ثامنًا: أسلوب المجادلة ومحاولة التعجيز:
** كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام الحجج والبراهين والأدلة على صحة دعوته, وكان صلى الله عليه وسلم يتقن اختيار الأوقات، وانتهاز الفرص والمناسبات، ويقوى على الرد على الشبهات مهما كان نوعها، وقد استخدم في مجادلته مع الكفار أساليب كثيرة , استنبطها من كتاب الله تعالى في إقامة الحجة العقلية, واستخدام الأقيسة المنطقية, واستحضار التفكير والتأمل، ومن الأساليب التي استخدمها صلى الله عليه وسلم مع كفار مكة:
1- أسلوب المقارنة :
وذلك بعرض أمرين: أحدهما هو الخير المطلوب الترغيب فيه، والآخر هو الشر المطلوب الترهيب منه، وذلك باستثارة العقل, للتفكر في كلا الأمرين, وعاقبتهما الوصول -بعد المقارنة- إلى تفضيل الخير واتِّباعه : قال تعالى: ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:122].
قال ابن كثير في تفسيره: «هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتًا أي: في الضلالة هالكًا حائرًا، فأحياه الله, أي: أحيا قلبه بالإيمان وهداه له ووفقه لاتباع رسله» (1)
2- أسلوب التقرير:
وهو أسلوب يؤول بالمرء بعد المحاكمة العقلية, إلى الإقرار بالمطلوب, الذي هو مضمون الدعوة، قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ` أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ ` أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ` أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ` أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ` أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ` أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ` أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ` أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ` وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ` فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ )[الطور:35-45].
قال ابن كثير في تفسيره: «هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية، فقال تعالى ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) أي أُوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ أي لا هذا ولا هذا, بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئًا مذكورا» (2) .
** وهذه الآية في غاية القوة من حيث الحجة العقلية؛ لأن «وجودهم هكذا من غير شيء أمر ينكره منطق الفطرة ابتداء, ولا يحتاج إلى جدال كثير أو قليل، أما أن يكونوا هم الخالقين لأنفسهم فأمر لم يدَّعوه، ولا يدَّعيه مخلوق، وإذا كان هذان الفرضان لا يقومان بحكم منطق الفطرة, فإنه لا يبقى سوى الحقيقة التي يقولها القرآن. وهي أنهم من خلق الله جميعا من خلق الله الواحد الذي لا يشاركه أحد» (3) والتعبير بالفطرة مضمون الأمر المقرر بداهة في العقل.
----------------
1// تفسير ابن كثير (2/172).
2// تفسير ابن كثير (4/244).
3// في ظلال القرآن (6/3399) .
*****************
يتبع بمشيئة الرحمن
تعليق