#بين_الإمام_البخاري_والنصاب ( 2 )
مقالاتٌ مشتركة بين : الغازي محمد والحسن البخاري في الرد على الملحد شريف جابر.
---------------------------------
تنبيه : هذا المقال هو المقال الثاني في السلسلة, وستكون الفائدة أكبر لو اطلع القارئ على المقال الأول, هنــــــــــا .
---------------------------------
بسم الله الحقّ
(1)
[ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعض] :
[ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعض] :
لو أن للإنسان واديَيْن من الحماقة لأراد أن يكون له ثالث!
تلك هي القاعدة التي يعمل بها ملحدنا في الحياة ..
يقول ملحدنا عن الإمام البخاري :
"وفضل يسافر لمدة 16 سنة جمّع فيهم 600 ألف حديث وفي النهاية : كذّب منهم 593 ألف حديث وما سابش غير حوالي 7 تلاف وخمسمية ، وقال أن دول بس هما الصادقين وعمل بيهم كتاب صحيح البخاري دا
أولًا : لو ركزت ع النقطة دي بس هتفهم قد إيه العصر دا كان عصر كذب وتأليف وفبركة ، 600 ألف حديث ما طلعش منهم غير بسبعتلاف وخمسمية حديث دا يعني أن حوالي 99% من الأحاديث اللي اتقالت عن محمد كانت كذب ، دا يعني - theoretically - أنه من بين 100 شخص مسلم ، كان فيه واحد بس صادق ، ودا لوحده كفيل أنه يخليك تشك في الواحد المتبقي ، يخليك تشك في البخاري نفسه"
بوم بوم بوم .. انتهت الفرقعة !
وكتمهيد لحل تلك الكوارث العلميّة في هذا الجزء من الهراء, نودّ التنبيه على اللهجة المستنكرة التي نطق بها ملحدنا رقم "600 ألف حديث" -ولأنه سبق واستنكر إمكانية جمعِ ما هو أقل من هذا العدد- وكأنه شيء مستحيل وضربٌ من الخيال . .
ويبدو لنا هنا أن قناعته قد طوّفت برأسه حتى ترسّخت, فظنّ أن البخاري كان في بيئة صحراوية بالفعل، وأنه كان يبحث بين الحشائش والصخور عن الأحاديث, وبالتالي كيف تمكن البخاري من أن يجمع 600 ألف حديث دفعة واحدة من بين الحشائش الصحراوية ومن جحور العقارب المهجورة؟!
سؤال منطقي يا أستاذ ملحد، لكن في حالة واحدة فقط! : "عند الحاجّة" -بصوتك الأكروباتي المطرب-
أما الحقيقة التي لا يشك فيها العقلاء ؛ أن البخاري لم يكن يبحث عن الأحاديث بين الحشائش ووسط القفار، لكن حركة تجميع الحديث, ثم تدوينه وطلبه سبقت البخاري نفسه، بل سبقت نطفة الإمام البخاري، فقبل أن يأتي البخاري إلى الدنيا كتب الإمام العظيم : مالك ابن أنس كتابًا جمع فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه الموطأ ، والإمام مالك -إن كنت لا تعلم يا مستر ملحد- كان معاصرًا للتابعين, أدركهم وأخذ منهم، أي قبل أن يأتي البخاري إلى الدنيا بسنين! (مات مالك 179 هـ وولد البخاري 194 هـ)
ثم إنه قبل أن يكتب البخاري كتابه أصلًا ، كان الإمام أحمد بن حنبل قد جمع كتابًا ضخمًا في الأحاديث اسمه: المُسند.
وعديدٌ الكتب التي دوّنت في الحديث وألّفت قبل البخاري, مما يدلّ على أن الأحاديث في تلك المرحلة كانت قدّ جمّعت ولم تعد متناثرة مبعثرة بحيث لا يقدر البخاري على سماع أكثر من 10 أحاديث في اليوم كما زعم ملحدنا الذكيّ حيث رددنا عليه في المقال السابق.
أمرٌ آخر : أن تعداد الأحاديث لم يكن بحسب النصوص, بل بحسب الرواة, فلو أن نفس الحديث رواه راويان = عدّه العلماء حديثين, هكذا اصطلحوا واتفقوا على التعداد في ذلك الزمن.
مثلًا :
حديث "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"
رواه البخاري في كتاب العلم عن أنس وعن علي بن أبي طالب وعن أبي هريرة وعن الزبير بن العوام وعن سلمة رضي الله عنهم جميعًا .
ثم عدّهم خمسة أحاديث مختلفة رغم أن الاختلاف بينها في ألفاظ قليلة, وأرقام تلك الأحاديث هي (106, 107, 108, 109 , 110) في صحيح البخاري.
هكذا تعدّ الأحاديث عند العلماء, بحسب مَن سمع لا بحسب الكلام, وما أكثر مَن يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وما أكثر من يسمع ممن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم, فتكثر الأسانيد وتتعدد وبالتالي تكثر الأحاديث بتلك الطريقة في العدّ.
فهمتم يا معاشر العقلاء كيف يستغفلكم إنسان بلغ به السخف مبلغه ويتسائل : كيف ومن أين أتى البخاري بكل هذه الأحاديث؟
لم يكن شيئًا استثنائيًا، ولم يخترعه البخاري من عند نفسه، لقد كانت هذه هي سمة عصره : جمع الأحاديث، فكانت كل حواضر المسلمين العلمية فيها مجالس تحديث تسرد فيها آلاف الأحاديث يوميًا، فهذا مجلس ابن حنبل، وهذا مجلس علي بن المديني، وهذا مجلس يحيى بن معين، ثم بعدهم البخاري ومسلم وأبي دوود والنسائي, وكل هؤلاء يروون بالسند المتصل عن رسول الله .. ليس شيئًا معجزًا! ، بل إن صحيح البخاري نفسه لم ينفرد بحديث واحد غير موجود في غيره من كتب الحديث! ، يعني أن كل أحاديث البخاري = موجودة عند شخص مختلف من نفس الحقبة أو من حقبة سابقة أو لاحقة . . ليس البخاري هو الوحيد بين المسلمين!
كلام ملحدنا يشبه أن يتساءل رجل : كيف كتب رئيس التحرير في الجارديان عشرة آلاف خبر في أسبوع واحد؟ أيعقل أنه جمّع كلّ تلك الأخبار بنفسه؟ ثم يمسك بالآلة الحاسبة ويبدأ في حساباته التافهة متناسيًا أن هنالك من سبقه بتجميعها بالفعل, وإنما أخذها جاهزةً بطريقة سرديّة لا تحتاج أكثر من يومٍ لسماعها كلها.
ثم ؛
هل رأيت ما يمكن أن يحدث عندما يتكلم بائع القصب في العلوم الكونية؟
هو بالضبط ما يحدث عندما يتكلم شريف جابر في علوم الحديث!
ماذا فعل ملحدنا هنا؟
يقول :
"وفضل يسافر لمدة 16 سنة جمّع فيهم 600 ألف حديث وفي النهاية : كذّب منهم 593 ألف حديث وما سابش غير حوالي 7 تلاف وخمسمية ، وقال أن دول بس هما الصادقين وعمل بيهم كتاب صحيح البخاري دا"
لقد افترض افتراضًا عبقريًا : ما وضعه البخاري في كتابه (الجامع الصحيح) هو فقط الصحيح من الأحاديث ، وباقي المرويات كلها كذب محض . .
يا سادة! صدقوني .. أنا الآن أصفق بحرارة، لقد اخترع شريف علمًا جديدًا اسمه : "علم الحديث الحلمنتيشي" فهنئوه وباركوا له وللبشرية!
كل علماء الحديث، كل مؤلفات كتب مصطلح الحديث ؛ ليس فيها تعريف الحديث الصحيح بأنه : "ما وضعه البخاري في كتابه"
لم يقل أحدٌ قطٌ من الجن والإنس أن شرط البخاري لاعتبار الحديث صحيحًا أن يكون في كتابه، ولا قال البخاري أبدًا أن ما لم يدخله في كتابه يعني أنه يراه حديثا ضعيفا.
لكن شريف أراد ذلك! ، فلنحرق كتبنا جميعًا، ولنغلق بوابة العلم من أساسه, ولتذهب عقولنا ومناهج البحث الموضوعي إلى الجحيم .
خلط ملحدنا بين قولك "كل ما في كتابي من أحاديث هي أحاديث صحيحة" وقولك "كل الأحاديث الصحيحة في كتابي"
ألم يطرُق سمع ملحدنا يومًا كتابٌ بعنوان "صحيح فلان" صحيح مسلم مثلًا! - وهذا كتاب يعرفه طفل الابتدائية بالمناسبة-
أقال قائلٌ في التاريخ, أو قال البخاري نفسه : ماليس في كتابي فهو ضعيف ؟
من أين أتى ملحدنا بهذا الكلام الذي لم يقل به إنسٌ ولا جان ؟
أسمع معترضًا يقول : كيف تزعم أنه لم يقله أحدٌ من الإنس ، وقد قاله به شريف جابر.
فأقول : شريف ليس من الإنس ، ولا من الجن, وإنما سيأتي بيان فصيلته أثناء هذا المقال إن شاء الله.
لكن دعونا نتنزل مع هذا الشيء الذي نرد على كلامه، ونفترض أنه بالفعل ليس هناك أحاديث صحيحة إلا في البخاري فقط وباقي الأحاديث ضعيفة, دعونا نلقي عقولنا في القمامة لمدة عشر دقائق ونقتنع مع ملحدنا بتلك الفرضية المخترعة ..
دعونا نتنزّل معه لنجده يرتكب هذه المرة جناية بحق علوم الحديث من جديد !! ..
لماذا؟
لأنه ما من أحد قال أن الحديث الضعيف = أنه مكذوب هكذا بإطلاق ، لا من الجن ولا من الإنس أيضًا!
معنى قولنا : الحديث ضعيف = أننا لم نجد دليلًا قويًّا على صحّة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
لكن من المهم هنا الانتباه أن ذلك لا يعني بالضرورة أننا لم نجد دليلًا على كذب نسبته له!
كل ما في الأمر أننا لسنا متأكدين من أنه قاله, فبالتالي لن نجزم بنسبته له, لكننا أيضًا لم نتأكد بعدُ من أنه لم يقُله فبالتالي لا يمكننا أن نقول أنه كذب.
وهذا يترتب عليه أحكامٌ فقهية ليس هنا محلّ بسطها.
أما الحديث الذي معنا دليلٌ على أنه كذب فاسمه "الحديث الموضوع"
انتبه الآن وراجع معنا كيف انتهك الملحد العلم انتهاكًا :
أولًا : زعَم ملحدنا أن البخاري إذا لم يُدخل حديثًا في صحيحه فهذا يعني أنه حكم عليه بالضّعف : وهذا جهل وخطأ, ولم يقله البخاري في حياته ولا قاله عالم واحد, إنما اهتم البخاري بجمع نوعٍ معيّن من الأحاديث الصحيحة, وترك آلاف الأحاديث الصحيحة الأخرى بدليل أنه وضعها في كتبٍ مختلفة له (وهذا ما سنعود إلى بسطه في آخر المقال)
ثانيًا : بعد هذا الاختراع اخترع اختراعًا آخر لا يعرفه علماء الحديث, وهو أن الحديث الضعيف = حديثٌ كاذب !
والحقيقة مختلفة عن ذلك, بدليل أن الفقهاء كالمتفقين على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال, يعني في إثبات فضلٍ خاص لبعض الأحكام الثابته, لا أن ننشئ حكمًا مستقلا عليه نقول فيه هذا حلال وهذا حرام بحديث ضعيف, لماذا؟ لأن مجرّد الضعف معناه أننا لا نملك دليلًا على صحّته .. لكن لا يعني بالضرورة أننا نملك دليلًا على كذبه.
هل انتهت المهزلة هنا ؟ لا! بل هناك مهزلة أكبر من أختيها, مهزلةُ المهازل التي استخفّ فيها بعقولنا وعقول المشاهدين كأننا صمّ بكمٌ عميٌ لا نعقل!
يقول : "لو ركزت في النقطة دي هتكتشف أنه كان عصر كذب وتأليف, 600 ألف حديث ما طلعش منهم غير بسبعتلاف وخمسمية حديث دا يعني أن حوالي 99% من الأحاديث اللي اتقالت عن محمد كانت كذب ، دا يعني - theoretically - أنه من بين 100 شخص مسلم ، كان فيه واحد بس صادق ، ودا لوحده كفيل أنه يخليك تشك في الواحد المتبقي ، يخليك تشك في البخاري نفسه"
وقبل الخوض في الكارثة نفسها نبيّن أنه مرة أخرى تتكرر نفس المغالطات المنهجية ، يا أيها الكافر بالله، دعني اسألك : هل رأيت نفسك وأنت تتكلم في أول الحلقة عن البخاري وتقول أنه كذاب؟ أمتأكد أنت؟
أظن أنك غير متأكد ، منذ 3 دقائق كنت تقول أن البخاري كذاب ، ثم بعد عدة دقائق فقط ، صدّقته ، لقد صدقته وليس فقط صدقته ، بل بنيت على كلامه حكمًا رائعًا جدًا حيث أصبح استدلالك بهذا الشكل :
- كان هذا العصر عصر تأليف واختلاق وكذب
لماذا؟ ، ما دليلك؟
- البخاري هو من قال ذلك!
أليس هذا البخاري نفسه هو الكذاب المختلق؟ ، أم أن كلامه في هذه الجزئية في غاية الصدق لأنه يخدم بحثك العظيم الأكاديمي الموضوعي ... الهكذا أشياء؟
قلت لك مرارًا : التناقض المنهجي قد يمر على الغافل مرة ، لكن ليست المرة الألف التي ستمر عليه!
لو كان هذا فقط لقلنا : حسنًا ، أن يخطيء ملحدنا خطأين منهجيين في دقيقة واحدة هو معدل ممتاز من شخص اعتدنا أن كل كلمة منه تكون أقرب إلى التراب ..
لكن إليكم الكارثة الاستدلالية .. إليكم الاستنتاج المنهجي الرائع، الذي أتى به من درج الخزانة في بدروم المطبخ ، حيث يقول أن : البخاري قال أن 7500 حديث فقط هم الأحاديث الصحيحة من 600 ألف حديث كذب (وهو ما أكدنا على خطئه منذ قليل لكننا تنزّلنا معه) فإن هذا يعني أن 99% من الأحاديث المنقولة عن محمد = كذب ، ثم ماذا يا مستر ملحد؟ ها .. أتحفنا؟
وإذن : 99% من المسلمين كذابين .. (تكبييير!)
طبعًا اعتدنا من شريف أن يغتصب علم الإحصاء مرّات ، لكن هذه المرة ربما أعدمه أو قتله!!
سأقوم بحسبة مشابهة لطيفة فانظروا :
90% من أخبار الجرائد المصرية كذب
إذًا : 1 من كل 10 من المصريين فقط هو الصادق، وهذا يجعلك تشك في الواحد الباقي، فإذن : كل المصريين كذابين أو يؤول كلامهم إلى الكذب ..
ما رأيكم؟ ، شيء عظيم ، إحصائية مذهلة ، تكتبها في ورقة لتعبئ فيها الترمس ، لكن أن تخاطب بها العقلاء ويصدقونك؟ ضرب من الخيال أو الجنون أو كليهما -وهو المرجح عندي-
بافتراض أنه فعلًا هناك 7500 حديث هم فقط الصحيح والباقي كذب ، ما علاقة هذا بعموم المسلمين؟ ما هذا الاستدلال القاتل العظيم؟ ألا يستطيع 100 كاذب أن يخترعوا كل تلك الأحاديث الكاذبة من بين ملايين المسلمين ؟
فكيف وأن تلك الأحاديث ليست كلها ضعيفة أصلا؟ ثم كيف وأنها لو كانت كلها ضعيفة فليس كل الضعيف كذب من الأساس؟ ثم مالك تحاول أن تمتطي عقولنا كأنها خيل أو بغال أو حمير لتركبها وزينة!
ثم بافتراض أن البخاري قدر على استخلاص 7500 من بين 600 ألف ، أليس هذا دليل مهارة عملاقة جبّارة؟؟ ، الرجل القادر على ملاحظة الكذب في مئات آلاف الأحاديث هو رجل خارق يستحق كل إعجاب وتقدير ، إذ أنه - كما يبدو - يمتلك قدرة نقدية نظرية عظيمة! ، جعلته قادرًا على تمييز كل هذا الكذب!
أليس هذا هو المنطق يا عباد الله؟ ، نعم والله هو!
لكن المنطق وملحدنا: دونت ميكس!
إذا أن ملحدنا اعتبرها - على عكس عقلاء العالم - دليلًا على أن البخاري كاذب لا صادق!
هذا إن تغاضينا عن الخطأ المنهجي نفسه -وقد توقفت عن عد المرّات التي وقع فيها فيه لكثرتها- إذ يقول : أن كلام البخاري يعني أن 99% من الأحاديث اللي مروية عن محمد كاذبة .. فصدّقه هنا وبنى حكمًا على كلامه، ثم هو نفس البخاري يكون كاذبًا.
هناك 3 احتمالات لحصول شيء هذا : البخاري صادق - البخاري كاذب - شريف جابر مجنون .. فقط!
أما العاقل فلا يقدر على التعايش مع مثل هذا التناقض الفجّ.
يُتبع إن شاء الله ..
تعليق