(محاكمة هتلر.. محاكمة بغير رب..)
حوار تخيلي للكاتب :
Hassan Albokhary
في القفص جلس هتلر، منتشيا، يعبث بشاربه، يصفف شعراته، ينتظر حكم القاضي ثابتا غير جازع.تلا القاضي بيانه: باسم الطبيعة الأم التي أنشأتنا جميعا ؛ نحقق العدل ككائنات متطورة تتربع رأس الهرم الحيواني . . بلا بلا بلا!
أنهى خطبته العصماء ثم نظر لهتلر في قفصه وناداه بحزم:
- هتلر!
= أفندم أنا موجود.
- هل تعترف بجرائمك في قتل الملايين وحرق مئات الالاف في الحرب العالمية الثانية؟
= اه.- هل تريد أن تبدي أسبابا لذلك؟
= اه.
- لماذا قتلتهم؟
= كيفي.ضجت القاعة وارتفعت الأصوات وطرق القاضي بمطرقته، ثم أعاد السؤال بصوت أوضح وأكثر تهديدا:- سيد هتلر، لماذا قتلتهم؟
= زمبئولك والله، كيفي!
- هل تظن قتل البشر أمرا عاديا لتتعامل معه بهذه البساطة؟
= بصراحة؟ اه.
- قتل البشر هو أبشع جريمة على كوكبنا يا سيد هتلر!
= ليه يسطا؟- قتل البشر يعني إنهاء حياة شخص مثلك، من أعطاك الحق لذلك؟!
= ما قلتلك كيفي! قولي إنت ، ما الفرق عند الطبيعة الأم التي استفتحت باسمها بين دبح فرخة ودبح بني آدم؟!
قال القاضي الملحد غاضبًا
- كيف تتعامل مع الأمر بذلك البرود؟
سوّى هتلر شاربه، ثم تحمحم كالمثقفين وأجاب.
= سيدي القاضي، لا أفهم مشكلتك!
مجموعة من الذرات جمعتها الطبيعة بالصدفة، ففرقتها أنا، ما مشكلتك؟!
- وضح يا سيد هتلر.
= لماذا تعتبر القتل جريمة؟ لماذا تعتبره خطأً؟ ما معنى الخطأ والصواب في ميزان الطبيعة؟ ما معياره؟ ما ضابطه؟ مَن الذي يحدد الخير والشر الخطأ والصواب؟أجابه القاضي:
- سيد هتلر.. اتفقنا نحن البشر على تجريم القتل، لذلك هو جريمة.
= لحسن حظي أني لم أحضر هذا الاتفاق ولم ألتزم به، تفضل بإطلاق سراحي.
- ليس عليك أن تحضره وتلتزم به، ستتحمل تبعاته على كل حال.
= أووه! لماذا تعترض على المسلمين في حدّ الردة إذًا!
- دعنا لا نغير الموضوع يا سيد هتلر! أنت مجرم لأن البشر اتفقوا على أن فعلك جريمة.
= لماذا تعتبر اتفاق البشر دليلا؟ فليتفقوا، ليسوا مصدرًا للصواب، أتراهم لو اتفقوا غدا على خيرية القتل، هل يصبح القتل خيرا؟- لا!
= إذا اتفاقهم لا قيمة له، لا يلزمني، هل لي بسؤال؟
- تفضل!
= تصارع أسدان في الغابة، فقتل واحد منهما صاحبه.. ما رأيك في فعله؟
- ماذا تعني؟ أي رأي؟
= أعني هل ترى فعل الأسد خيرا أم شرا؟تنحنح القاضي، وأجاب:
- في الحقيقة لا يوصف هذا الفعل بالخير أو الشر، هذا فعل طبيعي تفعله الحيوانات ليحصل الموازنة البيئي.
رد هتلر بصوت القرموطي:
= حيييييييلو
ما الفارق بيني وبين ذلك الأسد؟
أنا ابن الطبيعة، هو ابن الطبيعة
فعله لا يوصف بالخطأ والصواب لأنه في العالم المادي لا معنى للخطأ والصواب، كذلك فعلي.
أتريد أن تحاسبني وتحاسب الأسد على لا شيء؟
لو سقطت صخرة من فوق جبل، هل سقوطها خطأ أم صواب؟ لا يوصف بالخطأ والصواب، كذلك فعلي وفعل الأسد.
نحن أبناء الطبيعة يا حضرة القاضي، لا معنى للخطأ والصواب، لا وجود للجريمة، أستطيع أن أبرر لك تصرفي حين أقتل رجلا لآخذ ماله ولا أستطيع أن أبرر لك أني تصدقت عليه فخسرت مالي.
قال القاضي:
- يجب عليك أن لا تقتل لأن هذا سيوقعك تحت طائلة القانون فيحدث لك ضرر مادي.
ضحك هتلر وقال:
= سيدي، حينما قتلت كنت فوق القانون، كنت أنا القانون!
وأنا هنا لأخبرك أن القانون الذي سيوقع عليّ ضررا ماديا هو قانون غير مبرر، قانون لا مادي.
رد القاضي بغضب:
- لولا هذا القانون لانقرض الجنس البشري.
= فليذهب الجنس البشري للجحيم لا مصلحة لي في بقائه طالما سأموت على كل حال.
طرق القاضي بمطرقته طرقات عنيفة، ارفعت الأصوات في القاعة، أعاد الطرق، ارتفع الصوت، طرق، رفع، طرق، طرق، طرق..
ثم صاح: السادة الحضور ؛ رفعت الجلسة وتم تأجيل المحاكمة لموسم المشمش.