذين يخافون الله فى قولهم وأعمالهم، وهم أهل الجنة: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الزمر (33) ، {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا} الفرقان (15)
وقال تعالت صفاته: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} المائدة (119)
ووصف الله تعالى المؤمنين فاعلى الخير بأنهم الصادقين: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} البقرة (177)
ويأمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والعمل الصالح ، ليكونوا من أهل الجنة مع الصدِّيقين يوم الحساب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة (119)
والصدق من الفضائل التى يعرف لها المؤمن والكافر فضلها ، وقيمتها فى الدعوة ، وهى أول مراحل الإيمان والتصديق بالله ورسله وكتبه. لذلك نجد الكفار اشترطوا على الأنبياء والمرسلين أن يثبتوا صدقهم بعدة طرق مختلفة ليتبعوهم: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الحجر (6-7) ، {مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الشعراء (154) ، {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الشعراء (187) ، {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} العنكبوت (29) ، {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الأحقاف (22)
والمتدبر لاشتراطات الكفار السابقة يلاحظ أنهم بداية كذبوا على أنفسهم ، فأضلهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله ، فكذبوا على الله ورسله. ومن هنا يحذر الله تعالى الكاذبين المكذبين غير العادلين مع الله أو رسله أو أنفسهم والآخرين ، ويتوعدهم فى الآخرة: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } الأحزاب (8)
وعلى ذلك فإن العدل قيمة تشمل جميع مناحى الحياة ، كما يقول موقع صُنَّاع الحياة. وإنه شهادة التاريخ على سلامة المجتمعات والكيانات والأمم. وهو الأمن حين تضطرب الموازين والمعايير. وهو الحارس الذي يحول دون دمار النفوس، وخراب العمران. وهو قوام الدنيا والدين. وسبب صلاح العباد والبلاد. يحكم الأقوال والأفعال ويصلح الأجساد والأبدان. فبالعدل قامت السماوات والأرض. وتآلفت به الضمائر والقلوب. والتأمت به الأمم والشعوب. وغمر الناس بالتناصف والتعاطف. وضمهم بالتواصل والتجانس. إنه القسطاس المستقيم لكل شيء وكل فرد. لا تميل كفته. ولا يختل ميزانه. ولا يضطرب مقياسه. هو صفة الله تعالى. وميزانه في الأكوان.
وحذَّرَ الله أن كل عدل أو ظلم ، وكل صغيرة وكبيرة سيجدها المرء فى سجل أعماله فى الآخرة ، وسوف يُحاسب عليها: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} الكهف (49)
وحرَّم الله الظلم على نفسه ، فقال في الحديث القدسي:(يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا) رواه مسلم.
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم.
بل جعل الظلم لازمة من اللوازم المصاحبة للكفر، فقال: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة 254، وبيَّن أن أعظم أنواع الظلم هو الكذب على الله والشرك به، فقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان 13، فكأنما يقول إن الظلم نوع من أنواع الشرك.
وإن العدل فى القول والعمل لفضيلة يرفع الله بها العادلين في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فهو سياج الاطمئنان والاستقرار بين الأفراد والجماعات، ثم إن الأمة لا تُحترم ولا يكتب لها البقاء، ولا تحتل مكانتها اللائقة بها بين الأمم الراقية، إلا بقدر ما يتحقق فيها من العدل ، فعندما يدعو الإسلام إلى العدل ويأمر به كما جاء ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} (90) سورة النحل، فإن ذلك يعد في الوقت نفسه دعوة إلى حرية الإنسان وكرامته ، وتأكيدًا لحقوقه الإنسانية العامة. لذلك يعد الكفاح من أجل رفع الظلم عن المظلومين وتحقيق العدل بين الناس من الواجبات الإنسانية والدينية على السواء.
والإنسان مسئول مسئولية دينية وأخلاقية عن إقامة العدل الذى هو أساس العمران في هذا الوجود وهذا يعني ضرورة التغلب على نوازع الهوى، وتغليب جانب العقل. ولا سيما إن كان هذا الإنسان الذى يُنتظر منه العدل والصدق رجلاً عرف عنه الأخلاق أو الدين.
ولا تقتصر مقاومة الظلم على المجتمعات الإسلامية، أو رجال الدين فقط، فهي على العكس من ذلك خصيصة إنسانية تتجاوز الحدود الدينية والثقافية بين بني البشر. وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نشير إلى أن المفهوم الإسلامي للعدل لا يتعارض مع مثيله في الحضارات السابقة في الشرق والغرب.
فالعدل يأمر به الله ، ويعلمه رسله ، وتنادى به الفضيلة ، وتصيح به الإنسانية ، ويصرخ عليه العدل قائلين: إنه على كل إنسان فى الحياة أن يقاوم الكذب فى نفسه أولاً ثم مع الآخرين ، ويعدل مع نفسه أولاً ثم مع الآخرين.
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من الصادقين قبل الرسالة وبعدها ، حتى أن كفار مكة أسموه الصادق الأمين ، قبل أن تأتيه الرسالة. وتصديقًا لهذا فقد كانوا يحفظون عنده متعلقاتهم الثمينة قبل الدعوة ، ولمدة 13 سنة يحاربونه ، ويريدون التخلص منه ومن دعوته، لكن لم ينسوا أنه أصدق من فيهم ، وأكثرهم أمانة. فلم يكفوا من وضع متعلقاتهم الثمينة عنده. وعندما همُّوا بقتله، أمره الله بالهجرة إلى المدينة ، فترك عليًا رضي الله عنه فى فراشه ليتمكن من الهرب ، وليرد عليهم أماناتهم. ففى الوقت الذى يفكرون فيه فى قتله ، يعدل ويرد عليهم أماناتهم. فأى أخلاق هذه؟! وأى صدق هذا؟!
قارن هذا بما يؤمن به القمص زكريا بطرس من أن الرب أمر موسى عليه السلام بسرقة المصريين قبل خروجهم من مصر: (21وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهَذَا الشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ. 22بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلِبُونَ الْمِصْرِيِّينَ».) خروج 3: 21-22
(35وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً. 36وَأَعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى أَعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ.) خروج 12: 35-36
وكان عيسى صلى الله عليه وسلم من الصادقين فقد شهد له الناس بقولهم: (يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللَّهِ بِالْحَقِّ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ.) متى 22: 16 ، فكن من الصادقين ولا تبالى بأحد!
وطالب اليهود أن يكونوا من الصادقين فى نفوسهم أولاً: (وَلِمَاذَا لاَ تَحْكُمُونَ بِالْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ؟) لوقا 12: 57، فاحكم بالحق من قبل نفسك!
وذلك ليخرجهم من ربقة الشيطان إلى الحرية التى لا تُعرف إلا بالحق: (وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ.) يوحنا 8: 32 ، (فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً.) يوحنا 8: 36
ونقرأ فى الكتاب الذى يقدسه اليهود والمسيحيون أن الكذب من الضلالات البيِّنة التى تبيد أممًا بأكملها ، فها هو الرب يتفق مع موسى على الكذب على المصريين لسرقتهم قبل الخروج: (35وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً. 36وَأَعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى أَعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ.) خروج 3: 22، و12: 35-36
وعندما أراد الرب أن يضلِّل أخاب أشار عليه الشيطان أن يكون لسان كذب فى فمه ، ووافقه الرب لعلمه أن الكذب مُهلك: (19وَقَالَ: [فَاسْمَعْ إِذاً كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. 20فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. 21ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ 22فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ. فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هَكَذَا.) ملوك الأول 22: 19-22
(30لِذَلِكَ هَئَنَذَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِينَ يَسْرقُونَ كَلِمَتِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.) إرمياء 23: 30
(32هَئَنَذَا عَلَى الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلاَمٍ كَاذِبَةٍ يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِينَ يَقُصُّونَهَا وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَمُفَاخَرَاتِهِمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلاَ أَمَرْتُهُمْ. فَلَمْ يُفِيدُوا هَذَا الشَّعْبَ فَائِدَةً يَقُولُ الرَّبُّ].) إرمياء 23: 32
بل غضب الرب على أنبيائه الكذبة لادعائهم أن الرب أوحى إليهم، وفضحهم على الملأ: (8لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لأَنَّكُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِـالْبَاطِلِ وَرَأَيْتُمْ كَذِباً, فَلِذَلِكَ هَا أَنَا عَلَيْكُمْ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.) حزقيال 13: 8
وباستمرار كذبهم تطاولوا على كتاب الله كما تطاولوا على أنبيائه فحرفوه وأدانهم الرب وفضح أعمالهم: (كَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَلَدَيْكُمْ شَرِيعَةَ الرَّبِّ بَيْنَمَا حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ المُخَادِعُ إِلَى أُكْذُوبَةٍ؟) إرمياء 8: 8
(4اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ! 5الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ.) مزمور 56: 4-5
(15وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتَعَمَّقُونَ لِيَكْتُمُوا رَأْيَهُمْ عَنِ الرَّبِّ فَتَصِيرُ أَعْمَالُهُمْ فِي الظُّلْمَةِ وَيَقُولُونَ: «مَنْ يُبْصِرُنَا وَمَنْ يَعْرِفُنَا؟». 16يَا لَتَحْرِيفِكُمْ!) إشعياء 29: 15-16
الأمر الذى جعل الكتاب يقول إن كل الأنبياء الذين سبقوا يسوع ما هم إلا لصوص وسُرَّاق: (8جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ وَلَكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ.) يوحنا 10: 8
والأمر الذى دفع عيسى صلى الله عليه وسلم إلى اتهام اليهود صراحة بتحريف الكتاب وإبطال وصية الله مقدمين وصاياهم على كتاب الله ، حتى أصبحت العبادة عبارة عن تقاليد الكهنة ولا علاقة لها بأوامر الله أو تعاليم أنبيائه: (6فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ! 7يَا مُرَاؤُونَ! حَسَناً تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: 8يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هَذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً. 9وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ».) متى 15: 6-9
وكذلك عندما أراد بولس أن يُضلل أتباع عيسى صلى الله عليه وسلم ويقضى على دينهم، اتبع الكذب ، ودافع عنه ، ليكسب أتباعًا كثيرين لدينه الجديد: (7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟) رومية 3: 7
وتلوَّن بكل لون تبعًا للشخص الذى يتعامل معه ليربح الأكثرين ويكون شريكًا فى الإنجيل: (19فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرّاً مِنَ الْجَمِيعِ اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ. 20فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ 21وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ لِلَّهِ بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ - لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. 22صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً. 23وَهَذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ لأَكُونَ شَرِيكاً فِيهِ.) كورنثوس الأولى 9: 19-23
بل نسبوا الكذب لأنبياء الله ، الذين هم صفوة البشر وقدوته:
فها هو نبى الله إبراهيم أبو الأنبياء قد نسبوا إليه الكذب واتهموه ببيع شرفه حفاظًا على حياته ، وليربح من وراء جمال زوجته المال الوفير: (11وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ امْرَأَتِهِ: «إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ. 12فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ. 13قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ». 14فَحَدَثَ لَمَّا دَخَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ رَأَوُا الْمَرْأَةَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ جِدّاً. 15وَرَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ 16فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْراً بِسَبَبِهَا وَصَارَ لَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ وَأُتُنٌ وَجِمَالٌ.) تكوين 12: 11-16
مع الأخذ فى الاعتبار أن سارة كانت تبلغ من العمر وقتها أكثر من 66 عامًا تقريبًا. فلك أن تتخيل أن فرعون يشتهى امرأة ذات 66 ربيعًا ، ويترك العذراوات الفاتنات!! ولك أن تتخيل أن المرأة ذات السبعين ربيعًا مازال بها ملامح جمال!! إنه الكذب والافتراء على أنبياء الله وذويهم!! وبهذا الكذب ضلوا وأضلوا!
وها هو نبى الله يعقوب يكذب على أبيه ويسرق البركة والنبوة من أخيه وبذلك فرض على الرب أن يوحى إليه أو اتهم الرب بالجهل وعدم علم هذه الحادثة: (تكوين الإصحاح 27)
ولن أسترسل فى ذكر الكذب الذى نسبه الكتاب (المقدس) لكل نبى ، بل ونسبه للرب نفسه ، كما ذكرت من أمره لموسى صلى الله عليه وسلم وقومه بسرقة حلى وملابس المصريين وقت خروجهم من مصر. فمن أراد الاستزادة فعليه بكتابى (ماذا خسر العالم بوجود الكتاب المقدس، مكتبة وهبة).
أما هذا الكتاب يتخصص فى الرد على اللقاء الأول لزكريا بطرس مع مذيعته التى تسمى نفسها ناهد متولى. ويتناول هذا اللقاء فرية الثالوث التى يروج لها كل مسيحى لم يفهم طبيعة رسالة نبيه، ومنهم القمص زكريا بطرس، والذى أعياه إثباتها فلجأ إلى القرآن وتفسيره الشخصى لإثبات صدق عقيدته ، التى لم يعرفها يسوع ولا تلاميذه، ولم يفهمها آباء الكنيسة الأولون، ولا يفهمها هو نفسه ، بل وصفتها مذيعته مسيحية الأصل بأنها عقيدة معقَّدة.
وستجدنى أتخذ الموضوعية فى ردى عليه ما استطعت، فلا ألومه إلا لتحامله أو لتفريطه فى فهم شىء واضح للعيان، أو بتر نص عن سياقه، أو لقلة علمه فى مسألة بديهية فى دينه، أو موضوع البحث الذى يتناوله هو، أو لاستشهاده بحديث يعلم أنه موضوع ، وغير معتبر فى الإسلام وعند المسلمين ، كما فعل القمص مرقس عزيز خليل فى كتابه (المرأة فى اليهودية والمسيحية والإسلام). والذى جارى طبع كتابى للرد عليه.
* * *
منهج زكريا بطرس والمستشرقين فى البحث والحوار:
أما بشأن المنهج الذى يسير عليه الكثير من المستشرقين والمسيحيين ومنهم القمص زكريا بطرس فى حلقاته فهو كالآتى:
أولاً: يذكر آيات أو ألفاظ على أنها موجودة بالقرآن وهي غير موجودة بالمرة، معتمدًا فى ذلك على أن من يستمع إليه من المسلمين البسطاء الذين لن يراجعوا أقواله. أو من أتباعه الذين يثقون به كرجل دين، لن يتحققوا من صدق ما يقول، أو يريدون الثقة به، لأن ذلك سيسعدهم نفسيًا ، ويُشعرهم بأنهم أصحاب حق، طالما أن المهاجم مسيحى ، ولا يجد من المسلمين ردًا عليه. ومن ذلك ادعائه أن القرآن يقول (لا تكذبوا على الله وروحه) ، ولا يوجد فى القرآن مثل هذا. ولكن الآية الموجودة هى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} (32) سورة الزمر
لذلك يمتنع القمص زكريا بطرس عن قبول المناظرات العلنية ، وهو نفس الأمر الذى رفضه بابا الفاتيكان مع الشيخ أحمد ديدات رحمه الله، وعندما قبل لقاءه اشترط أن يكون اللقاء داخل جدران مكتبه ، وبدون تصوير أو تسجيل!!
وهو نفس ما يفعله القمص زكريا بطرس ، فهو يتجاهل الرد على مناظراتى الكتابية له رغم علمه بها! فقد أصدرت له عدة كتب بعض منها على النت ، وكلها بمكتبة وهبة بالقاهرة. ومازلت فى انتظار ردوده الكتابية ، لتتواصل المحبة التى من أجلها عمل لقاءاته التليفزيونية هذه. ويتجاهل دعوة الزملاء المناظرين على برنامج الدردشة الشهير البالتوك ، ورفض دعوتهم له فى مناظرة علنية تليفزيونية على أحد قناوات القمر الصناعى ، مدفوعة الأجر من قبل المسلمين، مع دفع أجر له شخصيًا. وكان هذا أحد أسباب عودة زينب إلى الإسلام ، بعد أن ذهب مناظرون معها إلى أحد مقاهى الإنترنت ، وبعد أن تقبل الكلام معهم ، فوجىء أنهم يُسائلونه عن أى كتاب مقدس يتكلم ، هل هو الإثيوبى أو البروتستانتى أم ... أم .... فقاطعهم، وسحب منهم الميكروفون ، ووضع على اسمها ( حيث كانوا يُناظرون باسمها) نقطة حمراء ، وبذلك منعها من الكلام ومن كتابة النصوص ، وأخذ يحثهم على الرد والتقاط الميكروفون، ويصيح بصورة مسرحية أنهم لا يملكون الرد ، وهم مقيدون بهذه النقطة الحمراء. الأمر الذى أكد لها كذب القمص ، وتهربه من المواجهة. ومازال العرض قائمًا للمناظرة لعله يمكنه إثبات صحة عقائده أو كتابه!!
ثانيًا: يستدل بأسماء غير معروفة ولا مقبولة كتبت فى أماكن مجهولة، كما لو كانت هذه وجهة نظر الإسلام. وذلك مثل قوله في الحلقة الثانية: (هكذا قال الدكتور الإسلامي الشقنقيطي في بحث كتبه بالفرنسية في جامعة فى فرنسا "باريس").
فمن هو الدكتور الشقنقيطى هذا؟ وفى أى جامعة نشر هذا البحث؟ ومن الذى قام بترجمته إلى العربية أو الإنجليزية ليفهمه القمص؟ أو ما درجة إتقانه للفرنسية حتى نثق فيما فهمه؟ وفى نفس الوقت ليس من الموضوعية فى البحث أن يكون القمص زكريا الخصم والقاضى فى نفس الوقت!
وفي الحلقة الثالثة قال: (الشيخ عبد الكريم الجبلى قال هذا ... في مجلة كلية الأداب عام 1934) وبالطبع لا نعلم شيئًا عن مجلة كلية الآداب ، ولا نعرف شيئًا عن ميول كاتب المقال العقيدية (هذا إن كان بها ما قاله بالفعل).
ولا نعلم أيضًا شيئًا عن الشيخ عبد الكريم الجبلى ، ولا أعلم كيف لا يستشهد بأمهات الكتب الإسلامية ، بل تركها كلها ليكون استشهاده فقط بمجلة كلية الآداب!! فهل من الموضوعية فى البحث أن يستشهد بمجلة لكلية الآداب على موضوع دينى؟
والذى يجب أن يعرفه القارىء المسلم والمسيحى أنه لا يُقام الحُجة على الإسلام إلا بقول الله تعالى أو بقول رسوله الذى ثبت صحته وتواتره السليم. وما عدا ذلك فيقول علماؤنا أنفسهم: (كلٌ يؤخذ منه ويُرد إلا الرسول ). وبهذا تنتهى قضية الاستشهادات من كلام المؤرخين أو المفسرين. وهذا ما يلاحظه العالم كله. فقد يختلف عالم مع أستاذه فى فقه آية أو حديث. فلا يوجد فى الإسلام تقديس للأشخاص، ولكن احترام متبادل بين العالم وتلاميذه. ونؤمن أنه لا يُعرف الحق بالرجال، ولكن يُعرف الرجال بالحق.
ثالثًا: يستدل بأسماء شهيرة فى مجال الإسلام والفكر الإسلامى ويُنسب إليها جهلاً وزورًا ما لم يقله هذا الكاتب. ومثل هذا ما حكاه عن الأستاذ عباس محمود العقاد فى كتابه ”الله“. فقد ذكر الأستاذ العقاد ملخصًا لرأى كهنة المسيحية فى التثليث، فأخذه القمص وادعى على الأستاذ العقاد أنه هو صاحب هذه الآراء ، المؤمن بها، المؤيد لها ، المدافع عنها. فيصبح بذلك الرجل المسلم مسيحيًا دون أن يعلم صاحب الشأن. والغرض من ذلك هو التغرير بالجهلاء وغير المثقفين لتنصيرهم. الأمر الذى يدل فى الحقيقة على أن الحق والصدق قد أعياهم فى الحصول على ثمرة فى مجال التنصير بالعقل وعرض الدين عرضًا صريحًا بيَّنًا ، ومقارنة ذلك مقارنة صريحة أمينة بما عندهم.
والأغرب من ذلك أنه يرفع الكتاب فى حلقاته المصوَّرة ، وتُعرِض الكاميرا هذا الجزء ، دون تفنيد الأستاذ العقاد ، الذى يلى فى الصفحات التى تلى استشهاده بآراء كهنة التثليث.
ومثل ذلك من يخرج علينا ويدعى أنه كان مسلمًا وتنصَّر ، حتى إن احد الفتيات حكت عن قصتها أيام إسلامها وأنها قامت بالحج منذ سنة ، ولما حاوطتها الأسئلة للتأكد من صدق كلامها ، قالت: صدقونى أنا حجيت العام الماضى فى مولد النبى.
وقال آخر إن صلاة العصر سنة ، وليست فرض ، وقال ثالث إن من قواعد الإيمان الخمس عند المسلمين: الشهادة أولا ، ثم قراءة الفاتحة ، ثم قراءة التشهد، ونسى الاثنين الآخرين. فكذبهم فى هذا المضمار لا ينتهى ، حتى ادعوا على الشيخ الفحام ، شيخ الأزهر ، بعد مماته أنه تنصَّر.
وما هذا إلا اعتراف ضمنى صريح بفشلهم وانتصار الإسلام فى الجانب الروحى والعقلى. كما أنهم قد أثبتوا بهذا الكذب والتزوير أنه من المستحيل انتشار المسيحية إلا بالكذب والخداع ، ولهم فى إمامهم بولس أسوة سيئة. فهو نفس الطريق الملتوى الذى اتبعه أستاذه بولس من قبل، فعندما فشل فى تعذيب أنصار عيسى وإثنائهم عن دين الحق لجأ للكذب لتضليل أصحاب العقول الملوثة بالوثنية والجهل: (7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟) رومية 3: 7
يتبع
تعليق