السلام عليكم
النسخ من الموضوعات التى احترف المهاجمين من النصارى لله تعالى ولخاتم النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم التطرق اليه بجهل وغباء فى الوقت الذى يحوى فيه الكتاب المقدس من النسخ ما يقبل مفهومه طبقا لما سياتى بحول الله ومنها الذى لا يقبل ابدا فى الفقه الاسلامى وعلى راسها العقائد التى نسخت فى العهد الجديد فيما يخص طبيعة الاله و وحدانيته"نسال الله العافية" لذلك اثرنا التعريف به ومعرفته بشكل قريب وبمنظور واضح
اولا تعريفه:
النسخ عند علماء اللغة يراد به معنيان:
-الاول الازالة: يقال نسخت الشمس الظل اى ازالته ومنه نسخت الريح اثار القدم
-الثانى النقل والتحويل:يقال نسخت الكتاب اى نقلته ومنه تناسخ المواريث اى تحولها وانتقالها من اناس الى اناس اخرين
النسخ عند علماء الاصوليين:
-هو رفع العمل بحكم شرعى دل عليه نص بنص شرعى لاحق له
ويؤخذ من هذا التعريف ان النسخ انما يكون للاحكام التى دلت عليها نصوص ولا يكون الا بنصوص كذلك
اما الاجكام التى دل عليها الاجماع والقياس او سائر طرق الاستدلال الاخرى فلا تنسخ ولا ينسخ منها اى حكم شرعى منصوص عليه لان مرتبة النصوص فى الدلالة على الاحكام مقدمة على مرتبة سائر الادلة من اجماع وقياس وغيرها
ثانيا متى يتحقق النسخ:
من التعريف السابق ندرك انه لابد فى تحقيق النسخ عند جمهور الاصوليين من شروط اربعة:
1-ان يكون المنسوخ حكما شرعيا
2-ان يكون دليل رفع الحكم دليلا شرعيا
3-ان يكون الدليل الناسخ-النص-متاخرا فى النزول عن المنسوخ
4-ان يكون بين هذين النصين تعارض
ثالثا اراء علماء الاسلام فى النسخ:
اتفق علماء الاسلام سلفا وخلفا على جواز وقوع النسخ عقلا ووقوعه شرعا بالنسبة لامور جزئية واردة فى القران او السنة ولم يخالف احد منهم سوى ابى مسلم الاصفهانى فقد منع وقوعه فى القران مع انه قال بجواز النسخ عقلا وفيما يلى ادلة الاخير:
احتج ابى مسلم على عدم وقوع النسخ فى القران بقوله تعالى
"وانه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"
ووجه الاستدلال انه لو وقع النسخ فى القران لتطرق اليه البطلان وهذا محال لاخبار الله تعالى انه لا ياتيه الباطل
اما ادلة الجمهور فهى عقلية ونقلية :
اما دليلهم العقلى هو ان شرائع الله تعالى قد اتت بما يحقق مصالح العباد وهى منزهة عن الظلم والبغى يقول تعالى"ان الله بالناس لرؤؤف رحيم" ويقول ايضا"وما ربك بظلام للعبيد"
واذ نقرر هذا فلا مانع من النسخ عقلا لجواز اختلاف المصالح باختلاف الاوقات والاحوال كاستعمال الادوية حسب الازمنة والاشخاص ونحن نشاهد ان الطبيب يامر مريضه بتناول الدواء ما دام مريضا ثم ينهاه عنه اذا شفى من مرضه وعاد سليما
اما دليلهم النقلى فقد وردت منه ادلة متعددة على اثبات جواز النسخ
قوله تعالى"ما ننسخ من اية او ننسها نات بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شئ قدير"
وقال جل شانه"واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون
وبهذه الادلة والادلة العقلية يحتج الجمهور على ابى مسلم الاصفهانى فيما ذهب من عدم وقوع النسخ كما رد الجمهور على احتجاج ابى مسلم بالاية الكريمة"لا ياتيه الباطل"ان المراد بها ان هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله ولا ياتى من بعده ما يبطله فهو اخر الكتب السماوية المنزلة ومما ذكر يتضح لنا رجحان مذهب الجمهور
ومع هذا فيجب ان نلفت النظر هنا الى ان الامام ابا مسلم الاصفهانى حينما انكر وقوع النسخ فى القران انما اراد بذلك تعظيم مكانته فاستبعد ان يقع فيه ابطال نص من نصوصه
ويغلب على الظن انه قد حسب ان القول بالنسخ يؤدى الى هذا الابطال فنزه القران عنه
================================================== =============
رابعا الامور التى لم يرد فيها نسخ:
1-العقائد:وهى اصول الايمان التى جاءت بها الاديان السماويه كالايمان بالله تعالى والملائكه والكتب والرسل واليوم الاخر فهده الامور لا تنسخ لانها حقائق ثابته لا تقبل التغير
2-الاخلاق:من الاخلاق فضائل لا تختلف باختلاف الازمان ولا الاحوال والاشخاص كالعدل والاحسان وبر الوالدين فهده الامور وما ماثلها من امهات الاخلاق لا يقع فيها النسخ كما لا يقع ايضا فى امهات الردائل كالظلم والخيانة وعقوق الوالدين وعدم وقوع نسخ فى هده الامور وما ماثلها ان حكمة الله فى التحلى بمحاسن الاخلاق والتخلى عن سيئها امر ظاهر لا يتاثر بمرور الزمن ولا يختلف باختلاف الاشخاص والامم
3-المقاصد العامه للشرائع:هده المقاصد هى الضروريات والحاجيات والتحسينات ومما لا شك فيه ان هده المقاصد تعبر عن مصالح لها اتصال وثيق بحياة الناس فلا تنسخ باى حال من الاحوال ودلك لان الشارع الحكيم ما شرع حكما الا لتحقيق مصالح الناس وما اهمل مصلحه اقتضتها حالهم
4-الاحكام الشرعية الفرعية المؤبدة:لا يقع النسخ فى الاحكام الفرعية التى نص عليها الشارع كتابيد كالجهاد حيث قال صلى الله عليه وسلم"الجهاد ماض مند بعثنى الله الى ان يقاتل اخر امتى الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل"
5-مدلولات الاخبار:اى النصوص التى دلت على وقائع واخبرت عن حوادث مثل قوله تعالى "غلبت الروم فى ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون"
لان نسخ مدلولات الاخبار يؤدى الى كذب الشارع فى احد خبريه"الناسخ والمنسوخ"وهو محال عقلا ونقلا
اما من جهة العقل فلان الكذب نقص والنقض عليه تعالى محال ولان لا خبر اخبر به صلى الله عليه وسلم الا وصدق فيه حتى بعد زمن طويل من الخبر حال حياته صلى الله عليه وسلم او بعد انتقاله الى الرفيق الاعلى
اما من جهة النقل فلقوله تعالى"ومن اصدق من الله حديثا"وقوله "ومن اصدق من الله قيلا"
خامسا مايتناوله النسخ:
يختص ببعض الاحكام الشرعيه الفرعيه وهى الاوامر والنواهى فقط وذلك بتشريع حكم مكان حكم
-كما فى تشريع الميراث بدلا من الوصيه للوالدين والاقربين
-كما فى تشريع الاتجاه الى الكعبة بدلا من بيت المقدس
ومما سبق يمكننا ان ندرك انه"النسخ"كان نادرا فى التشريع المكى لان اغلب ما تقرر فى مكة كان من الاحكام الكلية والقواعد الاصلية وان اكثر ما وقع من النسخ كان فى التشريع المدنى لان اكثر الاحكام جزئية التى هى محل النسخ انما كان فى المدينة
================================================== =============
سادسا اقسام النسخ باعتبار الحكم:
ينقسم النسخ بالنظر الى الحكم اربعة اقسام:
ا-النسخ الى بدل اخف من المنسوخ:
مثال ذلك نسخ ثبات المؤمن امام عشرة من الكفار الى الثبات امام اثنين منهم يقول الله تعالى"يا ايها النبى حرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا ماتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا بانهم قوم لا يفقهون"
فهذه الاية منسوخة بقول الله تعالى عقب ذلك"الان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله"
والظاهر ان الغرض من هذا النسخ هو التخفيف عن المكلفين
ب-النسخ الى بدل مماثل للمنسوخ:
مثال ذلك نسخ وجوب استقبال بيت المقدس لوجوب استقبال البيت الحرام فى الصلاة يقول الله تعالى"قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها قول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره"
ج-النسخ الى بدل اثقل من المنسوخ:
مثال ذلك نسخ ما فرض الله اولا من مسالمة الكفار فى قوله تعالى"فاعفوا واصفحوا حتى ياتى الله بامره" بما فرض من قتالهم فى قوله سبحانه وتعالى"كتب عليكم القتال وهو كره لكم"
د-النسخ بلا بدل:
مثال ذلك نسخ تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى"يا ايها الذين امنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة"فالحكم الذى تتضمنه هذه الاية الكريمة منسوخ بما جاء بعدها فى التلاوة وهو قوله تعالى"ااشفقتم ان تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فاذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الله ورسوله"
سابعا طرق معرفة الناسخ والمنسوخ:
لمعرفة الناسخ والمنسوخ طرق يهتدى بها الباحث الذى يريد المزيد من العلم والمعرفة منها ما يلى:
1-نص الشارع:
اى ان يدل على ذلك نص من كتاب الله تعالى او سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
فمثال الاول ان يدل لفظ القران على تقديم المنسوخ وتاخير الناسخ وذلك كقوله تعالى"والان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله والله مع الصابرين"
فهذا يدل على ان المكلفين كانوا مامورين بامر شاق عليهم "الابتلاء"وهو ما ذكر فى الاية السابقة على هذه الاية فخفف الله عنهم ذلك ورفع التعبد به والزمهم بامر اخر اخف
وقد دل النص القرانى على تقدم احد الامرين على الاخر ودل كذلك على نسخ المتقدم بالمتاخر
ومثال الثانى ان يكون فى لفظ الحديث ما يدل على الناسخ والمنسوخ كقوله صلى الله عليه وسلم"كنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها"
ففى هذا الحديث الشريف حكمان مختلفان وهما النهى عن زيارة القبور ثم الامر بزيارتها وفيه ما يدل على ان النهى عن الزيارة كان سابقا وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم ثم جاء الامر بالزيارة بعد هذا النهى فنسخ المتقدم
2-ذكر الراوى للتاريخ:
ومن طرق معرفة الناسخ والمنسوخ ان يذكر الراوى التاريخ كان يقول هذا متقدم وهذا متاخر او ينسب اية او حديث الى غزوات ويذكر غيره ما يتعارض مع هذا المذكور الى غزوة اخرى معلوم تاخرها فيكون اخر الامرين ناسخا لاولهما
مثال ذلك ما رواه ابن مسعود قال كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا الانختص فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المراءة بالثوب الى اجل
ثم جاء ناسخه فيما رواه سبرة الجهنى من انه قال"امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها"
وفى رواية عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة فى حجة الوداع
وهذا صحيح على اطلاقه فاذا علمنا المتقدم والمتاخر باى طريق كان حكمنا بان المتقدم منسوخ بالمتاخر
3-الاجماع:
ومن طرق معرفة الناسخ والمنسوخ الاجماع ولا نريد بالاجماع ان يكون ناسخا لان الاجماع لم يكن الا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نسخ الا فى حياته لان النسخ لا يكون الا بالوحى
وانما المراد ان الاجماع طريق موصل لمعرفة الناسخ والمنسوخ فاذا اجمعت الامة على نسخ اية او حديث فلابد من المصير الى هذا الاجماع وذلك كاجماعهم على ان وجوب صوم رمضان ناسخ لوجوب كل صوم قبله
================================================== =============
ثامنا :حكمة الله فى النسخ :
بعد ان عرفنا النسخ يجدر بنا ان نبين حكمة الله فيه لان معرفة الحكمة تريح النفس وتطمئن القلب وتعصم من الوسواس والاوهام وهذه الحكمة تتضح فى الامور التالية:
1-تحقيق مصالح الناس:
ان شريعة الله قد جاءت بما يصلح احوال العباد ولاشك ان مصالحهم قد تتغير بتغير احوالهم لا بل هى تتغير فعلا فالحكم قد يشرع لتحقيق مصلخة معينة اقتضتها اسباب "بناء على ايدلوجيات ما زالت طور التغير"فاذا زالت هذه الاسباب فلا مصلحة فى هذا الحكم "كحكم على سبيل التابيد"
والمشاهدة خير دليل على ذلك فاننا نرى الطبيب يامر بتناول الدواء ما دام مريضا ثم ينهاه عنه اذا شفى من مرضه وعاد سليما او مثل من يعالج من الادمان فانه يمر بمراحل علاجية متعددة ربما يحتاج فى مرحلة الى دواء لا يحتاجه فى المرحلة اللاحقة عند اقترابه من الشفاء وهكذا....
2-التدرج فى تربية الامة:
ان سماحة التشريع تقتضى التدرج وعدم مفاجاة من يشرع لهم بما يشق عليهم فعله او يشق عليهم تركه, لا سيما فى امة مثل العرب مهد رسالة الاسلام وما تعنيه بالنسبة لهم العادات والتقاليد والعبث فى تلك المنطقة المحرمة جدا عندهم,وهذا التدرج يقتضى التعديل والتبديل كما هو الحال بالنسبة لحكم الخمر فان الله تعالى قد حرمها على سبيل التدرج فبدات من الاباحة الى التقيد ثم صدر الامر فى النهاية بالتحريم
تلك الحكمة تتجلى فيما اذا كان الحكم الناسخ اصعب من المنسوخ
3-الابتلاء والاختبار:
ان نسخ الحكم بمساو تظهر له حكمة جلية هى الابتلاء والاختبار ليزداد المؤمن ايمانا فيفوز برضا الله تعالى وليظهر المنافق على حقيقته فيهلك ليميز الله الخبيث من الطيب
قال تعالى"الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون"
4-تخفيف على الناس:
ان حكمة الشارع فى نسخ الاصعب بما هو اسهل منه تتمثل فى التخفيف على الناس تحبيبا لهم فى دينهم واظهارا لفضله تعالى عليهم ورحمته بهم لا سيما وانهم رضخوا الى الامر الاول مؤمنين طائعين
تاسعا موقف العلماء من الناسخ والمنسوخ:
وقف العلماء من موضوع النسخ موقفا متباينا فهم بين مانع ومقل ومكثر
فالمانعون للنسخ:هم الذين حاولوا التخلص من القول به اطلاقا سالكين فى ذلك مسلك "التاويل بالتخصيص" ونحوه كابى مسلم الاصفهانى ومن مال الى رائيه من القدامى والمعاصرين
اما المقلون للنسخ:هم الذين يقولون بالنسخ فى حدوده المعقوله كالامام السيوطى والدكتور مصطفى زيد فقد وصل الى القول بالنسخ فى حدود ضيقة جدا"لا تتعدى اصابع اليد الواحدة"
واما المكثرون للنسخ :هم الذين تزيدوا فادخلوا فى النسخ ما ليس منه اشتباها وظنا منهم انه منسوخ من هؤلاء ابوجعفر النحاس وابن حزم وابن الجوزى
عاشرا:النسخ لا يكون الا عند تعارض بين الدليلين:
وقد سبق التنويه الى ذلك وهذا شئ من التفصيل للتاكيد,فاذا وجد نصان متعارضان وقد اتفقا فى القطعية والظنية وعلم تاخر احدهما بطريق من الطرق الثلاثة سالفة الذكر كان الدليل المتاخر فى الورود هو الناسخ والمتقدم هو المنسوخ والا فان لم يدل على تاخر احد الدليلين عن الاخر بطريقة من تلك الطرق وجب التوقف وقيل يتخير بين العمل بهما وهذا كله اذا لم يكن الجمع بين النصين بوجه من وجوه التخصيص والتاويل لان اعمال الدليلين اولى من اعمال دليل واهدار الاخر ولان الاصل فى الاحكام بقاؤها وعدم نسخها فلا ينبغى ان يترك استصحاب هذا الاصل الا بدليل بيين وحجة واضحة
وسلاما على المرسلين والحمد لله رب العالمين
النسخ من الموضوعات التى احترف المهاجمين من النصارى لله تعالى ولخاتم النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم التطرق اليه بجهل وغباء فى الوقت الذى يحوى فيه الكتاب المقدس من النسخ ما يقبل مفهومه طبقا لما سياتى بحول الله ومنها الذى لا يقبل ابدا فى الفقه الاسلامى وعلى راسها العقائد التى نسخت فى العهد الجديد فيما يخص طبيعة الاله و وحدانيته"نسال الله العافية" لذلك اثرنا التعريف به ومعرفته بشكل قريب وبمنظور واضح
اولا تعريفه:
النسخ عند علماء اللغة يراد به معنيان:
-الاول الازالة: يقال نسخت الشمس الظل اى ازالته ومنه نسخت الريح اثار القدم
-الثانى النقل والتحويل:يقال نسخت الكتاب اى نقلته ومنه تناسخ المواريث اى تحولها وانتقالها من اناس الى اناس اخرين
النسخ عند علماء الاصوليين:
-هو رفع العمل بحكم شرعى دل عليه نص بنص شرعى لاحق له
ويؤخذ من هذا التعريف ان النسخ انما يكون للاحكام التى دلت عليها نصوص ولا يكون الا بنصوص كذلك
اما الاجكام التى دل عليها الاجماع والقياس او سائر طرق الاستدلال الاخرى فلا تنسخ ولا ينسخ منها اى حكم شرعى منصوص عليه لان مرتبة النصوص فى الدلالة على الاحكام مقدمة على مرتبة سائر الادلة من اجماع وقياس وغيرها
ثانيا متى يتحقق النسخ:
من التعريف السابق ندرك انه لابد فى تحقيق النسخ عند جمهور الاصوليين من شروط اربعة:
1-ان يكون المنسوخ حكما شرعيا
2-ان يكون دليل رفع الحكم دليلا شرعيا
3-ان يكون الدليل الناسخ-النص-متاخرا فى النزول عن المنسوخ
4-ان يكون بين هذين النصين تعارض
ثالثا اراء علماء الاسلام فى النسخ:
اتفق علماء الاسلام سلفا وخلفا على جواز وقوع النسخ عقلا ووقوعه شرعا بالنسبة لامور جزئية واردة فى القران او السنة ولم يخالف احد منهم سوى ابى مسلم الاصفهانى فقد منع وقوعه فى القران مع انه قال بجواز النسخ عقلا وفيما يلى ادلة الاخير:
احتج ابى مسلم على عدم وقوع النسخ فى القران بقوله تعالى
"وانه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"
ووجه الاستدلال انه لو وقع النسخ فى القران لتطرق اليه البطلان وهذا محال لاخبار الله تعالى انه لا ياتيه الباطل
اما ادلة الجمهور فهى عقلية ونقلية :
اما دليلهم العقلى هو ان شرائع الله تعالى قد اتت بما يحقق مصالح العباد وهى منزهة عن الظلم والبغى يقول تعالى"ان الله بالناس لرؤؤف رحيم" ويقول ايضا"وما ربك بظلام للعبيد"
واذ نقرر هذا فلا مانع من النسخ عقلا لجواز اختلاف المصالح باختلاف الاوقات والاحوال كاستعمال الادوية حسب الازمنة والاشخاص ونحن نشاهد ان الطبيب يامر مريضه بتناول الدواء ما دام مريضا ثم ينهاه عنه اذا شفى من مرضه وعاد سليما
اما دليلهم النقلى فقد وردت منه ادلة متعددة على اثبات جواز النسخ
قوله تعالى"ما ننسخ من اية او ننسها نات بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شئ قدير"
وقال جل شانه"واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون
وبهذه الادلة والادلة العقلية يحتج الجمهور على ابى مسلم الاصفهانى فيما ذهب من عدم وقوع النسخ كما رد الجمهور على احتجاج ابى مسلم بالاية الكريمة"لا ياتيه الباطل"ان المراد بها ان هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله ولا ياتى من بعده ما يبطله فهو اخر الكتب السماوية المنزلة ومما ذكر يتضح لنا رجحان مذهب الجمهور
ومع هذا فيجب ان نلفت النظر هنا الى ان الامام ابا مسلم الاصفهانى حينما انكر وقوع النسخ فى القران انما اراد بذلك تعظيم مكانته فاستبعد ان يقع فيه ابطال نص من نصوصه
ويغلب على الظن انه قد حسب ان القول بالنسخ يؤدى الى هذا الابطال فنزه القران عنه
================================================== =============
رابعا الامور التى لم يرد فيها نسخ:
1-العقائد:وهى اصول الايمان التى جاءت بها الاديان السماويه كالايمان بالله تعالى والملائكه والكتب والرسل واليوم الاخر فهده الامور لا تنسخ لانها حقائق ثابته لا تقبل التغير
2-الاخلاق:من الاخلاق فضائل لا تختلف باختلاف الازمان ولا الاحوال والاشخاص كالعدل والاحسان وبر الوالدين فهده الامور وما ماثلها من امهات الاخلاق لا يقع فيها النسخ كما لا يقع ايضا فى امهات الردائل كالظلم والخيانة وعقوق الوالدين وعدم وقوع نسخ فى هده الامور وما ماثلها ان حكمة الله فى التحلى بمحاسن الاخلاق والتخلى عن سيئها امر ظاهر لا يتاثر بمرور الزمن ولا يختلف باختلاف الاشخاص والامم
3-المقاصد العامه للشرائع:هده المقاصد هى الضروريات والحاجيات والتحسينات ومما لا شك فيه ان هده المقاصد تعبر عن مصالح لها اتصال وثيق بحياة الناس فلا تنسخ باى حال من الاحوال ودلك لان الشارع الحكيم ما شرع حكما الا لتحقيق مصالح الناس وما اهمل مصلحه اقتضتها حالهم
4-الاحكام الشرعية الفرعية المؤبدة:لا يقع النسخ فى الاحكام الفرعية التى نص عليها الشارع كتابيد كالجهاد حيث قال صلى الله عليه وسلم"الجهاد ماض مند بعثنى الله الى ان يقاتل اخر امتى الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل"
5-مدلولات الاخبار:اى النصوص التى دلت على وقائع واخبرت عن حوادث مثل قوله تعالى "غلبت الروم فى ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون"
لان نسخ مدلولات الاخبار يؤدى الى كذب الشارع فى احد خبريه"الناسخ والمنسوخ"وهو محال عقلا ونقلا
اما من جهة العقل فلان الكذب نقص والنقض عليه تعالى محال ولان لا خبر اخبر به صلى الله عليه وسلم الا وصدق فيه حتى بعد زمن طويل من الخبر حال حياته صلى الله عليه وسلم او بعد انتقاله الى الرفيق الاعلى
اما من جهة النقل فلقوله تعالى"ومن اصدق من الله حديثا"وقوله "ومن اصدق من الله قيلا"
خامسا مايتناوله النسخ:
يختص ببعض الاحكام الشرعيه الفرعيه وهى الاوامر والنواهى فقط وذلك بتشريع حكم مكان حكم
-كما فى تشريع الميراث بدلا من الوصيه للوالدين والاقربين
-كما فى تشريع الاتجاه الى الكعبة بدلا من بيت المقدس
ومما سبق يمكننا ان ندرك انه"النسخ"كان نادرا فى التشريع المكى لان اغلب ما تقرر فى مكة كان من الاحكام الكلية والقواعد الاصلية وان اكثر ما وقع من النسخ كان فى التشريع المدنى لان اكثر الاحكام جزئية التى هى محل النسخ انما كان فى المدينة
================================================== =============
سادسا اقسام النسخ باعتبار الحكم:
ينقسم النسخ بالنظر الى الحكم اربعة اقسام:
ا-النسخ الى بدل اخف من المنسوخ:
مثال ذلك نسخ ثبات المؤمن امام عشرة من الكفار الى الثبات امام اثنين منهم يقول الله تعالى"يا ايها النبى حرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا ماتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا بانهم قوم لا يفقهون"
فهذه الاية منسوخة بقول الله تعالى عقب ذلك"الان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله"
والظاهر ان الغرض من هذا النسخ هو التخفيف عن المكلفين
ب-النسخ الى بدل مماثل للمنسوخ:
مثال ذلك نسخ وجوب استقبال بيت المقدس لوجوب استقبال البيت الحرام فى الصلاة يقول الله تعالى"قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها قول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره"
ج-النسخ الى بدل اثقل من المنسوخ:
مثال ذلك نسخ ما فرض الله اولا من مسالمة الكفار فى قوله تعالى"فاعفوا واصفحوا حتى ياتى الله بامره" بما فرض من قتالهم فى قوله سبحانه وتعالى"كتب عليكم القتال وهو كره لكم"
د-النسخ بلا بدل:
مثال ذلك نسخ تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى"يا ايها الذين امنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة"فالحكم الذى تتضمنه هذه الاية الكريمة منسوخ بما جاء بعدها فى التلاوة وهو قوله تعالى"ااشفقتم ان تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فاذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الله ورسوله"
سابعا طرق معرفة الناسخ والمنسوخ:
لمعرفة الناسخ والمنسوخ طرق يهتدى بها الباحث الذى يريد المزيد من العلم والمعرفة منها ما يلى:
1-نص الشارع:
اى ان يدل على ذلك نص من كتاب الله تعالى او سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
فمثال الاول ان يدل لفظ القران على تقديم المنسوخ وتاخير الناسخ وذلك كقوله تعالى"والان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله والله مع الصابرين"
فهذا يدل على ان المكلفين كانوا مامورين بامر شاق عليهم "الابتلاء"وهو ما ذكر فى الاية السابقة على هذه الاية فخفف الله عنهم ذلك ورفع التعبد به والزمهم بامر اخر اخف
وقد دل النص القرانى على تقدم احد الامرين على الاخر ودل كذلك على نسخ المتقدم بالمتاخر
ومثال الثانى ان يكون فى لفظ الحديث ما يدل على الناسخ والمنسوخ كقوله صلى الله عليه وسلم"كنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها"
ففى هذا الحديث الشريف حكمان مختلفان وهما النهى عن زيارة القبور ثم الامر بزيارتها وفيه ما يدل على ان النهى عن الزيارة كان سابقا وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم ثم جاء الامر بالزيارة بعد هذا النهى فنسخ المتقدم
2-ذكر الراوى للتاريخ:
ومن طرق معرفة الناسخ والمنسوخ ان يذكر الراوى التاريخ كان يقول هذا متقدم وهذا متاخر او ينسب اية او حديث الى غزوات ويذكر غيره ما يتعارض مع هذا المذكور الى غزوة اخرى معلوم تاخرها فيكون اخر الامرين ناسخا لاولهما
مثال ذلك ما رواه ابن مسعود قال كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا الانختص فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المراءة بالثوب الى اجل
ثم جاء ناسخه فيما رواه سبرة الجهنى من انه قال"امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها"
وفى رواية عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة فى حجة الوداع
وهذا صحيح على اطلاقه فاذا علمنا المتقدم والمتاخر باى طريق كان حكمنا بان المتقدم منسوخ بالمتاخر
3-الاجماع:
ومن طرق معرفة الناسخ والمنسوخ الاجماع ولا نريد بالاجماع ان يكون ناسخا لان الاجماع لم يكن الا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نسخ الا فى حياته لان النسخ لا يكون الا بالوحى
وانما المراد ان الاجماع طريق موصل لمعرفة الناسخ والمنسوخ فاذا اجمعت الامة على نسخ اية او حديث فلابد من المصير الى هذا الاجماع وذلك كاجماعهم على ان وجوب صوم رمضان ناسخ لوجوب كل صوم قبله
================================================== =============
ثامنا :حكمة الله فى النسخ :
بعد ان عرفنا النسخ يجدر بنا ان نبين حكمة الله فيه لان معرفة الحكمة تريح النفس وتطمئن القلب وتعصم من الوسواس والاوهام وهذه الحكمة تتضح فى الامور التالية:
1-تحقيق مصالح الناس:
ان شريعة الله قد جاءت بما يصلح احوال العباد ولاشك ان مصالحهم قد تتغير بتغير احوالهم لا بل هى تتغير فعلا فالحكم قد يشرع لتحقيق مصلخة معينة اقتضتها اسباب "بناء على ايدلوجيات ما زالت طور التغير"فاذا زالت هذه الاسباب فلا مصلحة فى هذا الحكم "كحكم على سبيل التابيد"
والمشاهدة خير دليل على ذلك فاننا نرى الطبيب يامر بتناول الدواء ما دام مريضا ثم ينهاه عنه اذا شفى من مرضه وعاد سليما او مثل من يعالج من الادمان فانه يمر بمراحل علاجية متعددة ربما يحتاج فى مرحلة الى دواء لا يحتاجه فى المرحلة اللاحقة عند اقترابه من الشفاء وهكذا....
2-التدرج فى تربية الامة:
ان سماحة التشريع تقتضى التدرج وعدم مفاجاة من يشرع لهم بما يشق عليهم فعله او يشق عليهم تركه, لا سيما فى امة مثل العرب مهد رسالة الاسلام وما تعنيه بالنسبة لهم العادات والتقاليد والعبث فى تلك المنطقة المحرمة جدا عندهم,وهذا التدرج يقتضى التعديل والتبديل كما هو الحال بالنسبة لحكم الخمر فان الله تعالى قد حرمها على سبيل التدرج فبدات من الاباحة الى التقيد ثم صدر الامر فى النهاية بالتحريم
تلك الحكمة تتجلى فيما اذا كان الحكم الناسخ اصعب من المنسوخ
3-الابتلاء والاختبار:
ان نسخ الحكم بمساو تظهر له حكمة جلية هى الابتلاء والاختبار ليزداد المؤمن ايمانا فيفوز برضا الله تعالى وليظهر المنافق على حقيقته فيهلك ليميز الله الخبيث من الطيب
قال تعالى"الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون"
4-تخفيف على الناس:
ان حكمة الشارع فى نسخ الاصعب بما هو اسهل منه تتمثل فى التخفيف على الناس تحبيبا لهم فى دينهم واظهارا لفضله تعالى عليهم ورحمته بهم لا سيما وانهم رضخوا الى الامر الاول مؤمنين طائعين
تاسعا موقف العلماء من الناسخ والمنسوخ:
وقف العلماء من موضوع النسخ موقفا متباينا فهم بين مانع ومقل ومكثر
فالمانعون للنسخ:هم الذين حاولوا التخلص من القول به اطلاقا سالكين فى ذلك مسلك "التاويل بالتخصيص" ونحوه كابى مسلم الاصفهانى ومن مال الى رائيه من القدامى والمعاصرين
اما المقلون للنسخ:هم الذين يقولون بالنسخ فى حدوده المعقوله كالامام السيوطى والدكتور مصطفى زيد فقد وصل الى القول بالنسخ فى حدود ضيقة جدا"لا تتعدى اصابع اليد الواحدة"
واما المكثرون للنسخ :هم الذين تزيدوا فادخلوا فى النسخ ما ليس منه اشتباها وظنا منهم انه منسوخ من هؤلاء ابوجعفر النحاس وابن حزم وابن الجوزى
عاشرا:النسخ لا يكون الا عند تعارض بين الدليلين:
وقد سبق التنويه الى ذلك وهذا شئ من التفصيل للتاكيد,فاذا وجد نصان متعارضان وقد اتفقا فى القطعية والظنية وعلم تاخر احدهما بطريق من الطرق الثلاثة سالفة الذكر كان الدليل المتاخر فى الورود هو الناسخ والمتقدم هو المنسوخ والا فان لم يدل على تاخر احد الدليلين عن الاخر بطريقة من تلك الطرق وجب التوقف وقيل يتخير بين العمل بهما وهذا كله اذا لم يكن الجمع بين النصين بوجه من وجوه التخصيص والتاويل لان اعمال الدليلين اولى من اعمال دليل واهدار الاخر ولان الاصل فى الاحكام بقاؤها وعدم نسخها فلا ينبغى ان يترك استصحاب هذا الاصل الا بدليل بيين وحجة واضحة
وسلاما على المرسلين والحمد لله رب العالمين
تعليق