العضو النصرانى/ العضوة النصرانية......
إن الإيمان الحق يحتم على الإنسان أن يواجه عقائده ويبحثها ثم يبحث أيضا غيرها, دون ميل أو هوى, وبلا ضيق أو تعصب, وإنما فى هدوء وتعقل, ولا شك أنه سيصل بعد ذلك إلى الحقيقة, سيصل إليها فى يسر وسهولة, دون جهد أو عناء, فالحقيقة واضحة وضوح الشمس, ساطعة سطوع النور.فإما يتبين له مدى صحة دينه فيزداد ثبوتا عليه, أو يتبين له عدم صحة دينه وصحة غيره فيتركه ويتبع الصواب أيا كان.
فلا يكفى للإيمان الحقيقى وراثة العقيدة وتقليد الآباء, فلم يكن الدين فى يوم من الآيام إقرار لوضع قائم, فلو كانت العقيدة إرثا وإنصياعا لما إنتقل الناس من باطل إلى حق ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الخالق جلا وعلا, ولبقى العالم الى اليوم كما كان منذ آلاف السنين يسبح فى الأباطيل والترهات.
لذا يجب على كل إنسان أن يبحث عقيدته وأصل إيمانه ليصل الى الحقيقة فيستريح العقل, ويسكن القلب, وتهدأ النفس, وتستقر الروح.
إخوانى/ أخواتى
أنا لن أناقش فروع المعتقد النصرانى الحالى ولكن سأذكر حقائق وأسس يتبين على أثرها مدى صحة الفروع, وقبل ان أستشهد على صحة هذه الأسس من القرآن الكريم , سأستشهد أولا بنصوص من الأناجيل.
والأسس التى سأتناولها بإذن الله تعالى هى:
أولا: طبيعة المسيح عليه السلام.
ثانيا: معجزات المسيح عليه السلام.
ثالثا: وحدانية الله تعالى.
رابعا: الله حى لا يموت.
خامسا: رؤية الله تعالى فى الدنيا.
أولا: طبيعة المسيح عليه السلام:
*- يقول عليه السلام عن نفسه فى إنجيل يوحنا " وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله " (يو ص 8/40).
- ويتحدث فى نفس الإنجيل موضحا أنه نبى مرسل من الله تعالى فيقول: " إننى خرجت من قبل الله وأتيت إليكم, إننى لم آت من نفسى بل هو أرسلنى..."
*- أما تلاميذ المسيح وحواريوه فإنهم لم يعرفوه إلا على أنه بشر مرسل من الله, يقول عنه متى الحوارى فى إنجيله " هو يسوع النبى من ناصرة الجليل..." ( متى ص 21/11).
- ويقول عنه يوحنا الحوارى " إن هذا هو بالحقيقة النبى الآنى الى العالم " (يو ص 6/14).
- أما القديس لوقا فيتحدث عن المسيح عليه السلام قائلا: " أيها الرجال إسمعوا هذه الأقوال يسوع الناصرى رجل قد تبرهن من قبل الله بفوات وعجائب صنعها الله بيده فى وسطكم كما أنتم تعلمون".
- ويدعوه بولس بقوله: " الإنسان يسوع المسيح".
*- أما الشعب اليهودى الذى عاش المسيح عليه السلام فى وسطه فلم يكن يرى فيه سوى إنسان نبى من قبل الله, يقول القديس متى فى إنجيله أن كهتة اليهود حين تأمروا على قتل المسيح عليه السلام وهموا بالقبض عليه خافوا من جموع الشعب الذين كانوا يقدرونه ويجلونه كنبى مرسل من الله, يقول متى: " وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع, لأنه كان عندهم مثل نبى" ( متى ص 21/46).
- وحين قابلت المرأة السامرية المسيح عليه السلام لم تقل له إنك إله أو ابن إله ولكنها قالت له " أرى أنك نبى...".
** هذا هو المسيح عيسى عليه السلام يتحدث عن نفسه فيعلن إنه إنسان مرسل من الله, ويتحدث عنه تلاميذه والمقربون منه بما رأوه وعرفوه عنه فيقولون إنه نبى, وتنظر إليه جموع السعب إيضا على أنه نبى, تماما مثل باقى إخوته الأنبياء الذين سبقوه.
** يقول الفيلسوف تولستوى: " إنه ينبغى لفهم تعاليم يسوع المسيح الحقيقى كما كان يفهمها هو أن نبحث فى تلك التفاسير والشروح الطويلة الكاذبة التى شوهت وجه التعليم المسيحى حتى أخفته عن الأبصار تحت طبقة كثيفة من الظلام. إن أولئك الشراح والمفسرين يدعون يسوع إلها دون أن يقيموا على ذلك الحجة ويستندون على أقوال لا تدل أقل دلالة على أن المسيح هو الله أو ابن الله".
** ويورد القرآن الكريم قول المسيح عليه السلام لربه نافيا عن نفسه أكاذيب الشراح وترهات المفسرين مبرئا ساحته من بدع المثلثين والمشبهين, وذلك فى قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (120). (المائدة:116-120)
* ولادة السيدة مريم ونشأتها:
قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (37). ( آل عمران : 33-37).
* تبشير الملائكة السيدة مريم بإصطفاء الله تعالى لها وإختياره جلا وعلا لها لتلد ولد من غير أب:
قال تعالى:
(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (43). ( آل عمران 42-43).
ويقول المولى عز وجل:
(إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (47
( آل عمران 45-47)
* ولادة المسيح عليه السلام:
يقول الحق سبحانه وتعالى:
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (37). ( مريم : 16-37).
ثانيا معجزات المسيح عليه السلام:
بالنظر الى المعجزات الحسية التى صنعها المسيح عليه السلام فى حياته والتى أجراها الله تعالى على يديه من شفاء المرضى وإحياء الموتى وذلك لكى تكون دليلا على نبوته ورسالته, والنى دعت البعض الى القول بألوهينه أو بنوته لله, هذه المعجزات المتعددة يصرح المسيح عليه السلام نفسه وتصرح الأناجيل أن السيد المسيح لم يكن سوى الأداة التى حركها الله لإظهار هذه المعجزات وأن الأمر كله فى النهاية مرجعه الى الله سبحانه وتعالى.
- يتحدث إنجيل متى عن إحدى تلك المعجزات فيقول أن المسيح عليه السلام " قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب الى بيتك فقام ومضى الى بيته فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذى أعطى الناس سلطانا مثل هذا" (متى ص 9/6-8).
* هنا نرى المسيح عليه السلام يقوم بشفاء رجل مقعد منذ ولادته فتفرح جماهير الشعب ويمجدوا الله الذى أعطى المسيح الإنسان القدرة على شفاء الأمراض, فجماهير الشعب لم تمجد المسيح ذاته ولم تقدسه أو تؤلهه لشفائه الرجل المقعد من مرضه وإنما عرفت الجماهير الحقيقة وردت السلطان الى أصله ومنشأه فمجدت الله صاحب المعجزات ومجريها على أيدى البشر.
- ويذكر القديس لوقا نفس الحقيقة فيقرر لليهود فى مقدمة إنجيله أن " يسوع المسيح رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب صنعها الله بيده فى وسطكم كما أنتم تعلمون".
*فلوقا يقرر هنا أيضا أن هذه المعجزات والعجائب التى يقوم بها المسيح الإنسان إنما هى من صنع الله, ويضيف لوقا أن هذه الحقيقة يعلمها الشعب اليهودى كله.
- ويقول القديس لوقا فى إنجيله أن السيد المسيح حين كان يقوم بشفاء الأمراض أو صنع المعجزات فإنه لم يكن ينسبها الى نفسه وإنما كان يردها دائما الى " اصبع الله" (لو ص 11/20).
- ويضيف القديس يوحنا فى إنجيله أن المسيح عليه السلام كان يظل يبتهل ويتوسل الى الله خالقه كلما هم بشفاء مريض أو القيام بمعجزة ما, وذلك حتى يتحنن الله عليه ويجرى المعجزات على يديه وكان يخاطب ربه مناجيا " وأنا أعلم أنك كل حين تستجيب لى".
يحدثنا القرآن الكريم عن معجزات المسيح عليه السلام:
فيقول المولى عز وجل عنه عليه السلام:
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (55). (آل عمران : 48-55).
* هذه المعجزات والأيات التى أجراها الله تعالى على يدى المسيح عليه السلام حتى يؤمن الناس أنه رسول من عند الله, ويصدقوا الرسالة التى أتى بها, ويعبدوا الله الذى أرسله, هذه المعجزات التى ذكرها الفرآن الكريم وأشاد بها جميعا, حتى ما فات الإنجيل ذكره منها كخلق الطير من الطين وكالإخبار بالغيب, هذه المعجزات لم يقصرها الله تعالى على رسوله عيسى علسه السلام, بل لقد أجرى الله تعالى على أيدى باقى رسله المكرمين معجزات حسية كثيرة.
* هذا هو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام, ليس سوى إنسان بشرا من مخلوقات الله تعالى, ورسولا عظيما من رسل الله تعالى بعثه الى الأرض لهداية بتى إسرائيل ونشر الحق والسلام.
* أما دعاة التشبيه والتجسيد الذين يأبون إلا التمادى فى الغى والذين يحرفون الكلام عن مواضعه فيخاطبهم القرآن الكريم متعجبا لحالهم:
قال تعالى:
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (95). ( مريم : 88-95).
وقال تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:17)
وقال تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (75). ( المائدة : 72-75). 1- فى الأناجيل: 2- فى القرآن الكريم:
إن الإيمان الحق يحتم على الإنسان أن يواجه عقائده ويبحثها ثم يبحث أيضا غيرها, دون ميل أو هوى, وبلا ضيق أو تعصب, وإنما فى هدوء وتعقل, ولا شك أنه سيصل بعد ذلك إلى الحقيقة, سيصل إليها فى يسر وسهولة, دون جهد أو عناء, فالحقيقة واضحة وضوح الشمس, ساطعة سطوع النور.فإما يتبين له مدى صحة دينه فيزداد ثبوتا عليه, أو يتبين له عدم صحة دينه وصحة غيره فيتركه ويتبع الصواب أيا كان.
فلا يكفى للإيمان الحقيقى وراثة العقيدة وتقليد الآباء, فلم يكن الدين فى يوم من الآيام إقرار لوضع قائم, فلو كانت العقيدة إرثا وإنصياعا لما إنتقل الناس من باطل إلى حق ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الخالق جلا وعلا, ولبقى العالم الى اليوم كما كان منذ آلاف السنين يسبح فى الأباطيل والترهات.
لذا يجب على كل إنسان أن يبحث عقيدته وأصل إيمانه ليصل الى الحقيقة فيستريح العقل, ويسكن القلب, وتهدأ النفس, وتستقر الروح.
إخوانى/ أخواتى
أنا لن أناقش فروع المعتقد النصرانى الحالى ولكن سأذكر حقائق وأسس يتبين على أثرها مدى صحة الفروع, وقبل ان أستشهد على صحة هذه الأسس من القرآن الكريم , سأستشهد أولا بنصوص من الأناجيل.
والأسس التى سأتناولها بإذن الله تعالى هى:
أولا: طبيعة المسيح عليه السلام.
ثانيا: معجزات المسيح عليه السلام.
ثالثا: وحدانية الله تعالى.
رابعا: الله حى لا يموت.
خامسا: رؤية الله تعالى فى الدنيا.
أولا: طبيعة المسيح عليه السلام:
*- يقول عليه السلام عن نفسه فى إنجيل يوحنا " وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله " (يو ص 8/40).
- ويتحدث فى نفس الإنجيل موضحا أنه نبى مرسل من الله تعالى فيقول: " إننى خرجت من قبل الله وأتيت إليكم, إننى لم آت من نفسى بل هو أرسلنى..."
*- أما تلاميذ المسيح وحواريوه فإنهم لم يعرفوه إلا على أنه بشر مرسل من الله, يقول عنه متى الحوارى فى إنجيله " هو يسوع النبى من ناصرة الجليل..." ( متى ص 21/11).
- ويقول عنه يوحنا الحوارى " إن هذا هو بالحقيقة النبى الآنى الى العالم " (يو ص 6/14).
- أما القديس لوقا فيتحدث عن المسيح عليه السلام قائلا: " أيها الرجال إسمعوا هذه الأقوال يسوع الناصرى رجل قد تبرهن من قبل الله بفوات وعجائب صنعها الله بيده فى وسطكم كما أنتم تعلمون".
- ويدعوه بولس بقوله: " الإنسان يسوع المسيح".
*- أما الشعب اليهودى الذى عاش المسيح عليه السلام فى وسطه فلم يكن يرى فيه سوى إنسان نبى من قبل الله, يقول القديس متى فى إنجيله أن كهتة اليهود حين تأمروا على قتل المسيح عليه السلام وهموا بالقبض عليه خافوا من جموع الشعب الذين كانوا يقدرونه ويجلونه كنبى مرسل من الله, يقول متى: " وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع, لأنه كان عندهم مثل نبى" ( متى ص 21/46).
- وحين قابلت المرأة السامرية المسيح عليه السلام لم تقل له إنك إله أو ابن إله ولكنها قالت له " أرى أنك نبى...".
** هذا هو المسيح عيسى عليه السلام يتحدث عن نفسه فيعلن إنه إنسان مرسل من الله, ويتحدث عنه تلاميذه والمقربون منه بما رأوه وعرفوه عنه فيقولون إنه نبى, وتنظر إليه جموع السعب إيضا على أنه نبى, تماما مثل باقى إخوته الأنبياء الذين سبقوه.
** يقول الفيلسوف تولستوى: " إنه ينبغى لفهم تعاليم يسوع المسيح الحقيقى كما كان يفهمها هو أن نبحث فى تلك التفاسير والشروح الطويلة الكاذبة التى شوهت وجه التعليم المسيحى حتى أخفته عن الأبصار تحت طبقة كثيفة من الظلام. إن أولئك الشراح والمفسرين يدعون يسوع إلها دون أن يقيموا على ذلك الحجة ويستندون على أقوال لا تدل أقل دلالة على أن المسيح هو الله أو ابن الله".
** ويورد القرآن الكريم قول المسيح عليه السلام لربه نافيا عن نفسه أكاذيب الشراح وترهات المفسرين مبرئا ساحته من بدع المثلثين والمشبهين, وذلك فى قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (120). (المائدة:116-120)
* ولادة السيدة مريم ونشأتها:
قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (37). ( آل عمران : 33-37).
* تبشير الملائكة السيدة مريم بإصطفاء الله تعالى لها وإختياره جلا وعلا لها لتلد ولد من غير أب:
قال تعالى:
(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (43). ( آل عمران 42-43).
ويقول المولى عز وجل:
(إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (47
( آل عمران 45-47)
* ولادة المسيح عليه السلام:
يقول الحق سبحانه وتعالى:
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (37). ( مريم : 16-37).
ثانيا معجزات المسيح عليه السلام:
بالنظر الى المعجزات الحسية التى صنعها المسيح عليه السلام فى حياته والتى أجراها الله تعالى على يديه من شفاء المرضى وإحياء الموتى وذلك لكى تكون دليلا على نبوته ورسالته, والنى دعت البعض الى القول بألوهينه أو بنوته لله, هذه المعجزات المتعددة يصرح المسيح عليه السلام نفسه وتصرح الأناجيل أن السيد المسيح لم يكن سوى الأداة التى حركها الله لإظهار هذه المعجزات وأن الأمر كله فى النهاية مرجعه الى الله سبحانه وتعالى.
- يتحدث إنجيل متى عن إحدى تلك المعجزات فيقول أن المسيح عليه السلام " قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب الى بيتك فقام ومضى الى بيته فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذى أعطى الناس سلطانا مثل هذا" (متى ص 9/6-8).
* هنا نرى المسيح عليه السلام يقوم بشفاء رجل مقعد منذ ولادته فتفرح جماهير الشعب ويمجدوا الله الذى أعطى المسيح الإنسان القدرة على شفاء الأمراض, فجماهير الشعب لم تمجد المسيح ذاته ولم تقدسه أو تؤلهه لشفائه الرجل المقعد من مرضه وإنما عرفت الجماهير الحقيقة وردت السلطان الى أصله ومنشأه فمجدت الله صاحب المعجزات ومجريها على أيدى البشر.
- ويذكر القديس لوقا نفس الحقيقة فيقرر لليهود فى مقدمة إنجيله أن " يسوع المسيح رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب صنعها الله بيده فى وسطكم كما أنتم تعلمون".
*فلوقا يقرر هنا أيضا أن هذه المعجزات والعجائب التى يقوم بها المسيح الإنسان إنما هى من صنع الله, ويضيف لوقا أن هذه الحقيقة يعلمها الشعب اليهودى كله.
- ويقول القديس لوقا فى إنجيله أن السيد المسيح حين كان يقوم بشفاء الأمراض أو صنع المعجزات فإنه لم يكن ينسبها الى نفسه وإنما كان يردها دائما الى " اصبع الله" (لو ص 11/20).
- ويضيف القديس يوحنا فى إنجيله أن المسيح عليه السلام كان يظل يبتهل ويتوسل الى الله خالقه كلما هم بشفاء مريض أو القيام بمعجزة ما, وذلك حتى يتحنن الله عليه ويجرى المعجزات على يديه وكان يخاطب ربه مناجيا " وأنا أعلم أنك كل حين تستجيب لى".
يحدثنا القرآن الكريم عن معجزات المسيح عليه السلام:
فيقول المولى عز وجل عنه عليه السلام:
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (55). (آل عمران : 48-55).
* هذه المعجزات والأيات التى أجراها الله تعالى على يدى المسيح عليه السلام حتى يؤمن الناس أنه رسول من عند الله, ويصدقوا الرسالة التى أتى بها, ويعبدوا الله الذى أرسله, هذه المعجزات التى ذكرها الفرآن الكريم وأشاد بها جميعا, حتى ما فات الإنجيل ذكره منها كخلق الطير من الطين وكالإخبار بالغيب, هذه المعجزات لم يقصرها الله تعالى على رسوله عيسى علسه السلام, بل لقد أجرى الله تعالى على أيدى باقى رسله المكرمين معجزات حسية كثيرة.
* هذا هو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام, ليس سوى إنسان بشرا من مخلوقات الله تعالى, ورسولا عظيما من رسل الله تعالى بعثه الى الأرض لهداية بتى إسرائيل ونشر الحق والسلام.
* أما دعاة التشبيه والتجسيد الذين يأبون إلا التمادى فى الغى والذين يحرفون الكلام عن مواضعه فيخاطبهم القرآن الكريم متعجبا لحالهم:
قال تعالى:
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (95). ( مريم : 88-95).
وقال تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:17)
وقال تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (75). ( المائدة : 72-75). 1- فى الأناجيل: 2- فى القرآن الكريم:
تعليق