اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ
وَالْصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ
أَمَّا بَعْدُ
فَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ اَلْفُضَلَاءِ عَنْ حَدِيثِ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ
وَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا
وَإِنْ كَانَ صَحِيحاً فَمَا مَعْنَاهُ
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ مَعْنَى اَلْبِدْعَةِ وَعَنْ حُكْمِ اَلْتَّهْنِئَةِ بِالْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ اَلْمُنَاسَبَاتِ
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِإِذْنِ اَلْلَّهِ:
أَنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
رَوَاهُ إِمَامَا اَلْمُحَدِّثِينَ أَبُوا عَبْدِ اَلْلَّهِ اَلْبُخَارِيُّ وَأَبُو اَلْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ اَلْحَجَّجِ اَلْنَّيْسَابُورِيُّ فِي صَحِيحَيْهِمَا
وَأَخْرَجَهُ أَبُوا دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَةَ فِي سُنَنِهِمَا
وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ كُلُّهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ أُمِّ اَلْمُؤمِنِينَ
أَنَّ اَلْنَّبِيَّ صَلَّى اَلْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:
مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ
وَأَمَّا شَرْحُ اَلْحَدِيثِ:
فَاعْلَمْ أَيُّهَا اَلْمُوَفَّقُ أَحْسَنَ اَلْلَّهُ إِلَيْكَ أَنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ مِنْ قَوَاعِدِ اَلْإِسْلَامِ
قَالَ اَلْحَافِظُ ابْنُ رَجَبَ اَلْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اَلْلَّه
وَهَذَا اَلْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ اَلْإِسْلَامِ وَهُوَ كَالْمِيزَانِ لِلْأَعْمَالِ فِي ظَهِرِهَا كَمَا أَنَّ حَدِيثَ إِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بِالْنِّيَّاتِ مِيزَانٌ لِلْأَعْمَالِ فِي بَوَاطِنِهَا
قُلْتُ: وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ اَلْأَعْمَالَ لَا تُقْبَلُ إِلَّ إِذَا كَانَتْ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ
وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ اَلْعَمَلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ
أَوَّلُهُما كَوْنُهُ خَالِصاً لِلَّهِ تَعَالَا
وَالْثَّانِي كَوْنُهُ عَلَا مَا شَرَعَهُ اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ
فَقَوْلُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزٌ لِلْمُكَلَّفِ فِعْلُ شَيْءٍ يَظُنُّهُ خَيْراً لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اَلْلَّه
وَأَنَّ اَلْدِّينَ كَامِلٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ
فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي فِعْلِ شَيْءٍ لَمْ نُكَلَّفْ بِهِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَيُّهَا اَلْمُسْتَرْشِدُ وَفَّقَكَ اَلْلَّهُ أَنَّ اَلْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ أِلَى قِسْمَينِ
أَوَّلُهُمَا اَلْبِدْعَةُ اَلْحَقِيقِيَّةُ
وَهِيَ فِعْلُ شَيْءٍ لَا أَصْلَ لَهُ فِي اَلْشَّرْعِ
كَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اَلْلَّهِ
فَهَذَا اَلْقَائِلُ جَاءَ بِأَمْرٍ مِنْ كِيسِهِ لَا أَصْلَ لَهُ
وَكَبِدْعَةِ اَلْتَّهْنِئَةِ بِالْجُمُعَةِ وَالْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ وَسَيَأْتِي اَلْكَلَامُ عَلَيْهَا بِالْتَّفْصِيلِ بِإِذْنِ اَلْلَّهِ
وَأَمَّا اَلْْبِدْعَةُ اَلْإِضَافِيَّةُ فَهِيَ زِيَادَةٌ فِي أَمْرٍ لَهُ أَصْلٌ فِي اَلْشَّرْعِ
وَذَلِكَ كَالْصَّلَاةِ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ عَرَفَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَهَذَا هُوَ مَا بَيَّنَهُ اَلْإِمَامُ أَبُوا إِسْحَاقَ اَلْشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اَلْلَّهُ
وَقَدْ دَلَّ اَلْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ مَرْدُودَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اَلْتَّهْنِئَةُ فَهِيَ بِدْعَةٌ
وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا خَيْرٌ لَدَعَانَا إِلَيْهَا اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمَا وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ فَهِي بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ
وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ
وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا تَأْلِيفٌ لِلْقُلُوبِ فَهَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ
بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ صِدْقاً لَسَبَقَنَا إِلَيْهِ اَلْسَّلَفُ
وَهُمْ أَحْرَصُ عَلَى اَلْخَيْرِ مِنَّا وَأَسْبَقُ إِلَيْهِ
فَكَيْفَ وَصَلَ هَذَا اَلْمُسْتَشْكِلُ إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ اَلْخَيْرِ لَمْ يَعْلَمْهُ رَسُولُ اَلْلَّهِ وَلَا أَصْحَابُهُ؟!
وَقَدْ يُقَالُ:
إِنَّكُمْ تَتَشَدَّدُونَ فِي قَوْلِكُمْ هَذَاوَالْأَمْرُ فِيهِ سَعَةٌ
فَرَدُّ هَذَا اَلْاسْتِشْكَالِ أَنَّنَا لَسْنَا مُتَشَدِّدِينَ
وَلَكِنَّ اَلَّذِي مَا تَبِعَ اَلْحَدِيثَ يَصِفُ تَابِعِيهِ بِالْتَّشَدُّدِ
وَلَوْ أَنَّهُ اقْتَفَى اَلْأَثَرَ لَمَا قَالَ مَا قَالَ
وَمِثْلُ هَذَا يَصْْدُقُ فِيهِ قَوْلُ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ:
دِينُ اَلْنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ أَخْبَارُ *** نِعْمَ اَلْمَطِيَّةُ لِلْفَتَى آثَارُ
لَا تَرْغَبَنَّ عَنْ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ *** فَالْرَّأْيُ لَيلٌ وَالْحَدِيثُ نَهَارُ
وَلَرُبَّمَا جَهِلَ اَلْفَتَى أَثَرَ اَلْهُدَى *** وَالْشَّمْسُ بَازِغَةٌ لَهَا أَنْوَارُ
ثُمَّ إِنَّهُ يَجِبُ اَلْتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ اَلْبِدَعَ لَهَا أَضْرَارٌ جَمَّةٌ
نَذْكُرُ مِنْهَا:
أَنَّ اَلْمُبْتَدِعَ إِمَّا أَنَّهُ يَتَّهِمُ رَسُولَ اَلْلَّهِ صَلَّى اَلْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِيَانَةِ وَعَدَمِ اَلْتَّبْلِيغِ
فَقَدْ قَالَ اَلْلَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:
يَا أَيُّهَا اَلْرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَقَالَ اَلْإِمَامُ مَالِكٌ:
مَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً خَانَ اَلْرِّسَالَةَ
أَوْ أَنَّهُ يَتَّهِمُ اَلْصَّحَابَةِ بِالْخِيَانَةِ فَلَمْ يُبَلِّغُوا
فَهَذَا جُرْمٌ عَظِيمٌ
وَالْصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ
أَوْ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اَلْدِّينَ لَا يَكْفِيهِ فَأَرَادَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيهِ
وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا ضَيِّقُ اَلْصَّدْرِ خَبِيثُ اَلْنَّفْسِ مَرِيضُ اَلْقَلْبِ
فَالْدِّينُ قَد تَمَّ وَكَمُلُ
فَلِمَاذَا تَطْرُقُونَ أَبْوَاباً لَيْسَتْ مِنْ اَلْدِّينَ
وَيَا لَيْتَ بِدَعَ اَلْنَّاسِ وَصَلَتْ عِنْدَ هَذَا اَلْحَدِّ
بَلْ نَرَى بَعْضَهُمْ يُخَصِّصُ دُعَاءاً لِكُلِّ مُنَاسَبَةٍ
ثُمَّ يَحْلِفُ بِالْلَّهِ إِنْ أَرَادَ إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً
ثُمَّ لِمَاذَا لَمْ تَعْمَلُوا بِمَا أَمَرَ اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ؟!
فَهَلْ مِنْ مُجِيبٍ؟!
عِبَادَ اَلْلَّهِ اتَّقُوا اَلْلَّهَ وَاتَّبِعُوا سُنَّةَ نَبِيِّهِ
فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَى اَلْمُتَسَاهِلِ أَنْ تُنْزَعَ حَلَاوَةُ اَلْسُّنَّةِ مِنْ قَلْبِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ اَلْقطَّانُ
إِذَا ابْتَدَعَ اَلْرَّجُلُ نُزِعَتْ حَلَاوَةُ اَلْحَدِيثِ مِنْ قَلْبِهِ
وَتَمَسَّكُوا بِالْسُّنَّةِ
فَقَد قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
اَلْمُتَّبِعُ لِلْسُّنَّةِ كَالْقَابِضِ عَلَى اَلْجَمْرِ
وَهُوَ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ اَلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اَلْلَّهِ تَعَالَى
وَفِي هَذَا اَلْمَعْنَى قُلْتُ:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اَلْلَّهِ مَا عِشْتَ إِنَّهَا *** نَجَاةٌ وَخُذْ مَا جَاءَ فِي اَلْآيِ وَالْسُّنَنِ
فَإِنْ عِشْتَ تَحْيَا سَالِماً وَمُؤَيَّداً *** وَإِنْ مِتَّ يُعْطِيكَ اَلْإِلَهُ مِنْ اَلْمِنَنِ
وَلَا تَلْتَفِتْ لِلْرَّأْيِ فَالْرَّأْيُ ظُلْمَةٌ *** وَقَوْلُ اَلْفَتَى إِنْ كَانَ بِالْشَّرْعِ لَمْ يُهَنْ...
وَالْصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ
أَمَّا بَعْدُ
فَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ اَلْفُضَلَاءِ عَنْ حَدِيثِ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ
وَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا
وَإِنْ كَانَ صَحِيحاً فَمَا مَعْنَاهُ
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ مَعْنَى اَلْبِدْعَةِ وَعَنْ حُكْمِ اَلْتَّهْنِئَةِ بِالْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ اَلْمُنَاسَبَاتِ
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِإِذْنِ اَلْلَّهِ:
أَنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
رَوَاهُ إِمَامَا اَلْمُحَدِّثِينَ أَبُوا عَبْدِ اَلْلَّهِ اَلْبُخَارِيُّ وَأَبُو اَلْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ اَلْحَجَّجِ اَلْنَّيْسَابُورِيُّ فِي صَحِيحَيْهِمَا
وَأَخْرَجَهُ أَبُوا دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَةَ فِي سُنَنِهِمَا
وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ كُلُّهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ أُمِّ اَلْمُؤمِنِينَ
أَنَّ اَلْنَّبِيَّ صَلَّى اَلْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:
مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ
وَأَمَّا شَرْحُ اَلْحَدِيثِ:
فَاعْلَمْ أَيُّهَا اَلْمُوَفَّقُ أَحْسَنَ اَلْلَّهُ إِلَيْكَ أَنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ مِنْ قَوَاعِدِ اَلْإِسْلَامِ
قَالَ اَلْحَافِظُ ابْنُ رَجَبَ اَلْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اَلْلَّه
وَهَذَا اَلْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ اَلْإِسْلَامِ وَهُوَ كَالْمِيزَانِ لِلْأَعْمَالِ فِي ظَهِرِهَا كَمَا أَنَّ حَدِيثَ إِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بِالْنِّيَّاتِ مِيزَانٌ لِلْأَعْمَالِ فِي بَوَاطِنِهَا
قُلْتُ: وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ اَلْأَعْمَالَ لَا تُقْبَلُ إِلَّ إِذَا كَانَتْ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ
وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ اَلْعَمَلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ
أَوَّلُهُما كَوْنُهُ خَالِصاً لِلَّهِ تَعَالَا
وَالْثَّانِي كَوْنُهُ عَلَا مَا شَرَعَهُ اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ
فَقَوْلُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزٌ لِلْمُكَلَّفِ فِعْلُ شَيْءٍ يَظُنُّهُ خَيْراً لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اَلْلَّه
وَأَنَّ اَلْدِّينَ كَامِلٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ
فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي فِعْلِ شَيْءٍ لَمْ نُكَلَّفْ بِهِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَيُّهَا اَلْمُسْتَرْشِدُ وَفَّقَكَ اَلْلَّهُ أَنَّ اَلْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ أِلَى قِسْمَينِ
أَوَّلُهُمَا اَلْبِدْعَةُ اَلْحَقِيقِيَّةُ
وَهِيَ فِعْلُ شَيْءٍ لَا أَصْلَ لَهُ فِي اَلْشَّرْعِ
كَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اَلْلَّهِ
فَهَذَا اَلْقَائِلُ جَاءَ بِأَمْرٍ مِنْ كِيسِهِ لَا أَصْلَ لَهُ
وَكَبِدْعَةِ اَلْتَّهْنِئَةِ بِالْجُمُعَةِ وَالْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ وَسَيَأْتِي اَلْكَلَامُ عَلَيْهَا بِالْتَّفْصِيلِ بِإِذْنِ اَلْلَّهِ
وَأَمَّا اَلْْبِدْعَةُ اَلْإِضَافِيَّةُ فَهِيَ زِيَادَةٌ فِي أَمْرٍ لَهُ أَصْلٌ فِي اَلْشَّرْعِ
وَذَلِكَ كَالْصَّلَاةِ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ عَرَفَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَهَذَا هُوَ مَا بَيَّنَهُ اَلْإِمَامُ أَبُوا إِسْحَاقَ اَلْشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اَلْلَّهُ
وَقَدْ دَلَّ اَلْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ مَرْدُودَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اَلْتَّهْنِئَةُ فَهِيَ بِدْعَةٌ
وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا خَيْرٌ لَدَعَانَا إِلَيْهَا اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمَا وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ فَهِي بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ
وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ
وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا تَأْلِيفٌ لِلْقُلُوبِ فَهَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ
بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ صِدْقاً لَسَبَقَنَا إِلَيْهِ اَلْسَّلَفُ
وَهُمْ أَحْرَصُ عَلَى اَلْخَيْرِ مِنَّا وَأَسْبَقُ إِلَيْهِ
فَكَيْفَ وَصَلَ هَذَا اَلْمُسْتَشْكِلُ إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ اَلْخَيْرِ لَمْ يَعْلَمْهُ رَسُولُ اَلْلَّهِ وَلَا أَصْحَابُهُ؟!
وَقَدْ يُقَالُ:
إِنَّكُمْ تَتَشَدَّدُونَ فِي قَوْلِكُمْ هَذَاوَالْأَمْرُ فِيهِ سَعَةٌ
فَرَدُّ هَذَا اَلْاسْتِشْكَالِ أَنَّنَا لَسْنَا مُتَشَدِّدِينَ
وَلَكِنَّ اَلَّذِي مَا تَبِعَ اَلْحَدِيثَ يَصِفُ تَابِعِيهِ بِالْتَّشَدُّدِ
وَلَوْ أَنَّهُ اقْتَفَى اَلْأَثَرَ لَمَا قَالَ مَا قَالَ
وَمِثْلُ هَذَا يَصْْدُقُ فِيهِ قَوْلُ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ:
دِينُ اَلْنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ أَخْبَارُ *** نِعْمَ اَلْمَطِيَّةُ لِلْفَتَى آثَارُ
لَا تَرْغَبَنَّ عَنْ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ *** فَالْرَّأْيُ لَيلٌ وَالْحَدِيثُ نَهَارُ
وَلَرُبَّمَا جَهِلَ اَلْفَتَى أَثَرَ اَلْهُدَى *** وَالْشَّمْسُ بَازِغَةٌ لَهَا أَنْوَارُ
ثُمَّ إِنَّهُ يَجِبُ اَلْتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ اَلْبِدَعَ لَهَا أَضْرَارٌ جَمَّةٌ
نَذْكُرُ مِنْهَا:
أَنَّ اَلْمُبْتَدِعَ إِمَّا أَنَّهُ يَتَّهِمُ رَسُولَ اَلْلَّهِ صَلَّى اَلْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِيَانَةِ وَعَدَمِ اَلْتَّبْلِيغِ
فَقَدْ قَالَ اَلْلَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:
يَا أَيُّهَا اَلْرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
وَقَالَ اَلْإِمَامُ مَالِكٌ:
مَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً خَانَ اَلْرِّسَالَةَ
أَوْ أَنَّهُ يَتَّهِمُ اَلْصَّحَابَةِ بِالْخِيَانَةِ فَلَمْ يُبَلِّغُوا
فَهَذَا جُرْمٌ عَظِيمٌ
وَالْصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ
أَوْ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اَلْدِّينَ لَا يَكْفِيهِ فَأَرَادَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيهِ
وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا ضَيِّقُ اَلْصَّدْرِ خَبِيثُ اَلْنَّفْسِ مَرِيضُ اَلْقَلْبِ
فَالْدِّينُ قَد تَمَّ وَكَمُلُ
فَلِمَاذَا تَطْرُقُونَ أَبْوَاباً لَيْسَتْ مِنْ اَلْدِّينَ
وَيَا لَيْتَ بِدَعَ اَلْنَّاسِ وَصَلَتْ عِنْدَ هَذَا اَلْحَدِّ
بَلْ نَرَى بَعْضَهُمْ يُخَصِّصُ دُعَاءاً لِكُلِّ مُنَاسَبَةٍ
ثُمَّ يَحْلِفُ بِالْلَّهِ إِنْ أَرَادَ إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً
ثُمَّ لِمَاذَا لَمْ تَعْمَلُوا بِمَا أَمَرَ اَلْلَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ؟!
فَهَلْ مِنْ مُجِيبٍ؟!
عِبَادَ اَلْلَّهِ اتَّقُوا اَلْلَّهَ وَاتَّبِعُوا سُنَّةَ نَبِيِّهِ
فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَى اَلْمُتَسَاهِلِ أَنْ تُنْزَعَ حَلَاوَةُ اَلْسُّنَّةِ مِنْ قَلْبِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ اَلْقطَّانُ
إِذَا ابْتَدَعَ اَلْرَّجُلُ نُزِعَتْ حَلَاوَةُ اَلْحَدِيثِ مِنْ قَلْبِهِ
وَتَمَسَّكُوا بِالْسُّنَّةِ
فَقَد قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
اَلْمُتَّبِعُ لِلْسُّنَّةِ كَالْقَابِضِ عَلَى اَلْجَمْرِ
وَهُوَ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ اَلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اَلْلَّهِ تَعَالَى
وَفِي هَذَا اَلْمَعْنَى قُلْتُ:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اَلْلَّهِ مَا عِشْتَ إِنَّهَا *** نَجَاةٌ وَخُذْ مَا جَاءَ فِي اَلْآيِ وَالْسُّنَنِ
فَإِنْ عِشْتَ تَحْيَا سَالِماً وَمُؤَيَّداً *** وَإِنْ مِتَّ يُعْطِيكَ اَلْإِلَهُ مِنْ اَلْمِنَنِ
وَلَا تَلْتَفِتْ لِلْرَّأْيِ فَالْرَّأْيُ ظُلْمَةٌ *** وَقَوْلُ اَلْفَتَى إِنْ كَانَ بِالْشَّرْعِ لَمْ يُهَنْ...
تعليق