رد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على المنصرين
مع ازدياد نشاط حركات التنصير الفاشلة في مجتمعاتنا الإسلامية , قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بالرد على القساوسة والمنصرين ودحض شبهاتهم وبيان زيفها وكذبها , وأنقل رد اللجنة على إحدى الرسائل التنصيرية الفاشلة مما له علاقة ببحثنا .
س : قد أرسل صاحبي إلي نشرة أرسل إليكم نسخة منها , أرجو الإجابة على ما يلي :
يقول المبشر المذكور : القرآن يشير بكل صراحة إلى الإنجيل والنصارى , القرآن يذكر إن الإنجيل فيه الهداية والنور ( 5/46 ) ( المائدة ) , القرآن يقول إن الإنجيل هداية للبشرية جمعاء ( 3/34 ) آل عمران , القرآن يقول أن اليهود والنصارى يقرؤون الكتب السماوية ( 2/113 ) ( البقرة ) , ويقول القرآن إن النصارى يقضى لهم بموجب الإنجيل ( 5/47 ) المائدة , إذا كان محمد لديه شك حول القرآن , فالقرآن يقول إنه ينبغي له أن يرجع إلى أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) ( 10/95 ) (يونس) , لم يذكر القرآن قط أن الإنجيل حُرف أو أنه غير جدير بالثقة فيه , لو كان الإنجيل محرفًا كما يزعم كثير من المسلمين لما قال القرآن إن النصارى أهل الكتاب وإنهم يقرؤون الكتاب السماوي ولو كان الإنجيل محرفًا أو مرفوعًا إلى السماء كما يقول كثير من المسلمين لما نصح القرآن وأشار على النصارى بأن يحكموا الإنجيل لأنه لا يعقل أن يشير القرآن على النصارى بتحكيم إنجيل محرف أو إنجيل رفع إلى السماء , لو كان أهل كتاب أهل الكتاب محرفًا لما أشار القرآن على محمد أن يرجع إلى أهل الكتاب , وهل كان محمد في شك من القرآن ؟
س 1 : القرآن يشير بكل صراحة إلى الإنجيل والنصارى , ويذكر أن الإنجيل فيه الهداية والنور (5/46) وأنه هداية للبشرية جمعاء ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
جـ : ذكر الله تعالى الإنجيل في القرآن وأمر أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه ومما أنزل الله البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ووجوب الإيمان به , بل أخذ الله الميثاق على كل نبي أن يؤمن بكل رسول أرسله الله تعالى بعده فوجب على عيسى عليه السلام وأمته أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم حين مبعثه وبما جاء به لعموم رسالته , قال تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ }المائدة48, فأخبر سبحانه أنه أنزل القرآن مصدقًا لما قبله من الكتب السماوية مهيمنًا عليها يثبت منها ما شاء الله إثباته وينسخ منها ما شاء سبحانه , وأثنى سبحانه على من أمن به من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وذم منهم من لم يؤمن به ونقض ما أخذ عليه من العهد والميثاق وفسق عن أمر ربه , قال الله تعالى : {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }آل عمران110-111. إلى أن قال سبحانه : {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } آل عمران 112-115 , وقال تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ } المائدة 82-85 , وقال تعالى : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } إلى أن قال : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة29-31 , إلى غير ذلك من الآيات التي نزلت في الثناء على من آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وذم من كفر به .
ثم إن الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على عيسى عليه الصلاة والسلام هو الذي بشر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا برسالته ومع ذلك احنججتم بالقرآن الذي أنزله الله عليه وآمنتم بصلب اليهود عيسى ابن مريم وقتلهم إياه وزعمتم أن ذلك في الإنجيل فكذبكم الله كما كذب اليهود في ذلك بقوله سبحانه في محكم كتابه : {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ }النساء157, وزعمتم أن المسيح عيسى ابن مريم ابن الله , تعالى الله أن يكون له ولد فكذبكم في ذلك بل كفركم بقوله سبحانه : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ }المائدة72 , وزعمتم أنه إله مع الله فكفركم سبحانه في ذلك بقوله : {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }المائدة73 , وزعمتم أن الخنزير حلال أكله وتعبدتم بالرهبانية وكل ذلك ليس في الإنجيل بل هو دين لم يأذن به الله ولا شرعه , فبعد هذا وأمثاله من افترائكم تدعون أن الإنجيل لم يحرف ولم تخفوا منه شيئًا ولم تزيدوا فيه شيئًا , ثم بعد تحاولون أن تحتجوا بالقرآن لإثبات مزاعمكم وبدعكم فتتبعون ما تشابه من القرآن وتتركون محكمه ابتغاء الفتنة وليًا بألسنتكم وطعنًا في الدين , قال الله تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } الآيات إلى أخر آية {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِير }المائدة 15-19 , وقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } إلى قوله سبحانه : {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ }النساء 171-172 , فإن لم تفعلوا كنتم ممن قال الله فيهم : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }النساء 150-151 .
س 2 : القرآن يقول إن اليهود والنصارى يقرؤون الكتب السماوية ( 2/113 ) ؟
جـ : يشير بذلك إلى قوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }البقرة113.
وبخ الله تعالى في هذه الآية كلاً من الفريقين اليهود والنصارى على إنكاره على الآخر ما بيده تصديقه عنادًا منهم وبغيًا وعدوانًا فوبخ اليهود على كفرهم برسالة عيسى عليه السلام وما جاء به من التشريع وهم يتلون الكتاب أي التوراة وفيها ما أخذ الله عليهم من الميثاق أن يؤمنوا به وبما جاء به من تشريع الله . ووبخ النصارى على كفرهم بموسى عليه السلام وهم يتلون الكتاب أي الإنجيل وفيه تصديق ما بين يديه من التوراة التي جاء بها موسى إلا قليلاً مما أمره الله أن يحله لهم , وليس معنى ذلك تقرير ما طرأ على التوراة والإنجيل من التحريف ولا ما أخفاه كل من اليهود والنصارى من كتاب نبيه بدليل ذكره سبحانه ما جناه كل منهما على كتاب نبيه في آيات أخرى من القرآن الذي يحتجون بما تشابه منه على مزاعمهم تمويهًا وتلبيسًا على الناس , بل يجب ضم سائر المأخذ التي أخذت عليهم بعضها إلى بعض من تحريف بعض النصوص وإخفاء بعضها والأيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض أخر منه , فإن أصل الكتابين من عند الله كما أن القرآن نزل من عند الله وكل منهما يصدق بعضه بعضًا وكل الأنبياء يبشر سابقهم بلاحقهم ويصدق لاحقهم السابق منهم فيجب الإيمان بهم جميعًا وبجميع ما جاءوا به من عند الله تعالى , فمن آمن ببعض ذلك وكفر ببعض فهو كافر بالجميع وإليك ما يؤيد ما تقدم من آيات القرآن , قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً * وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}النساء 150-152 , وهذه الآيات عامة يدخل فيها اليهود والنصارى وغيرهم , قال تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * َهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الآيات إلى قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ }المائدة 15-20 , وهذه الآيات عامة في اليهود والنصارى , وقال تعالى : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }الآيات إلى قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ }التوبة29-34 , وهذه الآيات عامة في اليهود والنصارى أيضًا , وقال تعالى : { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة75 , وهذه الآيات كثيرة مما بعدها وما قبلها نزلت في بيان فضائح اليهود كما نزل فيهم قوله تعالى : {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً}الأنعام91 , ولها نظائر في النصارى كإخفائهم البشارة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم , وقال تعالى في إنكاره على النصارى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}الآيات إلى قوله : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ }المائدة72-78 , وقال تعالى في اليهود والنصارى : {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ }البينة4-6 , الآيتين إلى قوله سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أفبعد هذا يصح أن يقال إن القرآن أثنى على اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا به بعد نزوله أو أنه أثنى على ما لعب به اليهود من التوراة أو على ما حرف من الإنجيل أو زيد فيه كبنوة عيسى لله أو إلهيته مع الله , أو صلب اليهود إياه أو قتلهم له أو كتمان وإخفاء صفة محمد ورسالته , إن لم يكن ما ذكر تحريفًا وكتمانًا وزيادة ونقصًا .فماذا يسمى فعل كل من الفريقين بكتاب نبيه ؟!
س 3 : يقول القرآن إن النصارى يقضى لهم بموجب الإنجيل ( 5/47 ) من سورة المائدة ؟
جـ : يشير بذلك إلى آية : {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }المائدة47 , وهذه الآية لا حجة فيها للنصارى على ما زعموا , لأن المراد هنا الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى ابن مريم عليه السلام , لا الإنجيل المحرف الذي ذكر فيه بنوة المسيح أو إلهيته مع الله أو ذكر فيه صلب عيسى أو قتله أو موته قبل أن يرفع إلى السماء أو حذف منه البشارة بمجيء محمد رسولاً من عند الله , ثم إذا ضم إلى هذه الآية ما بعدها من قوله تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}المائدة48 , دل ذلك على أن لا يقضى بموجب الكتب المتقدمة من صحف إبراهيم وموسى وزبور داود والتوراة والإنجيل إلا بما صدقه القرآن منها ولم ينسخه من أحكامها لقوله في هذه الآية : ( مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) , وقد ثبت في فقرة ( 1 , 4 ) أن كلاً من اليهود والنصارى حرف كتاب نبيه فالواجب في فهم الآيات النظر إليها مجموعة ليستقيم المعنى ويتبين الصواب لا الوقوف عند المجمل منها إبتغاء الفتنة والتلبيس شأن من في قلوبهم زيغ ولا هم لهم إلا الجدال بالباطل : {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة32 .
س 4 : إذا كان محمد لديه شك في القرآن فالقرآن يقول أنه ينبغي أن يرجع إلى أهل الكتاب اليهود والنصارى ( 10 / 95 ) من سورة يونس ؟
جـ : يشير بذلك إلى قوله تعالى : {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }يونس94 , وهذه الآية لا حجة لهم فيها , لأن تعليق الحكم بالشرط لا يستلزم تحقق الشرط ووجوده , إذ يتعلق الحكم بشرط ممتنع كما في قوله تعالى : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } الآيات إلى قوله سبحانه : {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام83-88 , فأخبر سبحانه بأن هؤلاء الأنبياء لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون مع انتفاء الشرك عنهم بل مع امتناعه منهم لأنهم قد ماتوا على التوحيد , ولأنهم معصمون من الشرك , وقال تعالى : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ }الزمر 65-66 , فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل أحدًا من أهل الكتاب لأنه لم يفهم من ذلك الخطاب طلب السؤال لإزالة شك بل فهم أن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون كما في قوله تعالى : { قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }الرعد43 , وقوله سبحانه : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الأحقاف10 , وقوله تعالى : {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ }الشعراء197 , إلى أمثال ذلك من الآيات التي تدل على أن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدق محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما كذبه فيه المشركون من الدعوة إلى التوحيد وفي أن الرسل إلى البشر من البشر كما هى سنة الله تعالى الحكيمة وقد أشار الله إلى ذلك في أول هذه السورة – سورة يونس – قال تعالى : {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}يونس2 .
مما تقدم من تفسير الآيات القرآنية وبيان المقصود منها على ضوء ما جاء من نظائرها في القرآن مفصلاً لها ومحكمًا يعين المراد من متشابهها ويعرف الجواب عما ذكره صاحبك الأمريكي المبشر بالنصرانية إلى آخر كلامه فإنه إجمال لما فصله من الشبهات في صدر كلامه .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم 11419, 3/242-249 ) .
ملحوظة : ذكر ذلك المنصر أن المسلمين يقولون أن الإنجيل رفع إلى السماء , وهذا من كذب المستشرقين على المنصرين .