أما آن لك أن تعتنق الإسلام ؟!

تقليص

عن الكاتب

تقليص

في حب الله مسلم اكتشف المزيد حول في حب الله
هذا موضوع مثبت
X
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 2 (0 أعضاء و 2 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • في حب الله
    المشرفة على أقسام
    المذاهب الفكرية الهدامة

    • 28 مار, 2007
    • 8324
    • باحث
    • مسلم

    كلمة عن الشياطين
    كلمة عن الشَّياطين




    هم جنود إبليس , لعنه اللَّه , ويُقالُ أنَّهم الكُفَّارُ من الجنِّ . وقصَّةُ إبليس مذكورةٌ في عدَّة مواضع من القرآن الكريم , نختار منها قول اللَّه تعالى : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ 71 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ 72 فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 73 إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ 74 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ 75 قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ 76 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 77 وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 78 قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 79 قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ 80 إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 81 قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 82 إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 83 قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ 84 لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ 85 } (38- ص 71-85) .
    فإبليسُ , لعنهُ اللَّه , استكْبرَ عن السُّجود لِآدمَ ولم يَمتثِلْ لأمر اللَّه , فلَعَنه اللَّهُ تعالى وطرَده من رحمته . فطلبَ إبليسُ من اللَّه تعالى أن يُمهِلَه إلى يوم القيامة , وحلفَ بأن يعملَ أثناء ذلك على إغواء ذُرِّيَّة آدم وإبعادها عن طريق الجنَّة , فأَمهلهُ .
    ونحنُ لا نستطيعُ رؤية إبليس , ولكنَّنا نشعرُ بوَسْوَسته لنا . وإذا كان اللَّه تعالى قد حذَّرنا من مُعاداة الملائكة , فقد أمَرَنا في المقابل بمعاداة إبليس وجنوده من الشَّياطين . يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ 5 إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ 6 } (35- فاطر 5-6) .
    ويقول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ 168 إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ 169 } (2- البقرة 168-169) .
    وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر (بن عبد اللَّه) رضي اللَّه عنه , قال : سمعتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : إنَّ الشَّيطانَ يَحضُر أحدكُم عند كلِّ شيء مِنْ شأنه , حتَّى يَحضُره عند طعامه . فإذا سقطَتْ من أحَدكُم اللُّقمة , فَليُمِطْ ما كان بها مِن أذَى , ثمَّ لِيَأكُلْها ولا يَدَعها للشَّيطان . فإذا فرغَ فَليَلْعَقْ أصابعَه , فإنَّه لا يَدري في أيِّ طعامه تكونُ البَرَكَة . (صحيح مسلم – الجزء 3 – ص 1607 – رقم الحديث 2033) .

    فإذا كان اللَّهُ سُبحانه قد أكرمَنا بأن أسجدَ الملائكَة لأبينا آدم , ثمَّ أرسلَ إلينا أنبياءَ كرامًا لِيُبَيِّنُوا لنا طريق الجنَّة ويُحذِّرُونا من اتِّباع إبليس , أليس من اللُّؤم إذًا والجحود أن نُجازي هذا الإحسانَ بأن نُعرِضَ عن الخالِق ونَتَّبع إبليس ؟!
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:11 ص.

    وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
    وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
    @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
    --------------------------------------
    اللهم ارزقني الشهادة
    اللهم اجعل همي الآخرة

    تعليق

    • في حب الله
      المشرفة على أقسام
      المذاهب الفكرية الهدامة

      • 28 مار, 2007
      • 8324
      • باحث
      • مسلم

      كلمة عن الرُّوح
      كلمة عن الرُّوح


      يقول اللَّه تعالى : { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً 85 } (17- الإسراء 85) .
      في هذه الآية يُعلِنُ اللَّهُ تعالى للبشريَّة جَمعاء أنَّهم مهما تَقدَّمُوا في العلوم , فلن يستطيعُوا أبدًا كَشْفَ أسرار الرُّوح ! فهي من اختصاصه وحده فقط .
      وهاهو التَّحدِّي قائمٌ منذ حوالي 1400 سنة , وبالرَّغم من التَّقدُّم الهائل الذي وصل إليه إنسانُ العصر الحديث في شَتَّى العلوم , إلاَّ أنَّ الرُّوح بقيَتْ بالنِّسبة له شيئًا مجهولاً , يرى آثارَها ولا يعرفُ شيئًا عنها !

      أليس في هذا دليلٌ جديد على أنَّ القرآن وحيٌ من عند اللَّه ؟!
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:11 ص.

      وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
      وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
      @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
      --------------------------------------
      اللهم ارزقني الشهادة
      اللهم اجعل همي الآخرة

      تعليق

      • في حب الله
        المشرفة على أقسام
        المذاهب الفكرية الهدامة

        • 28 مار, 2007
        • 8324
        • باحث
        • مسلم

        وكلمة عن الغيبيَّات
        وكلمة عن الغيبيَّات




        ربَّما تقولين يا ابنتي الفاضلة : ولكن , كيفَ تُريد من إنسانِ عَصْر العلم أن يُؤمنَ بِملائكة وجِنّ وشياطين , لا يَرى لها صورة ولا يسمعُ لها صوتًا ؟!
        أقول : صحيحٌ أنَّنا لا نستطيع البَرْهنة بطريقة مباشرة على وجود هذه المخلوقات , ولكنَّنا نستطيع بطريقة غير مباشرة أن نُبَيِّن عقليًّا أنَّها موجودةٌ فعلاً .
        تسألين : كيف ذلك ؟
        لقد تَحدَّثْنا في بداية هذه الأجزاء عن كيفيَّة سَيْر هذا الكون , والقوانين الدَّقيقة التي تَحكُمه , ووصَلْنا إلى أنَّه لا بُدَّ أن يكون وراء هذا النِّظام العجيب خالِقٌ عظيم . ثمَّ تَحدَّثْنا عن القرآن الكريم وعن آياته المعجزة والتي حَيَّرتْ عُلَماء هذا العصر , ووصَلْنا إلى أنَّ هذا القرآن لا بُدَّ أن يَكون وحْيًا من عند الخالِق . ثمَّ بَيَّنَّا أنَّ هذا الخالِق , وهو اللَّه تعالى , لا بُدَّ أن يكون مُتَّصِفًا بكلِّ صفات الكمال , وأنَّ كلّ ما يأتي من عنده لا بُدَّ أن يكون حقًّا .
        وبِمَا أنَّ اللَّه تعالى ذكَر لنا في القرآن الكريم أنَّ هُناكَ ملائكةً وجِنًّا وشياطينَ , فلا بُدَّ إذًا أن تكون هذه المخلوقاتُ موجودة فعلاً . هذا ما يقولُه العقلُ والمنطق . أم أنَّ لكِ رأيًا آخر ؟!

        وكذلكَ الحالُ بالنِّسبة لِكُلِّ الأمور الغيبيَّة , مِن سؤال الميِّت في القبر , وكيفيَّة الحساب يوم القيامة , وصِفات الجنَّة وصِفات النَّار , كلُّها يَجبُ أن تُؤخَذَ مَسَلَّمَة على أنَّها حَقٌّ لِأنَّها صادرة عن علاَّم الغُيُوب . وهذا ما يتماشى أيضًا مع العقل والمنطق .

        ثمَّ إنَّكِ لو سألتِ علماء الفيزياء وعلماء الفلَك , لقالُوا لكِ أنَّ هناك العديد من النَّظريَّات التي وَصَلُوا إليها , ليس بواسطة التَّجربة المشاهَدة والملموسة , ولكن فقط عن طريق الاستنتاج العقلي والمنطقي . أي أنَّهم قامُوا بحسابات وتجارب حقيقيَّة , ثمَّ استنتجُوا منها أنَّ النَّتيجة النِّهائيَّة لا بُدَّ أن تكون كذا , لكي تَتَّفق مع القوانين التي اكتشفُوها سابقًا . فهُم لَم يُشاهدُوا بأعيُنهم هذه النَّتيجة , ولكنَّهم استنتجُوها بعُقولهم . ولو لم يفعلُوا ذلك , لَما استطاعُوا التَّقدُّم أيَّ خُطوة , ولَما وصلُوا إلى ما وصلُوا إليه اليوم من تقدُّم علمي .

        ثمَّ إنَّ هناك ظواهر غريبة حدثَتْ في عصرنا هذا , وصدَّقها كلُّ مَن سَمع بها , بالرَّغم من أنَّ العلم عَجَز عن تفسيرها ! مثالُ ذلك : ظاهرة اختفاء السُّفُن والطَّائرات في المنطقة المعروفة باسم مُثَلَّث بَرْمُودَا (Triangle des Bermudes) أو مُثَلَّث الشَّيطان (Triangle du Diable) . وهي منطقة تمتدُّ آلاف الكيلومترات في المحيط الأطلسي , بين جزر برمودا شمالاً وبيورتو ريكُو (Puerto Rico) في الجنوب الشَّرقي ومالبورن (Melbourne) في الجنوب الغربي .
        وقد ابتلع هذا المثلَّث منذ نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية أكثر من خمسين سفينة , وأكثر من عشرين طائرة بِمَا عليها من ركَّاب وبضائع , دون أن يترك أيّ أثر لها ! وأشهَرُ حادثة كانت في 5-12-1945 م , عندما اخترقتْ خمس طائرات مقاتلة أمريكيَّة هذا المثلَّث في مهمَّة تدريبيَّة , فلَم تعُد بالرَّغم من أنَّ العوامل الجوِّيَّة كانت جيِّدة للغاية ! وأُرسِلَت طائرة مائيَّة للبحث عنها , فاختفتْ هي الأخرى في ظروف غامضة !
        وما زال العلماء إلى اليوم يتساءلون في حيرة : أين ذهبت الطَّائرات والسُّفن وجُثث الرُّكَّاب ؟! وما الذي حدث بالضَّبط ؟! ولِماذا تَمرُّ من المثلَّث طائرات وسفن أخرى في أوقات أخرى ولا يبتلعُها ؟!
        فهذه الظَّاهرة موجودةٌ إذًا , بشهادة العلماء , وصدَّقَها النَّاسُ بالرَّغم من أنَّ لا أحد رآها بعينَيْه أو وجد لها تفسيرًا بعقله .

        أخيرًا , كلُّنا يعرف أنَّ حواسَّنا محدودة , ولا تستطيع إدراك ما يكون خارجَ حدودها . فالعيْنُ مثلاً لا تستطيع أن تُبصر الأجسام التي تفوق سرعتُها سرعةَ الضَّوء , ولا الكائنات الصَّغيرة التي لا تُرى إلاَّ بالمجهر . والأذن لا تستطيع مثلاً أن تسمع أحاديث النَّمل . وطبعًا , عدم إدراك حواسّنا لهذه العوالم , لا يعني عدم وجودها . وإلاَّ لَأنكر الأعمى وجود القمر لأنَّه لا يراه , ولَأنكر الأصمُّ وجود الرَّعد لأنَّه لا يسمعه ! ونحنُ لو نظرنا إلى قطرة ماءٍ لَقُلْنا أنَّها لا تحتوي إلاَّ على الماء , لكن لو وَضعْناها تحت المجهر لَذُهِلْنا مِمَّا تحتويه من جراثيم وكائنات صغيرة جدًّا .

        كلُّ هذا إذًا يُمكنُ أن يُفسِّر لنا عقليًّا وجودَ الملائكة والجنِّ والشَّياطين , بالرَّغم من عدم قُدرتنا على رؤيتها . يقول اللَّه تعالى : { فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ 38 وَمَا لا تُبْصِرُونَ 39 } (69- الحاقّة 38-39) .

        والغريبُ اليوم أنَّنا سمعنا بالإنسان مَشى فوق القمر , فصدَّقْنا ! وقيل لنا أنَّ أشعَّة اللّيزر تخترق جسمَ الإنسان , فلم نستغرب ! وفتحنا التِّلفاز فشاهدنا صورًا لأحداث تقع في أقصى العالم , فلم نتعجَّب ! لكن لَمَّا قيلَ لنا أنَّ هناك ملائكة وجنًّا وشياطين لا نستطيعُ إدراكهم بِحَواسِّنا , كذَّبَ الكثيرُ من النَّاس , واتَّهمُوا القائلَ بالجهل والتَّخلُّف . فَمَن الجاهلُ والمتخلِّفُ يا تُرى ؟!
        ------------------------------------------------
        التالي بإذن الله تعالى:
        متى تقوم السَّاعة وتنتهي الدُّنيا ؟
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:11 ص.

        وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
        وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
        @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
        --------------------------------------
        اللهم ارزقني الشهادة
        اللهم اجعل همي الآخرة

        تعليق

        • في حب الله
          المشرفة على أقسام
          المذاهب الفكرية الهدامة

          • 28 مار, 2007
          • 8324
          • باحث
          • مسلم

          متى تقوم السَّاعة وتنتهي الدُّنيا ؟
          متى تقوم السَّاعة وتنتهي الدُّنيا ؟




          لا أحد من الخلْق يعلَم ذلك , حتَّى الملائكة والأنبياء ! يقول اللَّه تعالى : { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا 63 } (33- الأحزاب 63) .
          فنهايةُ العالَم هي من الأمور التي اختصَّ اللَّهُ وحدَه بعِلْمها . يقول تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 34 } (31- لقمان 34) . ويقول تعالى : { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ 47 } (41- فصّلت 47) .

          ويُؤكِّد اللَّهُ على أنَّ يوم القيامة آتٍ لا مَفَرَّ منه , فيقول تعالى : { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى 15 } (20- طه 15) . ويقول تعالى : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا 87 } (4- النّساء 87) .
          ويقول تعالى : { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ 17 يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ 18 } (42- الشّورى 17-18) . ويقول تعالى : { وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 77 } (16- النّحل 77) .

          ويُحذِّرُ اللَّهُ من التَّكذيب بيوم القيامة , فيقول تعالى : { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا 11 إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا 12 وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا 13 لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا 14 قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا 15 لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولاً 16 } (25- الفرقان 11-16) .
          ويقول تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ 14 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ 15 وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ 16 } (30- الرّوم 14-16) .

          وإذا كان اللَّه سُبحانَه قد أخفَى عنَّا موعد قيام السَّاعة , إلاَّ أنَّه جعل لها علامات تدلُّ على قرب وقُوعها . هذه العلامات أخبرنا بها النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في العديد من أحاديثه . ولكنَّنا سوف لن نتعرَّض لها في هذا الكتاب , ونقتصرُ فقط على القول بأنَّ من العلامات الكبرى لنهاية الزَّمان : نُزول المسيح عيسى بن مريم عليه السَّلام .
          وقد سبقَ أن ذكَرْنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : الأنبياء أخْوَةٌ لِعِلاَّت , أمَّهاتُهم شَتَّى ودينُهم واحِد , وأنا أوْلَى النَّاسِ بعِيسَى بن مَرْيَم لِأنَّه لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وبَيْنَه نَبِيٌّ . وإنَّه نازلٌ , فإذَا رأيْتُموه فاعْرِفُوه : رجُلاً مَرْبُوعًا إلى الحُمْرة والبَيَاض , علَيْه ثَوْبان ممصران , كأنَّ رأسَهُ يَقْطُرُ وإن لَم يُصِبْهُ بَلَل . فيَدُقُّ الصَّليبَ (أي يَكْسِره) , ويَقْتُلُ الخنزير , ويَضَعُ الجِزْيَة , ويَدْعُو النَّاسَ إلى الإسلام . فيُهْلِكُ اللَّهُ في زمانه المِلَلَ كلَّها إلاَّ الإسلام , ويُهلِكُ اللَّهُ في زمانه المسيحَ الدَّجَّال . وتقعُ الأمنَةُ على الأرض , حتَّى تَرْتَعَ الأسُودُ مع الإبل , والنِّمار مع البَقَر , والذِّئاب مع الغَنَم , ويَلْعَبُ الصِّبْيانُ بالحَيَّات لا تَضُرُّهم . فيَمكُثُ أربعينَ سنة , ثمَّ يَتَوفَّى ويُصلِّي عليه المسلمُون . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 406 – رقم الحديث 9256) .
          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:11 ص.

          وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
          وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
          @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
          --------------------------------------
          اللهم ارزقني الشهادة
          اللهم اجعل همي الآخرة

          تعليق

          • في حب الله
            المشرفة على أقسام
            المذاهب الفكرية الهدامة

            • 28 مار, 2007
            • 8324
            • باحث
            • مسلم

            ولكن , كيف سنُبعَث بعد الموت ؟!
            ولكن , كيف سنُبعَث بعد الموت ؟!




            ربَّما تقولين سيِّدتي الفاضلة : كيف يُمكنُ أن تعود إلينا الحياةُ بعد أن تَبْلَى أجسامُنا تحت التُّراب ؟!
            أقول : ليس هذا بالصَّعب على اللَّه تعالى الذي يقول للشَّيء كُن فيكُون ! يقول تعالى : { مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ 28 } (31- لقمان 28) . ويقول تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 27 } (30- الرّوم 27) .
            ويقول تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ 77 وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ 78 قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ 79 الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ 80 أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ 81 إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 82 فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 83 } (36- يس 77-83) .

            وإذا استغربتِ سيِّدتي من قدرة اللَّه تعالى على إحيائكِ بعد موتك , فلِمَ لم تستغربي أنَّه خَلَقَكِ أوَّل مرَّة مِن لا شيء ؟! يقول اللَّه تعالى : { وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا 66 أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا 67 } (19- مريم 66-67) .
            ولِمَ لم تستغربي من قُدرته على خلق هذا الكون الفسيح بكواكبه ونجومه ومجرَّاته , والذي هو أعظم بالنِّسبة لنا من خلق الإنسان ؟! يقول اللَّه تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 57 } (40- غافر 57) .

            إنَّ الذي خلَقَنا أوَّل مرَّة مِن لا شيء قادرٌ إذًا على إحيائنا مرَّة أخرى , لِيُحاسِبَنا على أفعالنا في الدُّنيا .
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:10 ص.

            وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
            وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
            @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
            --------------------------------------
            اللهم ارزقني الشهادة
            اللهم اجعل همي الآخرة

            تعليق

            • في حب الله
              المشرفة على أقسام
              المذاهب الفكرية الهدامة

              • 28 مار, 2007
              • 8324
              • باحث
              • مسلم

              النَّفخ في الصُّور , وبداية الفزع الأكبر !
              النَّفخ في الصُّور , وبداية الفزع الأكبر !




              يقول اللَّه تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ 68 } (39- الزّمر 68) .
              نقطةُ البدء في أحداث اليوم الآخر هي إذًا : أن يأمُر اللَّهُ تعالى الملَك إسرافيل بأن يَنفُخَ في الصُّور . وقد روى الإمام أحمد في مُسنَده عن عبد اللَّه بن عمرو (بن العاص) رضي اللَّه عنه , قال : قال أعرابي : يا رسولَ اللَّه , ما الصُّور ؟ قال : قَرْنٌ يُنْفَخُ فيه . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 162 – رقم الحديث 6507) .
              وهذا القرنُ هو بِمثابة بُوق عظيم جدًّا , يُنفَخُ فيه فجأةً , بعد وقوع كلّ علامات السَّاعة ونزول المسيح عليه السَّلام وموته ودفنه . وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ من مغربها , فإذا طلعَتْ فرآها النَّاسُ , آمَنُوا أجمعُون . فذلكَ حينَ لا يَنفعُ نفسًا إيمانُها (إن) لَم تَكُن آمَنَتْ من قَبْلُ أو كَسَبَتْ في إيمانها خَيْرًا . ولَتَقُومَنَّ السَّاعةُ وقد نَشَر الرَّجُلان ثَوْبَهُما بَيْنَهما , فلا يَتبايَعانه ولا يَطْوِيَانه . ولَتَقُومَنَّ السَّاعةُ وقد انَصَرف الرَّجُلُ بِلَبَن لَقْحته , فلا يَطْعَمُه . ولَتَقُومَنَّ السَّاعةُ وهو يَليطُ حَوْضَه , فلا يَسْقِي فيه . ولَتَقُومَنَّ السَّاعةُ وقد رفَعَ أكْلَتَهُ إلى فيه , فلا يَطْعَمها . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2386 – رقم الحديث 6141) .

              عند النَّفخ في الصُّور النَّفخة الأولى , يتصدَّعُ كلُّ ما في الكون ويرتجُّ ارتجاجًا عظيمًا , وتنحلُّ جميع الرَّوابط والقوانين التي كانتْ تَحْكُمه , مِن جاذبيَّة وغيرها , فتتناثرُ النُّجومُ والكواكب , وتُزَلْزَلُ الأرض , وتُدَكُّ الجبالُ , ويَصعقُ ويَموتُ كلُّ مَن في السَّماوات والأرض من خلائق , إلاَّ مَن اسْتَثْنَى اللَّهُ . ومِن بين هؤلاء المسْتَثْنين : جبريل وميكائيل وإسرافيل ومَلَك الموْت . ثمَّ يأمُرُ اللَّهُ تعالى مَلَكَ الموت أن يَقبِضَ أرواح مَنْ بَقي من ملائكة , ثمَّ يأمرُه أن يَقْبِضَ روحَهُ بِنَفْسِه . فيَمُوتُ مَلَكُ الموت بعد أن تَموت كلُّ الخلائق , ولا يبقَى حينئذٍ إلاَّ اللَّهُ الواحد الأحد , الحيُّ الذي لا يَموت , ويَنْفَردُ بِمُلْكِه كَما كان قبل أن يَخْلق خَلْقَه .
              وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يَطْوي اللَّهُ عزَّ وجلَّ السَّماواتِ يومَ القيامة , ثمَّ يأخُذُهنَّ بِيَده اليُمْنَى ثمَّ يقول : أنا الملِك , أينَ الجبَّارون ؟! أينَ المتَكَبِّرون ؟! ثمَّ يَطْوي الأرَضِينَ بشِمَالِه ثمَّ يقول : أنا الملِك , أينَ الجبَّارون ؟! أينَ المتَكَبِّرون ؟! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2148 – رقم الحديث 2788) .

              وقد صوَّر لنا اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم بعض المشاهد من تصدُّع الكون عند النَّفخ في الصُّور , فقال تعالى : { إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ 1 وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ 2 وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ 3 وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ 4 عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ 5 } (82- الانفطار 1-5) .
              وقال تعالى : { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ 1 وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ 2 وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ 3 وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ 4 وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ 5 } (84- الانشقاق 1-5) .
              وقال تعالى : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ 1 وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ 2 وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ 3 وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ 4 وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ 5 وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ 6 وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ 7 وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ 8 بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ 9 وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ 10 وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ 11 وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ 12 وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ 13 عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ 14 } (81- التّكوير 1-14) .
              وقال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا 1 وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا 2 وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا 3 يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا 4 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا 5 يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ 6 فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8 } (99- الزّلزلة 1-8) .

              بعد النَّفخة الأولى التي تَصعقُ وتَموتُ بها كلُّ الخلائق , يَبقى الكونُ على هذا الحال مدَّة من الزَّمن , ثمَّ يُعيدُ اللَّهُ تعالى أجسادَ الموتَى كاملَةً كَهيئَتِها عندما دُفِنَتْ . ثمَّ يُحْيِي اللَّهُ الملَكَ إسرافيلَ , ويأمُره أن ينفُخَ في الصُّور نفخةً ثانيَة . فيَنفُخُ إسرافيلُ في الصُّور , وعندئذ تَتطايَرُ الأرواحُ إلى أجسادها , ويَقومُ النَّاسُ مِن قُبورهم يَنفُضُون التُّراب عن رؤوسهم .

              وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْن أربعُون . قالُوا : يا أبا هُرَيْرة , أربعُون يومًا ؟ قال : أبَيْتُ (أي لا أعلم) . قالُوا : أربعُون شهرًا ؟ قال : أبَيْتُ . قالُوا : أربعُون سنة ؟ قال : أبَيْتُ . ثمَّ يُنزلُ اللَّهُ من السَّماء ماءً , فيَنبُتُون كَما يَنْبُتُ البقل , وليس من الإنسان شيءٌ إلاَّ يَبْلَى , إلاَّ عَظْمٌ واحدٌ وهو عَجْبُ الذَّنَب , ومنه يُرَكَّبُ الخَلْقُ يوم القيامة . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2270 – رقم الحديث 2955) .
              ------------------------------------------------
              التالي بإذن الله تعالى:
              في اتّجاه أرض المحشر
              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:10 ص.

              وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
              وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
              @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
              --------------------------------------
              اللهم ارزقني الشهادة
              اللهم اجعل همي الآخرة

              تعليق

              • في حب الله
                المشرفة على أقسام
                المذاهب الفكرية الهدامة

                • 28 مار, 2007
                • 8324
                • باحث
                • مسلم

                في اتّجاه أرض المحشر
                في اتّجاه أرض المحشر




                مِن المستحيل يا ابنتي أن نتصوَّر بالضَّبط مشاهد الحشر (Le grand rassemblement) والحساب , لأنَّ عقولَنا محدودة ومحصورة في مشاهد الدُّنيا . ولكنَّنا نستطيعُ أن نأخُذ فكرة عامَّة عن أحداث يوم القيامة , من خلال ما ورد عنها في القرآن الكريم وفي أحاديث النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
                بعد النَّفخة الثَّانية في الصُّور , تَعود الأرواحُ إلى أجسادها , وتتشقَّقُ الأرضُ عن القبور , فيقوم النَّاسُ كالجراد المنْتَشِر . يقول تعالى : { وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ 41 يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ 42 إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ 43 يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ 44 } (50- ق 41-44) .
                ويقول تعالى : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ 42 يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ 43 خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ 44 } (70- المعارج 42-44) .
                ويقول تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ 51 قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ 52 } (36- يس 51-52) .

                وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , قالت : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : يُحْشَرُ النَّاسُ يوم القيامَة حُفاةً عُراةً غُرلاً . قلتُ : يا رسولَ اللَّه , النِّساءُ والرِّجالُ جميعًا يَنْظُرُ بعضُهم إلى بعض ؟! فقال صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا عائشة , الأمرُ أشَدُّ مِن أن يَنظُرَ بعضُهم إلى بعض ! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2194 – رقم الحديث 2859) .
                نعم , كلُّ النَّاس يُحشَرُون عُراةً , الرَّئيسُ والوزيرُ والغنيُّ والفقير , لا فرق بين هذا وذاك ! وكلُّهم يُسَاقُون إلى أرض المحشَر , لا يفلتُ منهم أحد . يقول تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا 47 وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا 48 } (18- الكهف 47-48) .
                غير أنَّ المؤمنين المتَّقين يُحْشَرُون راكبين , حيثُ تَستقْبِلُهم الملائكةُ بالحفاوة والإكرام كَما تُستقبَلُ الوُفودُ القادمة على مَلِكٍ من الملوك . يقول تعالى : { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا 85 } (19- مريم 85) .
                بينَما يُحشَرُ أصنافٌ من الكفَّار والظَّالمين على وُجُوههم , كما قال تعالى : { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا 97 ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا 98 } (17- الإسراء 97-98) .
                وقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , قال : قيل : يا رسولَ اللَّه , كيفَ يُحشَرُ النَّاسُ على وُجُوههم ؟! قال : إنَّ الذي أَمْشَاهُم على أرجُلِهم قادرٌ على أن يُمْشِيهم على وُجُوهِهم ! (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 3 – ص 167 – رقم الحديث 12731) .

                أمَّا عن أرض المحشَر , فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن سهل بن سعد رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يُحشَرُ النَّاسُ يومَ القيامة على أرضٍ بَيضاءَ عَفْراء (أي شديدة البياض مع حُمرة خفيفة) كقُرْصَة النَّقِيِّ (هي الخبزة المصنوعة من الدَّقيق الخالص من أيِّ أثَر للنُّخالة) , ليس فيها عَلَمٌ لأحَد (أي ليس فيها علاماتٌ ظاهرة يُستدَلُّ بها على المكان , لا جبل ولا صخرة ولا بناء ولا أيّ أثَر) . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2150 – رقم الحديث 2790) .
                وهذه الأرضُ ليسَتْ أرضنا هذه , وإنَّما هي أرضٌ جديدة يُنشِئُها اللَّه لهذا الحدث العظيم . يقول تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ 48 } (14- إبراهيم 48) .
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:10 ص.

                وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                --------------------------------------
                اللهم ارزقني الشهادة
                اللهم اجعل همي الآخرة

                تعليق

                • في حب الله
                  المشرفة على أقسام
                  المذاهب الفكرية الهدامة

                  • 28 مار, 2007
                  • 8324
                  • باحث
                  • مسلم

                  في انتظار الحساب
                  في انتظار الحساب




                  عندما يَصِلُ كلُّ النَّاس إلى أرض المحشَر , يَقِفُون عليها جَميعًا , كلُّ الخَلْق , مِن آدم عليه السَّلام إلى آخر مَن قامَتْ عليهم السَّاعة . زحامٌ شديد , والكُلُّ وُقوف , أنا وأنت وكلُّ البَشَر , ليس لساعات أو لأيَّام , وإنَّما لِمُدَّة طويلة وطويلة جدًّا , وردَ تحديدها في بعض الأحاديث النَّبويَّة بأنَّها خمسون ألف سنة !
                  فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ما مِنْ صاحِب ذَهَبٍ ولا فِضَّة لا يُؤدِّي منها حقَّها (أي لا يُؤدِّي زكاتَها) , إلاَّ إذا كان يومُ القيامَة صفحَتْ له صَفائح من نار , فأُحْمِيَ عليها في نار جهنَّم , فَيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبينُه وظَهْرُه , كُلَّما بردَتْ أُعِيدَتْ له , في يومٍ كان مقدارُه خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة , حتَّى يُقَضَى بين العباد , فَيَرى سَبيلَه إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النَّار . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 680 – رقم الحديث 987) .

                  في هذا اليوم الطَّويل , تُدْنَى الشَّمسُ من رؤوس العباد حتَّى تكاد تُحرقهم . فقد روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن سليم بن عامر عن المقداد رضي اللَّه عنهما , قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : إذا كان يومُ القيامة , أُدْنِيَت الشَّمسُ من العباد حتَّى تكونَ قَيْدَ ميل أو ميلين .
                  قال سليم : لا أدري أيّ الميلَيْن يَعْنِي : أمسافة الأرض ؟ أم الميل الذي تكحلُ به العين ؟
                  قال (المقداد) : فتَصْهَرهُم الشَّمسُ , فيكُونُون في العرَق كَقَدْر أعمالِهم , فمِنْهُم مَن يأخُذه إلى عَقِبَيْه , ومِنْهُم مَن يأخُذه إلى رُكْبَتَيْه , ومِنْهُم مَن يأخُذه إلى حَقْوَيْه , ومِنْهُم مَن يُلْجِمُهُ إلْجامًا .
                  قال (المقداد) : فرأيتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو يُشِيرُ بِيَدِه إلى فيه , يقول : يُلْجِمُهُ إلْجامًا ! (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 325 – رقم الحديث 7330) .

                  وفي هذا اليوم الطَّويل , يُؤتَى بِجَهَنَّم لِتُحيطَ بالعباد . يقول تعالى : { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا 21 وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 22 وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى 23 يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي 24 } (89- الفجر 21-24) .
                  وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد اللَّه (بن مسعود) رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذ , لَها سَبْعُون ألْفَ زمام , مع كلِّ زمام سَبْعُون ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها ! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2184 – رقم الحديث 2842) .

                  في هذا الزّحام الشَّديد , والشَّمسُ فوق رؤوس العباد , وجهنَّم مُحيطة بهم , يُظِلُّ اللَّهُ تعالى أصنافًا من عباده المؤمنين وردَ ذِكْرُهم في عدَّة أحاديث نبويَّة . مِن ذلك ما رواه ابنُ حِبَّان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنهما , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : سَبْعةٌ يُظِلُّهم اللَّهُ في ظِلِّه يَومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّه : إمامٌ عادِل , وشابٌّ نَشَأ في عبادة اللَّه , ورجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالمسْجِد إذا خرجَ منه حتَّى يَعُود إليه , ورجُلان تَحَابَّا في اللَّه اجْتَمَعَا على ذلكَ وتَفَرَّقَا , ورجُلٌ ذَكَر اللَّهَ خالِيًا ففاضَتْ عَيْناه , ورجُلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذات حَسَبٍ وجَمال فقال إنِّي أخافُ اللَّه , ورجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَة فأخْفَاها حتَّى لا تَعْلَم شِمَالُه ما تُنْفِقُ يَمينُه . (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 332 – رقم الحديث 7338) .

                  وفي هذا الجوِّ الشَّديد الحرارة , يبلُغُ العطش من النَّاس كلَّ مبلغ , فيفزعُون إلى أحواض الأنبياء عليهم السَّلام . فقد روى التّرمذي في سُنَنه عن سَمُرَة (بن جُنْدُب) رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنَّ لِكُلِّ نَبيٍّ حَوْضًا , وإنَّهم يَتَبَاهَوْنَ أيُّهم أكْثَر واردة (أي أيُّهم أكثرُ أتباعًا يَردُون حوضَهم لِيَشرَبُوا منه) , وإنِّي أرجُو أن أكون أكْثَرهُم واردة . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 628 – رقم الحديث 2443) .
                  ولكنَّ النَّاسَ لن يَتَمكَّنُوا كُلّهم من إرواء عطَشِهم , لأنَّ منهم مَن سَيُمنع من ذلك , إمَّا لأنَّه لم يكن في الدُّنيا يُؤمن باللَّه ولا برُسُلِه ولا باليوم الآخر , أو أنَّه آمَنَ بنَبيِّ زمانه ولكنَّه لم يَمتَثِلْ لِما جاءهُ به من تشريعات . وكم ستكُون كبيرةٌ خيبةُ أمل النَّصارى الذين ادَّعَوْا أنَّ المسيح عليه السَّلام ابنُ اللَّه , عندما يُطْرَدون عن حَوْضِه , وكذلك اليهود الذين تقوَّلُوا على اللَّه وأنبيائه الكرام , عندما يُدْفَعُون عن أحواض أنبيائهم , وكذلك أناس من المسلمين ارتكبُوا معاصي كبيرة , عندما يُمْنَعُون من الشُّرب من حوض النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
                  فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنهما , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنِّي على الحَوْض حتَّى أنْظُر مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُم , وسَيُؤخَذُ أُناسٌ دُوني , فأقول : يا رَبِّ , مِنِّي ومن أُمَّتي ! فَيُقالُ : أما شَعُرتَ ما عَمِلُوا بَعْدَك ؟! واللَّهِ ما بَرحُوا بَعْدَك يَرجِعُون على أعْقابِهم . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 1794 – رقم الحديث 2293) .

                  أمَّا عن سِعَة الحَوض وطِيب مائه , فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن عمرو (بن العاص) رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : حَوْضِي مَسيرة شَهْر , ماؤُه أبْيَض من اللَّبَن , وريحُهُ أطْيَب من المسْك , وكِيزَانُه (أي أكوابُه أو كؤوسُه) كَنُجُوم السَّماء , مَن شَربَ منها فلا يَظْمَأُ أبدًا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2405 – رقم الحديث 6208) .
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:10 ص.

                  وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                  وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                  @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                  --------------------------------------
                  اللهم ارزقني الشهادة
                  اللهم اجعل همي الآخرة

                  تعليق

                  • في حب الله
                    المشرفة على أقسام
                    المذاهب الفكرية الهدامة

                    • 28 مار, 2007
                    • 8324
                    • باحث
                    • مسلم

                    مشاهد من أرض المحشر
                    مشاهد من أرض المحشر




                    في هذا الموقف المهيب , يُعَذَّبُ أناسٌ ويُكَرَّمُ آخرون وهم ما يزالُون في انتظار الحساب , وتحصُلُ مشاهد يَشيبُ منها الولدان ! وصدق اللَّهُ العظيم حين يقول : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ 1 يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ 2 } (22- الحجّ 1-2) .

                    فمِن بين المشاهد في أرض المحشر : أُناسٌ تُكْوَى ظُهورُهم وجِباهُهم بصَفائح من نار , كلَّما بَردَتْ حُمِيَت من جديد , حتَّى يُفصَل بين العباد ! وهؤلاء هم الذين امتنعُوا عن إخراج زكاة مالهم في الدُّنيا , وقد ذكَرْنا الحديث الخاصَّ بهم في العنصر السَّابق .

                    ومِن بين المشاهد : أُناسٌ بِحَجْم الذَّرِّ , يَطَأُهُم الآخرون بأقدامهم إهانةً لهم ! وهؤلاء هم الذين كانُوا يتكبَّرون على غيرهم في الدُّنيا . وقد روى التّرمذي في سُنَنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه رضي اللَّه عنهم , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُحْشَرُ المتَكَبِّرُون يومَ القيامة أمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَر رجال , يَغْشَاهُم الذُّلُّ من كُلِّ مكان . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 655 – رقم الحديث 2492) .

                    ومِن بين المشاهد : أُناسٌ يَحْمِلُون أثقالَهُم وأثقالَ غيرهم من النَّاس ! وهؤلاء هم الذين كانُوا في الدُّنيا يَدْعُون غيرَهم إلى خلاف ما أمَر اللَّه , كأن يدعُوهم إلى شرب الخمر أو الزِّنا , أو يُحاولُون جاهدين إبعادهم عن اتِّباع الدِّين الحقِّ . فهؤلاء إذًا يحملون يوم القيامة خطايَاهُم , وبعض خطايَا مَن استجاب لهم من النَّاس . يقول تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ 24 لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ 25 } (16- النّحل 24-25) .

                    ومِن بين المشاهد : أُناسٌ وُجُوهُهم مُسْوَدَّة ! وهؤلاء هم الذين كذبُوا على اللَّه بأن ادَّعَوْا أنَّ له ولدًا أو شريكًا , أو وصَفُوه بالنَّقائص سُبحانه . يقول تعالى : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ 60 } (39- الزّمر 60) .

                    ومِن بين المشاهد : أُناسٌ يأتُون وليس في وُجُوههم أثَرٌ لِلَّحْم ! وهؤلاء هم الذين كانُوا في الدُّنيا يسألُون النَّاس المالَ والإحسانَ مِنْ غير فَقْر . وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عند عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ما يزالُ الرَّجُلُ يسألُ النَّاسَ , حتَّى يأتي يَومَ القيامة ولَيْسَ في وَجْهِه مُزْعَةُ (أي قطعة) لَحْم ! (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 720 – رقم الحديث 1040) .
                    ------------------------------------------------
                    التالي بإذن الله تعالى:
                    سؤال الأنبياء
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:10 ص.

                    وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                    وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                    @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                    --------------------------------------
                    اللهم ارزقني الشهادة
                    اللهم اجعل همي الآخرة

                    تعليق

                    • في حب الله
                      المشرفة على أقسام
                      المذاهب الفكرية الهدامة

                      • 28 مار, 2007
                      • 8324
                      • باحث
                      • مسلم

                      سؤال الأنبياء
                      سؤال الأنبياء




                      قبل حساب العباد , يبدأ اللَّهُ تعالى بسُؤال الأنبياء : هل بلَّغُوا إلى أقوامهم رسالة ربِّهم ؟ واللَّهُ سُبحانَه أعلَم بالجواب , ولكنَّه يُريد أن يُقيم الحُجَّة على رؤوس جميع الخَلق , حتَّى لا يَبْقَى بعد ذلك أيُّ عُذْر لِمَن كَفَر .
                      وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُدْعَى نُوحٌ يومَ القيامة , فيقول : لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ يا رَبّ , فيقول : هل بَلَّغْت ؟ فيقول : نعم , فيُقالُ لِأُمَّته : هل بَلَّغَكُم ؟ فيقولُون : ما أتانا من نَذِير ! فيقول : مَنْ يَشْهَدُ لك ؟ فيقول : مُحَمَّدٌ وأُمَّتُه . فيَشْهَدُون أنَّه قد بَلَّغ , ويكون الرَّسُول عليكُم شهيدًا . فذلكَ قولُه جلَّ ذِكْرُه : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا 143 } (2- البقرة 143) . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1632 – رقم الحديث 4217) .
                      قد تقول سيِّدي : ولكن كيف يشهدُ محمَّدٌ وأمَّتُه لِصالِح أنبياءَ لَم يَرَوهُم ولَم يُعاصِرُوهم ؟!
                      أقول : هم يَستندُون في شهادتهم تلك إلى ما جاء في عدَّة آيات من القرآن الكريم , مِن شهادات قاطعة من اللَّه تعالى بأنَّ جميع أنبيائه , بدون استثناء , بَلَّغُوا رسالةَ رَبِّهم إلى أقوامهم على أكمل وجه .

                      ثمَّ يَسألُ اللَّهُ تعالى الأنبياءَ عليهم السَّلام عن حصيلَة دَعْوَتِهم , وعمَّن استجاب لهم من أقوامهم . يقول اللَّه تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 109 } (5- المائدة 109) . وجوابُ الأنبياء بأنَّهم لا عِلْمَ لهم , هو من باب التَّأدُّب وهم في حضرة العليم الخبير . ثمَّ هو إخبارٌ منهم بأنَّهم , وإن كانُوا يعرفُون مَن استجاب لِدَعوَتهم في حياتهم , إلاَّ أنَّهم لم يَطَّلِعُوا على باطنِهم لِيَعرفُوا صِدْقَهُم مِن كَذِبهم . فلذلك ردُّوا العِلْمَ إلى علاَّم الغيوب .
                      وليس الأنبياءُ وحدهُم يُسألُون عن تبليغهم لرسالَة ربِّهم , وإنَّما الأُمَم التي أُرسِلُوا إليها تُسأل أيضًا هل بُلِّغَتْ ؟ يقول تعالى : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ 6 } (7- الأعراف 6) .

                      بعد سؤال الأنبياء , يتوجَّهُ اللَّهُ تعالى بسؤالٍ خاصٍّ إلى عيسى عليه السَّلام . يقول تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ 116 } (5- المائدة 116) . وهذا السُّؤالُ يكون أمام الخَلْق عامّة , وأمام النَّصارى خاصّة .
                      وقد اختُصَّ به عيسى من دون الأنبياء عليهم السَّلام , لأنَّ ما اتُّهِمَ به من طرف النَّصارى هو فريَةٌ عظيمةٌ جدًّا , وصفها اللَّه تعالى في موضع آخر بقوله : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا 88 لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا 89 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا 90 أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا 91 وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا 92 إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا 93 } (19- مريم 88-93) .
                      نعم , إنَّها الفِرْيَة العظيمة التي لا يُطيقُ مؤمنٌ أن يُقذَف بها , وهي ادِّعاء أنَّه اللَّه أو أنَّه ابنُ اللَّه ! فَما بالُكَ إذا كان المقذوفُ بها رسولاً كريمًا !
                      طبعًا , اللَّهُ تعالى يعلَم تمامًا ماذا قال عيسَى للنَّاس الذين أُرسِلَ إليهم . ولكنَّه أراد سُبحانَه أن تُعلَن الإجابةُ بوضوح في هذا الموقف المهيب , وعلى لسان المُتَّهم نفسه .
                      وتأتي إجابةُ عيسى عليه السَّلام أمام جميع الخلائق , مَهيبة خاشعة , على قَدْر عِظَم الفِرْيَة . يقول تعالى : { قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 } (5- المائدة 116-118) .
                      إنَّه التَّذلُّل التَّامُّ للَّه سُبحانَه , والإقرار الكامل بالعبُوديَّة له , والتَّبرُّؤ المطلَق من ادِّعاء الألوهيَّة .

                      فَما أكرمَكَ وما أكبر قدركَ عند اللَّه أيُّها الرَّسول عيسى , عليك وعلى أمِّكَ الطَّاهرة السَّلام .
                      ويا تعس النَّصارى في ذلكَ اليوم المهيب , وهم يسمعونَ هذا الجواب الخاشع القاطع !
                      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:10 ص.

                      وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                      وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                      @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                      --------------------------------------
                      اللهم ارزقني الشهادة
                      اللهم اجعل همي الآخرة

                      تعليق

                      • في حب الله
                        المشرفة على أقسام
                        المذاهب الفكرية الهدامة

                        • 28 مار, 2007
                        • 8324
                        • باحث
                        • مسلم

                        تطايُر الصُّحُف
                        تطايُر الصُّحُف




                        بعد الفراغ من سُؤال الأنبياء , تتطايَرُ الصُّحُف , صحيفة أعمال كلِّ إنسان في حياته الدُّنيا , وتذهبُ كلُّ صحيفة إلى صاحبها . فالسَّعيدُ يومئذ مَن يتلقَّى صحيفتَهُ بِيَده اليُمْنَى , والشَّقيُّ مَن يتلَقَّاها بِشِماله . يقول تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ 18 فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأُوا كِتَابِيَهْ 19 إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ 20 فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ 21 فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ 22 قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ 23 كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ 24 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ 25 وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ 26 يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ 27 مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ 28 هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ 29 خُذُوهُ فَغُلُّوهُ 30 ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ 31 ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ 32 إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ 33 وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ 34 فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ 35 وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ 36 لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ 37 } (69- الحاقّة 18-37) .

                        قد تقولين سيِّدتي : ولكن مَتى كُتِبَت هذه الصُّحُف ؟ وماذا فيها ؟
                        أقول : فيها كلّ أقوالكِ وأفعالكِ في الدُّنيا , صغيرها وكبيرها , كُتِبَتْ لَحْظَةً بِلَحْظَة بِواسِطَة مَلَكَيْن كَريمَيْن , واحد عن يَمينكِ يُسجِّل حسَناتكِ وآخر عن شِمالكِ يُسجِّل سَيِّئَاتك , حتَّى إذا مُتِّ , طُوِيَتْ صَحيفتكِ ووُضِعَتْ معكِ في قَبْركِ , ثمَّ تخرجُ معكِ يوم القيامة كتابًا تَلْقَيْنَه منشورًا . يقول تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا 13 اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا 14 } (17- الإسراء 13-14) .
                        ويقول تعالى عن الكَتَبَة من الملائكة : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ 10 كِرَامًا كَاتِبِينَ 11 يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ 12 } (82- الانفطار 10-12) .
                        ويقول تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 18 } (50- ق 18) .
                        ويقول تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ 80 } (43- الزّخرف 80) .
                        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:09 ص.

                        وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                        وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                        @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                        --------------------------------------
                        اللهم ارزقني الشهادة
                        اللهم اجعل همي الآخرة

                        تعليق

                        • في حب الله
                          المشرفة على أقسام
                          المذاهب الفكرية الهدامة

                          • 28 مار, 2007
                          • 8324
                          • باحث
                          • مسلم

                          وبدأ الحساب !
                          وبدأ الحساب !




                          بعد تطايُر الصُّحُف , تُنادي الملائكةُ على النَّاس واحدًا بعد الآخر للعرض على العزيز الجبَّار , ليَسألهم عن أفعالهم في الدُّنيا . فأمَّا مَن أخَذَ صحيفَتَه بيمينه , فإنَّ حسابَه يكونُ يسيرًا , وأمَّا مَن أخذَها بشماله فإنَّه يُحاسَبُ حسابًا عسيرًا . يقول تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ 7 فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا 8 وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا 9 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ 10 فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا 11 وَيَصْلَى سَعِيرًا 12 } (84- الانشقاق 7-12) .
                          وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عديِّ بن حاتم رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ما منكُم من أحَد إلاَّ سَيُكَلِّمُه اللَّهُ ليسَ بينهُ وبينهُ تُرْجُمان , فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرَى إلاَّ ما قَدَّم , ويَنْظُرُ أشْأمَ منه فلا يَرَى إلاَّ ما قَدَّم , ويَنْظُرُ بين يَدَيْه فلا يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقاءَ وَجْهِه , فاتَّقُوا النَّارَ ولَو بِشِقِّ تَمْرَة . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 703 – رقم الحديث 1016) .

                          وقد أخبرَنا النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بِمَشاهد عديدة من الحساب , نذكُر منها مشهَدَيْن مُعَبِّرَيْن فقط :
                          المشهد الأوَّل : روى الإمام البخاري عن صفوان بن محرز المازني رضي اللَّه عنه , قال : بينما أنا أمشي مع بن عُمر (رضي اللَّه عنه) آخِذ بِيَدِه , إذ عَرضَ رجُلٌ فقال (لابن عُمر) : كيفَ سمعتَ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في النَّجْوَى ؟ فقال : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المؤمنَ , فَيَضَعُ عليه كَنَفَه ويَسْتُرَه (حتَّى لا يَفضَحَهُ أمام الخلائق الواقفين في أرض المحشر) , فيقول (أي اللَّهُ عزَّ وجلَّ) : أتَعرفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أتَعرفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فيقول : نعم , أيْ رَبِّ ! حتَّى إذا قَرَّرهُ بِذُنُوبه ورأى في نَفسه أنَّهُ هلَكَ , قال (أي اللَّهُ عزَّ وجلَّ) : سَتَرْتُها عَلَيْكَ في الدُّنيا , وأنا أغفِرُها لكَ اليَوم . فَيُعْطَى كتابَ حَسَناته .
                          وأمَّا الكافِرُ والمنافِقُ , فيقولُ الأشهاد : هؤلاء الذين كَذَبُوا على رَبِّهم , ألا لعنَةُ اللَّه على الظَّالمين . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 2 – ص 862 – رقم الحديث 2309) .
                          قد تقولين سيِّدتي الفاضلة : كيف يَغفرُ اللَّهُ ذُنوب عبده المؤمن دون أن يُحاسِبَه على مظالمه لِغيره ؟! ألم تذكُر في عنصر سابق أنَّ اللَّهَ يقتصُّ للمظلُوم مِمَّن ظَلَمه , حتَّى ولو كان المظلوم كافرًا والظَّالم مؤمنًا ؟!
                          أقول : الجوابُ تجدينَهُ سيِّدتي في الحديث التَّالي : روى الإمام أحمد في مُسنَده عن عائشة رضي اللَّه عنها , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : الدَّواوينُ عندَ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ ثلاثة : ديوانٌ لا يَعْبَأُ اللَّهُ به شيئًا , وديوانٌ لا يَترُكُ اللَّهُ منه شيئًا , وديوانٌ لا يَغْفِرُه اللَّه . فأمَّا الدِّيوانُ الذي لا يَغْفِرُه اللَّه : فالشِّرْكُ باللَّه . قال اللَّهُ عَزَّ وجلَّ : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ 72 } (5- المائدة 72) .
                          (وفي رواية للحاكم عن عائشة : قال اللَّهُ عَزَّ وجلَّ : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ 48 } (4- النّساء 48)) .
                          وأمَّا الدِّيوانُ الذي لا يَعْبَأُ اللَّهُ به شيئًا : فَظُلْمُ العَبْدِ نَفْسَهُ فيما بينَهُ وبين رَبِّه , مِنْ صَوْمِ يَومٍ تَرَكَه أو صلاةٍ تَرَكَها , فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ يَغْفِرُ ذلك ويَتَجاوزُ إن شاء .
                          وأمَّا الدِّيوانُ الذي لا يَترُكُ اللَّهُ منه شيئًا : فَظُلْمُ العبادِ بَعْضهُم بَعْضًا , القِصاصُ لا مَحالَة . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 6 – ص 240 – رقم الحديث 26073) .
                          فالذُّنوبُ التي يَستُرُها اللَّهُ على مَن يشاءُ من عباده المؤمنين يوم القيامة , هي إذًا ذُنوبٌ بين العبد وربِّه , وليس فيها أيّ شيء من مظالم العباد . فهل رأيْتِ سيِّدتي أعدل من اللَّه تعالى ؟!
                          ويوم القيامة , عندما يَفرغُ اللَّه من محاسَبة العباد في الذُّنوب التي اقترفُوها في حقِّه , يأذنُ سُبحانَه أن يُفتحَ ديوانُ المظالِم , ثمَّ يُنادي مُنادٍ من الملائكة على رؤوس الخلائق : مَن كانتْ له مَظلَمةٌ عند إنسان , فلْيَتقدَّم ! ويُقالُ أيضًا أنَّه يُؤتى بالعبد على رؤوس الخلائق , ثمَّ يُنادي مُنادٍ : هذا فلان بن فلان , فمَن كان له حقٌّ عنده فلْيأتِ لِيَأخُذَه .
                          وقد روى التّرمذي في سُنَنه عن عائشة رضي اللَّه عنها , أنَّ رجلاً قَعَدَ بين يَدَي النَّبيّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ لِي مَمْلُوكَيْن يَكْذِبُونَني ويَخُونُونَني ويَعْصُونَني , وأشْتُمُهم وأضْربُهُم , فكَيْفَ أنا منهم ؟ قال (أي رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) : يُحْسَبُ ما خانُوكَ وعَصَوْكَ وكذَّبُوكَ , وعِقابكَ إيَّاهُم , فإن كان عِقابُكَ إيَّاهُم بِقَدْر ذُنُوبهم كان كفَافًا , لا لَكَ ولا علَيْك , وإن كان عِقابُكَ إيَّاهُم دون ذُنُوبهم , كان فَضْلاً لك , وإن كان عِقابُكَ إيَّاهُم فوق ذُنُوبهم , اقْتُصَّ لهم منكَ الفَضْل .
                          فتَنَحَّى الرَّجُلُ فجعلَ يَبْكي ويَهتف , فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أما تَقْرأُ في كتاب اللَّه : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ 47 } (21- الأنبياء 47) ؟!
                          فقال الرَّجُل : واللَّهِ يا رسولَ اللَّه , ما أجِدُ لي ولِهؤلاء شيئًا خيرًا مِن مُفارَقَتِهم . أُشْهِدُكَ أنَّهُم أحرارٌ كُلُّهم ! (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 5 – ص 320 – رقم الحديث 3165) .
                          وروى الحاكم في مُستَدركه عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , قال : بَلَغَني حديثٌ عن رجُلٍ مِن أصحاب النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم سَمِعَهُ مِن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في القصاص , ولَم أسْمَعْه . فابْتَعْتُ بَعيرًا , فشددتُ رَحْلِي عليه , ثمَّ سِرْتُ شهرًا حتَّى قَدمْتُ مصر . فأتيتُ عبد اللَّه بن أنيس , فقلتُ للبوَّاب : قُلْ له : جابر على الباب . فقال : ابن عبد اللَّه ؟ قلتُ : نعم . فأتاهُ , فأخبَرَهُ , فقام يَطَأُ ثَوْبَهُ حتَّى خرج إلَيَّ . فاعْتَنَقَني واعتَنَقْتُه , فقلتُ له : حديثٌ بَلَغَني عنكَ , سَمعتَهُ مِن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ولَم أسْمَعْهُ في القصاص , فخشِيتُ أن أموتَ أو تَموت قبل أن أسْمَعَه .
                          فقال عبدُ اللَّه : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : يَحْشُرُ اللَّهُ العبادَ , أو قال : النَّاسَ , عُراةً غُرلاً بُهْمًا . قُلنا : ما بُهْمًا ؟ قال : ليس معهُم شيء . ثمَّ يُناديهم بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُد كما يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُب : أنا الملِك , أنا الدَّيَّان , لا يَنْبَغي لِأَحَدٍ من أهل الجنَّة أن يَدخُلَ الجنَّة ولا يَنْبَغي لِأَحَدٍ من أهل النَّار أن يَدخُلَ النَّار وعِنْدَهُ مَظْلَمَة حتَّى أقصَّه منه (أي حتَّى آخُذَ له حقَّه) , حتَّى اللَّطمة ! قلْنا : كيفَ ذا ؟! وإنَّما نأتي اللَّهَ غُرْلاً بُهْمًا ؟! قال : بالحسنات والسَّيِّئات . وتلا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 17 } (40- غافر 17) . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 2 – ص 475 – رقم الحديث 3638) .
                          وقد ذكَرْنا في حديث سابق أنَّ المظلوم يأخُذ حقَّه من حَسنات الظَّالِم , فإن لَم تَكْفِ , يأخذُ من سيِّئاته (أي من سيِّئات المظلوم) ويُعطيها للظَّالِم !
                          أليس هذا مُنْتَهى العدل ؟!
                          ثمَّ لاحِظي سيِّدتي أنَّ جابر بن عبد اللَّه سافر من بلده إلى مصر , مسيرة شهر , فقط لِيَسمع هذا الحديث ثمَّ يُبَلِّغه للمسلمين ! هل تدرين لماذا ؟
                          إنَّه الحرصُ التَّامُّ من الصَّحابة الذين تَربَّوْا على يَدَي النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أن يُبَلِّغُوا كلامَهُ بأمانة كاملة , حتَّى ولو كلَّفَهم ذلك الكثير من المال والجُهد ! فهل يُعقَل بعد هذا أن نَطعنَ في صحَّة الأحاديث النَّبويَّة التي نَقَلُوها لنا ؟!

                          ننتقل إلى المشهد الثَّاني من الحساب : روى الحاكم في مُستَدركه عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , قال : ضحكَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ذاتَ يَوم أو تَبَسَّم , فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ألا تسألُوني مِن أيِّ شيء ضَحِكْتُ ؟! عَجِبْتُ من مُجادَلَة العبدِ رَبَّهُ يَومَ القيامَة , يقولُ : يا رَبّ , ألَيْسَ وَعَدْتَني أن لا تَظْلِمَني ؟ قال : بَلَى ! قال : فإنِّي لا أقبلُ عَلَيَّ شهادةَ شاهِدٍ إلاَّ مِنْ نَفْسِي . فيقول : أَوَ لَيْسَ كَفَى بي شَهيدًا وبالملائكَة الكرام الكاتبين ؟!
                          فيُرَدِّدُ (أي العبدُ) هذا الكلامَ مَرَّاتٍ , فَيُخْتَمُ على فِيه , وتَتكلَّمُ أركانُه (أي أعضاءُه) بِمَا كان يَعْمَل . فيقول : بُعْدًا لَكُم وسُحْقًا , عَنْكُم كُنتُ أُجادِل ! (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 4 – ص 644 – رقم الحديث 8778) .
                          وفي هذا المعنى يقول اللَّه تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ 19 حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 20 وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 21 وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ 22 وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23 فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ 24 } (41- فصّلت 19-24) .
                          ويقول تعالى : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 65 } (36- يس 65) .
                          ويقول تعالى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 24 يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ 25 } (24- النّور 24-25) .
                          فجَوارحُ العبد يُنْطِقُها اللَّهُ تعالى يوم القيامة , فتشهدُ اليَدُ بِمَا أخذتْ من مالٍ حرام وما حملَتْ مِن طعامٍ حرام , وتشهدُ الرِّجْلُ كَم ذهَبت إلى أماكن الفِسْق والفجور , ويشهدُ البَصَرُ والسَّمع والفَرْج بِمَا فعلُوا !
                          بل حتَّى بِقاع الأرض تشهدُ للعبد أو عليه ! فقد روى التّرمذي في سُنَنه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : قرأ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هذه الآية : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا 4 } (99- الزّلزلة 4) (أي الأرضُ تُحدِّثُ أخبارَها) , قال : أتَدْرُونَ ما أخْبارها ؟ قالُوا : اللَّهُ ورسولُه أعلَم ! قال : فإنَّ أخْبارها أن تَشْهَدَ على كُلِّ عَبْدٍ أو أَمَةٍ بِمَا عَملَ على ظَهْرِها , تقول : عَمل يوم كَذَا , كَذَا وكَذَا , فهذه أخبارها . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 5 – ص 446 – رقم الحديث 3353) .
                          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:09 ص.

                          وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                          وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                          @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                          --------------------------------------
                          اللهم ارزقني الشهادة
                          اللهم اجعل همي الآخرة

                          تعليق

                          • في حب الله
                            المشرفة على أقسام
                            المذاهب الفكرية الهدامة

                            • 28 مار, 2007
                            • 8324
                            • باحث
                            • مسلم

                            ثمّ يُوضَع الميزان
                            ثمّ يُوضَع الميزان




                            بعد الفراغ من الحساب , وتقرير كُلِّ عَبْدٍ بذُنُوبه , إمَّا أمام جميع الخلائق وإمَّا في كَنَف اللَّه وسِتْرِه , وبعد الفراغ من الفَصْل في المظالِم وأَخْذِ حقِّ كلِّ مظلُوم مِمَّن ظَلَمَه , يُوضَع ميزانٌ لِوَزن حسَنات كُلِّ عَبْدٍ وسيِّئاته . يقول تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ 47 } (21- الأنبياء 47) . وهذا الميزانُ هو ميزانٌ حقيقي , له كفَّتان عظيمتان لا يَعلَمُ مَدَى سِعَتهما إلاَّ اللَّه .
                            ثمَّ تُحَوَّل أفعالُ العبد إلى أجسام , تَثْقُل أو تَخِفُّ بِحَسَب عِظَم الفِعْل ! وقد رأينَا فعلاً في عنصُرٍ سابق أنَّ الميِّتَ حين يوضَع في قبره , إن كان صالِحًا يأتيه عمَلُه في صورة رجُل طيِّب المنظر ويُبَشِّرُه بالنَّعيم , وإن كان كافرًا أو غير صالح يأتيه عمَلُه في صورة رجُل قبيح المنظر ويُبَشِّره بالعذاب والجحيم . فالعمَلُ إذًا يُجَسَّم , بقُدرة اللَّه وإرادته .
                            ثمَّ تُوضَع أفعالُ العبد على الميزان , يُوضَع الحسَنُ منها في كفَّة الحسنات , ويُوضَع الخبيثُ في كفَّة السَّيِّئات .
                            ثمَّ تُوزَن الأعمال , فَمَن رجَحَتْ كفَّةُ حسَناته , ولو بِحَسَنة واحدة , فقد أفلح , ومَن رجحتْ كفَّةُ سَيِّئاته , ولو بسَيِّئة واحدة , فقد خاب وخَسر .
                            يقول تعالى : { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 8 وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ 9 } (7- الأعراف 8-9) .
                            ويقول تعالى : { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ 6 فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ 7 وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ 8 فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ 9 وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ 10 نَارٌ حَامِيَةٌ 11 } (101- القارعة 6-11) .

                            قد تقول سيِّدي الكريم : ولكن , هناك حتمًا أُناسٌ كانُوا خَيِّرينَ في الدُّنيا ثمَّ ماتُوا على غير الإسلام , فمَاذا لَو رجحتْ كفَّةُ حسناتهم يوم القيامة , هل سيدخُلُون الجنَّة ؟!
                            أقول : لن ترجح أبدًا كفَّةُ حَسَناتِهم لأنَّها , حتَّى ولو كانت مثلَ الجبال (أي حسناتُهم) , فإنَّها لن تغلبَ أبدًا الجُرْم الكبير , والذي لا يُعادِلُه أيُّ جُرم , وهو الكُفرُ باللَّه أو الإشراك في عبادته شيئًا آخر . ويَكفي أن يُوضع هذا الجُرمُ في كفَّة السَّيِّئات , لكي تثقُلَ هذه الكفَّة إلى الأبد !

                            طيِّب ! وماذا لو اسْتَوت حَسَناتُ بعض النَّاس مع سَيِّئاتِهم , فلَم تَرجَحْ أيَّة كفَّةٍ في الميزان ؟!
                            في هذه الحالة , يُوضَعُ هؤلاء النَّاس في مكانٍ بين الجنَّة والنَّار يُسَمَّى الأعراف , بِحَيثُ يُطِلُّون منه على أصحاب الجنَّة وهم يَتنَعَّمون , وعلى أصحاب النَّار وهم يُعذَّبُون . ثمَّ يَشمَلُهم اللَّهُ برَحْمَته , فيُدْخِلُهم الجنَّة . يقول تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 47 } (7- الأعراف 46-47) .
                            فهل هناك سيِّدي أعدل وأرحم وأعظم من اللَّه تعالى ؟!
                            ------------------------------------------------
                            التالي بإذن الله تعالى:
                            المرور على الصِّراط
                            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:09 ص.

                            وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                            وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                            @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                            --------------------------------------
                            اللهم ارزقني الشهادة
                            اللهم اجعل همي الآخرة

                            تعليق

                            • في حب الله
                              المشرفة على أقسام
                              المذاهب الفكرية الهدامة

                              • 28 مار, 2007
                              • 8324
                              • باحث
                              • مسلم

                              المرور على الصِّراط
                              المرور على الصِّراط




                              بعد الفراغ من الحساب والقصاص والميزان وظُهور النَّتائج , لا يبقى إلاَّ الجزاء , إمَّا بالجنَّة وإمَّا بالنَّار . لكنَّ اللَّهَ تعالى شاء ألاَّ يَكُون هناك طريقٌ للوصول إلى الجنَّة إلاَّ بالمرُور على الصِّراط الذي نُصِبَ فوق جهنَّم . وهذا الصِّراط هو عبارةٌ عن جِسْرٍ شديد الظُّلمة , على جانِبَيْه خطاطيف وكلاليب , يَمرُّ فوقه النَّاس . فإمَّا أن يسقُطَ العبدُ مُباشرةً في النَّار , تتخطَّفُه المخاطيف , وإمَّا أن يجتاز مخدوشًا ثمَّ يَدخُل الجنَّة , وإمَّا أن يجتاز سالِمًا ثمَّ يدخُل الجنَّة ! يقول تعالى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا 71 ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا 72 } (19- مريم 71-72) .
                              قال بعضُ عُلَماء المسلمين : كلُّ النَّاس سَيَرِدُون النَّار , لا مفَرَّ من ذلك ! فأمَّا الذين ماتُوا على الكُفْر أو الشِّرْك , فيَدْخُلُونها حَتْمًا خالدين فيها . وأمَّا الذين آمَنُوا بِما جاء به نَبيُّ زمانهم وماتُوا على ذلك , فيَمُرُّون على الصِّراط فوق جهنَّم , ويَكُونُون بذلكَ قد وَردُوها مِن سَمائِها . فَمنهُم مَن يَسقُطُ فيها , ومنهم مَن يَعْبُرُ بِمَشَقَّة ثمَّ يدخُلُ الجنَّة , ومنهم مَن يجتازُ كالبرق حتَّى يدخُل الجنَّة .
                              وقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن عائشة رضي اللَّه عنها , قالَتْ : قلتُ : يا رسولَ اللَّه , هل يَذْكُرُ الحبيبُ حبيبَهُ يوم القيامة ؟
                              قال : يا عائشة , أمَّا عند ثلاثٍ , فلا :
                              - أمَّا عند الميزان , حتَّى يَثْقُلَ أو يَخِفَّ , فلا .
                              - وأمَّا عند تَطايُر الكُتُب , فأمَّا أن يُعْطَى بِيَمينه أو يُعْطَى بِشِمالِه , فلا .
                              - وحينَ يَخْرُجُ عُنُقٌ من النَّار فَيَنْطَوي عليهم ويَتَغَيَّظُ عليهم , ويقولُ ذلك العُنُق : وُكِّلْتُ بثلاثة : وُكِّلْتُ بِمَن ادَّعَى مع اللَّه إلَهًا آخَر , ووُكِّلْتُ بِمَن لا يُؤمِنُ بِيَوم الحساب , ووُكِّلْتُ بكُلِّ جَبَّار عنيد . فَيَنطوي عليهم ويَرمي بهم في غَمَراتِ جَهَنَّم .
                              ولِجَهَنَّم جِسْرٌ (وهو الصِّراط) أدَقّ من الشَّعْر وأَحَدّ من السَّيف , عليه كلاليب وحسك (أي أشواك) , يأخُذُون مَن شاء اللَّه . والنَّاسُ عليه كالطَّرْف , وكالبَرق , وكالرِّيح , وكأجاويد الخيل والرِّكاب . والملائكَةُ (وفي روايَات أخرى : والأنبياء) يقُولُون : رَبِّ سَلِّمْ , رَبِّ سَلِّمْ . فَنَاجٍ مُسَلَّم , ومَخْدُوش مُسَلَّم , ومُكَوَّر (أو مَكْبُوبٌ) في النَّار على وَجْهه . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 6 – ص 110 – رقم الحديث 24837) .
                              فَالكُفَّارُ والمشركُون إذًا , إمَّا كُلُّهم وإمَّا بعضُهم , لا يَمُرُّون فوق الصِّراط , وإنَّما يَختطِفُهم عُنُقٌ من النَّار قبل ذلك , فيَسبِقُ بهم قبل غيرهم إلى ظُلُمات جهنَّم خالدين فيها . ومِن هؤلاء : النَّصارى الذين عَبَدُوا المسيح عليه السَّلام . ومِن هؤلاء أيضًا : كلُّ مَن لَم يدخُل في الإسلام بعد نُبُوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
                              وإذا كان بعضُ هؤلاء سَيَمُرُّون فوق الصِّراط , فإنَّهم ما أن يَضَعُوا أوَّل قَدمِهم عليه حتَّى يَسقُطُوا مباشرةً في جهنَّم .

                              أمَّا الذين آمَنُوا بما جاء به نَبيُّ زمانهم وماتُوا على دين اللَّه , فهؤلاء فيهم التَّقيُّ وفيهم ضعيف الإيمان , فَيُجْمَعُونَ في مكانٍ مُظْلِمٍ قَبْل الصِّراط , ثمَّ تُوَزَّعُ عليهم أنوارٌ بِحَسَب إيمان كُلِّ عبدٍ وعَمَلِه . فَمِنْهُم مَن يُعطَى نُورًا مثل الجبال , ومِنْهُم مَنْ يكُون نُورُه على قَدْر قامَته , ومِنْهُم مَن لا يتجاوزُ نورُهُ إصبع قدَمه , كلٌّ على قدْر عَمَلِه في الدُّنيا . ثمَّ يُؤمَرون بالمرور فوق الصِّراط .
                              وقد روى الحاكم في مُستَدركه حديثًا طويلاً عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ... ثمَّ يُؤمَرُون (أي المؤمنون) , فَيَرفَعُون رُؤُوسَهم , فَيُعْطَوْن نُورَهُم على قَدْر أعمالِهم . فَمِنْهُم مَن يُعطى نُورَه مثلَ الجبَل بين يَديْه , ومِنْهُم مَن يُعطَى نُورَهُ دون ذلك , ومِنْهُم مَن يُعطَى نُورَه مثل النَّخلة بِيَمينه , ومِنْهُم مَن يُعْطَى دون ذلك , حتَّى يكون آخر ذلك يُعطَى نُورَه على إبهام قَدَمه , يُضيءُ مَرَّة ويَطفأُ مَرَّة , فإذا أضاء قدَّم قَدَمه , وإذا طَفئ قام .
                              فَيَمُرُّون على الصِّراط , والصِّراطُ كَحَدِّ السَّيف , دَحْضٌ مَزَلَّة (أي تَزَلُّ عليه الأقدام ولا تَثْبُت) . فيُقال : انْجُوا على قَدْر نُورِكُم . فَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كانْقِضَاض الكوكب , ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كالطِّرْف (أي كالخيل) , ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كالرِّيح , ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُل يَرْمُلُ رَمْلاً . فَيَمُرُّون على قَدْر أعْمالِهم , حتَّى يَمُرُّ الذي نُورُه على إبْهام قَدَمه يَجُرُّ يَدًا وتَعْلَقُ يَدٌ , ويَجُرُّ رِجْلاً وتَعْلَقُ رِجْلٌ , فَتُصِيبُ جَوانِبَهُ النَّار . فيَخْلُصُون , فإذا خَلَصُوا قالُوا : الحمدُ لِلَّه الذي نَجَّانَا مِنْكِ بعد إذ رأيْنَاكِ , فقد أعطانَا اللَّهُ ما لَم يُعْطِ أحدًا ! (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 4 – ص 632 – رقم الحديث 8751) .

                              وقد ذكَر العُلَماء أنَّ أوَّل مَن يَجُوز الصِّرطَ هو النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ومَنْ آمن به , ثمَّ يَجُوز كلُّ نَبيٍّ بِمَن آمن به , ولا يَتكلَّمُ يومئذٍ إلاَّ الأنبياء , وكلامُهم : اللَّهُمَّ سَلِّمْ , سَلِّمْ !

                              وروى الإمام البُخاري في صحيحه حديثًا شاملاً عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : قال أُناسٌ : يا رسولَ اللَّه , هل نَرى ربَّنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تُضَارُون في الشَّمس ليس دُونَها سَحاب ؟ قالُوا : لا , يا رسولَ اللَّه ! قال : هل تُضَارُون في القَمر ليلَة البَدْر ليسَ دونَه سَحاب ؟ قالُوا : لا , يا رسولَ اللَّه ! قال : فإنَّكُم تَرَوْنَهُ يومَ القيامة كذلك .
                              يَجمعُ اللَّهُ النَّاسَ , فيقولُ : مَن كان يَعبُدُ شيئًا , فَلْيَتَّبِعْهُ . فَيَتَّبِعُ مَن كانَ يَعبُدُ الشَّمْسَ (الشَّمس) , ويَتَّبِعُ مَن كانَ يَعْبُدُ القَمَرَ (القَمَر) , ويَتَّبِعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الطَّواغيتَ (الطَّواغيت) . وتَبقَى هذه الأمَّة , فيها مُنافقوها . فيَأتيهُم اللَّهُ في غير الصُّورة التي يَعْرِفُون (أي في غير الصُّورة التي رأوهُ فيها عند العرض والحساب) , فيقُول : أنا ربُّكُم . فيقُولُون : نعوذُ باللَّه منكَ , هذا مكانُنا حتَّى يأتينا ربُّنا , فإذا أتانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاه . فيأتيهم اللَّهُ في الصُّورة التي يَعْرِفُون , فيقُول : أنا رَبُّكُم . فيقُولُون : أنتَ رَبُّنَا , فَيَتَّبِعُونَه .
                              ويُضْرَبُ جِسْرُ جهنَّم (وفي رواية أخرى للبخاري : ويُضْرَبُ الصِّراطُ بَينَ ظَهْرَيْ جهنَّم) , فأكونُ (وفي رواية أخرى للبخاري : فأكُونُ أنا وأمَّتي) أوَّل مَن يجيز . ودُعاءُ الرُّسُلِ يَومئذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ (وفي رواية أخرى للبخاري : ولا يَتَكَلَّمُ يَومئذٍ إلاَّ الرُّسُل , ودَعْوَى الرُّسُلِ يَومئذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ) . وبه (أي الصِّراط) كلاليب مثلَ شَوْك السَّعْدان , أما رأيتُم شَوْك السَّعْدان ؟ قالُوا : بَلَى , يا رسولَ اللَّه ! قال : فإنَّها مثلَ شَوْك السَّعْدان , غير أنَّها لا يَعْلَمُ قدر عِظَمها إلاَّ اللَّه . فتخطفُ النَّاسَ بأعمالِهم , مِنْهُم الموبقُ بِعَمَله , ومِنْهُم المخَرْدَل ثمَّ يَنْجُو .
                              حتَّى إذا فَرغَ اللَّهُ من القضاء بين عباده وأراد أن يُخْرِجَ مِن النَّار مَن أرادَ أن يُخْرِج , مِمَّنْ كان يَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللَّه , أمَرَ الملائكَةَ أن يُخْرِجُوهم , فَيَعْرِفُونَهم بعَلامَة آثَار السُّجُود , وحرَّمَ اللَّهُ على النَّار أن تأكُلَ مِن ابن آدمَ أثَرَ السُّجُود . فيُخْرجُونَهُم قد امتحشُوا , فَيُصَبُّ عليهم ماءٌ يُقالُ له ماء الحياة , فيَنْبُتُون نَبَاتَ الحبَّة في حميل السَّيْل .
                              ويَبْقَى رجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِه على النَّار , فيقُول : يا رَبِّ , قد قشبَني ريحُها وأحْرَقَني ذكاؤُها , فاصْرِفْ وَجْهي عن النَّار ‍. فلا يَزالُ يَدْعُو اللَّهَ , فيقُولُ (أي اللَّه) : لعلَّكَ إن أَعْطَيْتُكَ (ذلكَ) أن تسألَني غيْرَه ؟ فيقُول : لا , وعِزَّتك لا أسألُكَ غَيْرَه ! فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عن النَّار . ثمَّ يقُول بعد ذلك : يا رَبِّ , قَرِّبْنِي إلى باب الجنَّة , فيقُولُ (أي اللَّه) : ألَيْسَ قد زَعَمْتَ أن لا تسألَني غيرَه ؟! وَيْلَكَ يا ابنَ آدم ما أغْدَرَك ! فلا يَزَالُ يَدْعُو , فيقُول (أي اللَّه) : لَعَلِّي إن أَعْطَيْتُكَ ذلكَ تَسْألُني غيْرَه ؟ فيقُول : لا , وعِزَّتك لا أسألُكَ غَيْرَه ! فيُعْطِي اللَّهَ مِن عُهُودٍ ومَواثيقَ أن لا يَسْألَهُ غَيْرَه . فَيُقَرِّبُهُ إلى باب الجنَّة , فإذا رأى ما فيها سَكَتَ ما شاء اللَّهُ أن يَسْكُت , ثمَّ يقُول : رَبِّ , أدْخِلْنِي الجنَّة ! فيقُولُ (أي اللَّه) : أَوَ لَيْسَ قد زعَمْتَ أن لا تسألَني غيرَه ؟! وَيْلَكَ يا ابنَ آدَم ما أغْدَرَك ! فيَقُول : يا رَبّ , لا تَجْعَلْني أشْقَى خَلْقِك ! فلا يَزالُ يَدْعُو حتَّى يَضْحَكَ (اللَّهُ منه) , فإذا ضَحِكَ منه أذِنَ له بالدُّخُول فيها . فإذا دَخَلَها , قيلَ : تَمَنَّ مِن كَذَا , فَيَتَمَنَّى , ثمَّ يُقالُ له : تَمَنَّ مِن كَذَا , فَيَتَمَنَّى حتَّى تَنْقَطِعَ به الأماني . فيَقُول له : هذا لَك , ومِثْلَه معه (وفي رواية عن أبي سعيد الخدري : هذا لكَ , وعَشْرة أمثاله مِثْلَه معه) !
                              قال أبو هُرَيْرَة : وذلكَ الرَّجُلُ (هو) آخر أهل الجنَّة دُخُولاً (الجنَّة) . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2403 – رقم الحديث 6204) .
                              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:09 ص.

                              وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                              وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                              @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                              --------------------------------------
                              اللهم ارزقني الشهادة
                              اللهم اجعل همي الآخرة

                              تعليق

                              • في حب الله
                                المشرفة على أقسام
                                المذاهب الفكرية الهدامة

                                • 28 مار, 2007
                                • 8324
                                • باحث
                                • مسلم

                                ويبقى الأمل في رحمة اللَّه !
                                ويبقى الأمل في رحمة اللَّه !




                                نعم , بَعد أن تَزَلَّ أقدامُ أُناسٍ مِن على الصِّراط ويَسْقُطون في جهنَّم , يَبقَى الأملُ لِبَعضِهم أن يَشمَلَهُم اللَّهُ بِرَحْمَتِه ويَنْتَشِلَهم من النَّار بعد أن تكون قد أتتْ على أجسادهم . شرطٌ وحيد : أن يَكُونُوا ماتُوا على قول لا إلهَ إلاَّ اللَّه . أمَّا الذين لَم يَعبُدوه , أو أشركُوا معه في العبادة شيئًا آخر , مثل حال النَّصارى اليوم , أو لم يدخُلُوا في الإسلام بعد بعثة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فليس لهم أدْنَى أمَل في الخروج من النَّار , إنَّه الخُلُود فيها أبَدَ الآبِدِين .
                                وقد ذكَرْنا في العنصر الماضي الحديث الطَّويل الذي رواه الإمام البخاري , وفيه أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ... حتَّى إذا فَرغَ اللَّهُ من القضاء بين عباده وأراد أن يُخْرِجَ مِن النَّار مَن أرادَ أن يُخْرِج , مِمَّنْ كان يَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللَّه , أمَرَ الملائكَةَ أن يُخْرِجُوهم , فَيَعْرِفُونَهم بعَلامَة آثَار السُّجُود , وحرَّمَ اللَّهُ على النَّار أن تأكُلَ مِن ابن آدمَ أثَرَ السُّجُود . فيُخْرجُونَهُم قد امتحشُوا , فَيُصَبَّ عليهم ماءٌ يُقالُ له ماء الحياة , فيَنْبُتُون نَبَاتَ الحبَّة في حميل السَّيْل . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2403 – رقم الحديث 6204) .
                                وروى الإمام أحمد في مُسْنَده عن أَنَس (بن مالك) رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ... وفرغَ اللَّهُ من حِسَاب النَّاس , وأدخلَ مَن بَقِيَ من أُمَّتي النَّارَ مع أهل النَّار , فيقولُ أهلُ النَّار : ما أغْنَى عنكُم أنَّكُم كنتُم تعبدُون اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا تُشْرِكُون به شيئًا ! فيقولُ الجبَّارُ عزَّ وجلَّ : فَبِعِزَّتي لَأُعْتِقَنَّهُم من النَّار ! فَيُرسِلُ إليهم , فَيُخْرَجُون وقد امتُحِشُوا , فَيُدْخَلُون في نَهْر الحياة , فَيَنْبُتُون فيه كما تَنْبَتُ الحبَّةُ في غُثَاء السَّيْل , ويُكْتَبُ بين أعْيُنِهم : هؤلاء عُتَقَاءُ اللَّه عزَّ وجلَّ . فَيُذْهَبُ بهم , فَيَدْخُلُون الجنَّة , فيقُولُ لهم أهلُ الجنَّة : هؤلاء الجهَنَّمِيُّون ! فَيَقُولُ الجبَّار : بل هؤلاء عُتَقاءُ الجبَّار عَزَّ وجلَّ . (مأخوذ من حديث طويل - مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 3 – ص 144 – رقم الحديث 12491) .

                                ومِن رحمَة اللَّه تعالى بعباده أنَّه يأذَنُ يومَ القيامة للملائكة والأنبياء والشُّهداء , أن يَشْفَعُوا في مَن أرادُوا من المؤمنين , فَيُخْرِجُوهم من النَّار . فقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن أبي بكْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُحْمَلُ النَّاسُ على الصِّراط يومَ القيامة , فَتَقادَعُ بهم جَنْبَةُ الصِّراط تَقادُعَ الفراش في النَّار , فَيُنَجِّي اللَّهُ تباركَ وتعالى بِرَحْمَته مَن يَشاء . ثمَّ يُؤذَنُ للملائكة والنَّبيِّينَ والشُّهَداء أن يَشْفَعُوا , فيشفعُون ويُخرِجُون , ويشفعُون ويُخرِجُون , ويشفعُون ويُخرِجُون , ويشفعُون ويُخرِجُون مَن كان في قَلْبِه ما يَزِنُ ذَرَّةً مِن إيمان . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 5 – ص 43 – رقم الحديث 20457) .
                                كلُّ مَن تَبع نبيَّ زمانه إذًا ومات على دين اللَّه , فإمَّا أن يدخُل الجنَّة دون أن يُعذَّب في النَّار , وإمَّا أن يسقُط مِن على الصِّراط في جهنَّم , بِسَبب المعاصي التي لَم يَتُب منها في الدُّنيا , والمظالِم التي اقترفها في حقِّ العباد , ثمَّ يَخْرُجُ من النَّار برحْمة اللَّه وفضْلِه وشفاعة الملائكة والنَّبيِّين والشُّهداء . ولا يُخَلَّدُ في النَّار أبدًا مَن آمن بنَبيّ زمانه , ومات مُوَحِّدًا لِلَّه .
                                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:08 ص.

                                وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                                وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                                @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                                --------------------------------------
                                اللهم ارزقني الشهادة
                                اللهم اجعل همي الآخرة

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة فارس الميـدان, 5 أغس, 2024, 07:27 م
                                ردود 2
                                43 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة فارس الميـدان
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 26 يول, 2024, 03:53 م
                                ردود 0
                                23 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 26 يول, 2024, 03:41 م
                                ردود 0
                                82 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                                ابتدأ بواسطة fares_273, 15 يول, 2024, 08:01 ص
                                ردود 0
                                28 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة fares_273
                                بواسطة fares_273
                                ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 15 يون, 2024, 04:22 م
                                ردود 0
                                28 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة وداد رجائي
                                بواسطة وداد رجائي
                                يعمل...