بطولات ابن تيمية في جهاد أعداء الإسلام
سلطان بن عبدالرحمن العميري
لازلت الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل تتعرض للغزو والتخريب والتقتيل والنهب من أعدائها في الداخل وفي الخارج , وما زالت مشاهد الخراب في بلاد الإسلام تتكرر على مسامع المسلمين وأبصارهم
وفي مقابل تلك المناظر المؤلمة والمشاهد المحزمة لا زالت أرحام نساء الأمة الإسلامية تنجب لنا الأبطال تلو الأبطال , وتخرج لنا أجيالا من الصادقين العاملين من جميع طبقات المجتمع , من الرجال والنساء والشباب والشيوخ .
وعلى مر تلك المصائب المدلهمة النازلة على الأمة الإسلامية كان للعلماء الصادقين العاملين دور كبير في تثبيت المسلمين وفي إزالة ما حلّ بهم , فبادروا إلى بيان المواقف الشرعية المتعلقة بتلك النوازل , وسعوا إلى تقوية جأش المسلمين , وتعبئة صفوف المجاهدين , وخاطبوا الأمراء والملوك ودعوهم إلى الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض المسلمين وألزموهم بذلك , ولم يكتفوا بمجرد التحريض والتشجيع , وإنما شارك كثير منهم في قتال الأعداء , وبذلوا أموالهم ونفوسهم رخيصة في سبيل الله , فمنهم من قضى نحبه وفاز بالشهادة في سبيل الله , ومنهم من لم يرزق الشهادة فبقي يعلم الناس ويدعوهم ويرشدهم .
ومن أولئك العلماء الصادقين المجاهدين بنفسه وماله وقلمه : العالم الجليل ابن تيمية , فقد كانت له مشاهد معلومة ومواقف عظيمة في جهاد التتار الذين غزوا بلاد المسلمين في زمانه , فخربوا وقتلوا ونهبوا وسرقوا , ويلخص ابن فضل العُمري ما حصل من ابن تيمية فيقول :"وحكي من شجاعته في مواقف الحرب نوبة شقحب ونوبة كسروان ما لم يُسمع إلا عن صناديد الرجال وأبطال اللقاء وأحلاس الحرب , تارة يباشر القتال , وتارة يحرض عليه , وركب البريد إلى مهنا بن عيسى واستحضره إلى الجهاد , وركب بعدها إلى السلطان واستنفره , وواجه بالكلام الغليظ أمراءه وعسكره , ولما جاء السلطان إلى شقحب لاقاه إلى قرن الحرة وجعل يشجعه ويثبته".
ولا بد من التأكيد على أن الاقتصار على مواقف ابن تيمية ليس المقصود منها التنكر لمواقف العلماء الآخرين ولا التقليل من شأنها , وإنما كان التركيز على مواقفه لكثرتها ولمناسبة كثير منها لما هو واقع في عصرنا ؛ ولأن لكلامه وتقريره ومواقفه تأثير بليغ على قطاع كبير من علماء المسلمين وشبابهم.
ابن تيمية يتوجه إلى الأمراء والملوك ويعظهم :
حين توجه غازان – أحد ملوك التتار الذين ادعوا الإسلام – إلى الشام وقصد غزوها توجه إليه ابن تيمية مع عدد من علماء المسلمين ووجهائهم يحذرونه من مغبة فعله , وكان مما قال له ابن تيمية :" أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاضٍ وإمام وشيخ على ما بلغنا , فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا ؟! وأبوك وجدك هلاكو كانا كافرين وما غزوا بلاد الإسلام، بل عاهدوا قومنا، وأنت عاهدت فغدرت , وقلت فما وفيت" .
وحذره من قتل المسلمين وأخذ أموالهم , وحين قدّم لهم الطعام أبى ابن تيمية الأكل منه , فقيل له : ألا تأكل ؟! فقال : كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتموه من أغنام المسلمين , وطبختموه بما قطعتموه من أشجارهم .
وكان في أثناء حديثه لغازان يرفع صوته ويقترب منه حتى كادت ركبته تلاصق ركبة السلطان يحذره ويخوفه , فخافه السلطان وأنصت له , وحين خرجوا منه عنده قال له أصحابه :" كدت تهلكنا وتهلك نفسك" .
هكذا يضرب ابن تيمية أروع الأمثلة في مواجهة الأمراء المستخفين بأموال المسلمين ودمائهم.
وحين تأخر سلطان مصر عن الخروج بالجيوش ضد التتار في الشام وتلكأ عن نصرة المسلمين توجه إليه ابن تيمية حتى وصل مصر واستحث السلطان ومن معه على القتال والجهاد في سبيل الله , وقال للسلطان عبارة قوية وصريحة جدا :" إن كنتم أعرضتهم عن الشام وحمايتها أقمنا سلطانا يحوطه ويحميه " .
وقال له في كلام صريح وواضح :" لو قُدر أنكم لستم حكام الشام وملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر , فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه؟!!" .
ولم يزل بهم يحثهم ويعظهم حتى خرجت جحافل جيوش المسلمين من مصر وتلاقت رايات المسلمين في الشام , "ففرح الناس فرحا شديدا بعد أن كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأموالهم" .
وهنا يكشف ابن تيمية عن عمل عظيم من الأعمال التي يجب أن يقوم بها العلماء , وهو التأثير على الأمراء المترددين والمتخاذلين وإلزامهم بالدفاع عن بلاد المسلمين وتقديم مصلحة الإسلام على المصالح الشخصية , وأنه يجب أن تكون مواقف العلماء هي المؤثرة على قرارات السياسي وليست قراراته هي المؤثرة على مواقفهم .
ابن تيمية يحرض على الجهاد ضد الأعداء ويحث المسلمين عليه :
حين توجه التتار إلى بلاد المسلمين أقام ابن تيمية ميعادا سنة 697هـ للجهاد في سبيل الله حرض فيه وبالغ في أجور المجاهدين , وكان ميعادا حافلا جليلا , أشعل فيه روح الانتصار في نفوس المسلمين .
وحين انزعج الناس سنة 700 هـ من توجه التتار إلى بلاد الشام وأخذوا يبيعون متاعهم ويتأهبون للهرب , قام ابن تيمية بمجلسه في الجامع وحرض الناس على القتال وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في فضل الجهاد ووجوبه , ونهى عن الإسراع في الفرار ورغب في إنفاق أجرة الهرب في الجهاد , وأوجب جهاد التتار وألزم به .
وتوجه إلى العسكر القادم من حماة فاجتمع بهم , وحثهم وثبتهم ورفع من معنوياتهم , وبين الأجر العظيم الذي وُعدوا به.
وكان يذهب إلى المجاهدين في سبيل الله ويجتمع بهم كثيرا ويبيت عندهم ويعظهم ويقوي من جأشهم , ويعدهم بالنصر ويبشرهم الغنيمة ويذكر لهم ما ينتظرهم من الجزاء عند الله في الجنة , بل إنه في بعض المواقف يقسم لهم ويقول : والله إنكم منصورون , فيقولون له : قل : إن شاء الله , فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .
وابن تيمية في هذا الموقف يكشف لنا بأن الأدوار التي يقوم بها العلماء ليست منحصرة في جمع الأموال والتبرعات ولا في إلقاء الخطب والكلمات , وإنما هناك أعمال أخرى يحتاجها من هو في أرض الميدان , وهي تثبيت القلوب وتقوية العزائم ورفع المعنويات , وخير من يقوم بذلك هم العلماء , فالمجاهدون في الميدان يحتاجون إلى أن يكون العلماء بجوارهم وبقربهم ليدعموهم بالدعم المعنوي المساوي للدعم المالي والحسي .
سلطان بن عبدالرحمن العميري
لازلت الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل تتعرض للغزو والتخريب والتقتيل والنهب من أعدائها في الداخل وفي الخارج , وما زالت مشاهد الخراب في بلاد الإسلام تتكرر على مسامع المسلمين وأبصارهم
وفي مقابل تلك المناظر المؤلمة والمشاهد المحزمة لا زالت أرحام نساء الأمة الإسلامية تنجب لنا الأبطال تلو الأبطال , وتخرج لنا أجيالا من الصادقين العاملين من جميع طبقات المجتمع , من الرجال والنساء والشباب والشيوخ .
وعلى مر تلك المصائب المدلهمة النازلة على الأمة الإسلامية كان للعلماء الصادقين العاملين دور كبير في تثبيت المسلمين وفي إزالة ما حلّ بهم , فبادروا إلى بيان المواقف الشرعية المتعلقة بتلك النوازل , وسعوا إلى تقوية جأش المسلمين , وتعبئة صفوف المجاهدين , وخاطبوا الأمراء والملوك ودعوهم إلى الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض المسلمين وألزموهم بذلك , ولم يكتفوا بمجرد التحريض والتشجيع , وإنما شارك كثير منهم في قتال الأعداء , وبذلوا أموالهم ونفوسهم رخيصة في سبيل الله , فمنهم من قضى نحبه وفاز بالشهادة في سبيل الله , ومنهم من لم يرزق الشهادة فبقي يعلم الناس ويدعوهم ويرشدهم .
ومن أولئك العلماء الصادقين المجاهدين بنفسه وماله وقلمه : العالم الجليل ابن تيمية , فقد كانت له مشاهد معلومة ومواقف عظيمة في جهاد التتار الذين غزوا بلاد المسلمين في زمانه , فخربوا وقتلوا ونهبوا وسرقوا , ويلخص ابن فضل العُمري ما حصل من ابن تيمية فيقول :"وحكي من شجاعته في مواقف الحرب نوبة شقحب ونوبة كسروان ما لم يُسمع إلا عن صناديد الرجال وأبطال اللقاء وأحلاس الحرب , تارة يباشر القتال , وتارة يحرض عليه , وركب البريد إلى مهنا بن عيسى واستحضره إلى الجهاد , وركب بعدها إلى السلطان واستنفره , وواجه بالكلام الغليظ أمراءه وعسكره , ولما جاء السلطان إلى شقحب لاقاه إلى قرن الحرة وجعل يشجعه ويثبته".
ولا بد من التأكيد على أن الاقتصار على مواقف ابن تيمية ليس المقصود منها التنكر لمواقف العلماء الآخرين ولا التقليل من شأنها , وإنما كان التركيز على مواقفه لكثرتها ولمناسبة كثير منها لما هو واقع في عصرنا ؛ ولأن لكلامه وتقريره ومواقفه تأثير بليغ على قطاع كبير من علماء المسلمين وشبابهم.
ابن تيمية يتوجه إلى الأمراء والملوك ويعظهم :
حين توجه غازان – أحد ملوك التتار الذين ادعوا الإسلام – إلى الشام وقصد غزوها توجه إليه ابن تيمية مع عدد من علماء المسلمين ووجهائهم يحذرونه من مغبة فعله , وكان مما قال له ابن تيمية :" أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاضٍ وإمام وشيخ على ما بلغنا , فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا ؟! وأبوك وجدك هلاكو كانا كافرين وما غزوا بلاد الإسلام، بل عاهدوا قومنا، وأنت عاهدت فغدرت , وقلت فما وفيت" .
وحذره من قتل المسلمين وأخذ أموالهم , وحين قدّم لهم الطعام أبى ابن تيمية الأكل منه , فقيل له : ألا تأكل ؟! فقال : كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتموه من أغنام المسلمين , وطبختموه بما قطعتموه من أشجارهم .
وكان في أثناء حديثه لغازان يرفع صوته ويقترب منه حتى كادت ركبته تلاصق ركبة السلطان يحذره ويخوفه , فخافه السلطان وأنصت له , وحين خرجوا منه عنده قال له أصحابه :" كدت تهلكنا وتهلك نفسك" .
هكذا يضرب ابن تيمية أروع الأمثلة في مواجهة الأمراء المستخفين بأموال المسلمين ودمائهم.
وحين تأخر سلطان مصر عن الخروج بالجيوش ضد التتار في الشام وتلكأ عن نصرة المسلمين توجه إليه ابن تيمية حتى وصل مصر واستحث السلطان ومن معه على القتال والجهاد في سبيل الله , وقال للسلطان عبارة قوية وصريحة جدا :" إن كنتم أعرضتهم عن الشام وحمايتها أقمنا سلطانا يحوطه ويحميه " .
وقال له في كلام صريح وواضح :" لو قُدر أنكم لستم حكام الشام وملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر , فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه؟!!" .
ولم يزل بهم يحثهم ويعظهم حتى خرجت جحافل جيوش المسلمين من مصر وتلاقت رايات المسلمين في الشام , "ففرح الناس فرحا شديدا بعد أن كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأموالهم" .
وهنا يكشف ابن تيمية عن عمل عظيم من الأعمال التي يجب أن يقوم بها العلماء , وهو التأثير على الأمراء المترددين والمتخاذلين وإلزامهم بالدفاع عن بلاد المسلمين وتقديم مصلحة الإسلام على المصالح الشخصية , وأنه يجب أن تكون مواقف العلماء هي المؤثرة على قرارات السياسي وليست قراراته هي المؤثرة على مواقفهم .
ابن تيمية يحرض على الجهاد ضد الأعداء ويحث المسلمين عليه :
حين توجه التتار إلى بلاد المسلمين أقام ابن تيمية ميعادا سنة 697هـ للجهاد في سبيل الله حرض فيه وبالغ في أجور المجاهدين , وكان ميعادا حافلا جليلا , أشعل فيه روح الانتصار في نفوس المسلمين .
وحين انزعج الناس سنة 700 هـ من توجه التتار إلى بلاد الشام وأخذوا يبيعون متاعهم ويتأهبون للهرب , قام ابن تيمية بمجلسه في الجامع وحرض الناس على القتال وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في فضل الجهاد ووجوبه , ونهى عن الإسراع في الفرار ورغب في إنفاق أجرة الهرب في الجهاد , وأوجب جهاد التتار وألزم به .
وتوجه إلى العسكر القادم من حماة فاجتمع بهم , وحثهم وثبتهم ورفع من معنوياتهم , وبين الأجر العظيم الذي وُعدوا به.
وكان يذهب إلى المجاهدين في سبيل الله ويجتمع بهم كثيرا ويبيت عندهم ويعظهم ويقوي من جأشهم , ويعدهم بالنصر ويبشرهم الغنيمة ويذكر لهم ما ينتظرهم من الجزاء عند الله في الجنة , بل إنه في بعض المواقف يقسم لهم ويقول : والله إنكم منصورون , فيقولون له : قل : إن شاء الله , فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .
وابن تيمية في هذا الموقف يكشف لنا بأن الأدوار التي يقوم بها العلماء ليست منحصرة في جمع الأموال والتبرعات ولا في إلقاء الخطب والكلمات , وإنما هناك أعمال أخرى يحتاجها من هو في أرض الميدان , وهي تثبيت القلوب وتقوية العزائم ورفع المعنويات , وخير من يقوم بذلك هم العلماء , فالمجاهدون في الميدان يحتاجون إلى أن يكون العلماء بجوارهم وبقربهم ليدعموهم بالدعم المعنوي المساوي للدعم المالي والحسي .
تعليق