بين بول الإبل وبول الإنسان
الصورة التي على اليمين لبدوي يتلقى بول ناقته في زجاجة..
والتي على اليسار لرجل أجنبي يشرب من بوله هو ..
ترى ما هي القصة ؟ ..
فلنتابع..
لا يخفى على المتابع أن قصة العلاج ببول البعير من المواضيع التي يُشنّعُ بها على الإسلام.
حيث يقول كارهو الإسلام : أيّ دينٍ هذا الذي يأمرُ المؤمنين به بشرب بول البعير ,
ونحن في القرن الواحد والعشرين؟! وأيّ نبيّ هذا الذي يطلب من أتباعه تناول جرعاتٍ
من بول الإبل – هنيئاً مريئاً – ليشفوا من الأمراض؟! لا نريد ديناً يتناقض مع بديهيات
العقل والعلم والسلوك القويم. اذهبوا الى الجحيم أيّها المسلمون أنتم وبول بعيركم!.
وواقع الأمر أن عرض الشبهة بهذه الطريقة وبتلك الصورة تصور لنا الأمر و
كأنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر المسلمين بشرب بول الإبل عوضا عن الماء أو الكوكاكولا..
أو حتى التطبب بالأدوية ففيه الكفاية..
والذين يتناولون حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الوجه هم في واقع الأمر
يتطاولون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن خلاله ينفذون لهدم السنة النبوية الشريفة
ويشككون فيها..لأن التشريع المستنبط من الحديث إنما هو تنفيذ حد الحرابة وليس الأمر بشرب الإبل..
ولما كانت الشريعة الإسلامية تقض مضاجع العلمانيين رأيناهم وقد ذهبوا يوجهون سهامهم
للنيل من الحديث فتراهم عندما يقرؤون حديث بول الإبل ،
يستوقفهم موضوع البول أكثر مما يستوقفهم مناسبة الحديث الذي قيلت فيه..
ليصرفوا الذهن عن الهدف الرئيس والذي يجب أن نتنبه إليه .
فأكثر الآيات الحُكمية والتشريعية في القرآن الكريم، جاءت لسبب أو مناسبة، ولم يشرّع القرآن للمسلمين
في الكبيرة والصغيرة، ولكن جاءت موافقات ومناسبات، استدعت التشريع،
كأن يقول القرءان الكريم: (يسألونك).
فلقد نزل القرآن الكريم على رسول اللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفترة الممتدة
من البعثة الشريفة إلى وفاته، وكانت الآيات التي تنزل في المناسبات والأحوال المختلفة
تتعرض لمختلف الأغراض الرسالية، فتارة تنزل الآيات أو السور لتبيّن حكماً وتحدد موقفاً يتطلبه
الواقع المعاش، وأخرى تجيب عن سؤال يرفع إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثالثة
تعالج مشكلة حاصلة، وقد ينزل من القرءان الكريم ابتداءً ما يبيّن الأحكام والمعارف الإسلامية
ويقص القصص ويضرب الأمثلة الأمر الذي يدخل في الأغراض العامة للرسالة.
فحكم الظهار مثلاً نزل بمناسبة مظاهرة أوس بن الصامت لزوجته خولة بنت حكيم بن ثعلبة
ومثلها تشريع جلد الزاني ورجمه نزل بعد حادثة الإفك، وتشريع القضاء على التبني نزل
بعد زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زينب بنت جحش مطلقة زيد وابنة عمته، وتشريع
حد الحرابة نزل بعد خيانة قوم عرينة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم لرعاة الإبل وسرقتها..
وبناء عليه فحينما لا يتناول المسلمون حديث بول الإبل من هذه الزاوية فعندها يكونون
قد أساءوا الطرح وذهبوا بالحديث إلى وجهة أخرى غير الوجهة الأصلية والتي كان من وراءها
نزول حد الحرابة في التشريع..
فما هي مناسبة التشريع؟..
إن أناساً من قبيلة عرينة قدموا المدينة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وادعوا أنهم مسلمين ،
وكانوا يعانون من أنواع الأمراض والأوبئة ومنها الحمى وغيرها فلما دخلوا المدينة ،
ورآهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقَّ لحالهم وأمرهم بأن يخرجوا إلى خارج المدينة ،
وأن يذهبوا إلى الإبل الخاصة بالصدقة والتي ترعى في الصحراء والمراعي الطبيعية
(وهي إبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، حيث نقاء الجو وصفاؤه ، وبعده من الأمراض والأوبئة ،
وأمرهم بأن يشربوا من ألبان إبل الصدقة وأبوالها ، لأنهم من المسلمين ،
فلما شربوا منها شفاهم الله تعالى ، وعادت لهم صحتهم وحيويتهم ونشاطهم السابق ،
فقاموا بمقابلة هذا الإحسان والمعروف بالنكران والخيانة ، فكفروا وقتلوا الرعاة لإبل
الصدقة وسملوا أعينهم ، وسرقوا الإبل وفرُّوا بها ، فأرسل خلفهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من يقبض عليهم فذهب الصحابة إليهم وقبضوا عليهم وجاءوا بهم وقت الظهر
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأمر بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يقتلوا بطريقة
تكون فيها عبرة لغيرهم ممن تسول له نفسه أن يعتدي على حرمات المسلمين وأعراضهم
وأموالهم ودمائهم ، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وتكحيل أعينهم بحديد محمي على النار فعموا بها حتى ماتوا .
فهؤلاء المرضى قد شفاهم الله تعالى بسبب شربهم لألبان الإبل وأبوالها ،
وصاروا يتمتعون بصحة وعافية ، وقد عادت عافيتهم إليهم .
لكنهم بعد هذا المعروف الذي أسدِيَ إليهم نكروه وقاموا بأخذ إبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقتلوا الراعي ، وكما قال أبو قلابة ( إنهم كفروا بعد إسلامهم ) فلما أرسل إليهم
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يقبض عليهم وتمكَّن الصحابة من القبض عليهم قبل فرارهم ،
أمرَ الله سبحانه وتعالى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعاملتهم معاملة المحاربين
لله ورسوله مبينا له الحكم في قوله تعالى:
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ
فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: ٣٣.
هذا هو أصل الحديث فمّما يثير استغرابي أنّ هذا الأمر لم يثر دهشة القارئ ،
بل ما أثاره أكثر هو البول والتداوي به !.
وانبرت الأقلام للنيل من صحيح البخاري وراحوا يطعنون فيه بحجة الدفاع عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواقع الأمر أنهم يريدون هدم السنة..
فهذا الحديث كما قلت من الأحاديث الخاصة مثله كمثل الأحاديث التي نزلت في مناسبات
معينة لحقت بها تشريعات أخر. ونص الحديث هو عن أنس رضي الله عنه :
[ أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي
الابِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ
أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإبلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ
بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ].
رواه كلٌّ من : البخاري ( 1 / 69 و 382 - 2 / 251 – 3 / 119 - 4 / 58 و 299 ) ومسلم ( 5 / 101 )
وأبو داود ( 4364 – 4368 ) والنسائي ( 1 / 57 – 2 / 166 ) والترمذي ( 1 / 16 – 2 / 3 )
وابن ماجه ( 2 / 861 و 2578 ) والطيالسي ( 2002 ) والإمام أحمد ( 3 / 107 و 163 و 170 و 233 و 290 ).
ومن طرق كثيرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه :
( أن ناساً من عرينة قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فاجتووها ،
فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا
من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحّوا ، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام ،
وساقوا ذود رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث في أثرهم ،
فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمَّل أعينهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا ) وهذا سياق الإمام مسلم .
وزاد في رواية : ( قال أنس : إنما سمّل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة ) .
وزاد أبو داود في رواية : فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك قوله عز وجل:
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا
وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: ٣٣.. وإسناده صحيح.
وهكذا رأينا المتشككين يتناولون حديثاً خاصاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل
في ظروف خاصة وفي مناسبة خاصة ترتبت عليها تشريعات جنائية.
فتركوا الجناة وما فعلوه وأمسكوا في بول الإبل لينفذوا من خلاله إلى اتهام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بانعدام الذوق..والأكثر من ذلك أنهم سجلوا تلك الشبهة في رسوماتهم الكاريكاتورية فراحوا يتندرون .
الصورة التي على اليمين لبدوي يتلقى بول ناقته في زجاجة..
والتي على اليسار لرجل أجنبي يشرب من بوله هو ..
ترى ما هي القصة ؟ ..
فلنتابع..
لا يخفى على المتابع أن قصة العلاج ببول البعير من المواضيع التي يُشنّعُ بها على الإسلام.
حيث يقول كارهو الإسلام : أيّ دينٍ هذا الذي يأمرُ المؤمنين به بشرب بول البعير ,
ونحن في القرن الواحد والعشرين؟! وأيّ نبيّ هذا الذي يطلب من أتباعه تناول جرعاتٍ
من بول الإبل – هنيئاً مريئاً – ليشفوا من الأمراض؟! لا نريد ديناً يتناقض مع بديهيات
العقل والعلم والسلوك القويم. اذهبوا الى الجحيم أيّها المسلمون أنتم وبول بعيركم!.
وواقع الأمر أن عرض الشبهة بهذه الطريقة وبتلك الصورة تصور لنا الأمر و
كأنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر المسلمين بشرب بول الإبل عوضا عن الماء أو الكوكاكولا..
أو حتى التطبب بالأدوية ففيه الكفاية..
والذين يتناولون حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الوجه هم في واقع الأمر
يتطاولون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن خلاله ينفذون لهدم السنة النبوية الشريفة
ويشككون فيها..لأن التشريع المستنبط من الحديث إنما هو تنفيذ حد الحرابة وليس الأمر بشرب الإبل..
ولما كانت الشريعة الإسلامية تقض مضاجع العلمانيين رأيناهم وقد ذهبوا يوجهون سهامهم
للنيل من الحديث فتراهم عندما يقرؤون حديث بول الإبل ،
يستوقفهم موضوع البول أكثر مما يستوقفهم مناسبة الحديث الذي قيلت فيه..
ليصرفوا الذهن عن الهدف الرئيس والذي يجب أن نتنبه إليه .
فأكثر الآيات الحُكمية والتشريعية في القرآن الكريم، جاءت لسبب أو مناسبة، ولم يشرّع القرآن للمسلمين
في الكبيرة والصغيرة، ولكن جاءت موافقات ومناسبات، استدعت التشريع،
كأن يقول القرءان الكريم: (يسألونك).
فلقد نزل القرآن الكريم على رسول اللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفترة الممتدة
من البعثة الشريفة إلى وفاته، وكانت الآيات التي تنزل في المناسبات والأحوال المختلفة
تتعرض لمختلف الأغراض الرسالية، فتارة تنزل الآيات أو السور لتبيّن حكماً وتحدد موقفاً يتطلبه
الواقع المعاش، وأخرى تجيب عن سؤال يرفع إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثالثة
تعالج مشكلة حاصلة، وقد ينزل من القرءان الكريم ابتداءً ما يبيّن الأحكام والمعارف الإسلامية
ويقص القصص ويضرب الأمثلة الأمر الذي يدخل في الأغراض العامة للرسالة.
فحكم الظهار مثلاً نزل بمناسبة مظاهرة أوس بن الصامت لزوجته خولة بنت حكيم بن ثعلبة
ومثلها تشريع جلد الزاني ورجمه نزل بعد حادثة الإفك، وتشريع القضاء على التبني نزل
بعد زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زينب بنت جحش مطلقة زيد وابنة عمته، وتشريع
حد الحرابة نزل بعد خيانة قوم عرينة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم لرعاة الإبل وسرقتها..
وبناء عليه فحينما لا يتناول المسلمون حديث بول الإبل من هذه الزاوية فعندها يكونون
قد أساءوا الطرح وذهبوا بالحديث إلى وجهة أخرى غير الوجهة الأصلية والتي كان من وراءها
نزول حد الحرابة في التشريع..
فما هي مناسبة التشريع؟..
إن أناساً من قبيلة عرينة قدموا المدينة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وادعوا أنهم مسلمين ،
وكانوا يعانون من أنواع الأمراض والأوبئة ومنها الحمى وغيرها فلما دخلوا المدينة ،
ورآهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقَّ لحالهم وأمرهم بأن يخرجوا إلى خارج المدينة ،
وأن يذهبوا إلى الإبل الخاصة بالصدقة والتي ترعى في الصحراء والمراعي الطبيعية
(وهي إبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، حيث نقاء الجو وصفاؤه ، وبعده من الأمراض والأوبئة ،
وأمرهم بأن يشربوا من ألبان إبل الصدقة وأبوالها ، لأنهم من المسلمين ،
فلما شربوا منها شفاهم الله تعالى ، وعادت لهم صحتهم وحيويتهم ونشاطهم السابق ،
فقاموا بمقابلة هذا الإحسان والمعروف بالنكران والخيانة ، فكفروا وقتلوا الرعاة لإبل
الصدقة وسملوا أعينهم ، وسرقوا الإبل وفرُّوا بها ، فأرسل خلفهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من يقبض عليهم فذهب الصحابة إليهم وقبضوا عليهم وجاءوا بهم وقت الظهر
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأمر بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يقتلوا بطريقة
تكون فيها عبرة لغيرهم ممن تسول له نفسه أن يعتدي على حرمات المسلمين وأعراضهم
وأموالهم ودمائهم ، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وتكحيل أعينهم بحديد محمي على النار فعموا بها حتى ماتوا .
فهؤلاء المرضى قد شفاهم الله تعالى بسبب شربهم لألبان الإبل وأبوالها ،
وصاروا يتمتعون بصحة وعافية ، وقد عادت عافيتهم إليهم .
لكنهم بعد هذا المعروف الذي أسدِيَ إليهم نكروه وقاموا بأخذ إبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقتلوا الراعي ، وكما قال أبو قلابة ( إنهم كفروا بعد إسلامهم ) فلما أرسل إليهم
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يقبض عليهم وتمكَّن الصحابة من القبض عليهم قبل فرارهم ،
أمرَ الله سبحانه وتعالى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعاملتهم معاملة المحاربين
لله ورسوله مبينا له الحكم في قوله تعالى:
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ
فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: ٣٣.
هذا هو أصل الحديث فمّما يثير استغرابي أنّ هذا الأمر لم يثر دهشة القارئ ،
بل ما أثاره أكثر هو البول والتداوي به !.
وانبرت الأقلام للنيل من صحيح البخاري وراحوا يطعنون فيه بحجة الدفاع عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواقع الأمر أنهم يريدون هدم السنة..
فهذا الحديث كما قلت من الأحاديث الخاصة مثله كمثل الأحاديث التي نزلت في مناسبات
معينة لحقت بها تشريعات أخر. ونص الحديث هو عن أنس رضي الله عنه :
[ أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي
الابِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ
أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإبلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ
بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ].
رواه كلٌّ من : البخاري ( 1 / 69 و 382 - 2 / 251 – 3 / 119 - 4 / 58 و 299 ) ومسلم ( 5 / 101 )
وأبو داود ( 4364 – 4368 ) والنسائي ( 1 / 57 – 2 / 166 ) والترمذي ( 1 / 16 – 2 / 3 )
وابن ماجه ( 2 / 861 و 2578 ) والطيالسي ( 2002 ) والإمام أحمد ( 3 / 107 و 163 و 170 و 233 و 290 ).
ومن طرق كثيرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه :
( أن ناساً من عرينة قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فاجتووها ،
فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا
من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحّوا ، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام ،
وساقوا ذود رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث في أثرهم ،
فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمَّل أعينهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا ) وهذا سياق الإمام مسلم .
وزاد في رواية : ( قال أنس : إنما سمّل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة ) .
وزاد أبو داود في رواية : فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك قوله عز وجل:
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا
وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: ٣٣.. وإسناده صحيح.
وهكذا رأينا المتشككين يتناولون حديثاً خاصاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل
في ظروف خاصة وفي مناسبة خاصة ترتبت عليها تشريعات جنائية.
فتركوا الجناة وما فعلوه وأمسكوا في بول الإبل لينفذوا من خلاله إلى اتهام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بانعدام الذوق..والأكثر من ذلك أنهم سجلوا تلك الشبهة في رسوماتهم الكاريكاتورية فراحوا يتندرون .
تعليق