منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل

تقليص

عن الكاتب

تقليص

أبوعبدالله الحنبلي طالب علم اكتشف المزيد حول أبوعبدالله الحنبلي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبوعبدالله الحنبلي
    1- عضو جديد
    • 13 ماي, 2007
    • 64
    • استاذ جامعي
    • طالب علم

    منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل

    منهاج أهل السنة والجماعة
    في العقيدة والعمل
    الشيخ محمد بن صالح العثيمين

    تحقيق
    ابوعبدالله النعماني الأثري

    خدمه وراجعه
    أبو عبدالله محمد بن وجيه العمري


    بسم الله الرحم الرحيم


    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه سراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى اله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :

    فان الله تعالى يقول ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ)(النساء1)

    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )( الأحزاب70-71)

    المراد بأهل السنة والجماعة وبيان تطبيقهم


    أهل السنة والجماعة هم الذين هداهم الله تعالى لما اختلف فيه من الحق باذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وكلنا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بالهدى ودين الحق، الهدى : الذي ليس في ضلالة ، ودين الحق : الذي ليس في غواية، وبقي الناس في عهده على هذا المنهاج السليم القويم ، وكذلك عامة زمن خلفائه الراشدين ، ولكن الأمة بعد ذلك تفرقت تفرقا عظيما متباينا، حتى كانوا على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بهذا نقول: إن هذه الفرقة هي فرقة أهل السنة والجماعة.

    وهذا الوصف لا يحتاج إلي شرح في بيان انهم هم الذين على الحق، لانهم أهل السنة المتمسكون بها، و أهل الجماعة المجتمعون عليها. ولا تكاد ترى طائفة سواهم إلا وهم بعيدون عن السنة بقدر ما ابتعدوا في دين الله سبحانه وتعالى ، ولا تجد فرقة غيرهم إلا وجدتهم فرقة متفرقين فيما هم عليه من النحلة.

    وقد قال سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )( الأنعام 159)

    إذنْ ، لا حاجة لنا إلى التطويل بتعريف أهل السنة والجماعة ؛ لان هذا اللقب يبرهن على معناه برهانا كاملا وانهم المتمسكون بالسنة المجتمعون عليها ، ونحن نلخص الكلام في نقاط رئيسية وهي :


    أولا : بيان طريق أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته مع أمثلة توضح تلك الطريقة


    أهل السنة والجماعة طريقتهم في أسماء الله وصفاته: انهم يعتبرون إن ما ثبت من أسماء الله وصفاته في كتاب الله أو فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو حق على حقيقته- يراد به ظاهره، ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين ، وذلك لأن تحريف المحرفين مبني على سوء قصد أو سوء فهم ، حيث ظنوا انهم إذا اثبتوا تلك النصوص أو تلك الأسماء والصفات على ظاهرها ظنوا إن ذلك إثبات للتمثيل، ولهذا صاروا يحرفون الكلم عن مواضعه ، وقد يكونون ممن لم يفهموا هذا الفهم ولكن لهم سوء قصد في تفريق هذه الأمة الإسلامية شيعا كل رحب بما لديهم فرحون .

    و أهل السنة والجماعة يؤمنون بان ما سمى الله به نفسه وما وصف الله به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حق على حقيقته وعلى ظاهره، ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين، بل هو ابعد ما يكون عن ذلك، وهو أيضا لا يمكن أن يفهم منه ما لا يليق بالله عز وجل من صفات النقص أو المماثلة بالمخلوقين [1] بهذه الطريقة المثلى يسلمون من الزيغ و الإلحاد في أسمـاء الله وصفاته، فــلايثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، غير زائدين في ذلك ولا ناقصين عنه، ولهذا كانت طريقتهم إن أسماء الله وصفاته توقيفية لا يمكن لاحد إن يسمي الله بما لم يسم به نفسه، أو أن يصف الله بما لم يصف به نفسه [2].

    فان أي إنسانٍ يقول: إن من أسماء الله كذا ، أو ليس من أسماء الله، أو : إن من صفات الله كذا ، أو : ليس من صفان الله ، بلا دليل، لأنه [3] لا شك قول على الله بلا علم، وقد قال الله سبحانه وتعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (الأعراف33)

    وقال تعالى( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )(الإسراء36)

    ثم إن طريقتهم في أسماء الله تعالى : إن ما سمى به الله نفسه.

    * فان كان من الأسماء المُتعدية فانهم يرون من شرط تحقيق الإيمان به بما يلي:

    1. أن يؤمن المرء بذلك الاسم اسما له عز وجل.
    2. أن يؤمن بما دل عليه من الصفة، سواء كانت الدلالة تضمناً أو التزاماً.
    3. أن يؤمن بأثر ذلك الاسم الذي كان مما دل عليه الاسم من الصفةِ.

    ونحن هنا نضرب مثلا :

    من أسماء الله تعالى : " السميع" ، يجب على طريق أهل السنة والجماعة أن يُثبت هذا الاسم من أسماء الله ، فيُدعى الله به، فيقال- مثلا- عبد السميع , ويقال : يا سميع ، يا عليم ، و ما أشبه ذلك؛ لان الله تعالى يقول ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا... ) (الأعراف180 )

    وكذلك أيضاً يثبت ما دل عليه هذا الاسم من الصفة، وهي السمع ، فنثبت لله سمعاً عاماً شاملاً لا يخفى عليه أي صوت وإن ضعُف.

    كما يثبت أيضا اثر هذه الصفة ، و هي أن الله تبارك وتعالى يسمع كل شيء. وبهذا ننتفع انتفاعاً كبيراً من أسماء الله ؛ لانه يلزم من هذه الأمور الثلاثة التي أثبتناها في الاسم إذا كان متعديا أن نتعبد الله بها , فنحقق قول الله عز وجل ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا... ) (الأعراف180 )

    فأنت إذا آمنت بان الله يسمع ؛ فانك تؤمن انك مهما قلت من قول سواء كان سراً أم علنا فان الله تبارك وتعالى يسمعه، وسوف ينبئك بما كنت تقول يوم القيامة [4].

    وسوف يحاسبك على ذلك على حسب ما تقتضيه حكمته في كيفية من يحاسبهم تبارك وتعالى.

    إذنْ : القاعدة عند أهل السنة والجماعة : إن الاسم من أسماء الله إذا كان متعديا فانه لا يمكن تحقيق الإيمان به إلا بالإيمان بهذه الأمور الثلاثة:

    1. أن تؤمن به اسما من أسماء الله ، فنثبته من أسمائه.
    2. أن نؤمن بما دل عليه من صفة.
    3. أن نؤمن بما يترتب على تلك الصفة من الأثر.

    وبهذا يتحقق الإيمان بأسماء الله تبارك وتعالى المتعدية.

    * أما إذا كان الاسم لازماً فانهم يثبتون هذا الاسم من أسماء الله ، ويسمون الله به ويدعون الله به، ويثبتون ما دل عليه الاسم من صفة على الوجه الأكمل اللائق بالله تعالى، ولكن هنا لا يكون اثر ؛ لان هذا الاسم مشتق من شيء لا يتعدى موصوفه، فلذلك لا يكون اثر .

    * ونضرب مثلا ( الحي ) : فان ( الحي) من أسماء الله عز وجل، ونثبته اسماً لله ، فنقول : من أسماء الله تعالى ( الحي ) ، وندعو الله به، فنقول ( يا حي ، يا قيوم ).

    ونؤمن بما دل عليه من صفة، سواء كان ذلك تضمناً أو التزاماً، وهي الحياة الكاملة التي تتضمن كل ما يكون من صفات الكمال في الحي من علم، وقدرة، وسمع، وبصر ، وكلام، وغير ذلك.

    فعلى هذا نقول : إذا كان الاسم من أسماء الله غير متعد فان تحقيق الإيمان به يكون بأمرين :

    أحدهما: إثباته اسماً من أسماء الله تعالى.

    والثاني: إثبات ما دل عليه من الصفة على وجه الكمال اللائق بالله تبارك وتعالى [5]

    أما الصفات فإننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه [6] سواء ذكر الصفة وحدها بدون إن يتسمى بما دلت عليه، أو كانت هذه الصفة مما دلت عليه أسماؤه ، فانه يجب علينا أن نؤمن بهذه الصفة على حقيقتها [7].

    مثال ذلك : اثبت الله تبارك وتعالى لنفسه انه استوى على عرشه [8] وهو يخاطبنا بالقرآن النازل باللسان العربي المبين [9] وكل الناس الذين لهم ذوق في اللغة العربية. يعْلمون معنى( اسْتوى ) في اللـغة العربية [10]
    و لهذا قال الأمام مالك رحمه الله تعالى و قد سؤال عن قوله تعالى(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )(طه5) , كيف استوى؟ فقال " الاستواء معلوم، و الكيف مجهول، و الإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ". هذا هو اللفظ المشهور عنه و اللفظ الذي نقل عنه بالسند قال " الاستواء غير مجهول، و الكيف غير معقول، و الإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة"[11]. وهذا اللفظ أدق من اللفظ الذي سقناه قبل ؛ لأن كلمة " الكيف غير معقول" تدل على أنه إذا انتفى عنه الدليلان النقلي و العقلي فإنه لا يمكن التكلم به.

    هذه الصفة من صفات الله تعالى لم يردْ اسمٌ من أسماء الله مُشتقٌ منها , فلم يرد من أسـمائه ( المستوي ) [12] ولكننا نقول : إنه استوى على العرش . ونؤمن بهذه الصفة على الوجه اللائق به .

    و نعلم أن معنى الاستواء هو العلو ، فهو علو خاص بالعرش ، ليس العلو المطلق على جميع المخلوقات، بل هو علو خاص ، و لهذا نقول في قوله تعالى( ...ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ... ) (الأعراف54) أي: علا و اسْتقر على وجه يليق بجلالةِ وعظمتِه. وليس كاستواء الإنسان على البعير و الكرسي مثلا؛ لأن الاستواء على البعير و الكرسي استواء مُفتقر إلى مكانه الذي يستوي عليه، أما استواءُ الله جل ذكره فإنه ليس استواء مفتقرٍ، بل إن الله تبارك و تعالى غني عن كل شيء، كل شيء مفتقرٌ إلى الله، والله تبارك و تعالى غنيٌّ عنه [13].

    ومن زعم أنه بحاجة إلى عرش يُقله فقد أساء بربه عز رجل؛ فهو سبحانه وتعالى غيرُ مفتقر إلى شيء من مخلوقاته، بل جميع مخلوقاته مفتقرةٌ إليه.

    وكذلك النزول إلى سماء الدنيا حينما يبقى ثلث الليل الآخر نؤمن به على أنه نزولٌ حقيقي، لكنه يليق بالله عز وجل لا يشبه نزول المخلوقين [14].

    ومن هنا نقول : إنه يجب على المؤمن أن يتحاشى أمراً يلقيه الشيطانُ في باله، أمراً خطيراً للغاية وهو أمرٌ حمل أهل البدع على تحريف النصوص من أجل هذا الأمر الذي يجعله الشيطانُ في قلوب الناس- ، ألا وهو تخيل كَيْفِيَّةِ صفة من صفات الله، أو تخيل كَيْفِيةِ ذات الله عز وجل!

    فاعلم انه لا يجوز أبدا أن يتخيل كيفية ذات الله ، أو كيفية صفة من صفاته، واعلم انك إن تخيلت أو حاولت التخيل فانك لا بد أن تقع في أحد محذورين: إما التحريف والتعطيل ، و إما التمثيل والتشبيه [15] .
    ولهذا يجب عليكم أيها الاخوة أن لا تتخيلوا أي شيء من كيفية صفات الله عز وجل، لا أقول : لا تثبتوا المعنى ؛ لأن المعنى يجب أن يُثبتَ ، لكن تخيل كيفية تلك الصفة لا يمكن أن تتخيلها، وعلى أيِّ مقياس تقيس هذا التخيل ؟!

    لا يمكن أبداً أن تتخيل كيفية صفات الله عز وجل لا بالتقدير ولا بالقول! يجب عليك أن تتجنب هذا ؛ لأنك تحاول مالا يمكن الوصول إليه ! بل تحاول ما يُخشى أن يوقعك في أمر عظيم لا تستطيع الخلاص منه إلا بسلوك التمثيل والتعطيل! وذلك لان الرب جلت عظمته لا يمكن لاحد أن يتخيله على كيفية معينة؛ لانه إن فعل ذلك فقد قَفَا ما ليس له به علم، وقد قال الله تعالى( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(الإسراء36).

    وإن تخيله على وصف مقارب بمثيل فقد مثل الله، والله سبحانه وتعالى يقول ( ...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )(الشورى11) .

    لا يمكن أبداً أن تتخيل كيفية صفات الله عز وجل لا بالتقدير ولا بالقول! يجب عليك أن تتجنب هذا ؛ لأنك تحاول مالا يمكن الوصول إليه ! بل تحاول ما يُخشى أن يوقعك في أمر عظيم لا تستطيع الخلاص منه إلا بسلوك التمثيل والتعطيل! وذلك لان الرب جلت عظمته لا يمكن لاحد أن يتخيله على كيفية معينة؛ لانه إن فعل ذلك فقد قَفَا ما ليس له به علم، وقد قال الله تعالى( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(الإسراء36).

    وإن تخيله على وصف مقارب بمثيل فقد مثل الله، والله سبحانه وتعالى يقول ( ...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )(الشورى11) .

    وبهذا نعلم أن من أنكر صفات الله أنكرها لانه تخيل أولاً ، ثم قال: هذا التخيل يلزم منه التمثيل ، ثم حرفوا! ولهذا نقول: إن كل معطل ومُنكر للصفات فانه مُمَثلٌ سبق تمثيله تعطـيله. مثل أولاً وعطل ثانياً [16] ولو انه قدر الله حق تقديره ولم يتعرض لتخيل صفاته سبحانه ما احتاج إلى هذا الإنكار والى هذا التعطيل.

    ثانيا: طريقة أهل السنة والجماعة في عبادة الله


    أما كونهم يعبدون الله لله؛ فمعنى ذلك الإخلاص ، يخلصون لله عز وجل، لا يريدون بعبادتهم إلا ربهم، لا يتقربون إلى أحد سواه، إنما( ...يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه... )(الإسراء57) ، ما يعبدون الله لان فلاناً يراهم، وما يعبدون الله لانهم يعظمون بين الناس ، ولا يعبدون الله لانهم يُلقبون بَلَقب العابد! لكن يعبدون الله لله.

    و أما كونهم يعبدون الله بالله؛ أي : مستعينين به، لا يمكن أن يفخروا بأنفسهم، أو أن يروا انهم مُستقلون بعبادتهم عن الله، بل هم محققون لقول الله تعالى( إِيَّاكَنَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )( الفاتحة5) . (إِيَّاكَنَعْبُدُ ) يبعدون الله لله، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )يعبدون الله بالله. فستعينونه على عبادته تبارك وتعالى .

    و أما كونهم يعبدون الله في الله ؛ في دين الله، في الدين الذي شرعته على السنة رسله، وهم وأهل السنة والجماعة في هذه الأمة يعبدون الله بما شرعه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه، فهم يعبدون الله في الله في شريعته في دينه لا يخرجون عنه لا زيادة ولا نقصانا، لذلك كانت عبادتهم هي العبادة الحَقةَ السالمةَ من شوائب الشرك والبدع ؛ لأن من قصد غير الله بعبادته فقد أشرك به، ومن تَعبدَ الله بغير شريعته فقد ابتدع في دينه، والله سبحانه وتعالى يقول( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )(البينه5) .

    فعبادتهم لله في دين الله لا يبتدعون ما تستحسنه أهواؤهم [17] لا أقول : ما تستحسنه عقولهم ؛ لأن العقول الصحيحة لا تستحسن الخروج عن شريعة الله ؛ لأن لزوم شريعة الله مقتضى العقل الصريح ، ولهذا كان الله سبحانه وتعالى ينعي على المكذبين لرسوله عقولهم ويقول( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )(العنكبوت63) .

    ولو كنا نتعبد لله بما تهواه نفوسنا وعلى حسب أهوائنا لكنا فِرَقا وشيعاً ، كل يستحسن ما يريد ، فيتعبد لله به! وحينئذٍ لا يتحقق فينا وصف الله سبحانه وتعالى في قوله( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ... )(المؤمنون52) .

    ولننظر إلى هؤلاء الذين يتعبدون لله بالبدع التي ما أَذِن الله بها ولا أنزل بها من سلطان، كيف كانوا فرقاً يكفر بعضهم بعضا ويفسق بعضهم بعضا، وهم يقولون انهم مسلمون! لقد كُفِّر بعض الناس ببعض أمور لا تخرج الإنسان إلى الكفر! ولكن الهوى أصمهم و أعمى أبصارهم.

    نحن نقول : إننا إذا سرنا على هذا الخط لا نعبد الله إلا في دين الله فإننا سوف نكون أمة واحدة، لو عبدنا الله تعالى بشرعه وهداه لا بهوانا لكنا أمة واحدة، فشريعة الله هي الهدى وليست الهوى.

    إذنْ : لو أن أحدا من أهل البدع ابتدع طريقة عَقَديةً [18] ( أي تعود للعقيدة) أو عملية ( تعود للعمل ) من قول أو فعل ، إن هذه حسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجُرها وأجر منْ عمِل بها إلى يوم القيامة ) [19] , قلنا له بكل بساطة : هذا الحُسنُ الذي ادعيْت إنه في هذه البدعة هل كان خافياً لدى الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو كان معلوماً عنده لكنه كتمه ، ولم يَطلِع عليه أحدٌ من سلفِ الأمة حتى ادُّخِر لك علمه ؟!

    والجواب: إن قال بالأول فشرٌ ، وان قال بالثاني فأُظم واشرٌَ.

    فإن قال : إن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم حُسنَ هذه البدعة ولذلك لم يشرعها.

    قلنا: رميت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر عظيم، حيث جهلته بدين الله [20]وشريعته.!!

    وإن قال : إنه يعلم ولكن كتمه عن الخلق.

    قلنا له: وهذه أدهى وأمر ؛ لأنك وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو الأمين الكريم وصفته بالخيانة وعدم الجود بعلمه وهذا أشر من وصفه بعدم الجود بماله، مع انه صلى الله عليه وسلم كان أجودَ الناس ! وهنا شرٌّ قد يكونُ احتمالاً بان الرسول صلى الله عليه وسلم علمها وبلِّغها ولكنْ لم تصلْ إلينا.

    فنقول له: وحينئذ طعنت في كلام الله عز وجل ؛ لان الله تعـالى يقول( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )(الحجر9) و إذا ضاعت شريعة من شريعةٌ الذكر فمعنى ذلك إن الله لم يقم بحفظه، بل نَقَصَ من حفظه إياه بقدر ما فات من هذه الشريعة التي نزل من اجلها هذا الذكر!!

    وعلى كل حال : فان كل إنسان يبتدع ما يتقرب به إلى ربه من عقيدة أو عمل قولي أو فعلي فانه ضال ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) [21] , وهذه كلية عامة لا يُستثنى منها شيء إطلاقا ، فكل بدعة في دين الله فإنها ضلالة وليس فيها من الحق شيء ؛ فان الله تعالى يقول( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) يونس32) .

    ثم نقول: إن الحديث لا يدل على كل بدعة! بل قال ( من سنة في الإسلام ). وما خرج عن شريعة الرسول ليس من الإسلام، بل قد قال ( من سنة في الإسلام سنة حسنة ) . وبهذا نعرف أنه لا بد أن تكون هذه السنة مما أثبته الإسلام , وإلا ليست سنة في الإسلام , ومن علِم سَبَبَ الحديث الذي ذكرناه عَلِمَ أن المراد بالسنة : المبادرة بالعمل , أو السبق إلى تنفيذ سنة كان أسبق الناس بها , لأن سبب الحديث معلومٌ وهو أن جماعةٌ جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وكانوا فقراء , فَحَث المسلمين على التصدق عليهم , فأتى رجلٌ من الأنصار بصرةٍ قد أثقلتْ يده فوضعها بين يديه صلى الله عليه وسلم ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها ) . وبهذا عرفنا المراد أن منْ سنها ليس من شرعها ، لكن من عمل بها أولا ؛ لانه بذلك( أي بعمله أولا ) يكون هو إماما للناس فيها، فيكون قدوة خير وحسنة ، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة [22] .

    ولا يرد على ذلك ما ابْتدعَ من الوسائل الموصلَة إلى الأمور الشرعية؛ فان هذه وان تَلَجْلَجَ بها أهلُ البدع وقعدُوا بها بدعَهم فإنه لا نصيب لهم منها، إلا أن يكون الراقم الماء له نصيب من الحروف بارزة في الماء !

    أقول : ان بعض الناس يستدلون على تحسين بدعهم التي ابتدعوها في دين الله والتي يلزم منها ما سبق ذكره بما احدث من الوسائل لغايات محمودة.

    احتجوا على ذلك بجمع القران ، وبتوحيده في مصحف واحد و بالتأليف، وببناء دور العلم وغير ذلك مما هو وسائل لا غايات! فهناك فرق بين الشيء الذي يكون وسيلةً إلى غاية محمودة مثبتةٍ شرعاً لكنها لا تتحقق إلا بفعل هذه الوسيلة ؛ فهذه الوسيلة طبعاً تتجدد بتجدد الزمن وتختلف باختلاف العصور، ها هو قوله عز وجل( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... )( الانفال60) و إعدادُ القوة على عهده عليه الصلاة والسلام غير إعداد القوة في زمننا هذا، فإذا ما أحدثنا عملاً معيناً نتوصل به إلى إعداد القوة فان هذه بدعةُ وسيلةٍ وليستْ بدعةُ غايةٍ يُتقرب بها إلى الله، ولكنها بدعةُ وسيلةٍ، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد وبهذا أن ما تلجْلجَ به مبتدع الحوادث في دين الله باستدلالهم بمثل هذه القضايا انه ليس لهم فيها دليل أبداً؛ لان كل ما حصل فهو وسائل لغايات محمودة.

    فجمع القرآن من تصنيف وما أشبه ذلك كله وسائل لغايات هي مشروعة في نفسها، فيجب على الإنسان أن يفرق بين الغاية والوسيلة، فما قصد لذاته فقد تم تشريعه من عند الرسول عليه الصلاة والسلام بما أوحاه الله إليه من الكتاب العظيم ومن السنة المطهرة، ولدينا ولله الحمد آية نتلوها في كتاب الله، وهي قوله تعالى ( ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا... )( المائدة3) , فلو كان من المحدثات ما يكمل به الدين لكانت قد شُرعتْ وبُينتْ وبُلغتْ وحُفظتْ، ولكن ليس فيها شيء يكون فيه كمال الدين، بل نقص في دين الله [23] .

    قد يقول بعض الناس: إننا نجد في هذه الحوادث [24]عاطفة دينيةً ورقةً قلبية واجتماعاً عليها.

    فنقول : إن الله تعالى اخبر عن الشيطان انه قال( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ...)(الاعراف17) , يُزَينها الشيطان في قلب الإنسان ليصده عما خُلِق له، عن عبادة الله التي شرع ، فترضخ النفس بواسطة تسلُّط الشيطان على المرءِ حتى يصده عن دين الحق ، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بان ( الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) [25] ، بل في القرآن قبل ذلك قال الله تعالى ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل99-100) , فجعل الله للشيطان سلطاناً على من تولاه و أشرك به، أي جعل لله شريكاً به بواسطة الشيطان.

    وكل من جعل له متبوعاً في بدعة من دين الله فقد أشرك بالله عز وجل، وجعل هذا المتبوع شريكاً لله تعالى في الحكم! وحكم الله الشرعي والقدري لا شريك له أبدا ( ...إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ... )(يوسف40) , وركزت على هذا الأمر لكي يعلم أهل الإحداث المُحدِثُون انه لا حجة لهم فيما أحدثوه.

    واعلم رحمك الله انه لا طريق إلى الوصول إلى الله عز وجل والى دار كرامته إلا من الطريق الذي وضعه هو سبحانه وتعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    ( ...وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى... )(النحل60) , لو أن ملكاً من الملوك فتح باباً للدخول عليه، وقال: من أراد أن يصل إليَّ فليدخل من هذا الباب ، فما ظنكم بِمْن ذهب إلى أبوابٍ أخرى، هل يَصِلُ إليه؟ كلا بالطبع .

    والملك العظيم ، ملم الملوك، وخالق الخلق، جعل طريقاً إليه خاصاً بما جاءه به رسله وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعد بعثه لا يمكن لأي بشر أن ينال السعادة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.

    والحقيقة أن تعظيم الرسول صلى الله عليه و سلم ، وأن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أن نسلك ما سلك ، ونذر ما ترك، وان لا نتقدم بين يديه فنقول في دينه ما لم يقل، أو نحدث في دينه ما لم يشرع.

    هل من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعظيمه أن نُحدث في دينه شيئا يقول هو عنه ( كل بدعه ضلالة ) [26] . ويقول ( من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد ) [27], هل هذا من محبة الرسول ؟! هل هذا من محبة الله عز وجل ؟! إن تُشَرِّعَ في دين الله ما لم يشرع ؟ ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(ال عمران31) [28] .


    ثالثا: طريقة أهل السنة والجماعة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم


    من المعلوم انه لا يتم الإسلام إلا بشهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله، والشهادة لا تَتَحققُ إلا بثلاثة أمور :
    1. عقيدة في القلب.
    2. نطق باللسان .
    3. عمل بالأركان [29]

    ولهذا يقول المنافقون للرسول عليه الصلاة والسلام إذا جاؤوه( ... نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ...) . ويقول الباري جل ذكره فيهم( ...وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )(المنافقون1) لماذا ؟ لان هذه الشهادة فُقد منها أعظمُ ركنٍ فيها وهو العقيدة ، فهم يقولون بألسنتهم ما لا يعتقدونه في قلوبهم.

    فمن قال : اشهد أن محمداً رسول الله. ولكن قلبه خالٍ من هذه الشهادة فانه لم يُحقِّقْ شهادة أن محمدا رسول الله.

    ومن اعتقد ذلك ولم يقله بلسانه فانه لم يحقق شهادة أن محمدا رسول الله.

    ومن قال ذلك لكن لم يتبعه في شريعته فانه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله. وكيف تخالفه و أنت تعتقد بأنه رسول رب العالمين وان شريعة الله هو ما جاء به ؟!

    كيف تقول انك شهدت أن محمدا رسول الله على وجه التحقيق ؟! لهذا نعتقد أن كل منْ عصى الله ورسوله فانه لم يحقق شهادة أن محمدا رسول الله.

    لستُ أقول : انه ما يشهد ، ولكنه لم يحقق، وقد نقص من تحقيقه إياه بقدر ما حصل منه مِن} مخالفة [30]

    إذنْ : طريقةُ أهل السنة والجماعة في حقِّ رسول الله عليه الصلاة والسلام الشهادة له بقلوبهم وألسنتهم و أعمالهم انه رسول الله، كذلك- أيضا - يُحِبونه حب تقدير حباً تابعاً لمحبة الله عز وجل.

    وليسوا يحبونه من باب التعبد له بمحبته؛ لان الرسولَ الله عليه الصلاة والسلام يُتعبدُ لله به- أي بشَرْعِه-، ولكنه لا يعبد هو .

    فهم يحبون الرسولَ عليه الصلاة والسلام لأنه رسولُ ربِّ العالمين . ومحبتهم له من محبة الله تبارك وتعالى، ولو لا إن الله أرسل محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي لكان رجلاً من بني هاشم لا يستحق هذه المرتبة التي استحقها بالرسالة.

    إذن : نحن نحبه ونعظمه لأننا نُحِبُّ الله ونُعظمه، فمن أجل انه رسول الله وان الله تبارك وتعالى هدى به الأمة ، حينئذٍ نحبه.

    فالرسول عليه الصلاة والسلام عند أهل السنة والجماعة محبوب، لانه رسول رب العالمين، ولا شك انه أحق الناس، بل أحق الخلق و أجْدرهم بتحمُّل هذه الرسالة العظيمة عليه الصلاة والسلام.

    كذلك أيضا- يعظمون الرسول عليه الصلاة والسلام حق التعظيم ويرون انه اعظم الناس قدرا عند الله عز وجل.

    لكن مع ذلك لا يُنْزِلُونه فوق منزلتهِ التي أَنزلهُ الله، ويقولون : إنه عبد الله، بل أَعْبدُ الناس لله عز وجل حتى إنه يقوم حتى تَتَوَرّمَ قدماه، فيقال: كيف ذلك وقد غَفَرَ لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول ( أَفَلا أَحِبُّ أن أكونَ عبداً شكورا ) [31] .

    من يحقق العبادة كتحقيق الرسول عليه الصلاة والسلام ؟! ولهذا قال ( إِنِّي والله أخْشاكمْ لله و أعْلمُكمْ بما أتقي ) [32] . فهو بلا شك أعظم العابدين عبادة و أشدهم تحقيقا لها صلى الله عليه وسلم، ولهذا حين تحدث عن البصـل و الكراثِ قال المسلـمون : حرمت. قال ( أيها الناس! إنه ليـسَ لي تحـريم ما أحل الله ) [33] .

    انظروا إلى هذا الأدب مع الله عزوجل ! هكذا العبودية , ولهذا هم يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , عَبْد من عبدا الله , وهو أكمل الناس في عبوديته لله .

    ويؤمنون –أيضاً- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يَعْلم الغيبَ إلا ما أطلعه الله عليه , لا يملكُ لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا لغيره , والله تعالى قد أمره أن يُبلغ ذلك إلى الأمة فقال ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )(الأنعام50)

    وما هي وظيفته ؟ ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأحقاف9) ومنْ زَعم أن الرسولَ عليه الصلاة والسلام يعلمُ شيئاً من الغيب غير ما أطلعه عليه فهو كافر بالله ورسوله , لأنه مكذبٌ لله ورسوله .

    فإن الرسول أم أن يقول –وقال [34]- قولا يُتلى إلى يوم القيامة قوله ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )(الأنعام50)

    وبمناسبة هذه الآية الكريمة أودُّ أن أقولَ: إن القرآن الكريم أحياناً تُصدَّرُ الأخبارُ فيه بكلمة ( قل ) وكلُّ شيءً صُدَّرَ بهذه الكلمة معناه: أن الله سبحانه وتعالى اعْتنَى به عنايةً خاصةَ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قد أُمرَ أن يقولَ كلَّ القرآن ؛ ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )(المائدة 67) لكن هذا الذي خُصَّ بكلمة ( قل ) فيه عنايةُ خاصةٌ استحقَّ أن يُصدَّرَ بالأمر بالتبليغ على وجه الخصوص، مثل هذه الآية ومثلها في الأحكام ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ...) (النور: 30) , ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ...)(النور31) والأمثلةُ كثيرةٌ في القرآن.

    إذن : الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيبَ إلاَّ ما أَطْلَعه الله، ولا يَمْلكُ لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، بل ولا لغيره أيضاً؛ ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا) (الجن21) , ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) (الجن22) لو أراد الله بي شيئاً ما أجارني أحدٌ منه ولن أجدَ من دونه مُلتحداً.

    ويعتقدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام بَشَرٌ ليس له من شئون الربوبية شيء، ولا يعلم الغيبَ إلا ما أطلعه ]الله[ عليه، حتى إنه عليه الصلاة والسلام يُسْأل أحياناً عن شيءً من الأحكام الشرعية، فيتوقف حتى يأتيه الوحي، حتى إنه أحياناً يُصْدرُ القولَ، فيأتيه الاستثناءُ من عند الله عز وجل؛ فقد سُئلَ عليه الصلاة والسلام عن الشهادة: هل تُكَفَّرُ كلَّ شيء؟ فقال: ( نعم ) . ثم قال ( أين السَّائلُ؟ ) فقال ( إلاَّ الدَّيْنَ؛ أَخْبرني بذلكَ جبريلُ آنفاً ) [35] , أحياناً يجَتْهَدُ عليه الصلاة والسلام ولكن يأتـيه الوحيُ من الله عز وجل بأن الخيرَ في كذا وكذا خلافَ ما اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم. [36]

    إذن : الرسول عليه الصلاة والسلام عبد عابد لله عز وجل وليس له من شئون الربوبية شيء، هذا هو قول أهل السنة والجماعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    يعتقد أهل السنة والجماعة أيضاً: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ تَجُوزُ عليه كُلُّ الخصائص البشرية والجسدية: فينامُ، ويأكلُ، وَيشربُ، وَيمرضُ، وَيتألَّمُ، وَيحْزَنُ، ويَرضىَ، وَيغضب – عليه الصلاة والسلام - ، ويَموتُ كما يموتُ الناس ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر30-31) , ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ...) (آل عمران144) , ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قد مات ميتةً جسديةً فارقت روحه جسده فيها , وقاه أهله وأصحابه بما يقومون به في غيره من شئون الموتى , سوى أنه عليه الصلاة والسلام لم يجرد عند تغسيله , والمعروف أن لم يُصل عليه جماعة , إنما كان الناس يصلون عليه أفراداً , لأنه الإمام عليه الصلاة والسلام .

    ومن زعم أنه جيُّ في قبره حياةً جسديةً لا حياةً برزخيةً وأنه يصلي ويصومُ ويحجُ وأنه يعلمُ ما تقوله الأمةُ وتفعله فإنه قد قال قولاً بلا علمٍ [37]

    فالرسول عليه الصلاة والسلام انقطع عمله بموته , كما قال هو نفسه (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث , صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له) [38]

    فعمله الذي يعمله بنفسه انقطع بموته , ولكن لا شك أن كل علم علمناه من شريعة الله فإنه بواسطته عليه الصلاة والسلام , وحينئذ فيكون منتفعاً من كل هذه العلوم التي علمناها بعد موته صلى الله عليه وسلم , وكذلك الأعمال الصالحة التي نعلمها كانت بدلالته صلى الله عليه وسلم فيكون له مثل أجر العاملين .



    رابعا : طريقة أهل السنة والجماعة في حق الصحابة رضي الله عنهم



    أهل السنة والجماعة يعرفون للصحابة قدرهم , وأنهم خير القرون بشهادة الني صلى الله عليه وسلم قال – فيما ثبت عنه من حديث عمران بن حصين ( خيرُُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم ) [39] , فالصحابة خير هذه الأمة بلا شك , ولكنهم على مراتب : بعضهم أفضل من بعض .

    قال الله تعالى ( ... لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ...)(الحديد10) , وقال تعالى ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ... ) (النساء95) .

    ولكن ]مع[ [40] هذه المراتب وهذه الفضائل يجب أن نعرف أن الواحد فيهم له مرتبة على الإطلاق وله مرتبة خاصة , أي أنه قد يكون أفضل من غيره على سبيل العموم والإطلاق , ويكون في غيره خصلةٌ هو أفضلُ منه فيها , وأهل السنة والجماعة يقولون : إن أفضل الصحابة الخلفاء الأربعة , وأفضلهم أبوبكر , ثم عمر , ثم عثمان , ثم علي , يرتبونهم في الفضل حسب ترتبيهم في الخلافة , ولكن لا يلزم من كون أبي بكر أفضل الصحابة أن يتميز أحد من الصحابة عن أبي بكر بمنقبةٍ خاصةٍ .

    وقد يكون لعلي بن أبي طالب منقبة ليست لأبي بكر , وقد يكون لعمر منقبةٌ ليست لأبي بكر , كذلك قد يكون لعثمان , ولكن الكلام على الفضل المطلق والمربتة الكليةِ العامة , فإن مراتب الصحابة تختلف اختلافاً اتفق عليه أهل السنة والجماعة وهو دلالة القرآن ودلالة السنة أيضاً .

    فإن خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف تنازعا في أمر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد ( لا تسبوا أصحابي , فوالذي نفسه بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه ) [41]

    كذلك أيضا أهل السنة والجماعة يقولون : إن بعض الصحابة له مزيةٌّ ليست لغيرهم , فيجب أن ننْزلهم في منازلهم , فإذا كان الصحابي من آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام كعلي بن أبي طالب و وحمزة , والعباس , وابن عباس وغيرهم , فإننا نحبه أكثر من غيره , من حيث قربه من الرسول عليه الصلاة والسلام , لا على سبيل الإطلاق .

    فنعرف له حقه بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يلزم من ذلك أن نفضله على غيره تفضيلا مطلقاً ممن له قدمُ راسخُ في الإسلام أكثر من هذا القريب من الرسول صلى الله عليه وسلم , لأن المراتب والفضائل هي صفات يتميز الإنسان بصفةٍ منها لا يتميز بها الآخر .

    وأهل السنة والجماعة في آل البيت لا يغلو غلو الروافض و ولاينصبون العداوة لهم نصب النواصب , ولكنهم وسط بين طرفين , يعرفون لهم حقهم بقرابتهم من الرسول عليه الصلاة والسلام , ولكنهم لا يتجاوزن بهم منزلتهم [42]




    خامساً : طريقة أهل السنة والجماعة في حق الأولياء ، والأئمة:


    أئمة هذه الشريعة الإسلامية ولله الحمد أئمةٌ مشهورون أثُنتْ عليهم الأمّةُ وعرفت لهم قَدْرَهُمْ ، ولكنها لا تعتقد فيهم العصمة ، فليس عند أهل السنة والجماعة أحدٌ معصومٌ من الخطأ ولا من الإقرار على الخطأ إلا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنه معصومٌ من الإقرار على الخطأ , أما غيره مهما بلغت إمامته فإنه ليس معصوماً أبداً، كل يخطئ وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله تعالى بطاعته على الإطلاق.

    فهم يقولون : لا شك أن في هذه الأمة أئمة، ولا شك أن فيها أولياء ، ولكننا لا نريد بذلك أن نثبت العصمة لأحد من هؤلاء الأئمة ، ولا أن نُثبت لأحد من الأولياء أنه يعلم الغيب أو يتصرف في الكون، وهم أيضاً لا يجعلون الولي من قال عن نفسه أنه ولي، أو أتى بالدعايات الباطلة لأجل أن يجِلب الناس إليه، يقولون : إن الولي بيَّنَه الله تعالى بقوله ( ألآ إن أوليآء اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتقون )(يونس 62-63) هؤلاء الأولياء : الذين آمنوا وكانوا يتقون. فالإيمان : العقيدة , والتقوى : العمل قولاً كان أو فعلاً . وأخذ شيخ الإسلام من هذه الآية عبارة طيبة وهي قوله ( من كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً ) [43] هذا الوليُّ حقيقة، لا الولي الذي يجلبُ الناسَ إليه، ويجمع الحاشية ويقول: أنا أفعل، ويستعين بالشياطين على معرفة الخفي ، ثم يبهر الناسَ بما يقول، فيقولون: هذا ولي لا؛ لأن الولاية تكون باتّباع الرسول علية الصلاة والسلام، وبإيمانه وتقواه. فإن كان مؤمناً تقياً فهو ولي.

    ولكن هؤلاء الأولياء أيضاً لا يلزم في كل ولي أن يجعل لله له كرامة! فما أكثر الأولياء الذين لا كرامة لهم؛ لأن الكرامة في الغالب لا تأتي إلا لنصر حق أو دفع باطل، لا لتثبيت شخص بعينه، فلا يلزم –إذن- أن يكون لكل ولي كرامةٌ. قد يَحْيَى الوليُّ ويموتُ وليس له كرامةٌ، وقد يكون له كراماتٌ متعددة [44] ، وهذه الكراماتُ قال أهل العلم: كل كرامة لولي فإنها آية للنبي الذي اتبعه. ولا أقول ( معجزة ) لأن الأوْلي أن تُسمَّي آيةٌ؛ لأن هذا التعبير القرآني، والآية أبلغ من المعجزة؛ لأن الآية معناها: العلامة على صدق ما جاء به هذا الرسول، والمعجزةُ قد تكون على يد مُشَعوذ أو على يد إنسان قوي يفعل ما يعجز عنه غيره، لكن التعبير بـ( الآية ) وهي التعبير القرآني، فنسمَّي المعجزات بالآيات، هذا هو الصواب.
    يوجد أناسٌ حسب ما نَسمع في هذه الأمة يَدَّعُون أنهم أولياء! ولكن من تأمل حالهم وجد أنهم بعيدون عن الولاية، وأنه لا حظ لهم فيها! لكن لهم شياطين يُعينونهم على ما يُريدون فيخدعون بذلك البُسَطَاءَ من الناس.




    سادساً: طريقة أهل السنة والجماعة في إصلاح المجتمع


    يَرى أهل السنة والجماعة أن المجتمع الإسلامي لا يكمل صلاحه إلا إذا تمشى مع ما شرعه الله سبحانه وتعالى له، ولهذا يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعروف : كل ما عرفه الشرع وأقره ، والمنكر: كل ما أنكره الشرع وحرمه. فهم يرون أن المجتمع الإسلامي لا يصلُح إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [45] لأننا لو فقدنا هذا المقوم لحصل التفرق، كما يشير إليه قول الله عز وجل ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ن وألئك هم المفلحون , ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) (آل عمران 104 – 105)

    وهذا المقوم وللأسف في هذا الوقت ضاع أو كاد؛ لأنك لا تجد شخصاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى في المحيط القليل المحصور إلا ما ندر. وإذا تُرك الناس هكذا، كل إنسان يعمل ما يريد؛ تفرق الناس. ولكن إذا تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر؛ صاروا أمة واحدة.

    ولكن لا يلزم إذا رأيت أمراً معروفاً أن يكون عند غيرك ! إلا في شيء لا مجال للاجتهاد فيه [46] ؛ إنما ما للاجتهاد فيه مجال فقد أرى أن هذا من المعروف ويرى الآخر أنه ليس منه. وحينئذ يكون المرجع في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ( ... فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ... )(النساء 59) ولكن طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب العظيم الذي فضلت فيه هذه الأمة على غيرها أنهم يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقومات المجتمع الإسلامي، ولكنه يحتاج إلى أمور:

    أولاً:أن يكون الإنسان عالماً بالحكم بحيث يعرف أن هذا معروفٌ وأن هذا منكر [47] أما أن يأتي عن جهل ثم يأمر بشيءٍ يراه معروفاً في ظنه وهو ليس بمعروف فهذا قد يكون ضره أكبر من نفعه لذلك لو فرضنا شخصاً تربى في مجتمع يرون أن هذه البدعة معروفٌ , ثم يأتي إلى مجتمع جديد غيره يجدهم لا يفعلونها , فيقوم وينكرُ عليهم عدم الفعل ويأمرهم بها , فهذا خطأ ! فلا تأمر بشيءٍ إلا حيثُ تَعرف أن معروفٌ في شريعة الله , ليس بعقيدتك أنت وما نشأت عنه ! فلا بد من معرفة الحكم وأن هذا معروفٌ حتى تأمر به وكذلك المنكر .

    ثانياً : لابد أن تعلم أن المعروف لم يُفعل , وأن هذا المنكر قد فُعل , وكم من إنسان أمر شخصاً بمعروف فإذا هو فاعله , فيكون في هذا الأمر عبئاً على غيره ! وربما يضع ذلك من قدره بين الناس .

    وإذا رأينا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وجدنا أن هذه طريقته , دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطـبُ وجلس , فقـال صلى الله عليه وسـلم : ( أصليت ) قال : لا , قال ( فقم فصـل ركعتين ) [48] .

    صلاة الركعتين لداخل المسجد من المعروف ولا شك , ولكن صلى الله عليه وسلم ما أمره به مباشرة حتى علم أن لم يفعله . فأنت قد تأمر هذا الرجل أن يفعل شيئا , وإذا هو قد فعله , فتنسب [49] إلى التعجل وعدم التريث وتحُط من قدرك , ولكن اسأل وتحقق , إذا لم يفعل حينئذ تأمر به .

    وكذلك أيضاً بالنسبة للمعاصي , فبعض الناس قد ينهى شخصاً عما يراه منكراً وليس بمنكر , مثال ذلك :

    رأيت رجلاً يصلي الفريضة وهو جالس , فنهيته بأنِْ ليس له حق أن يصلي وهو جالسٌ , فهذا غير صحيح ! لكن اسأل أولاً : لماذا جلس , قد يكون له عذر في جلوسه وأنت لا تعلم ! حينئذ الحكم الشرعي , وأن تعرف الحال التي عليها المأمور والمنهي حتى تكون على بصيرة من أمرك .

    ثالثاً :أن لا يترتب على فعل المعروف ما هو منكرٌ أعظم مفسدةً من منفعةِ المعروف فإن درأ المفاسد أولىْ من جلْب المصالح .

    وهذه الكلمة المعروفة هي القاعدة التي دل عليها القرآن ليست أيضاً على إطلاقها ! أي : أنه ليست مفسدةٍ درؤها أوْلى من جلْب مصلحةٍ , بل إذا تكافئت مع المصلحة فدرءُ المفسدة أولى , وإذا كانت أعظم من المصلحة فدرءُ المفسدة أولى , والله سبحانه وتعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)(الأنعام108) , فسبُ آلهةِ المشركين كل يعلمُ أنه مصلحة وأن فيه خيراً , لكن إذا تضمنت هذه المصلحة ما هو أنكر – وأنكر من باب التفاضل الذي ليس في الطرف الآخر من شيء- إذا تضمن مفسدةً عظيمةً فإنها تترك , لأننا إذا سببنْا آلهتهم ونحن نسُبها بحق سبُّوا الله عدواً بغير علم [50] , فهذه نقطة ينبغي أن نتفطن لها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

    أما إذا كانت المفسدة تنغمر في جانب المصلحة , فإننا نفضل المصلحة ولا يهمنا وهذا عليه شيء كثير من أحكام الله الشرعية والكونية . فمثلاً : هذا المطر الذي ينزل وفيه مصلحة عامة , لكن فيه ضرراً على إنسان بنى سقفه الآن وجاء المطر فأفسده لكن هذه المفسدة القليلة مُنغمرة في جانب المصلحة العامة .

    وهكذا أيضاً الأحكام الشرعية كالأحكام الكونية وهذا أمر ينبغي التنبه له , وهو أننا قد لا يكون من المصلحة أن ننهى عن هذا المنكر لأنه يتضمن مفسدة أكبر , ولكننا نتريث حتى تتم الأمور [51] .

    ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتدرج في التشريع حتى يقبلها الناسُ شيئاً فشيئاً , وهكذا المنكر لا يد أن نأخذ الناسَ فيه بالمعالجة حتى يتم الأمر .

    وهذه هي الأمور الثلاث :

    1-العلمُ بالحكمِ -2- العلمُ بالحالِ -3-أن لا يترتب على فعلِ المعروف منكرٌ أعظم مفسدةً .



    سابعاً : قول أهل السنة والجماعة في الإيمان


    الإيمان حقيقته عند أهل السنة والجماعة هو : ( اعتقاد القلب , وقول اللسان , وعمل الجوارح) ويستدلون لقولهم هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الإيمان بضعٌ وسبعون شعبةً , أعلاها قول – لا إله إلا الله – وأدناها –إماطة الأذى عن الطريق . والحياء شُعبة مِنَ الإيمان ) [52] . فالقول : قول ( لا إله إلا الله ) , وعمل الجوارح وعمل القلب ( الحياء ) ( وإماطة الأذى عن الطريق ) . أما عقيدة القلب فقوله صلى الله عليه وسلم ( الإيمان أن تـؤمن بالله وملائكـته وكتبه ورُسلهِ , واليوم الآخر , والقدر خيرهِ وشرهِ ) [53]

    وهم أيضاً يقولون : إن الإيمان يزيد وينقص , فالقرآن قد دل على زيادته , والضرورة العقلية تقتضي أن كل ما ثبت أن يزيد فهو ينقص , إذ لا تُعقلُ الزيادة بدون نقص ( ويزداد الذين ءامنوا إيماناً )(المدثر31) , ( فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيماناً )(التوبة124) , ولاشك في ذلك ومتى قلنا : إن الإيمان قول وعمل , فإنه لا شك أن الأقوال تختلف , فليس من قال ( سبحان الله والحمد لله , والله أكبر ) مرةً كمن قالها أكثر ! وكذلك أيضاً نقول : أن الإيمان الذي هو عقيدة القلب يختلفُ قوةً وضعفاً , وقد قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )(البقرة260) , فإنه ليس الخبر كالمعاينة والمشاهدة [54]

    رجلٌ أُخبر بخبر , أخبره رجلٌ واحدٌ , حصل عنده شيءٌ من هذا الخبر , فإذا جاء ثانٍ ازداد قوةً فيه , وإذا جاءه الثالث , ازداد قوةً , وهلم .

    وعليه نقول : الإيمان يزيد وينقصُ حتي في عقيدة القلب , وهذا أمر يعلمهُ كل إنسانٍ من نفسه , وأما من أنكر زيادته ونقصانه فإنه مخالفٌ للشرع والواقع , فهو يزيد وينقص [55] .


    [1] - انظر الفتوى الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

    [2] - أسماء الله تعالى ]وصفاته[ توقيفية , لا مجال للعقل فيها , وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء في به الكتاب والسنة , فلا يزاد فيها ولا ينقص , لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء ]والصفات[ , فوجب الوقوف في ذلك على النص ... , ولأن تسميتهُ تعالى بما لم يسم به نفسه أو إنكارَ ما سمى به نفسه جنايةٌ في حقه تعالى , فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص . أ هـ من ( القـواعد المثلى ) ص13

    [3] - لعل الصواب : ( فإنه ) أو يكون سقط قبلها نتيجة القول بلا دليل وهو مثلاً ( فقد ارتكب إثماً )

    [4] - في المطبوع ( في يوم القيامة )

    [5] - قال الشيخ رحمه الله في القواعد المثلى ص10 :
    أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد , تضمنت ثلاثة أمور :
    أحدها : ثبوت ذلك الاسم لله عزوجل
    الثاني : ثبوت الصفة التي تضمنها لله عزوجل
    الثالث : ثبوت حكمها ومقتضاها ...
    وإن دلت ]أي : أسماء الله تعالى[ على وصف غير متعد , تضمنت أمرين :
    أحدها : ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل
    الثاني : ثبوت الصفة تضمنها لله عز وجل .

    [6] - أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم أي : بما ورد في الكتاب والسنة .

    [7] - وما ورد نفيه في – الكتاب والسنة- وجب نفيه مع إثبات كمال ضده , وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه , فلا يثبت ولا ينفى , لعدم ورود الإثبات والنفي فيه .

    [8] - كما في قوله تعالى ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )(الأعراف54) , وقوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )(طه5) إلى غير ذلك من الآيات .

    [9] - قال سبحانه ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ )(الشعراء193-195) , وقال ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )يوسف2 , وقال ( وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا )(طه13), لذلك كان الواجب هو إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف , لا سيما نصوص الصفات , حيث لا مجال للرأي فيها , إلا أن يمنع منه بدليل شرعي , وإلا لاختلفت الآراء, وتفرقت الأمة , وكان كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه , يل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه ! ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء , إذ كان الله عزوجل أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس , وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم , وأمر بتدبر القرآن وعقله , ومع هذا فأشرف ما فيه – وهو ما أخبر به الرب عن صفاته- لا يعلم أحد معناه ! فلا يعقل ولا يتدبر ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين !!

    وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحدٍ ومبتدع : الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي , وليس في النصوص ما يناقض ذلك , لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة , ولا يعلم أحد معناها , وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به !! فيبقى الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء , فتحاً لباب من يعارضهم ويقول : إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء , لأننا نحن نعام ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية , والأنبياء لم يعلموا ما يقولون , فضلاً عن أن يبينوا مرادهم !
    ثم يقال للمحُرف : هل أنت أعلم بالله ورسوله منه سبحانه ؟ فسيقول : لا
    ثم يقال له : هل ما أحبر الله به عن نفسه أو أخبر عنه رسول صدق وحق ؟ فسيقول : نعم
    ثم يقال له : هل تعلم كلاماً أفصح وأبين من كلام الله تعالى أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ فسيقول : لا
    ثم يقال له : هل تظن أن الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعمي الحق على الخلق في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم ؟ فسيقول : لا
    فيقال له : إذا كنت تقر بذلك , فلماذا لا يكون عندك الإقدام والشجاعة غي لإثبات ما أثبه الله تعالى لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقته وظاهره اللائق بالله ؟!
    وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة في نقي حقيقته تلك وصرفه إلى معنىً يخالف ظاهره يغير علم ؟
    وماذا يضرك إذا أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه ـو سنة نبيه على الوجه اللائق به , فأخذت بما جاء في الكتاب والسنة إثباتاً ونفياً ؟ أفليس هذا أسلم لك وأقوم لجوابك إذا سئلت يوم القيامة ( .. مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ )(القصص65) أو ليس صرفك لهذه النصوص عن ظاهرها وتعيين معنىً آخر مخاطرةٌ منك , فلعل المراد يكون –على تقدير جواز صرفها- غير ما صرفتها إليه ؟!
    انظر ( درء تعارض العقل مع النقل ) 1/116 مع منهاج السنة , والقواعد المثلى ص33 ,42-43

    [10] - أصل الاستواءِ في اللغةِ : هو الارتفاعُ والعلو على الشيء ومنه قوله تعالى ( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ) (المؤمنون28) , وقوله تعالى ( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ )(هود44) .
    وذكر العلامة ابن القيم –رحمه الله – في كتابه ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) 2-126-127 مختصره ( أن الاستواء في لغة العرب نوعان : مطلقٌ ومقيدٌ : فالمطلق : ما لمُ يَوصل معناه بحرْفٍ مثل ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى )(القصص14) وهذا معناه كمُلَ وتَمَّ .
    وأما المقيد ثلاثةُ أضرب :
    الأول : المقيد بـ( إلى) كقوله تعالى ( ... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ.. )(البقرة29) , واستوى فلانٌ إلى السطح وإلى الغرفة وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف .
    الثاني : مقيد بـ (على ) كقوله تعالى ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ...)(الزخرف13) , وقوله ( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ )(هود44) , وهذا معناه –أيضاً- : العلو والارتفاع , والاعتدال , بإجماع أهل اللغة .
    الثالث : المقرون بواو المعية , التي تعدي الفعل إلى المفعول به , نحو : استوى الماءُ والخشبةُ , بمعنى : سواها .أ هـ بتصرف . وانظر تاج العروس للزبيدي 10/188-189 , و لسان العرب14/414 , وجماع البيان للطبري 1/191—192 , والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/255 , والتمهيد لابن عبد البر 7/131-132 .

    [11] - أثرٌ صحيح : أجرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد 2-398 , والدرامي في الرد على الجهمية ص33, والبهقي في الأسماء والصفات 2/150-151 , والاعتقاد ص56 , وأبوعثمان الصابوني في عقيدة السلف ص17-19 , وأبونعيم في الحلية6/325-326 , وابن عبدالبر في التمهيد7/151 , والذهبي في العلوص103-104 , وفي السير8/89-90-95 , من طرق عنه .
    وقال الذهبي : ( هذا إثبات عن مالك , وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك , وهو قول أهل السنة قاطبة )
    وقال ابن حجر في الفتح13/407 (وأخرجه البيهقي بسند جيد عن عبدالله بن وهب ... )
    قلت : وذكر هذا الأثر البغوي غي شرح السنة1/171 , وابن قدامة في العلو ص119/رقم104 , والسيوطي في الدرر المنثور3/473 , وانظر مختصر العلو ص141-142 لشيخنا الألباني رحمه الله .
    وقوله ( الاستواء معلوم ) أي : معلوم المعنى في اللغة العربية التي نزل بها القرآن , وله معان بحسب إطلاقه وتقييده بالحرف , وهو هنا : علو الله تعالى على عرشه علواً خاصاً يليق به , وليس هو العلو المطلق على سائر المخلوقات .
    وقوله ( والكيف مجهول ) أو ( الكيف عير معقول ) أي : الاستواء غير مدركة للعقل , فله كيفية مجهولة لنا , لأن الله تعالى أعظم وأجل من أن تدرك العقول كيفية صفاته .
    وقوله ( والإيمان به واجب ) أي : الإيمان باستواء الله تعالى على عرشه على هذا الوجه واجب , لوروده في الكتاب والسنة .
    وقوله ( والسؤال عنه بدعة ) أي : السؤال عن الكيف بدعة , لأنه لم يعرف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولا أصحابه , وهو من الأمور الدينية , فكان إيراده بدعة وتنطع أيضاً .
    وانظر تقريب التدمريةص40-41 , وشرح لمعة الاعتقاد ص35 .

    [12] - ومن أمثلة ذلك : أن من صفات الله تعالى ( المجيء , والإتيان , والأخذ , والإمساك , والبطش ) إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى , كمال قال تعالى ( وجآء ربك)(الفجر22) , وقال ( هل ينظرون إلآ أن يأتيهم الله في ظللٍ من الغَمام )(البقرة210) , وقال ( فأخذهمُ اللهُ بذُنوبِهِم ) ( آل عمران11) , وقال ( وَيُمسك السمآء أن تقع على الأرضِ إلا بإذنه )(الحج65) , وقال ( إن بطش ربك ربِك لشديد )(البروج12) , وقال ( يُريدُ اللهُ بِكمُ اليُسر ولا يُريُد بِكُم العُسرَ )(البقرة185) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ) ( متفق عليه ) , فنصفُ الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد ولا نسميه بها , فلا تقول : إن من أسمائه : الجائي , والآتي , والآخذ , والماسك والباطش والمريد والنازل ونحو ذلك , وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به . أ هـ القواعد المثلى ص21 , والتتمة في سؤال وجواب في العقيدة للشيخ الألباني رحمه الله .

    [13] - ثم قد عُلمَ أن الله تعالى خلق العالمَ بعضه فوق بعض , ولم يجعل عاليه مفتقراً إلى سافله , فالهواء فوق الأرض وليس مفتقراً إلى أن تجمله الأرض , والسحاب –أيضاً- فوق الأرض وليس مفتقراً إلى أن تحمله , والسماوات فوق الأرض وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها , فالعلي الأعلى رب كل شيء ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه : كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى خلقه أو عرشه ؟! أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار وهو ليس بمستلزم في المخلوقات ؟! وقد علم أن ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره فالخالق سبحانه وتعالى أحق وأولى به !!! .أهـ. ( التدميرةص55-56 )

    [14] - ) قال الإمام ابن عبدالبر في كتابه العجاب ( التمهيد 7/143) بعد إيراده حديث النزول ( الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة : أنهم يقولون : ينزل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويصدقون بهذا الحديث , ولا يُكيفون , والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء , والحجة في ذلك واحدة ) .أهـ
    وانظر شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية , والصواعق المرسلة للإمام ابن القيم 2/232 , وكتاب النزول للإمام أبي الحسن الدارقطني –رحم الله الجميع-

    [15] - التمثيل : هو اعتقاد المثبِت , أن ما أُبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين , والتشبيه كالتمثيل , وقد يفرق بينهما بأن التمثيل , التسوية في كل الصفات , والتشبيه : التسوية في أكثر الصفات . انظر القواعد المثلى ص27

    [16] - قال الشيخ –رحمه الله-في القواعد ص47-48 ( تنبيه عُلم مما سبق أن كل معطل ممثل , وكل ممثله معطل )
    أما تعطيل المعطل فظاهر , وأما تمثيله فلأنه إنما عطل لاعتقاده أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه , فمثل أولاً وعطل ثانياً , كما أنه بتعطيله مثله بالناقص ! وأما تمثيل الممثل فظاهر , وأما تعطيله فمن ثلاثة أوجه :
    الأول : أنه عطل نفس النص الذي أثبت به الصفة حيث جعله دالاً على التمثيل مع أنه لا دلالة فيه عليه , وإنما يدل صفة تليق بالله عزوجل . الثاني : أنه عطل كل نص يدل على نفي مماثلة الله لخلقه . الثالث : أنه عطل الله تعالى عن كماله الواجب , حيث مثله بالمخلوق الناقص ! ) قلت : وانظر بيان بطلان مذهب المعطلة في القواعد المثلى ص40-47 بكلامٍ علميٍّ متين .

    [17] - في المطبوع ( تستحسنهم أهوائهم ) .

    [18] - في الأصل ( طريقة عقيدة ) ولعل الصواب ما أثبته .

    [19] - أخرجه مسلم في الصحيح ( كتاب الزكاة , باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة , رقم1017 ) من حديث جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال : في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم مجتابي النمار- أو العباء- متقلدي السيوف , عامتهم في مُضر , بل كلهم فَتَعمر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل , ثم خرج , فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة , فصلى ثم خطب فقال ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَِقيباً)(النساء1 )والآية الأخرى التي في آخر الحشر رقم18 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...) تَصدقَ رجلٌ من ديناره , من درهمه , من ثوبه , من صاع بُره من صاع تمره ) حتى قال ( ولو بشق
    تمرة ) فجاء رجل من الأنصار بِصرةٍ كادت كفه تعجز عنها , بل قد عجزت , ثم تتابع الناس حتى رأيتُ كومين من طعام وثياب , حتى رأيت وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مُذهبَهٌ , فقال رسول الله (‏ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن يُنقص من أجورهم شيءٌ , ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ ) .

    [20] - في المطبوع ( في دين الله )

    [21] - أخرجه مسلم في الصحيح ( كتاب الجمعة , باب تخفيف الصلاة والخطبة رقم867 ) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه ضمن حديث .
    وهو ثابت أيضا في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه عند أحمد 4/126-127 , والدرامي 1/44 , وأبي داود رقم4607, والترمذي 2676 , وابن ماجه رقم 43,44 , والهروي في ذم الكلام ص150-150 , وابن أبي عاصم في السنة رقم48,49 , واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم79 , والآجري في الشريعة ص47 , وابن حبان رقم5 , والطبراني في المعجم الكبير18/245-246 , ومسند الشاميين 437و438, والحاكم1/95 , والبهقي6/541 , والاعتقاد ص239-230 , ومناقب الشافعي1/10-11 , والطحاوي في مشكل الآثار رقم1187 , والبغوي في شرح السنة رقم102 , وابن عبدالبر في التمهيد 2/222,224 , وغيرهم من طرق عنه .

    وقد احتج بالحديث الإمام أحمد كما في مسائل أبي داود له ص277 .


    وقال الترمذي ( حديث حسن صحيح ) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي


    وقال البزار ( حديث ثابت صحيح ) كما في جامع بيان العلم .


    وقال ابن عبد البر عقبه ( وهو كمال قال البزار رحمه الله , حديث العرباض حديث ثابتٌ) .


    وقال أبونعيم في المستخرج ( حديث جيد من صحيح حديث الشاميين ) .


    وقال البغوي ( هذا حديث حسن )

    وقال ابن حجر في موافقة الخبر للخبر 1/137 ( حديث صحيح)

    [22] - فهنا يكون معنى ( السن ) : سن العمل تنفيذاً , وليس سنة تشريعاً فصار معنى ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) أي : من عمل بها تنفيذاً لا تشريعاً لأن التشريع ممنوع ( كل بدعة ضلالة ) .
    *وقد أجاب الشيخ رحمه الله عن الحديث بجوابين آخرين كما في مجموع الفتاوى 5/252 , لابأس من ذكرهما هنا لإتمام الفائدة , قال رحمه الله ( إن من قال (من سن في الإسلام سنة حسنة ) هو القائل ( كل بدعة ضلالة ) ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب قولا آخر , ولا يمكن أن يتناقض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً , ولا يمكن أن يرد على معنى واحد مع التناقض أبداً , ومن ظن أن كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم متناقض فليعد النظر , فإن هذا الظن صادر إما عن قصور منه إما عن تقصير . ولا يمكن أن يوجد في كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم تناقض أبداً .
    وإذا كان كذلك فبيان عدم مناقضة حديث ( كل بدعة ضلالة ) لحديث(من سن في الإسلام سنة حسنة ) أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من سن في الإسلام ) والبدع ليست من الإسلام , ويقول ( حسنة ) والبدعة ليست بحسنة , وفرق بين السن والتبديع .
    وهناك جواب لا بأس به : أن معنى ( من سن ) : من أحيا سنة كانت موجودة فعدمت فأحياها , وعلى هذا يكون ( السن ) إضافياً نسبياً كما تكون البدعة إضافية نسبية لمن أحيا سُنة بعد أن تركت )

    [23] - قال الشيخ رحمه الله في مجموع الفتاوى 5/246 ( إذا تقرر ذلك عندك أيها المسلم , فاعلم أن كل ابتدع شريعة في دين الله ولو بقصد حسن فإن بدعته هذه مع كونها ضلالة تعتبر طعناً في دين الله عزوجل , وتعتبر تكذيباً لله تعالى في قوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )(المائدة3) لأن المبتدع الذي ابتدع في شريعة الله تعالى وليست في دين الله تعالى كأنه يقول بلسان الحال : إن الدين لم يكمل , لأنه قد بقي عليه هذه الشريعة التي ابتدعها يتقرب بها إلى الله عزوجل ) .

    [24] - في المطبوع بعدها زيادة كلمة ( نجد ) .

    [25] - يشير رحمه الله إلى ما رواه البخاري في صحيحه ( كتاب الاعتكاف , باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد رقم2035 ) ومسلم في صحيح ( كتاب السلام ’ باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة كانت زوجة أو محرماً له أن يقول هذه فلانة , ليدفع ظن السوء به رقم2175 ) , عن أم المؤمنين صفية بنت حييٍّ رضي الله عنها قالت ( كان النبي صلى الله عليه وسلم مُعتكفاً , فأتيته أزوره ليلاً , فحدثته , ثم قمتُ لأنقلبَ , فقامَ معَي ليقلبني , فمر رجلان من الأنصار , فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال صلى الله عليه وسلم ( على رسلكما , إنها صفية بنت حيي )فقالا : سبحان الله يا رسول الله ؟ فقال ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم , وإني خشيتُ أن يقذفَ في قلوبكما شراً أو قال : شيئاً ) .

    [26] - سبق تخريجه قبل حديث .

    [27] - أخرجه مسلم في الصحيح ( كتاب الأقضية , باب نقص الأحكام الباطلة , ورد محدثات الأمور رقم1718) من حديث عائشة رضي الله عنها , وهذا حديث جليل , عظيم القدر بالغ الأهمية , فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم , وهو من قواعد الدين العظيمة , وهو حديث صريحٌ فيرد كل البدع والمحدثات . وانظر إن شئت شرح صحيح مسلم للإمام النووي رحمه الله 12/16

    [28] - وإنك لتعجب من قوم يعرفون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار ) ويعلمون أن قوله ( كل بدعة ) كلية عامة شاملة , مُسورة بأقوى أدوات الشمول والعموم ( كل ) , وأن الذي نطق بهذه الكُلية صلوات الله وسلامه عليه يعلم مدلول هذا اللفظ , وهو أفصح الخلق , وأنصح الخلق للخلق , لا يتلفظ إلا بشيء يقصد معناه وإذا تم الكلام هذه الأمور الثلاثة ( كمال النصح , والإرادة , وكمال البيان والفصاحة ) , دل ذلك على أن الكلام يراد به ما يدل عليه من المعنى - , ثم يزعمون أن البدعة تنقسم ثلاثة أقسام أو خمسة أقسام !! ولا يصح هذا ألبته !
    وما ادعاه العلماء من أن هناك بدعة حسنة , فلا تخلو من حالين :
    الأول :أن لا تكون بدعة , لكن يظنها بدعة .
    الثاني :أن تكون بدعة , فهي سيئة , لكن لا يعلم عن سوئها .
    فكل ما اُدعي أنه بدعة حسنة , فالجواب عنه بهذا .!.هـ باختصار وتصرف يسير من مجموع الفتاوى ) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله 5/248

    [29] - في المطبوع ( نطق اللسان , عمل في الأركان )

    [30] - فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره ، وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولا ، أو نحمله شبهة أو شكا ، أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم ، فنوحده بالتحكيم والتسليم والانتقاد والإذعان كما نوحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.
    فهما توحيدان، لا نجاه للعبد من عذاب الله إلا بهما ، توحيد المرسِل ، وتوحيد متابعة الرسل ، فلا نحاكم إلى غيرة ،ولا نرضى إلى بحكم غيره ، ولا نوقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه ، فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره ، وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم و أعرض عن أمره وخبره ، وإلا حرفه عن مواضعه ، وسمى تحريفه تأويلا وحملا فقال : نؤوله ونحملهفلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب - ما خلا الإشراك بالله - خير له من أن يلقاه بهذه الحال.

    بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فه يسوغ له أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وكلامه ومذهبه ؟! بل كان الفرض المبادرة إلى امتثاله من غير التفات إلى سواه ولا يستشكل قوله لمخالفته رأي فلان ، بل يستشكل الآراء لقوله ، ولا يعارض نصه بقياس ، بل نهدر الأقيسة ونتلقى نصوصه ولا نحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولا ! نعم ، هو مجهول ، وعن الصواب معزول ! ولا يوقف قبول قوله على موافقة فلان دون فلان ، كائنا من كان . أ هـ من (شرح العقيدة الطحاويه ) لابن أبي العز الحنفي رحمه الله ص 217-218 .

    [31] - متفق عليه . رواه البخاري في صحيحه (كتاب التهجد ، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل ،رقم 1130) ، ومسلم في صحيحه (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة رقم ،2819)عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لم تصنه ذلك يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال ( أفلا أكون عبدا شكورا ؟! ).

    [32] - متفق عليه .رواه البخاري في صحيحه (كتاب النكاح ،باب الترغيب في النكاح ،رقم 5063 ) ومسلم في صحيحه ( باب الاستحباب في النكاح لمن تاقب نفسه إليه ووجد المؤنة ، رقم 1401) من حديث انس رضي الله عنه ، وهاك نصه : (جاء ثلاثة رهط إلى البيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عباده النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما اخبروا ، كأنهم تقالوها ، وقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟! قد غفر له ما تقدم من ذنبه ما تأخر: قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا . وقال آخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال الآخر : وأنا اعتزل النساء ولا أتزوج أبدا . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟! أما والله ! إني لأخشاكم الله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، ولأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).

    فائدة : قال الحافظ العسقلاني في فتح الباري ( 9/105) في قوله صلى الله عليه وسلم ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) المراد بالسنة .. الطريقة ، لا التي تقابل الفرض . والمراد : من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية ؛ فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى ، وقد عابهم بأنهم ما وفوا بما التزموا . وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفيه السمحة ؛ فيفطر ليتقوى على الصوم ، وينام ليتقوى على القيام ، ويتزوج لكسره الشهوة و إعفاف النفس وتكثير النسل ).

    [33] - أخرجه مسلم في الصحيح (كتاب المساجد ، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراتا أو نحوها ، رقم 565) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

    [34] - في ( الأصل) ( أن يقول وقال :قال )، لعل الصواب ما أثبته .


    وهنا فتوى للجنه الدائمة ضمن مجموع (فتاوي اسلاميه 1/134-135/جمع المسند)رداً على سوال مخلصه : هل النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب ؟ فرأيت من تمام الفائدة نقله هنا وإليك نصها : ( الأصل في أمور الغيبه اختصاص الله بعلمها ؛قال الله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )(الأنعام 59) , وقال الله تعالى (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )(النمل65).
    لكن الله يُطلع من ارتضى من رسله على شيئ من الغيب ؛قال الله تعالى ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (الجن26-27) , وقال الله تعالى( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ )(الأحقاف9)
    وثبت من حديث طويل من طريق أم العلا أنها قالت :لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه ،فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ،شهادتي عليك : لقد أكرمك الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وما يدريك أن الله أكرمه؟ ) فقلت : لا أدري بأبي أنت أو أمي ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ،وإني لارجوا له الخير ، والله! ما أدري – وأنا رسول الله – ما يفعل بي ) فقلت : والله ! لا أزكي بعده أحدا أبدا ).
    رواه أحمد والبخاري في كتاب الجنائز من صحيحة وفي رواية له ( ما أدرى – وأنا ورسوله الله ما يفعل به ) وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه فبشرهم بالجنه . وفي حديث عمر الخطاب – رضي الله عنه – عند البخاري والمسلم : أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها .
    فدل على أنه علم الغيب ما أعلمه الله به دون ما سواه من الغيبيات , وأخبره عند الحاجة . أ.هـ

    [35] - أخرجه مسلم في صحيحة ( كتاب الإمارة ، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين ، رقم 1885) من حديث أبي قتادة – رضي الله عنه - ، ونص جواب النبي صلى الله عليه وسلم ( نعم ، أنت صابرٌ محتسبٌ ، مقبلٌ غير مدبرٍ ) ، ثم قال (... إلا الدينْ ، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك ).

    [36] - كما وقع في قصة أسـارى بدر , ونزول قوله تعـالى ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ... )(الأنفال67) , والقصة بطولها في صحيح مسلم ( كتاب الجهاد والسير, باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم رقم6763) وانظر مقدمتي لشرح الحديث القدسي ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

    [37] - وكَذَبَ في قوله , لأن الله تعالى ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ )(الزمر30) , وقال ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ )الأنبياء34) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى توفى نبيه صلى الله عليه وسلم , ولإجماع الصحابة وغيرهم على أنه صلى الله عليه وسلم قد مات , فقد غسلوه وصلوا عليه ودفنوه , وجاءت فاطمة بنت رسول الله تطلب إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها موته , ولم يخالفها في ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم , وقد أجابها أبوبكر رضي الله عنه بأن الأنبياء لا يورثون , ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه , وتم ذلك بعقد الخلافة لأنبي رضي الله عنه , ولو كان صلى الله عليه وسلم حيا في دنياه , لما فعلوا ذلك , فهو إجماع منهم على موته وأن حياته حياةٌ برزخيةٌ وسطٌ بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة . وأيضاً وقعت الفتن والمشكلات وكثرت في عهد عثمان وعلي وقبل ذلك وبعد , فلم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج ممن تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها , ولو كان حياً كحياته في دنياه لما أهموا ذلك , وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء .

    فالصواب هو ما عليه أهل السنة والجماعة من أنه صلى الله عليه وسلم حي فيقبره حياة برزخية تصحح له التنعم في قبره بما أعده الله له من النعيم , جزاءً وفاقاً بما كسب في دنياه , ولم تعد إليه روحه ليعيش حياً كما كان في دنياه , ولم تتصل به وهو فيقبره اتصالاً يجعله حياً كحياته يوم القيامة , بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة . انظر ( فتاوى إسلامية 1/132-133 جمع المسند )

    [38] - رواه مسلم في الصحيح ( كتاب الوصية , باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته رقم1631 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

    [39] - متفقٌ عليه . رواه البخاري في صحيحه ( كتاب الشهادات , باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد , رقم2651) , ومسلم في صحيحه ( كتاب فضائل الصحابة ثم الذين يلونهم , رقم2535) .
    وقد أثنى الله تعالى على الصحابة ورضي عنهم , ووعدهم الحسنى كما قال سبحانه ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(التوبة100) , وقال ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ...)(الفتح29) , وقال ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... ) (الفتح18) , وقال( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ... )(الأنفال72) , وقال (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(الحشر8-9) , إلى غير ذلك من الآيات , وانظر شرح العقيدة الطحاوية ص528- فيما بعد .

    [40] - ما بين المعقوفتين سقط في المطبوع .

    [41] - متفقٌ عليه . رواه البخاري في صحيحه ( كتاب فضائل الصحابة , باب قول النبي صلى الله عليه وسلم , لو كنت متخذاً خليلاً , رقم3673 ) , ومسلم في صحيحه ( كتاب فضائل الصحابة , باب سب الصحابة رضي الله عنهم رقم2540 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

    [42] - واهل السنة والجماعة يوالونهم كلهم , وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها , بالعدل والإنصاف , لا بالهوى والتعصب , فإن ذلك من البغي الذي هو مجاوزة الحد , كمال قال تعالى ( ...فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ...)(الجاثية17) , وانظر شرح العقيدة الطحاوية ص531-533 .

    [43] - انظر مجموع الفتاوى11/190 له رحمه الله , وتفسير العلامة السعدي رحمه الله ص352 , 587.

    [44] - وعلى كل حال , فينبغي على العبد أن يكون طالباً للاستقامة , لا طالباً للكرامة , كما قال أبو علي الجوزجاني . ولا يتطلع إلى ما أتاه الله غيره من الكرامات وخوارق العادات , فينكسر قلبه , ويتهم نفسه في صحة عمله , وتضعف عبادته , فإن ما يبتلي الله به عبده من السر بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانة عليه , بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوه , وشقي بها قوم إذا عصوه , كما قال تعالى ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ )(الفجر 15-17) , فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات , ولم يسخر له شيء من الكونيات , لاينقص ذلك من مرتبته عند الله , بل قد يكون أنفع له .
    فعلى العبد أن يكون طالباً للاستقامة , لا طالباً للكرامة وليكن – ما استطاع – مؤمناً تقياً ’ فهذا هو ميزان الولاية , لا خرق العادات وحصول الكرامات والله الموفق . وانظر شرح العقيدة الطحاوية ص559 – 562 .

    [45] - قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين3/123 ( ومن تأمل الرسل مع أممهم وجدهم كانوا قائمين بالإنكار عليهم أشد قيام , حتى لقوا الله تعالى , وأوصوا من آمن بهم بالإنكار على من خالفهم , وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتخلص من مقامات الإنكار الثلاثة ليس معه من الإيمان حبة خردل وبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد المبالغة حتى قال ( إن الناس إذا تركوه أوشْكَ أن يَعُمهم الله بعقابٍ من عنده ) ( رواه احمد وابي داود , والترمذي وابن ماجه وهو في الصحيحة رقم1564 ) . وأخبر أن تركه يمنع إجابة دعاء الأخيار , ويوجب تسلط الاشرار , وأخبر أن تركه يوقع في المخالفة بين القلوب والوجوع, ويُحلُّ , لعنة الله كما لعن بني اسرائيل على تركه )

    [46] - هذا كلام قويٌّ متينُ من إمام نحرير , ينبغي التنبه له , فعُض عليه بالنواجز , وانتبه لما ذكره الشيخ رحمه

    [47] - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه في مجموع الفتاوى 28/39 ( العلم : هو ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وهو السلطان كما قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ )(غافر56) , فمن تكلم في الدين بغير ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم كان متكلماً بغير علم , ومن تولاه الشيطان فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير )
    وقال رحمه الله 15/327 ( والله سبحانه قد أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وال/ر بالشيء مسبوق بمعرفته , فمن لا يعلم المعروف لا يمكنه الأمر به , والنهي عن المنكر مسبوق بمعرفته , فمن لا يعلمه لا يمكنه النهي عنه . وقد أوجب الله علينا فعل المعروف وترك المنكر , فإن حب الشيء وفعله بُغض ذلك وتركه لا يكون إلا بعد العلم بهما , حتى يصبح القصد إلى فعل المعروف وترك المنكر , فإن ذلك مسبوق بعلمه , فمن لم يعلم الشيءَ لم يُتصور منه حب له ولا بغض ولا فعل ولا ترك , لكن فعل الشيء والأمر بع يقتضي أن يُعلَم علماً مفصلاً يمكن معه فعله والأمر به إذا أمر به مفصلاً )

    [48] - متفقٌ عليه . أخرجه البخاري في الصحيح ( كتاب الجمعة , باب إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين رقم30 ) ومسلم في صحيحه ( كتاب الجمعة , باب التحية , والإمام يخطب رقم875 ) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه .

    [49] - في المطبوع ( فتتسبب ) ولعل الصواب ما أثبته

    [50] - انظر إغاثة اللهفان لابن القيم رحمه الله 1/361 , وإرشاد الفحول 242 , ومذكرة الشنقيطي ص168 – 169 , وأصول الفقه ص258 لأبى زهرة

    [51] - قال شيخ الإسلام رحمه الله في الأمر بالمعروف ص20 – 21 ( وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت , فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي – إن كان مُتَضَمِّنَاً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة – فينظر في المعارض له :
    فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل أكثر , لم يكن محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته ...

    وإن كان المنكر أغلب , نُهي عنه , وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف , ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر , وسعياً في معصية الله ورسوله )

    [52] - ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مصنف في ذلك ضمن مجموع الفتاوى , ومطبوع مستقلاً بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله فلينظر , فإنه هام في بابه . وانظر أيضاً ( شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص373 , وفتح الباري لابن حجر 1/62 .

    [53] - متفقٌ عليه . أخرجه البخاري في صحيحه ( كتاب الإيمان , باب أمور الإيمان رقم9 ) ومسلم في صحيحه ( كتاب الإيمان ,بيان عدد شعب الإيمان رقم35 ) واللفظ له , ولفظ البخاري ( بضع وستون شعبة , والحياء شعبة من شعب الإيمان ) .

    [54] - هذا جزء من حَديثٍ صَحيحٍ . أخرجه أحمد في المسند 1/215-271 , وابن أبي حاتم في تفسيره رقم8998 , والطبراني في المعجم الكبير رقم12451 , وفي المعجم الأوسط رقم25 , وابن عدي في الكامل 7/2569 , وأبو الشيخ في الأمثال رقم5 , وابن حبان في صحيحه رقم6213-2614 , وعبد بن حميد , وابن مردويه كما في الدرر المنثور 3/564 , والحاكم في المستدرك 2/321- 380 , والبزار في مسنده رقم200 , والخطيب في تاريخ بغداد 6/56 , وغيرهم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً ( ليس الخبر كالمعاينة )
    قال الحاكم ( حديث صحيح على شرط الشيخين ) . ووافقه الذهبي , وهو كما قالا . وفي الباب عن انس , وأبي هريرة .

    [55] - والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة والآثار السلفية كثيرة جداً .
    أما من الكتاب ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا... )(الأنفال2) , وقوله ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى )(مريم76) , وقوله ( ... وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ... )(المدثر31 ), وقوله ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ )(الفتح4) , وقوله ( فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )(آل عمران173) , وقوله ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )(التوبة124) .
    وأما الأحاديث , فكثيرة منها على سبيل الإجمال : حديث شعب الإيمان السابق قبل قليل ومنها : حديث الشفاعة وأنه ( يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) .
    وأما الآثار السلفية , فكثيرة – أيضاً - منها : قول عمر رضي الله عنه لأصحابه ( هلموا نزدد إيمانا ) , فيذكرون الله تعالى . ومنها قول ابن مسعود رضي الله عنه ( اللهم ! زدنا إيماناً , ويقيناً , وفقهاَ ) . ومنها قول ابن عباس وأبي هريرة وأبي الدرداء رضي الله عنهم ( الإيمان يزيد وينقص) .
    لذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله ( الإيمان قول وعمل , يزيد وينقص , يزيد بالطاعة وينتقص بالمعصية , ثم تلا ( ... وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ... )(المدثر31 ), وقال الإمام أحمد رحمه الله ( الإيمان يزيد وينقص , فزيادته بالعمل , ونقصانه بترك العمل ) .
    وانظر المبحث بتوسع في كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , و ( شرح العقيدة الطحاوية ص384 فما بعد ) , وفتح الباري للحافظ ابن حجر 1/62
    5
    نعم
    0%
    0
    الى حدا ما
    100.00%
    5
    لا
    0%
    0
    أبو عبدالله محمد العمري
    موقع الشيخ www.alomary.info

    أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىَ اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ

  • الشرقاوى
    حارس مؤسس

    • 9 يون, 2006
    • 5442
    • مدير نفسي
    • مسلم

    #2
    جزاك الله خيرا أخي على النقل الطيب

    وأهلا بك معنا وكل عام وأنتم بخير
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 12:46 م.
    الـ SHARKـاوي
    إستراتيجيتي في تجاهل السفهاء:
    ذبحهم بالتهميش، وإلغاء وجودهم المزعج على هذا الكوكب، بعدوى الأفكار،
    فالأفكار قبل الأشخاص، لأن الأفكار لها أجنحة، فأصيبهم بعدواها الجميلة. وهذا الواقع المظلم الذي نعيش سيتغير بالأفكار،
    فنحن في عصر التنوير والإعصار المعرفي، ولا بد للمريض أن يصح، ولا بد للجاهل أن يتعلم، ولا بد لمن لا يتغير، أن يجبره الواقع على التغير،
    ولا بد لمن تحكمه الأموات، الغائب عن الوعي، أن يستيقظ من نومة أهل الكهف أو يبقى نائما دون أثر، لا يحكم الأحياء!

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 15 يون, 2024, 04:22 م
    ردود 0
    24 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة وداد رجائي
    بواسطة وداد رجائي
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 9 يون, 2024, 03:56 ص
    ردود 0
    27 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
    ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 26 ينا, 2023, 02:58 م
    ردود 0
    49 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عاشق طيبة
    بواسطة عاشق طيبة
    ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 23 ينا, 2023, 12:27 ص
    ردود 0
    80 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عطيه الدماطى
    ابتدأ بواسطة د. نيو, 24 أبر, 2022, 07:35 ص
    رد 1
    83 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة د. نيو
    بواسطة د. نيو
    يعمل...