- [*=center]الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
تمر بالعابد حالات من النشاط في العبادة والراحة لها والمداومة عليها؛ حتى يظن أنها أصبحت عادته التي لا يستطيع التخلي عنها ودأبه الذي لا ينفك عنه، لكن ما يلبث هذا النشاط إلى أن أن يتحول إلى فتور والهمة العالية إلى أن تنزل، وتصبح عادته تركها بعد أن كانت عادته المداومة عليها.روي أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
«لِكُلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولِكُلِّ شرَّةٍ فَترةٌ، فمن كانَت فَترتُهُ إلى سنَّتي، فَقد أفلحَ، ومَن كانت إلى غيرِ ذلِكَ فقد هلَكَ»
أي أنه لكل عمل نشاط ثم ما يلبث هذا النشاط إلى أن يفتر ويضعف، فمن كان فتوره لا يمنعه من فريضة ولا يوقعه في معصية فقد أفلح، ومن كان فتوره إلى غير ذلك فقد هلك.وإن الفاتر هو أعلم الناس بحاله، فهو من رأي نفسه ترك قيام الليل بعد أن داوم عليه سنين، وهو من يري نفسه قد ترك القرآن بعد أن كان يختمه في كل شهر، ويري نفسه وقد انشغل بالدنيا عن الآخرة، وبالشهوات عن الطاعات. فهو العالِمُ بمرضه الذي طرأ عليه، والبصير بنفسه وقد تغيَّر مزاجه وتبدَّل قَلبُه وساءت معيشته وضاقت عليه دنياه.أسباب فتور العابدين:ومن أسباب فتور العبد التعلق بالدنيا ولذاتها ونسيان الآخرة وطول الأمل. فمن أَكثَرَ من المباحات ألهته عن الطاعات، وجعلته ينسلخ منها شيئًا فشيئًا، حتى يترك النوافل بالكُلِّية وربما ترك الفرائض، أو ربما وقع في المعاصي. فإن الطاعات حجابٌ عن المعاصي وحصنٌ حصين منها، فمن تركها كان عُرضة للشيطان وصيدًا سهلًا له.والمعاصي من أسباب الفتور. قال ابن القيم:
وعقوباتها (أي المعاصي) أنها تضعف سير القلب إلي الله والدار الآخرة، أو تعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم تَرُدّه عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلي الله بقوته فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تُسيِّره، فإذا زالت بالكلية انقطع.
علاج الفتور:روى الحاكم في مستدركه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
«إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ.»
فالدعاء هو العلاج الناجع، والدواء الشافي. خير هذا الدعاء لهذه الحالة هو الدعاء الذي وصَّى به رسولُ الله صلي الله عليه وسلم معاذًا رضي الله عنه بقوله دبر كل صلاة: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.» [رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد].ثم من العلاج ذكر الله وهو سهل ُ ميسورُ، لا جهد فيه ولا مشقة وهو حصنٌ حصينُ، من لجأ إليه نجي.ثم من العلاج الصدقة وهي سهلة ميسورة، فلا فيها تعب الصيام ولا جهد القيام، ثم هي سهلة على من عَلِمَ أن الله مُخْلِفٌ عليه في الدنيا والآخرة، وأنه: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ.فقد روي الترمذي في سننه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: –«ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ.».
ثم يُقال لهذا الفاتر- أترضى أن ينساك بعد ذكرك، أترضى أن يبغضك بعد أن أحبك؟!
يُقال له:
- لقد نسيت الملائكة صوت دعائك وجميل ثنائك وطول قيامك.
يُقال له:
- أترضى أن يهتف جبريل أن أبغضوه بعد أن هتف أن أحبوه؟!
يُقال له:
- هذه النعم بسبب ما كنت فيه وما سلبها منك وقد بعدت إلَّا إمهالًا لك كي تعود.
يُقال له:
- أنسيت لذة القيام وحلاوة القرآن وذكر الرحمن؟!
اللهم رُدَّنا إليك ردا جميلًا، وآخِرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ رب العالمي.