شرح باب سنن الفطرة
باب سُنن الفطرة هو من أبواب كتاب الطهارة في الفقه، وفي هذه الرسالة سَنُبَيِّن ونشرح جميعَ هذه السُّنن، نسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والإخلاص والقَبول.• عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفطرةُ خمسٌ - أو خمسٌ من الفطرةِ -: الختانُ، والاستحدادُ، ونتفُ الإبْطِ، وتقليمُ الأظفارِ، وقصُّ الشاربِ))؛ مُتفق عليه.
• وعن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عشرٌ من الفِطرةِ: قصُّ الشَّاربِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغسلُ البراجمِ، ونتفُ الإبطِ، وحَلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ))، قال زكريَّاءُ: قال مصعبٌ: ونسيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكونَ المضمضةَ، زاد قُتيبةُ: قال وكيعٌ: انتقاصُ الماءِ يعني الاستنجاءَ؛ رواهُ مُسلم.
1) الخِتان: وهو قطع الجلدة التي تغطي الحَشَفة؛ لئلَّا يجتمع فيها الوسخ، وليتمكن من الاستبراء من البول.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اختتن إبراهيمُ النبيُّ عليه السلام، وهو ابنُ ثمانين سنةً، بالقَدومِ))؛ مُتفق عليه.
قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].
حُكمُه: واجب في حق الذكور، ومُستحب للإناث.قال ابن قدامة المقدسي في كتاب المغني:(إن الختان واجب على الرجال، ومَكرُمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن، وفي رواية أخرى عنه - أي: أحمد - أنه واجب على الرجال والنساء، والختان لو لم يكن واجبًا في حق الرجال، لَمَا جاز كشف العَوْرة للكبير ليقوم به، ولَما اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنةً، وقد استدلُّ الفقهاء على ختان النساء بحديث أم عطيةَ رضي الله عنها، قالت: إن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تَنْهِكي؛ فإن ذلك أحظَى للمرأةِ، وأحبُّ إلى البعلِ))؛ رواه أبو داود).
2) الاستحدادُ: هو حلق العانَة، وهي: الشعر النابت حول الفرج، سُمِّي بذلك لاستعمال الحديدة فيه، ويمكن إزالته بغير الحلق؛ كالمزيلات المُصنَّعة.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك أكثرَ من أربعين ليلة)؛ رواه مسلم.
حكمه: واجب كل 40 يومًا (ألا يتجاوز الأربعين يومًا)، والدليل على ذلك الحديث السابق، قال الشوكاني رحمه الله: (المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز تجاوُزُها، ولا يعد مخالفًا للسُّنة مَن ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية)؛ [نيل الأوطار: 1/143).
3) نتف الإبط: هو إزالة الشعر النابت في الإبط، سواء أزيلَ بنتف، أو حلق، أو غيرهما؛ لِما في إزالته من النظافة وقطع الرائحة الكريهة.
حكمه: واجب كل 40 يومًا (ألا يتجاوز الأربعين يومًا).عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك أكثر من أربعين ليلة)؛ رواه مسلم.
4) تقليم الأظفار: وهو قصها؛ لأن تركها سبب لتجمع الأوساخ تحتها.
حكمه: واجب كل 40 يومًا (ألا يتجاوز الأربعين يومًا).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك أكثر من أربعين ليلة)؛ رواه مسلم.
5) قص الشارب: اختلف العلماء في معنى القص: هل هو الحلق الكامل، أم هو التقصير، أو التخفيف؟قال ابن حجر العسقلاني: (لكن كل ذلك محتمل لأن يراد استئصال جميع الشعر النابت على الشفة العليا، ومحتمل لأن يراد استئصال ما يلاقي حمرة الشفة من أعلاها ولا يستوعب بقيَّتها؛ نظرًا إلى المعنى في مشروعية ذلك، وهو مخالفة المجوس، والأمن مِن التشويش على الآكِلِ وبقاء زُهُومة المأكول فيه، وكل ذلك يحصل بما ذكرنا، وهو الذي يجمع مفترقَ الأخبار الواردة في ذلك)؛ [فتح الباري: 10 /348].
حكمه: واجب كل 40 يومًا (ألا يتجاوز الأربعين يومًا).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك أكثر من أربعين ليلة)؛ رواه مسلم.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالِفُوا المشركين؛ وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب))؛ رواه البخاري.
6) إعفاء اللحية: وذلك بأن يوفر شعرها، ولا يقصها كالشوارب.
حكمه: واجب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جزُّوا الشوارب، وأَرْخُوا اللحى؛ خالفوا المجوس))؛ رواه مسلم.
7) السواك: هو استعمال عُود الأَرَاكِ ونحوه في تنظيف الأسنان.
حكمه: مستحب؛ عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسِّواك عند كل صلاة))؛ رواه البخاري.
♦ ويتأكد استحباب السواك في مواضع؛ منها:
1- عند الوضوء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي، لأمرتُهم بالسواك مع كل وضوء))؛ صححه الألباني في صحيح الجامع.
2- عند الصلاة: عن زيدِ بن خالد الجُهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))؛ رواه البخاري.
3- عند دخول البيت: عن شريح بن هانئ رضي الله عنه قال: قلتُ لعائشة: بأي شيء كان يبدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك؛ رواه أبو داود، وصححه الألباني.
4- عند قراءة القرآن:عن علي رضي الله تعالى عنه قال: أُمِرنا بالسواك، وقال: ((إن العبد إذا قام يُصلِّي أتاه الملك، فقام خلفَه يستمع القرآن ويدنو، فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فِيهِ، فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف المَلَك))؛ رواه البيهقي، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة.
5- عند القيام من النوم:عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل، يشوص فاه بالسواك)؛ رواه البخاري.
8) استنشاق الماء:هو غسل الأنف عن طريق إدخال الماء فيه ثم إخراجه، وبالإضافة لكونِه مِن سنن الفطرة، فهو من سنن الوضوء أيضًا.
حكمه: مستحبٌّ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ أحدكم، فليجعَلْ في أنفه ماءً، ثم ليستنثِرْ))؛ رواه النسائي، وصححه الألباني.
9) المضمضة: هي غسل الفم عن طريق إدخال الماء فيه ثم إخراجه، وبالإضافة لكونها من سنن الفطرة، فهي من سنن الوضوء أيضًا.
حكمها: مستحبة؛ عن لقيط بن صبرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضأت فمَضْمِضْ))؛ رواه أبو داود، وصححه الألباني.
10) غسل البراجم: والبراجم: هي التعرُّجات والعُقَد التي في الأصابع، وبسبب شكلها فقد تتجمع الأوساخ فيها، فيميل الإنسان لغسل هذه البراجم للنظافة.
حكمه: مستحب؛ قال النووي: (وأما غسل البراجم، فمتفق على استحبابه)؛ [المجموع: 1 /341].وقال الشوكاني - وهو يبين المراد بالبراجم -: (وهي عقد الأصابع ومعاطفها كلها، وغسلها سُنة مستقلة، ليست بواجبة، قال العلماء: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ، فيزيله بالمسح ونحوه)؛ [نيل الأوطار].
11) انتقاص الماء (الاستنجاء): هو إزالة ما يخرج من السبيلينِ، بالغسل بالماء ونحوها، عن موضع الخروج وما قرب منه، وبالإضافة لكونه مِن سنن الفطرة، فهو من آداب قضاء الحاجة أيضًا.
حكمه: واجب؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تنزَّهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر من البول))؛ صححه الألباني.
نسأل الله العليم أن يرزقنا العلم والفهم، ونسأله تعالى أن يستعملنا لنصرة دينه؛ إنه هو الكريم.