ماذا لو سألنا القرآن عن حقيقة المسيح ؟!
يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 119 لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 120 } (5- المائدة 116-120) .
إنَّ خالِقَ السَّماوات والأرض وما بينهما هو ذاتٌ حقيقيَّة , ولكنَّه سبحانه عالَمٌ لِوَحده , وكلُّ ما في الوجود عالَمٌ آخر . ومِنَ الخطأ العظيم والجهل الكبير أن نُحاول الخلْطَ بين العالَمين , مثل أن نتصوَّر أنَّ للخالِق عينَيْن لينظر بهما أو يَدَيْن لِيَعمل بهما , أو أنَّه يأكل ويشرب وينام ويتزوَّج ! إنَّه تعالى خارجَ الزَّمان والمكان , ونحن لن نستطيع أبدًا بعقُولنا وحواسِّنا الدُّنْيَويَّة المحدودة أن نتخيَّل صورَته أو أن نُدرك كيف يُسيِّر هذا الكون .
ولكي تفهم سيِّدي هذه النُّقطة , أضربُ لك مثالاً بسيطًا : نجَّارٌ صنعَ طاولة من خَشب . فلو سألتُك : هل هناك وَجْه شَبَهٍ بين الطَّاولة وصانعها ؟ لَأَجبْتَني : إطلاقًا ! لا في الشَّكل ولا في أيِّ شيء آخر !
أقول : فكذلك الحال فيما يتعلَّق بالخالِق والمخلوق , ليس هناك أيّ وَجْه شَبَه بينهما .
فلماذا يدَّعي النَّصارى إذًا أنَّ لِلَّه ولدًا ؟!
إنَّ الطَّوائف الرَّئيسيَّة الثَّلاث في المسيحيَّة :
- الكاثوليك Les Catholiques , وهم الذين يَتْبعون البابا في الفاتيكان , وهم أكثر الأوروبِّيِّين الغربيِّين وشعوب أمريكا الجنوبيَّة , وتُسمَّى كنيستُهم الكنيسة الغربيَّة .
- والأُرْتُودكس Les Orthodoxes , وهم النَّصارى الشَّرقيّون , وتُسمَّى كنيستهم الكنيسة الشَّرقيَّة , وهم لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت لواء كنيسة واحدة , وإنَّما كلُّ كنيسة مستقلَّة بنفسها , وهم منتشرون في أوروبَّا الشَّرقيَّة وروسيا والبلدان العربيَّة .
- والبْرُوتستانت Les Protestants , ويُسمَّون أيضا : الإنجيليُّون Les Evangélistes , وهم أيضًا لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت كنيسة واحدة , وهم أتباع الألماني Martin Luther , الذي دعا سنة 1517 م إلى إصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد , وهم موجودون في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا الشَّماليَّة .
كلُّ هذه الطَّوائف إذًا , مع اختلافاتهم العديدة في قضايا جوهريَّة في العقيدة , متَّفقُون على أنَّ المسيح عليه السَّلام : ابنُ اللَّه ! وأنَّه نزل إلى الأرض لِيُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم عليه السَّلام وعن خطايا البَشَر , وأنَّه قام بعد صلْبه وصعد إلى السَّماء ليجلس على يمين اللَّه ويحاسب معه النَّاس يوم القيامة !!
أيّ تخريف هذا ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو كان المسيح عليه السَّلام بيننا لَتبرَّأَ من كلِّ هذه الافتراءات ! بل إنَّه سيعود فعلاً في آخر الزَّمان , كما أخبر بذلك النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وسيَقْتُل المسيح الدَّجَّال , ويَكْسر الصَّليب , ولا يقبلُ غير الإسلام !
إنَّ خَلْقَ عيسى عليه السَّلام مِن دون أب هو مثالٌ من بين أمثلة عديدة لِقُدرة اللَّه المطْلَقة . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 } (3- آل عمران 59) . فاللَّهُ خَلَق آدمَ عليه السَّلام , مِن قَبْل عيسى , مِن دون أب ولا أمّ , وهذا أبلغُ في الإعجاز . فهل يعني هذا أنَّ آدم ابنُ اللَّه ؟! تعالى اللَّهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا !
ولكي يُقيمَ اللَّهُ سبحانه الحجَّةَ على مَن يدَّعون أنَّ المسيح ابنُ اللَّه , تَوَجَّه إليهم مباشرةً بالخطاب , فقال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً 171 لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا 172 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا 173 } (4- النّساء 171-173) .
والغريب أنَّ بعض النَّصارى توقَّفُوا عند قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ } , وزَعمُوا أنَّ ذلك يُمثِّلُ شهادةً قويَّة من القرآن بألوهيَّة المسيح , وأنَّه موافقٌ لِما جاء في إنجيل يوحنّا : في البَدْءِ كان الكلمة , والكلمةُ كان عند اللَّه , وكان الكلمةُ اللَّه . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الأوَّل 1) .
ولو فتحَ هؤلاء النَّصارى أعيُنَهم على بقيَّة الآية , لَوَجدُوا فيها ردًّا واضحًا على زعمهم , حيث يقول تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } . أمَّا قولُه تعالى : { وكَلِمَتُه } , فقد قال العلماء أنَّ المقصودَ بها : إرادةُ اللَّه المتمثِّلة في كلمة " كُنْ " , مصداقًا لقوله تعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 } (3- آل عمران 47) . فخَلْقُ المسيح عليه السَّلام ابتداءً في رَحِم مريم العذراء لَم يَكُن بِواسِطة نُطفة بَشريَّة , وإنَّما كان بكلمةٍ من اللَّه أن يَتِمَّ هذا الخَلْقُ , فتَمَّ مِن لا شيء .
ويقصُّ اللَّهُ تعالى علينا قصَّة ولادة المسيح عليه السَّلام بأسلوبه الرَّائع , فيقول : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا 16 فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا 17 قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا 18 قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا 19 قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا 20 قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا 21 فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا 23 فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24 وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا 25 فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا 26 فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا 27 يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا 28 فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 29 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33 ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 35 وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 36 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 37 } (19- مريم 16-37) .
باللَّه عليك يا ابني الكريم , هل يمكن لصاحب عقل ومنطق بعد هذا البيان المفصَّل أن يُجادِل في حقيقة المسيح عليه السَّلام ؟! إنَّ أوَّل جملة نطقَ بها عيسى وهو صغيرٌ في المهد : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (وليس ابنُه) , آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ( وليس إلَهًا) . وكلامُه هذا , وهو رضيع , كان معجزةً من عند اللَّه لِتَبرئة مريمَ عليها السَّلام من الفاحشة التي اتَّهمها بها قومُها .
ثمَّ قال عيسى : وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ .
وحتَّى لا يبقى هناكَ أيُّ مجال للشَّكِّ والاختلاف , أكَّد اللَّهُ تعالى كلامَ عيسى , فقال : { ما كان لِلَّه أن يَتَّخِذَ من وَلَدٍ سُبحانَه } .
ويقول تعالى في سورة آل عمران : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 46 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 48 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 49 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 51 } (3- آل عمران 45-51) .
نعم , استغربَتْ مريَمُ عليها السَّلام أن تَلِدَ ولم يَمْسَسْها بَشَر , فأجابها الملَكُ الكريم أنَّ اللَّه تعالى إذا قَضَى أمرًا فإنَّما يقولُ له كُنْ فَيَكُون ! وهذه القُدْرة المطلَقَة هي من صِفَات اللَّه وحده , لا يُشاركُه فيها أحدٌ من خَلْقه , لا الملائكةُ ولا الأنبياء ولا أيّ مَخْلُوق . لهذا , فكَمَا أنَّ الملَك الذي أرسلَه اللَّهُ إلى مريم لَمْ يَنْسِبْ إلى نَفْسه معجزة ولادة عيسى , فكذلك عيسى عليه السَّلام لم يَنْسِبْ إلى نَفْسه القُدرة على شِفاء المرضَى وإحياء الموتَى , وإنَّما أعلَن أنَّها كُلّها تَتِمُّ بإذن اللَّه وقُدرته . وحتَّى لا يلتبسَ الأمرُ على أتباعه , قال لهم : إِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ , فَاعْبُدُوهُ (وليس فاعبُدُوني) .
وبالرَّغم من كلِّ هذا الوضوح في الكلام , تَجدُ رجالَ الكنيسة يَتعنَّتون ويُغالطون أنفسهم وأتباعهم , فيُحاولون عبثًا إيجاد تفسير يَقبله العقل والمنطق عن ألوهيَّة المسيح عليه السَّلام , وعن عقيدة التَّثليث , ولكن دون جدوى .
والعجيب أنَّهم يقولون أنَّ التَّثليث هو وحدانيَّة ! وأنَّهم يؤمنُون بإله واحد , مثل المسلمين , غير أنَّ هذا الإله هو ثلاثة أقانيم , أقنوم الأب وهو الذَّات , وأقنوم الابن وهو الكلمة , وأقنوم روح القُدُس وهو الحياة ! واختلفُوا في الأقانيم , فقال البعض هي أشخاص , وقال آخرون هي صفات . واختلفُوا كذلك في المسيح , فقال البعض له طبيعة واحدة إلهيَّة , وقال آخرون له طبيعتان , واحدة إلهيَّة والأخرى إنسانيَّة , فلذلك صحَّ منه الأفعال الإلهيَّة من إحياء الموتى وشفاء المرضى , والأفعال الإنسانيَّة من الأكل والشُّرب !
ولا أظنُّ من المفيد إضاعة الوقت في مناقشة الأطروحات العديدة لرجال الكنيسة بخصوص عقيدة التَّثليث ومفهوم الأقانيم , لأنَّها لا ترتكزُ على عقلٍ ولا منطق ! والأغرب من هذا أنَّ رجال الكنيسة أنفُسهم لم يَستطيعُوا فَهْمها إلى اليوم ! ولو سألْتَ أحدَهُم عن معناها , لَاكْتَفَى بتَرديد تفسيرات غامضة ومتناقضة , حَفِظَها بِدَوْره عن غيره دون أن يكون مقتنعًا بها ! مِنْ ذلك تشبيه الأقانيم الثَّلاثة بالشَّمس التي هي حسب رأيهم : قُرْصٌ وشُعاعٌ وحرارة فقط , أو تشبيهها بالإنسان الذي يتكوَّن حسب رأيهم من دم وروح وجسد !
لكنَّ هذه التَّشبيهات لا تستقيم طبعًا لأنَّ الشُّعاع مثلاً ليس هو الشَّمس ولا يستطيع أن يَستقلَّ عنها , وكذلك الدَّم ليْسَ هو الإنسان ولا يستطيع أن يعمل بعيدًا عنه . بينما الأقانيم , وهي الأب والابن وروح القدس , هي ذَوات مستقلَّة عن بعضها وقائمة بذاتها , ويعملُ كلٌّ منها بعيدًا عن الآخر .
ثمَّ إنَّنا يكفي أن نقرأ قانون الإيمان المسيحي الذي يُؤمن به كلّ النَّصارى في العالَم , ويُقرَأ في الكنائس بصِيَغ تختلف قليلاً من كنيسة لأخرى , لِيَتَّضح لنا أنَّهم يُؤمنون فعلاً بثلاثة آلهة .
ففي سنة 325 م , اجتمع من كافّة أنحاء العالَم عددٌ من الأساقفة النّصارى في مدينة نيقية , وهو ما يُسمّى بمجمع نيقية المسكوني الأوّل عام 325 م , ووضعُوا : قانون الإيمان النيقاوي .
وكان الغرض من هذا القانون تلخيص العقيدة المسيحيّة , وحماية الكنيسة من البِدَع التي ظهرت في ذلك الوقت . ثمّ أُكمِل هذا القانون في مجمع القسطنطينية المسكوني الثّاني عام 381 م .
وهذا نصّ قانون الإيمان القسطنطيني (المعروف باسم النّيقاوي – القسطنطيني) :
نؤمن بإله واحد , آب ضابط الكلّ , خالق السّماء والأرض , كلّ ما يُرى وما لا يُرى .
وبربّ واحد يسوع المسيح , ابن اللّه الوحيد , المولود من الآب قبل كلّ الدّهور , إله من إله , نور من نور , إله حقّ من إله حقّ , مولود غير مخلوق , مساو للآب في الجوهر , الذي به كان كلّ شيء , الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السّماء وتجسّد بالرّوح القدس من مريم العذراء , وصار إنسانا وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطي , تألّم ومات وقُبر , وقام في اليوم الثّالث كما جاء في الكتب , وصعد إلى السّماء وجلس عن يمين الآب , وسيأتي أيضا بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه .
وبالرُّوح القدس الرّبّ المحيي , المنبثق من الآب (والابن) , الذي هو مع الآب والابن يُسجد له ويُمجد , النّاطق بالأنبياء .
وبكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة , ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا , وننتظر قيامة الأموات والحياة في الدّهر الآتي . آمين .
(النص منقول من موقع الموسوعة العربية المسيحية
##### ) .
فلو سألتَ طفلاً صغيرًا في السَّادسة من عمره : كَم عدد الآلهة في هذا النَّصّ ؟ لأجاب بدون تردّد : طبعًا ثلاثة ! ولو قلتَ له : أبدًا , إنَّها كلُّها تُمثِّلُ إلها واحدًا , لَرَدَّ مُستغربًا : كيف ذلك , والنَّصُّ يُعلِنُ بوضوح أنَّ يسوع وُلِدَ من أبيه ؟! فهناك أبٌ , وهناك ابن . والأبُ لا بُدَّ أن يكون أقدم من الابن ومستقلاًّ عنه في التَّصرّف والحركة ! وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابن صُلِبَ ودُفِنَ وقام وصعد إلى السَّماء . فهو إذًا كائنٌ قائمٌ بذاته ويتصرَّف بكلِّ حرِّيَّة . وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابنَ جلس عن يَمين أبيه . فكيف يجلسُ الابنُ بجانب الأب إذا كان الاثنان شيئًا واحدًا ؟!
قد تقول يا ابني الكريم : ولكن لِماذا لا يقول النَّصارى بأنَّهم يعبدون ثلاثة آلهة مختلفة , وانتهى الأمر ؟!
الجواب أنَّهم بهذا سيصطدمون مباشرةً بعقيدة أنبياء العهد القديم الذين دَعَوْا إلى عبادة اللَّه فقط . ولو بَحثْتَ في أسفار التَّوراة , لَما وَجدتَ فيها أيّ ذِكْرٍ للأقانيم والتَّثليث . لذلك , لَم يَجد النَّصارى مَخرَجًا إلاَّ باستحداث الإله ذي الثَّلاثة أقانيم : الآب , والابن , وروح القدس , ثمَّ القول بأنَّها شيءٌ واحد , وأنَّهم يعبدون إلها واحدًا !
وظَنُّوا أنَّهم بذلك قد حَلُّوا المشكلة , ولكنَّهم اصطدمُوا هذه المرَّة بالعقل والمنطق , وأصبح عليهم أن يشرحُوا للنَّاس كيف أنَّ : 1 + 1 + 1 = 1 , وليس ثلاثة ! فسقطوا في دوَّامة تفاسير وتشبيهات غامضة , لم يستطيعُوا الخروج منها إلى اليوم ! بل , ولن يستطيعُوا الخروج منها إلى قيام السَّاعة , لأنَّ عقيدتهم باطلة من الأساس , عندما ادَّعَوْا بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه وأنَّه جاء ليُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم وخطايا البشر . وكلُّ ما بُني على أساس باطل , فهو باطل .
على كلِّ حال , فإنَّ الآيات القرآنيَّة التي ذكَرْناها في هذا العنصر كافية جدًّا لِنَقْض عقائد الصَّلب والفداء والخلاص والتَّثليث , مِن أساسها . وسنتحدَّثُ بالتَّفصيل عن حقيقة اللَّه تعالى وصفاته في عنصر لاحق من هذا الجزء بإذن اللَّه .
ماذا لو سألنا القرآن عن حقيقة المسيح ؟!
يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 119 لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 120 } (5- المائدة 116-120) .
إنَّ خالِقَ السَّماوات والأرض وما بينهما هو ذاتٌ حقيقيَّة , ولكنَّه سبحانه عالَمٌ لِوَحده , وكلُّ ما في الوجود عالَمٌ آخر . ومِنَ الخطأ العظيم والجهل الكبير أن نُحاول الخلْطَ بين العالَمين , مثل أن نتصوَّر أنَّ للخالِق عينَيْن لينظر بهما أو يَدَيْن لِيَعمل بهما , أو أنَّه يأكل ويشرب وينام ويتزوَّج ! إنَّه تعالى خارجَ الزَّمان والمكان , ونحن لن نستطيع أبدًا بعقُولنا وحواسِّنا الدُّنْيَويَّة المحدودة أن نتخيَّل صورَته أو أن نُدرك كيف يُسيِّر هذا الكون .
ولكي تفهم سيِّدي هذه النُّقطة , أضربُ لك مثالاً بسيطًا : نجَّارٌ صنعَ طاولة من خَشب . فلو سألتُك : هل هناك وَجْه شَبَهٍ بين الطَّاولة وصانعها ؟ لَأَجبْتَني : إطلاقًا ! لا في الشَّكل ولا في أيِّ شيء آخر !
أقول : فكذلك الحال فيما يتعلَّق بالخالِق والمخلوق , ليس هناك أيّ وَجْه شَبَه بينهما .
فلماذا يدَّعي النَّصارى إذًا أنَّ لِلَّه ولدًا ؟!
إنَّ الطَّوائف الرَّئيسيَّة الثَّلاث في المسيحيَّة :
- الكاثوليك Les Catholiques , وهم الذين يَتْبعون البابا في الفاتيكان , وهم أكثر الأوروبِّيِّين الغربيِّين وشعوب أمريكا الجنوبيَّة , وتُسمَّى كنيستُهم الكنيسة الغربيَّة .
- والأُرْتُودكس Les Orthodoxes , وهم النَّصارى الشَّرقيّون , وتُسمَّى كنيستهم الكنيسة الشَّرقيَّة , وهم لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت لواء كنيسة واحدة , وإنَّما كلُّ كنيسة مستقلَّة بنفسها , وهم منتشرون في أوروبَّا الشَّرقيَّة وروسيا والبلدان العربيَّة .
- والبْرُوتستانت Les Protestants , ويُسمَّون أيضا : الإنجيليُّون Les Evangélistes , وهم أيضًا لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت كنيسة واحدة , وهم أتباع الألماني Martin Luther , الذي دعا سنة 1517 م إلى إصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد , وهم موجودون في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا الشَّماليَّة .
كلُّ هذه الطَّوائف إذًا , مع اختلافاتهم العديدة في قضايا جوهريَّة في العقيدة , متَّفقُون على أنَّ المسيح عليه السَّلام : ابنُ اللَّه ! وأنَّه نزل إلى الأرض لِيُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم عليه السَّلام وعن خطايا البَشَر , وأنَّه قام بعد صلْبه وصعد إلى السَّماء ليجلس على يمين اللَّه ويحاسب معه النَّاس يوم القيامة !!
أيّ تخريف هذا ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو كان المسيح عليه السَّلام بيننا لَتبرَّأَ من كلِّ هذه الافتراءات ! بل إنَّه سيعود فعلاً في آخر الزَّمان , كما أخبر بذلك النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وسيَقْتُل المسيح الدَّجَّال , ويَكْسر الصَّليب , ولا يقبلُ غير الإسلام !
إنَّ خَلْقَ عيسى عليه السَّلام مِن دون أب هو مثالٌ من بين أمثلة عديدة لِقُدرة اللَّه المطْلَقة . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 } (3- آل عمران 59) . فاللَّهُ خَلَق آدمَ عليه السَّلام , مِن قَبْل عيسى , مِن دون أب ولا أمّ , وهذا أبلغُ في الإعجاز . فهل يعني هذا أنَّ آدم ابنُ اللَّه ؟! تعالى اللَّهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا !
ولكي يُقيمَ اللَّهُ سبحانه الحجَّةَ على مَن يدَّعون أنَّ المسيح ابنُ اللَّه , تَوَجَّه إليهم مباشرةً بالخطاب , فقال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً 171 لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا 172 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا 173 } (4- النّساء 171-173) .
والغريب أنَّ بعض النَّصارى توقَّفُوا عند قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ } , وزَعمُوا أنَّ ذلك يُمثِّلُ شهادةً قويَّة من القرآن بألوهيَّة المسيح , وأنَّه موافقٌ لِما جاء في إنجيل يوحنّا : في البَدْءِ كان الكلمة , والكلمةُ كان عند اللَّه , وكان الكلمةُ اللَّه . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الأوَّل 1) .
ولو فتحَ هؤلاء النَّصارى أعيُنَهم على بقيَّة الآية , لَوَجدُوا فيها ردًّا واضحًا على زعمهم , حيث يقول تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } . أمَّا قولُه تعالى : { وكَلِمَتُه } , فقد قال العلماء أنَّ المقصودَ بها : إرادةُ اللَّه المتمثِّلة في كلمة " كُنْ " , مصداقًا لقوله تعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 } (3- آل عمران 47) . فخَلْقُ المسيح عليه السَّلام ابتداءً في رَحِم مريم العذراء لَم يَكُن بِواسِطة نُطفة بَشريَّة , وإنَّما كان بكلمةٍ من اللَّه أن يَتِمَّ هذا الخَلْقُ , فتَمَّ مِن لا شيء .
ويقصُّ اللَّهُ تعالى علينا قصَّة ولادة المسيح عليه السَّلام بأسلوبه الرَّائع , فيقول : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا 16 فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا 17 قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا 18 قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا 19 قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا 20 قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا 21 فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا 23 فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24 وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا 25 فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا 26 فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا 27 يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا 28 فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 29 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33 ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 35 وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 36 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 37 } (19- مريم 16-37) .
باللَّه عليك يا ابني الكريم , هل يمكن لصاحب عقل ومنطق بعد هذا البيان المفصَّل أن يُجادِل في حقيقة المسيح عليه السَّلام ؟! إنَّ أوَّل جملة نطقَ بها عيسى وهو صغيرٌ في المهد : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (وليس ابنُه) , آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ( وليس إلَهًا) . وكلامُه هذا , وهو رضيع , كان معجزةً من عند اللَّه لِتَبرئة مريمَ عليها السَّلام من الفاحشة التي اتَّهمها بها قومُها .
ثمَّ قال عيسى : وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ .
وحتَّى لا يبقى هناكَ أيُّ مجال للشَّكِّ والاختلاف , أكَّد اللَّهُ تعالى كلامَ عيسى , فقال : { ما كان لِلَّه أن يَتَّخِذَ من وَلَدٍ سُبحانَه } .
ويقول تعالى في سورة آل عمران : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 46 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 48 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 49 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 51 } (3- آل عمران 45-51) .
نعم , استغربَتْ مريَمُ عليها السَّلام أن تَلِدَ ولم يَمْسَسْها بَشَر , فأجابها الملَكُ الكريم أنَّ اللَّه تعالى إذا قَضَى أمرًا فإنَّما يقولُ له كُنْ فَيَكُون ! وهذه القُدْرة المطلَقَة هي من صِفَات اللَّه وحده , لا يُشاركُه فيها أحدٌ من خَلْقه , لا الملائكةُ ولا الأنبياء ولا أيّ مَخْلُوق . لهذا , فكَمَا أنَّ الملَك الذي أرسلَه اللَّهُ إلى مريم لَمْ يَنْسِبْ إلى نَفْسه معجزة ولادة عيسى , فكذلك عيسى عليه السَّلام لم يَنْسِبْ إلى نَفْسه القُدرة على شِفاء المرضَى وإحياء الموتَى , وإنَّما أعلَن أنَّها كُلّها تَتِمُّ بإذن اللَّه وقُدرته . وحتَّى لا يلتبسَ الأمرُ على أتباعه , قال لهم : إِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ , فَاعْبُدُوهُ (وليس فاعبُدُوني) .
وبالرَّغم من كلِّ هذا الوضوح في الكلام , تَجدُ رجالَ الكنيسة يَتعنَّتون ويُغالطون أنفسهم وأتباعهم , فيُحاولون عبثًا إيجاد تفسير يَقبله العقل والمنطق عن ألوهيَّة المسيح عليه السَّلام , وعن عقيدة التَّثليث , ولكن دون جدوى .
والعجيب أنَّهم يقولون أنَّ التَّثليث هو وحدانيَّة ! وأنَّهم يؤمنُون بإله واحد , مثل المسلمين , غير أنَّ هذا الإله هو ثلاثة أقانيم , أقنوم الأب وهو الذَّات , وأقنوم الابن وهو الكلمة , وأقنوم روح القُدُس وهو الحياة ! واختلفُوا في الأقانيم , فقال البعض هي أشخاص , وقال آخرون هي صفات . واختلفُوا كذلك في المسيح , فقال البعض له طبيعة واحدة إلهيَّة , وقال آخرون له طبيعتان , واحدة إلهيَّة والأخرى إنسانيَّة , فلذلك صحَّ منه الأفعال الإلهيَّة من إحياء الموتى وشفاء المرضى , والأفعال الإنسانيَّة من الأكل والشُّرب !
ولا أظنُّ من المفيد إضاعة الوقت في مناقشة الأطروحات العديدة لرجال الكنيسة بخصوص عقيدة التَّثليث ومفهوم الأقانيم , لأنَّها لا ترتكزُ على عقلٍ ولا منطق ! والأغرب من هذا أنَّ رجال الكنيسة أنفُسهم لم يَستطيعُوا فَهْمها إلى اليوم ! ولو سألْتَ أحدَهُم عن معناها , لَاكْتَفَى بتَرديد تفسيرات غامضة ومتناقضة , حَفِظَها بِدَوْره عن غيره دون أن يكون مقتنعًا بها ! مِنْ ذلك تشبيه الأقانيم الثَّلاثة بالشَّمس التي هي حسب رأيهم : قُرْصٌ وشُعاعٌ وحرارة فقط , أو تشبيهها بالإنسان الذي يتكوَّن حسب رأيهم من دم وروح وجسد !
لكنَّ هذه التَّشبيهات لا تستقيم طبعًا لأنَّ الشُّعاع مثلاً ليس هو الشَّمس ولا يستطيع أن يَستقلَّ عنها , وكذلك الدَّم ليْسَ هو الإنسان ولا يستطيع أن يعمل بعيدًا عنه . بينما الأقانيم , وهي الأب والابن وروح القدس , هي ذَوات مستقلَّة عن بعضها وقائمة بذاتها , ويعملُ كلٌّ منها بعيدًا عن الآخر .
ثمَّ إنَّنا يكفي أن نقرأ قانون الإيمان المسيحي الذي يُؤمن به كلّ النَّصارى في العالَم , ويُقرَأ في الكنائس بصِيَغ تختلف قليلاً من كنيسة لأخرى , لِيَتَّضح لنا أنَّهم يُؤمنون فعلاً بثلاثة آلهة .
ففي سنة 325 م , اجتمع من كافّة أنحاء العالَم عددٌ من الأساقفة النّصارى في مدينة نيقية , وهو ما يُسمّى بمجمع نيقية المسكوني الأوّل عام 325 م , ووضعُوا : قانون الإيمان النيقاوي .
وكان الغرض من هذا القانون تلخيص العقيدة المسيحيّة , وحماية الكنيسة من البِدَع التي ظهرت في ذلك الوقت . ثمّ أُكمِل هذا القانون في مجمع القسطنطينية المسكوني الثّاني عام 381 م .
وهذا نصّ قانون الإيمان القسطنطيني (المعروف باسم النّيقاوي – القسطنطيني) :
نؤمن بإله واحد , آب ضابط الكلّ , خالق السّماء والأرض , كلّ ما يُرى وما لا يُرى .
وبربّ واحد يسوع المسيح , ابن اللّه الوحيد , المولود من الآب قبل كلّ الدّهور , إله من إله , نور من نور , إله حقّ من إله حقّ , مولود غير مخلوق , مساو للآب في الجوهر , الذي به كان كلّ شيء , الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السّماء وتجسّد بالرّوح القدس من مريم العذراء , وصار إنسانا وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطي , تألّم ومات وقُبر , وقام في اليوم الثّالث كما جاء في الكتب , وصعد إلى السّماء وجلس عن يمين الآب , وسيأتي أيضا بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه .
وبالرُّوح القدس الرّبّ المحيي , المنبثق من الآب (والابن) , الذي هو مع الآب والابن يُسجد له ويُمجد , النّاطق بالأنبياء .
وبكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة , ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا , وننتظر قيامة الأموات والحياة في الدّهر الآتي . آمين .
(النص منقول من موقع الموسوعة العربية المسيحية
##### ) .
فلو سألتَ طفلاً صغيرًا في السَّادسة من عمره : كَم عدد الآلهة في هذا النَّصّ ؟ لأجاب بدون تردّد : طبعًا ثلاثة ! ولو قلتَ له : أبدًا , إنَّها كلُّها تُمثِّلُ إلها واحدًا , لَرَدَّ مُستغربًا : كيف ذلك , والنَّصُّ يُعلِنُ بوضوح أنَّ يسوع وُلِدَ من أبيه ؟! فهناك أبٌ , وهناك ابن . والأبُ لا بُدَّ أن يكون أقدم من الابن ومستقلاًّ عنه في التَّصرّف والحركة ! وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابن صُلِبَ ودُفِنَ وقام وصعد إلى السَّماء . فهو إذًا كائنٌ قائمٌ بذاته ويتصرَّف بكلِّ حرِّيَّة . وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابنَ جلس عن يَمين أبيه . فكيف يجلسُ الابنُ بجانب الأب إذا كان الاثنان شيئًا واحدًا ؟!
قد تقول يا ابني الكريم : ولكن لِماذا لا يقول النَّصارى بأنَّهم يعبدون ثلاثة آلهة مختلفة , وانتهى الأمر ؟!
الجواب أنَّهم بهذا سيصطدمون مباشرةً بعقيدة أنبياء العهد القديم الذين دَعَوْا إلى عبادة اللَّه فقط . ولو بَحثْتَ في أسفار التَّوراة , لَما وَجدتَ فيها أيّ ذِكْرٍ للأقانيم والتَّثليث . لذلك , لَم يَجد النَّصارى مَخرَجًا إلاَّ باستحداث الإله ذي الثَّلاثة أقانيم : الآب , والابن , وروح القدس , ثمَّ القول بأنَّها شيءٌ واحد , وأنَّهم يعبدون إلها واحدًا !
وظَنُّوا أنَّهم بذلك قد حَلُّوا المشكلة , ولكنَّهم اصطدمُوا هذه المرَّة بالعقل والمنطق , وأصبح عليهم أن يشرحُوا للنَّاس كيف أنَّ : 1 + 1 + 1 = 1 , وليس ثلاثة ! فسقطوا في دوَّامة تفاسير وتشبيهات غامضة , لم يستطيعُوا الخروج منها إلى اليوم ! بل , ولن يستطيعُوا الخروج منها إلى قيام السَّاعة , لأنَّ عقيدتهم باطلة من الأساس , عندما ادَّعَوْا بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه وأنَّه جاء ليُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم وخطايا البشر . وكلُّ ما بُني على أساس باطل , فهو باطل .
على كلِّ حال , فإنَّ الآيات القرآنيَّة التي ذكَرْناها في هذا العنصر كافية جدًّا لِنَقْض عقائد الصَّلب والفداء والخلاص والتَّثليث , مِن أساسها . وسنتحدَّثُ بالتَّفصيل عن حقيقة اللَّه تعالى وصفاته في عنصر لاحق من هذا الجزء بإذن اللَّه .
تعليق