وقفات في شهر الطاعات
الحمد لله الذي أراد بنات اليسر و بلغنا هذا الشهر ،و نسأله في ليلة القدر أن يتجاوز عنا كل خطأ ووزر ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الخير و إليه الأمر ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله الإمام البدر رفيع القدر ، وبعد :
فهذه رسالة مختصرة وجهتها لكل مسلم و مسلمة ، ضمنتها وقفات متنوعة ، أسأله عز وجل أن يبارك فيها ، و أن ينفع بها و يعفو عن الخطأ و الزلل ، و أسأل الله تعالى التوفيق و السداد و التوفيق و الرشاد ، و الإخلاص في القول و العمل ، وصلى الله و سلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و من سار على نهجهم و اقتفى أثرهم إلى يوم الدين .
الوقفة الأولى :
استقبال رمضان :
إن المسلم يستقبل رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر ، و استقبال المريض للاستشفاء بالدواء ، و استقبال الأم لحبيبها الغائب المنتظر ، فعليه إذاً أن لا يفرط في هذا الموسم العظيم من مواسم الطاعات ، و أن يسأل الله عز و جل أن يبلغه هذا الشهر الكريم بموفور الصحة و العافية لينشط للصيام و القيام و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل رجب قال : (( اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان )) ، و إذا أهل هلال رمضان فقل : (( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن و الإيمان و السلام و الإسلام ، و التوفيق لما تحب و ترضى ربي و ربك الله )) .
و لا تنسى و لا تنسى أن تشكر الله إذ بلغك شهر رمضان و أنت في صحة جيدة ، و بشر
أحبابك بمجيء شهر رمضان ، فإنه ثبت عن الحبيب صلى الله عليه و سلم أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول : (( جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، كتب الله عليكم صيامه و قيامه ...... الحديث)) .
و كان السلف على هذا ، يتباشرون بقدومه ، فيفرحون بموسم الخيرات ، و تنزيل الرحمات ،
و اعلم انه يجب عليك العلم و الفقه بأحكام رمضان لتعبد الله في هذا الشهر على علم فإنه لا يقرر بجهل الفرائض المفروضة على الصائم ، فينبغي عليك تعلم مسائل الصيام و أحكامه ليصح صومك و يتقبل عملك .
و استقبل رمضان و أنت تفتح صفحة بيضاء عازما على ترك الآثام و السيئات ، و التوبة الصادقة من جميع الذنوب و الخطيئات ، فهذا شهر التوبة ، قال الله تعالى : (( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) [النور/31]
الوقفة الثانية :
استغلال رمضان :
اعلم أن خير استغلال لرمضان يبدأ من إخلاص نية الصيام لله تعالى ، فإن الإخلاص سبب لمعونة الله و توفيقه ، قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – : (( و على قدر نية العبد و همته و مراده و رغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه و تعالى و إعانته )) ، و قد أمرنا المولى عز و جل بإخلاص العمل له وحده دون ما سواه ، فقال تعالى : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ))[البينة/5] ، و عليك أن تستغل رمضان بالطاعات و العبادات فإن دقائقه و ساعاته عظيمة و أيامه و لياليه جليلة ، و عن اجر الصائم عظيم لا يعلمه إلا الله عز و جل : (( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي و أنا أجزي به )) فالصيام يشفع للعبد يوم القيامة حتى يدخل الجنة ، إنه يغفر جميع الذنوب ما ظهر منها و ما بطن ، و في الجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون ، و إن دعاء الصائم يستجاب في رمضان ، و لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك ، فإن أدركت ما أعده الله للصائمين من الثواب العظيم فشمر ساعد الجد لاستغلال رمضان و الإكثار من أنواع العبادة : من صلاة و ذكر و دعاء و صدقة ، فإن حبيبك صلى الله عليه و سلم كان يخص شهر رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور الأخرى ، فإن لك في رسول الله قدوة و أسوة و الله تعالى يقول : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )) [الأحزاب/21] فتزود من أنواع الطاعات و اغتنم بركة أيامه و لياليه بإطعام الطعام و تفطير الصوَّام و مساعدة الفقراء و المساكين بالصدقة و الإحسان ، و إحياء ليلة القدر بالقيام و تلاوة القرآن .
الوقفة الثالثة :
الأعمال الصالحة في رمضان :
اعلم أخي أنه من الأعمال الصالحة التي تتأكد و تجب عليك في رمضان :
1- الصوم : فإذا صمت يا عبد الله فليصم سمعك و بصرك و لسانك و جميع جوارحك ، قال صلى الله عليه و سلم : (( من صام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) فإن هذه المغفرة و الثواب الجزيل لا تكون لمن امتنع عن الطعام و الشراب فقط ، و إنما كما قال المصطفى صلى الله عليه و سلم : (( من لم يدع قول الزور و العمل به و الجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه )) فلا يكن أيها الحبيب يوم صومك و يوم فطرك سواء ، فالصوم جُنَّة كما قال صلى الله عليه و سلم : (( الصوم جُنَّة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لا يفسق و لا يجهل ، فإن سابه احد فليقل إني امرؤ صائم )) .
2- القيام : يسن قيام الليل جماعة في رمضان ، و هي صلاة التراويح ، فإن القيام في رمضان إيمانا و احتسابا يتحصل به مغفرة الذنوب كلها ، أما قال حبيبك محمد صلى الله عليه و سلم : (( من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) ؟ و لن تبلغ هذه المنزلة و تكتب من القائمين حتى تكمل صلاة التراويح مع الإمام لقوله صلى الله عليه و سلم : (( من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )) .
3- الصدقة : اعلم هداك الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أجود ما يكون في رمضان ، كان أجود من الريح المرسلة ، و قال صلى الله عليه و سلم : (( أفضل الصدقة في رمضان )) و من الصدقة إطعام الطعام و تفطير الصائم .
4- قراءة القرآن : اعلم أخي الحبيب أنه يسن لك الإكثار من تلاوة القرآن في شهر القرآن ، كما قال عز و جل : (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )) [البقرة/185] ، و اعلم هديت للخير أن جبريل عليه السلام كان يدارس النبي صلى الله عليه و سلم القرآن كل يوم في رمضان ، كما أن السلف كانوا يقدمون تلاوة القرآن على كل عبادة .
5- الاعتكاف : فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يعتكف في العشر الأواخر في رمضان ، فلما كان العام الذي قبض فيه ، اعتكف عشرين يوما ، و عن في الاعتكاف تفرغا لطاعة الله عز و جل و البعد عن شئون الدنيا ، فالمعتكف يشتغل بذكر الله من قراءة قرآن و ذكر .
6- العمرة في رمضان : و اعلم رعاك الله أن مما يتأكد استحبابه في رمضان العمرة فيه ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم : (( عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال : حجة معي )) .
7- تحري ليلة القدر : كان النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى ليلة القدر ، و يأمر أصحابه بتحريها وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر ، و هي في العشر الأواخر من رمضان و هي في الوتر من لياليه أحرى ، قال صلى الله عليه و سلم : (( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان )).
الوقفة الرابعة :
حِكَم و فوائد في الصيام :
اعلم أن من حكم و فوائد الصيام ضبط النفس و السيطرة عليها و ترويض النفس على فعل الطاعات و ترك الشهوات لتتقرب إلى رب السماوات لتنال رضاه و الفوز بكرامته ، و الصيام من أسباب التقوى لامتثال أمره بالصيام و ترك الشراب و الطعام ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) [البقرة/183] ، و من حكم الصيام أن الغني يعرف حاجة أخيه الفقير ، فيعرف بها قدر نعمة الله عليه بالغنى ، فتجود نفسه بالصدقة و الإحسان كما انه يعود الإنسان على الصبر و التحمل و الجلد ، مما يعطي العاصي فرصة على ترك المعاصي ، و الابتعاد عنها ، و ذلك بما يحدث من رقة في قلبه و لين لذكر الله عز و جل فيتحصل بذلك محبة الطاعات و بغض المعاصي فيصحح الإنسان به مفاهيمه و سلوكه في الحياة ، و به تقوى الإرادة ، و تسمو الأخلاق الرفيعة ، و تطمئن النفس و ينتظم سير الحياة و تنضبط المواعيد ، و به تقمع الشهوة و تلجم ، قال صلى الله عليه و سلم : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ، و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )) .
الوقفة الخامسة :
آداب و مسنونات الصيام :
إن للصيام سننا و آدابا كثيرة ، إذا عرفتها و تأدبت بها فزت بإكمال هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ، و حصَّلت فوائد الصيام و فضائله التي وردت في الكتاب و السنة ، فإليك بعض السنن و الآداب ، و عليك تحصيل ما غاب من هذه السنن و الآداب من السنة و الكتاب :
1- تعجيل الفطر : بادر إلى الفطر إذا تحققت من الغروب بسماع الأذان ، أو غياب الشمس و ذلك لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )) و كان من سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم أنه يعجل الإفطار ، و يعجل الصلاة كما في حديث مالك بن عامر و أم المؤمنين عائشة ، فإن أفطرت فأفطر على رطب ، فإن لم يكن رطب فتمر ، فإن لم تجد فحسوات من ماء ، فعن أنس رضي الله عنه قال : (( كان النبي صلى الله عليه و سلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء )) .
2- الدعاء عند الإفطار : إن للصائم عند فطره دعوة مستجابة ، قال صلى الله عليه و سلم : (( إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد )) فلتكن لك دعوة صادقة عند فطرك في كل يوم من رمضان )) ، فقد ورد عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا أفطر قال : (( ذهب الظمأ و ابتلت العروق و ثبت الأجر إن شاء الله )) .
3- تأخير السحور : (( احرص هداك الله على السحور و لو بجرعة من ماء ، ففيه بركة و موافقة للسنة و مخالفة لأهل الكتاب ، قال صلى الله عليه و سلم : (( تسحروا فإن في السحور بركة )) . و قال صلى الله عليه و سلم : (( فصل ما بين صيامنا و صيام أهل الكتاب أكلة السحر )) .
4- كف اللسان و الجوارح عن المحارم : فكُف لسانك عما لا خير فيه من الكلام ، و كُف جوارحك و بدنك عن سائر الشهوات و المحرمات ، فيجب على الصائم أن يصوم بعينه فلا ينظر إلى ما لا يحل ، و بسمعه فلا يسمع ملا يحل ، و بلسانه فلا سكون فاحشا و لا شتَّاما و لا مغتابا فهي حرام مطلقا ، و هي في رمضان أشد حرمة ، قال صلى الله عليه و سلم : (( الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم )) .
5- تفطير الصائم : حث حبيبك محمد صلى الله عليه و سلم على تفطير الصائمين فقال : (( من فطَّر صائما فله مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء )) ، و قد وردت معنا من ضمن الأعمال الصالحة في رمضان .
الوقفة السادسة :
كيف نودِّع رمضان :
عليك أن تودع رمضان بتقوى الله الذي أمرك بالسبق إلى الخيرات ، و المداومة على الطاعات ، و التوبة من السيئات ، و السعي لرفع الدرجات ، و كرمك على المخلوقات ، قال تعالى : (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ))[آل عمران/133] ، و قال : (( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )) [الحجر/99] ، و قال : ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) [النور/31] ، فاغتنم الحياة قبل الموت ، و العمل قبل الفوت ، و اربح الدنيا قبل الآخرة ، و الشباب قبل الهرم ، و الصحة قبل السقم ، و اعلم أن الربح في الإيمان و في العمل الصالح ، و في التواصي بالحق ، و التواصي بالصبر يقول الله تعالى : (( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) سورة العصر
و الرابحون هم الذين فازوا بالمطلوب ، و نجوا من المرهوب ، و هم الذين طهروا القلوب ، و ستروا العيوب ، و ابتعدوا عن الذنوب ، و هم الذين حفظوا أعمارهم ، و حفظوا أعمالهم ، و حفظوا جوارحهم ، و أحبوا لقاء الله فأحب الله لقاءهم ، و هم الذين عرفوا الأوقات الشريفة فاغتنموها .
ملاحظات و مخالفات يجب تجنبها :
1- جعل الليل نهارا و النهار ليلا .
2- النوم عن بعض الصلوات المكتوبة .
3- الإسراف في المأكل و المشرب .
4- التلثم و العصبية الزائدة أثناء قيادة السيارة .
5- إضاعة الأوقات .
6- تبكير السحور و النوم عن صلاة الفجر .
7- قيادة السيارة بسرعة جنونية قبيل موعد الإفطار .
8- عدم تأدية صلاة التراويح كاملة .
9- افتراش الأرصفة و اجتماع الشباب على معصية الله .
10- الاجتماع مع زملاء العمل وقت الدوام و تجريح الصيام بالغيبة و النميمة .
11- انشغال المرأة غالب وقتها بالطبخ .
كتبه المهندس/
سالم ناصر العصيدان
رحمه الله تعالى
نسأل الله عز و جل أن يرحمه و أن يرزق أهله الصبر و السلوان
تعليق