تعقيب على آراء الأُستاذ (س) حول: إبن عربي ووحدة الأديان!
بدايةً فالأُستاذ (س) خريج الأزهر وحائز على شهادة التاريخ الإسلامي بجانب شهادة الدراسات العربية والإسلامية، وقد إلتقيته في منتدى يهتمُ بقضايا الفكر والسياسة والتاريخ عام 2014م، وجرى حواري معه بعد تعقيبي على قصة بعنوان (حيرة) كتبها أديبٌ ملحد يستهزئ فيها بالإسلام، وينادي بوحدة الأديان ... فإلى مضابط الحوار وأرجو من الله أن ينفع به ...
قلتُ تعقيباً على قصة (حيرة) الإلحادية:
قد كُتِبَ لوحدة الأديان أن تظل حلماً وخاطراً وقصَّاً ليس إلَّا , فقد نشأت الفكرة وترعرعت على أيدي أساطين الصوفية : إبن عربي وإبن الفارض وإبن سبعين وإبن هود والتلمساني وغيرهم , ممن استغرقوا في الخرافات حتى زعموا أن كل السبل (التوراة , الإنجيل والقرآن) تقودهم إلى الله فكان أن ذكرهم وردَّ عليهم الإمام إبن تيمية في المجموع ... ولف مثل لفهم البهائي الماسوني جمال الدين الأفغاني حيث ساير الميرزا بهاء الدين في قوله بوحدة البشر الروحية , وأخذ من موائد الماسونية التي انكبَ عليها وحدة الإنسانية , وجاء بعده كبارات المدرسة العصرانية العلمانية أمثال محمد عبده ومحمود أبو رية فخاضوا مثل خوض أسلافهم تحت دعاوى وحدة الأديان ... يبدو أن الكاتب نصراني لفقر معرفته بالإسلام واليهودية فيما سبكه من حوار ... وما ذكرته مريم لبطل القصة عن إعتقاد الأديان بالله الواحد فهراءٌ محض لا يقول به من كان عنده مسحة علم ومسكة عقل... ولم أفهم مغزى عنوان القصة (حيرة) فهل سلك القاص درب اللا أدرية لينفكَّ من حيرته بتوحيد الأديان ؟ ... تظل قصة لم يهدف منها حواراً ولم تؤصل لأسس يمكن تناولها ودحضها ... فكَّ الله حيرة الكاتب - الملحد - وأرشده إلى طريق اليقين ...
قال الأُستاذ (س):
الاستاذ الكريم / السهم الثاقب ...
من اخبرك ان ابن عربي يدعوا الى وحدة الاديان ؟؟؟
هذا يحتاج لتفصيل لسنا بصدده ....
و لقد ابعدت النجعة جدا اذ تسلك مثل الثائر الافغاني ؛ بل حتى الاستاذ الامام !!
في هذا العقد الوحدوي ... ، اما بالنسبة لابي رية فيؤخذ منه و يرد ؛ و لعلك لا تقرا الا بمنظار اهل نجد كفهد الرومي و شاكلته ... ؛ اقرا للافغاني الرد على الدهريين ط الهلال ، و اقرا تاريخ الاستاذ الامام لاقرب تلاميذه و رفيق عمره الامام السيد رشيد رضا صاحب المنار ، ثم انظر .. و دقق البحث و اجتهد في السعي ، و دع عنك مبالغات الراحل د / محمد محمد حسين في منشوراته ، و اقرا التاريخ ، و موارد الاحداث ، و توالي الخطوب ، لتستبين المواقف ( المتشابهة ) بكل وضوح و اطمئنان .
فـ قلتُ:
بدايةً فما تراه زائداً فوق مطلبك فهو للتعريف بابن عربي وعقيدته ..
ابن عربي سطَّر بيمناه ما عرفته الأجيال وتناقلته سلسالاً عن سلسال , وهو بإذن الله آخذٌ كتابه بشماله لكفره والحاده .. وكما تعلم فإن لازم الإدعاء البرهان ! وإن كان كلامي السابق عن ابن عربي نقلاً عن فتاوى ابن تيمية وذا لازمه الصحة , فهل ماذكرته من إعتراض هو على كلام ابن تيمية أم على نقلي عنه ؟ .. ولكن الأمر ميسور التناول في حالتيه , وليس عندي عند تمايز الصفوف غير قوله جلَّ وعلا : بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ...
لا يُناقَش في عقيدة ابن عربي الحلولية الإتحادية , ولا في زعمه الإلحادي بوحدة الوجود فقد طبقت شهرته عنه الآفاق , والتصقت هذه الشنائع باسمه .. ومطلبنا كما تفضلت بإيضاحه : هل دعى إلى وحدة الأديان ؟ .. وإليك توضيحه بتفصيل :
من نافلة القول توضيح أن "وحدة الوجود" تقود تلقائياً إلى "وحدة الأديان" وهذا يعرفه طلاب العلم جيداً ومن افرغ نفسه لدراسة الملل والنحل , فإن ساويت العابد والمعبود , والخالق والمخلوق فقد تطابقت الأديان جميعها مطابقة القفاز للقفاز , فسيان عابد الله وعابد البقر , وعابد الله وعابد الحجر , وقد تصدى لهذه العقيدة المنحرفة أهل العلم في وقته وحينه عندما جهر أمثال ابن عربي بهذه الانحرافات وذهب بعضهم أن رفع مراتبهم في الكفر فوق اليهود والنصارى .. فبعض النصوص من الفصوص تفيد لمعرفة "من أخبرني" باقوال ابن عربي - فصوص الحكم لابن عربي - فاليك منها نتفا :
::: أولاً :::
إليك أول سطرين من فصوص الحكم لابن عربي كمدخل مناسب لفهم عقيدة هذا الملحد :
(فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبّشرة أُريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب , فقال لي هذا كتاب فصوص الحكم خذه وأخرج به إلى الناس ينتفعون به, فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدَّه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان) [1] ...
فما رأيك فيمن يدَّعي أن كتابه الحاوي للطوام وعظائم الآثام أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فهذه واحدة من المقدمة , وقبل أن ندلف في بطن أوهامه الالحادية أو نخطو خطوة في داخل كتابه ..
::: ثانياً :::
ابن عربي تقوم عقيدته على عِدة جُذُر نبتت على كل جذر نوابت الالحاد , وأولاها هي ما أُشتهر به : قوله أن الحقيقة الوجودية واحدة في جوهرها وذاتها , متكثرة بصفاتها وأسمائها لا تعدد فيها بالاعتبارات والنسب والاضافات .وهي قديمة أزلية أبدية لا تتغير وإن تغيرت الصور الوجودية التي تظهر فيها .. فإذا نظرت إليها من حيث ذاتها قلتَ هي "الحق" , وإذا نظرت إليها من حيث صفاتها وأسماؤها : أي من حيث ظهورها في أعيان الممكنات قلتَ هي "الخلق" أو "العالم" , فهي الحق والخلق , والواحد والكثير , والقديم والحادث , والأول والآخر , والظاهر والباطن .. وللتبسيط : فهذه هي عقيدة "وحدة الوجود" .. وأجْمَلَ معتقده هذا في بيت الشعر الذي نسجه :
فما نظرت عيني إلى غير وجهه .. ولا سمعت أُذني خلاف كلامه [2]
يعني الله !!
ثم قال أيضاً :
فالحقُ خلقٌ بهذا الوجه فاعتبروا .. وليس خلقاً بهذا الوجه فادكروا
جمّع وفرّق فإن العين واحدة .. وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر [3]
ويعني أن المعبود هو الجوهر الأزلي القديم المقوم لجميع صور الوجود , والعابد هو الصورة المتقومة بهذا الجوهر فكل صورة من الصور ناطقة بالوهية الحق وكل معبود من المعبودات وجه من وجوهه .. وبصورة مباشرة هذا عين "وحدة الأديان" ..
ولا داعي للإطالة لبيان عقيدته الحلولية الإتحادية أو حلول اللاهوت "الخالق" في الناسوت "المخلوق" , وسأقتصر على جذر "وحدة الوجود" والنابتة عنه "وحدة الأديان" وإن كان من رغبة بفتح جميع هذه الملفات فلا مانع !
::: ثالثاً :::
كما تقدَّم فاعتناق عقيدة وحدة الوجود يلغي تمايزات المعبودات , فعابد الله سواء مع عابد الحجر والبقر والشجر , وسواء مع اليهود والنصارى , لأن المعبودات جميعاً على اختلافها ليست سوى الله ! وما هي إلَّا مرايا يتجلى فيها الحق فالعبادة مناطة بالوعي الفلسفي للعابد وسموه الروحي واستغراقه في معبوده لينكشف عنه جهله ليعلم وجودية الحق في سائر صوره أو مخلوقاته .. وإلى هنا فإليك قول ابن عربي بوحدة الأديان ..
::: رابعاً :::
ساكتفي بمثالين فقط لكي لا أطيل :
وهو الفص "حكمة امامية في كلمة هارونية" [4] الذي يزعم فيه ابن عربي أن عُبَّاد العجل من بني اسرائيل لم يقترفوا الشرك بالله , وأن غضبة موسى على هارون عليهما السلام لم تكن لشركهم بالله , فعبادة العجل عنده جائزة حسب عقيدته بوحدة الوجود .. (فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه , فإن العارف من يرى الحق في كل شئ) .. يعني أن غضبة موسى وأخذه بلحية هارون عليهما السلام لأنه لم يفهم أن عبادة العجل جائزة لأن الله متجلٍ في الموجودات !! ... والمثال الثاني في فص "حكمة سبوحية في كلمة نوحية" [5] قال الملحد : (فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو من الفائت وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول , وعلى الخصوص على كل مفهوم يُفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان , فإن للحق في كل خلق ظهورا ... ) ... ثم يسترسل لبيان أن عبادة قوم نوح لأصنام أولئاهم ليست في باطنها غير عبادةً لله فيقول في الآية (ولا تذرن آلهتكم) أي لا تتركوا آلهتكم !! .. أما كلامه عن النعيم والنار فتحصيل حاصل لمن بلغ به الالحاد هذا المستوى .. فكما أسلفت فوحدة الوجود أنبتت وحدة الأديان فبالتالي أنبتت دخول النعيم بصرف النظر عن المعبود ..
::: خامساً :::
أقوال أهل العلم في ابن عربي معروفة وبإجماع أهل عصره فهو ملحد كافر ..
فإن كان من مزكي لهذه العقائد .. فإني منتظر ..
يتبع عن الأفغاني وتلميذه وتلميذ تلميذه ..
بإذن الله ..
------------------------
[1] فصوص الحكم لإبن عربي ت. دكتور أبو العلاء عفيفي ط. دار الكتاب العربي
[2] السابق ص25 , وأيضاً : الفتوحات المكية لإبن عربي ج2 ص604
[3] السابق ص26 وراجع الفص الإدريسي
[4] السابق 191
[5] السابق 68
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
- يُتبع -
بدايةً فالأُستاذ (س) خريج الأزهر وحائز على شهادة التاريخ الإسلامي بجانب شهادة الدراسات العربية والإسلامية، وقد إلتقيته في منتدى يهتمُ بقضايا الفكر والسياسة والتاريخ عام 2014م، وجرى حواري معه بعد تعقيبي على قصة بعنوان (حيرة) كتبها أديبٌ ملحد يستهزئ فيها بالإسلام، وينادي بوحدة الأديان ... فإلى مضابط الحوار وأرجو من الله أن ينفع به ...
قلتُ تعقيباً على قصة (حيرة) الإلحادية:
قد كُتِبَ لوحدة الأديان أن تظل حلماً وخاطراً وقصَّاً ليس إلَّا , فقد نشأت الفكرة وترعرعت على أيدي أساطين الصوفية : إبن عربي وإبن الفارض وإبن سبعين وإبن هود والتلمساني وغيرهم , ممن استغرقوا في الخرافات حتى زعموا أن كل السبل (التوراة , الإنجيل والقرآن) تقودهم إلى الله فكان أن ذكرهم وردَّ عليهم الإمام إبن تيمية في المجموع ... ولف مثل لفهم البهائي الماسوني جمال الدين الأفغاني حيث ساير الميرزا بهاء الدين في قوله بوحدة البشر الروحية , وأخذ من موائد الماسونية التي انكبَ عليها وحدة الإنسانية , وجاء بعده كبارات المدرسة العصرانية العلمانية أمثال محمد عبده ومحمود أبو رية فخاضوا مثل خوض أسلافهم تحت دعاوى وحدة الأديان ... يبدو أن الكاتب نصراني لفقر معرفته بالإسلام واليهودية فيما سبكه من حوار ... وما ذكرته مريم لبطل القصة عن إعتقاد الأديان بالله الواحد فهراءٌ محض لا يقول به من كان عنده مسحة علم ومسكة عقل... ولم أفهم مغزى عنوان القصة (حيرة) فهل سلك القاص درب اللا أدرية لينفكَّ من حيرته بتوحيد الأديان ؟ ... تظل قصة لم يهدف منها حواراً ولم تؤصل لأسس يمكن تناولها ودحضها ... فكَّ الله حيرة الكاتب - الملحد - وأرشده إلى طريق اليقين ...
قال الأُستاذ (س):
الاستاذ الكريم / السهم الثاقب ...
من اخبرك ان ابن عربي يدعوا الى وحدة الاديان ؟؟؟
هذا يحتاج لتفصيل لسنا بصدده ....
و لقد ابعدت النجعة جدا اذ تسلك مثل الثائر الافغاني ؛ بل حتى الاستاذ الامام !!
في هذا العقد الوحدوي ... ، اما بالنسبة لابي رية فيؤخذ منه و يرد ؛ و لعلك لا تقرا الا بمنظار اهل نجد كفهد الرومي و شاكلته ... ؛ اقرا للافغاني الرد على الدهريين ط الهلال ، و اقرا تاريخ الاستاذ الامام لاقرب تلاميذه و رفيق عمره الامام السيد رشيد رضا صاحب المنار ، ثم انظر .. و دقق البحث و اجتهد في السعي ، و دع عنك مبالغات الراحل د / محمد محمد حسين في منشوراته ، و اقرا التاريخ ، و موارد الاحداث ، و توالي الخطوب ، لتستبين المواقف ( المتشابهة ) بكل وضوح و اطمئنان .
فـ قلتُ:
بدايةً فما تراه زائداً فوق مطلبك فهو للتعريف بابن عربي وعقيدته ..
ابن عربي سطَّر بيمناه ما عرفته الأجيال وتناقلته سلسالاً عن سلسال , وهو بإذن الله آخذٌ كتابه بشماله لكفره والحاده .. وكما تعلم فإن لازم الإدعاء البرهان ! وإن كان كلامي السابق عن ابن عربي نقلاً عن فتاوى ابن تيمية وذا لازمه الصحة , فهل ماذكرته من إعتراض هو على كلام ابن تيمية أم على نقلي عنه ؟ .. ولكن الأمر ميسور التناول في حالتيه , وليس عندي عند تمايز الصفوف غير قوله جلَّ وعلا : بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ...
لا يُناقَش في عقيدة ابن عربي الحلولية الإتحادية , ولا في زعمه الإلحادي بوحدة الوجود فقد طبقت شهرته عنه الآفاق , والتصقت هذه الشنائع باسمه .. ومطلبنا كما تفضلت بإيضاحه : هل دعى إلى وحدة الأديان ؟ .. وإليك توضيحه بتفصيل :
من نافلة القول توضيح أن "وحدة الوجود" تقود تلقائياً إلى "وحدة الأديان" وهذا يعرفه طلاب العلم جيداً ومن افرغ نفسه لدراسة الملل والنحل , فإن ساويت العابد والمعبود , والخالق والمخلوق فقد تطابقت الأديان جميعها مطابقة القفاز للقفاز , فسيان عابد الله وعابد البقر , وعابد الله وعابد الحجر , وقد تصدى لهذه العقيدة المنحرفة أهل العلم في وقته وحينه عندما جهر أمثال ابن عربي بهذه الانحرافات وذهب بعضهم أن رفع مراتبهم في الكفر فوق اليهود والنصارى .. فبعض النصوص من الفصوص تفيد لمعرفة "من أخبرني" باقوال ابن عربي - فصوص الحكم لابن عربي - فاليك منها نتفا :
::: أولاً :::
إليك أول سطرين من فصوص الحكم لابن عربي كمدخل مناسب لفهم عقيدة هذا الملحد :
(فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبّشرة أُريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب , فقال لي هذا كتاب فصوص الحكم خذه وأخرج به إلى الناس ينتفعون به, فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدَّه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان) [1] ...
فما رأيك فيمن يدَّعي أن كتابه الحاوي للطوام وعظائم الآثام أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فهذه واحدة من المقدمة , وقبل أن ندلف في بطن أوهامه الالحادية أو نخطو خطوة في داخل كتابه ..
::: ثانياً :::
ابن عربي تقوم عقيدته على عِدة جُذُر نبتت على كل جذر نوابت الالحاد , وأولاها هي ما أُشتهر به : قوله أن الحقيقة الوجودية واحدة في جوهرها وذاتها , متكثرة بصفاتها وأسمائها لا تعدد فيها بالاعتبارات والنسب والاضافات .وهي قديمة أزلية أبدية لا تتغير وإن تغيرت الصور الوجودية التي تظهر فيها .. فإذا نظرت إليها من حيث ذاتها قلتَ هي "الحق" , وإذا نظرت إليها من حيث صفاتها وأسماؤها : أي من حيث ظهورها في أعيان الممكنات قلتَ هي "الخلق" أو "العالم" , فهي الحق والخلق , والواحد والكثير , والقديم والحادث , والأول والآخر , والظاهر والباطن .. وللتبسيط : فهذه هي عقيدة "وحدة الوجود" .. وأجْمَلَ معتقده هذا في بيت الشعر الذي نسجه :
فما نظرت عيني إلى غير وجهه .. ولا سمعت أُذني خلاف كلامه [2]
يعني الله !!
ثم قال أيضاً :
فالحقُ خلقٌ بهذا الوجه فاعتبروا .. وليس خلقاً بهذا الوجه فادكروا
جمّع وفرّق فإن العين واحدة .. وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر [3]
ويعني أن المعبود هو الجوهر الأزلي القديم المقوم لجميع صور الوجود , والعابد هو الصورة المتقومة بهذا الجوهر فكل صورة من الصور ناطقة بالوهية الحق وكل معبود من المعبودات وجه من وجوهه .. وبصورة مباشرة هذا عين "وحدة الأديان" ..
ولا داعي للإطالة لبيان عقيدته الحلولية الإتحادية أو حلول اللاهوت "الخالق" في الناسوت "المخلوق" , وسأقتصر على جذر "وحدة الوجود" والنابتة عنه "وحدة الأديان" وإن كان من رغبة بفتح جميع هذه الملفات فلا مانع !
::: ثالثاً :::
كما تقدَّم فاعتناق عقيدة وحدة الوجود يلغي تمايزات المعبودات , فعابد الله سواء مع عابد الحجر والبقر والشجر , وسواء مع اليهود والنصارى , لأن المعبودات جميعاً على اختلافها ليست سوى الله ! وما هي إلَّا مرايا يتجلى فيها الحق فالعبادة مناطة بالوعي الفلسفي للعابد وسموه الروحي واستغراقه في معبوده لينكشف عنه جهله ليعلم وجودية الحق في سائر صوره أو مخلوقاته .. وإلى هنا فإليك قول ابن عربي بوحدة الأديان ..
::: رابعاً :::
ساكتفي بمثالين فقط لكي لا أطيل :
وهو الفص "حكمة امامية في كلمة هارونية" [4] الذي يزعم فيه ابن عربي أن عُبَّاد العجل من بني اسرائيل لم يقترفوا الشرك بالله , وأن غضبة موسى على هارون عليهما السلام لم تكن لشركهم بالله , فعبادة العجل عنده جائزة حسب عقيدته بوحدة الوجود .. (فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه , فإن العارف من يرى الحق في كل شئ) .. يعني أن غضبة موسى وأخذه بلحية هارون عليهما السلام لأنه لم يفهم أن عبادة العجل جائزة لأن الله متجلٍ في الموجودات !! ... والمثال الثاني في فص "حكمة سبوحية في كلمة نوحية" [5] قال الملحد : (فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو من الفائت وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول , وعلى الخصوص على كل مفهوم يُفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان , فإن للحق في كل خلق ظهورا ... ) ... ثم يسترسل لبيان أن عبادة قوم نوح لأصنام أولئاهم ليست في باطنها غير عبادةً لله فيقول في الآية (ولا تذرن آلهتكم) أي لا تتركوا آلهتكم !! .. أما كلامه عن النعيم والنار فتحصيل حاصل لمن بلغ به الالحاد هذا المستوى .. فكما أسلفت فوحدة الوجود أنبتت وحدة الأديان فبالتالي أنبتت دخول النعيم بصرف النظر عن المعبود ..
::: خامساً :::
أقوال أهل العلم في ابن عربي معروفة وبإجماع أهل عصره فهو ملحد كافر ..
فإن كان من مزكي لهذه العقائد .. فإني منتظر ..
يتبع عن الأفغاني وتلميذه وتلميذ تلميذه ..
بإذن الله ..
------------------------
[1] فصوص الحكم لإبن عربي ت. دكتور أبو العلاء عفيفي ط. دار الكتاب العربي
[2] السابق ص25 , وأيضاً : الفتوحات المكية لإبن عربي ج2 ص604
[3] السابق ص26 وراجع الفص الإدريسي
[4] السابق 191
[5] السابق 68
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
- يُتبع -
تعليق