مصنع الأوهام
بقلم / شروق إسماعيل
بعد يوم عمل شاق، تسير مع صديقاتها فى طريقهن إلى المنزل، كالعادة يضحكن من فشلهن المعتاد في اتباع حمية غذائية؛ لإنقاص أوزانهن.
تأتى إحداهن: فتاة عشرينية مصابة بهاجس الشكل النحيف للموديلات وممثلات السينما، زائدة جدًا في الوزن، أصابها الملل، وحالتها النفسية تزداد سوءً كلما رأتهن، في أحد الأيام ترى ذلك الطبيب المشهور تليفزيونيًا – المغمور علميًا وطبيًا – بأحد البرامج الطبية المنتشرة بجميع الفضائيات؛ ليجسد حلم الفتاة الصعب في أن مجرد عمليات صغيرة ستقضي على كل متاعبها.
«تصغير المعدة، بالون المعدة، تكميم المعدة»، يتباهى الطبيب مع المذيعة المغمورة بتلك العملية السحرية، مشجعًا من يرغب في إنقاص وزنه بعملها، قائلًا: «دي سهلة خالص، مش زي ما الناس فاكرة، وكتير بيعملوها، وبيبقوا زي ما أنتوا شايفين في الصور، شكل تاني خالص .. يا دوبك بس بتمشى على أكل معين لمدة أسبوع، وكله تمام بعد كده .. هتاكل براحتها كل حاجة، ومش هاتحرم نفسها أبدا، ومش هاتزيد تاني .. ولا فيه أعراض جانبية ولا مضاعفات».
تفرح بشدة عندما ترى صور من أجروها، وأصبحوا أفضل، النتيجة ممتازة، لتقول: «هاعملها ومش هاتعب نفسي بدايت ولا رياضة ولا حاجات مش جايبة همها» تختطف هاتفها المحمول، وتكتب أناملها هواتف هذا المركز، يمر أكثر من شهرين على قيام الفتاة بالعملية، وكل ما تشعر به هو الندم الشديد، جسدها مريض، لم تذق يوما هنيئًا، يخبرها الطبيب أنها حالة نادرة الحدوث، وغير معتادة، مثل تلك العمليات الصغيرة، بالطبع لم يذكر ـ بأمانة ـ حقيقة الأعراض الجانبية ممكنة الحدوث. حتى بعد وجود نتائج إيجابية ملحوظة بعد إجرائها، ليتركها تتابع مع أحد مساعديه، ثم يهملها!
الطبيب الشهير يتهافت عليه المرضى من كل جميع المحافظات، تلقى أتعابه منها في البداية، ولديه الكثير ليقوم به، ولديه ساعة على التلفاز يجمل فيها الواقع بما يحلو له، طالما أنه سيدفع ثمنها، الثمن الذي تدفعه أنت بذهابك له.
بنفس هيئتها من «مكياج، جاكيت، حتى تلك الطرحة بلونيها المحفوظين، الخارج من مقدمتهما شعيرات بسيطة»، تتنقل بين هذا الاستديو وذاك، تقضي نصف ساعة في كل مكان، أو ساعة على الأكثر، بطلتها تبهر بنات جيلها، والسيدات من مختلف الأعمار، بل الرجال أيضا.
تتحدث عن الخطوط الرفيعة غير المرئية التي تغير كل شيء، فيا من تشكين من ظهور التجاعيد، ترهل الرقبة، تبهرك الاستشارية الشابة بعمليات بسيطة جدًا غير ملحوظة، ستعيد الزمن بك إلى الوراء، يا من لا يعجبك شكل أنفك، ويا من تريدين شفاه ممتلئة جذابة، جميع الأحلام ستتحقق، فقط في تلك النصف ساعة على الهواء، تشرح بهدوء جميع العمليات السلسة التي ستجريها في كل حالة، وسترى بنفسك الفرق في الصور الظاهرة على الشاشة، تبجلها المذيعة وتشكرها وتطمئن الجماهير، وينتهي البرنامج بجملة «يلا بينا نرجع شباب»! فستذهب سريعًا لتسجل الأرقام في أسفل الشاشة، وستقدم على الخطوة، تلك التي ستصفع وجهك للأبد بسببها فيما بعد؛ حينما ترى نفسك مع العديد من المرضى يشكون: سواء من أخطاء بالعملية، أو من سوء أحوالهم الصحية والنفسية، أو حتى من سرعة اختفاء النتيجة المذهلة.
تمردوا على مظهرهم العادي، ليفاجأوا بتشوه ضحكتهم الصافية من كثرة شد الوجه، ومن مسخ بشرتهم بعد فترة من النتائج اللحظية الحسنة في البداية، ملامح وجه تشوهت فأصبح الكثيرون بنفس التفاصيل، وكأنهم مستنسخون.
بالتأكيد تعرف هذا الرجل الأربعيني، صاحب هذا الصرح الطبى لمشاكل الإنجاب، تراه في تقرير مصور تم تسجيله مسبقًا، يتحدث إليكم من داخل إحدى غرف صرحه، يشرح كيفية عمله بجميع وأحدث الأجهزة المتخصصة؛ لضمان نسب حدوث حمل كبيرة جدًا. الأمل أيها الزوج في حل مشاكل الخصوبة كبير، الطفل الذي طالما حلمتما به لسنوات سيصير بين أيديكما، ستختفي الحياة المملة والحزينة، وستتلون بعد تلك إحدى عمليات «أطفال الانابيب، الحقن المجهري، التلقيح الصناعي»، فسلسلة من العلاج الباهظ، تنبهر أيها المشاهد بما تراه، تتفاءل وتذهب مع زوجتك إليه، يضع الأمل بعد التحاليل والأدوية في عملية الحقن المجهري، تتأهب الزوجة لإجرائها مع النسب الكبيرة في نجاحها، تخرج ليمر الوقت ولا يحدث حمل، تذهبان إلى طبيب آخر لتكتشفا الصدمة! ذلك الطبيب الجشع النصاب، أجرى العملية، وهو متأكد من ترجح فشلها؛ ببساطة لأن التحاليل تخبرنا بهذا، ضحك على الزوجين مستغلًا عدم معرفتهما العلمية بتلك التفاصيل، وهو ربح فى النهاية.
-جميع برامج الطب الفضائية هي مدفوعة التكاليف من مراكز طبية ومستشفيات حديثة النشأة. وحتى من أطباء واستشاريين، لذا ستجد الحياة بها وردية، شفاء نهائي من مرض السكر، عمليات تجميلية بلا أي أثر جانبي، يا من تحلمون بالإنجاب! سيحدث بالطبع عند ذهابكم لتلك المستشفى! فقط ادفع! التكاليف باهظة! لا يهم فستحل كل الأمور بمنتهى البساطة، استلف، استدن، اعمل لوقت إضافي، «جمعية، قرض» فقط قم بالدفع لرجل المهام الصعبة؛ «ده كله هيبقى تمام» لتجد نفسك في نهاية المطاف مخدوعًا، وقعت ضحية نصب طبي كبير.
ستتساءل لِمَ يتركوهم على الهواء يوميا؟ الإجابة ذكرتها في البداية، البرنامج مدفوع الأجر، القنوات تربح من هذه النوعية من البرامج، الإعلانات والمال يحرك كل شيء، المصالح الشخصية فوقك أنت، المذيعة ذات المكياج الصارخ والشعر المستعار لن تهاجم ضيفها، الحوار متفق عليه، الكلمات محفوظة بامتياز، عبارات مطاطة في معظمها، قليل منها ينطق بالصواب، كثيرها محل دراسة، وليس حقيقة علمية، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات زرع الخلايا الجذعية.
بالطبع هناك الكثير من العمليات صحيحة علميًا والناجحة وصاحبة نتائج مذهلة، ولكنها تحتاج لطبيب متخصص ممارس، وليس لشخص يظهر بشكل مستمر على التلفاز، تحتاج إلى الدقة، وليست العشوائية، ومكان موثوق فيه. البرامج الطبية لا تقدم معلومة طبية أكثر من أنها مجرد مصنع للأوهام في معظمها، مصنع يشد انتباه الكثيرين من المرضى الذين يحلمون بحياة أفضل، كالباقين وصحة سليمة، مصنع يجذب كل من حرموا من نعمة الإنجاب، ليظهر هؤلاء الاستشاريون والأطباء يتاجرون بآلامهم وشكواهم في ساعات برامجية، يتلاعبون بمشاعرهم، فقط من أجل المال والشهرة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
وأعلق بقولي : لو راجع القارئ هذا الموضوع سريعًا لوجد أن الإنسان ما أوقع نفسه في هذه الفخاخ إلا بمخالفته شرع الله عز وجل ، فبنظرة سريعة سنجد الموضوع يحوي مخالفات جسيمة للقرآن والسنة ومنها :
* تغيير خلقة الله بعمليات التجميل (وأقصد هنا عمليات التجميل غير الجائزة لأن العلماء أجازوا بعضها هنـــــا)
* التعلق بالدنيا ومظاهرها الخادعة
* رغبة النساء في التجمل أمام غير محارمهن وتنافسهن على ذلك
* إطلاع الرجال على عورات النساء - بدعوى التجميل - !!
* التواكل دون بذل الجهد أو السعي لتحصيل النتائج المرجوة
* الغش والكذب والخداع من أجل أكل أموال الناس بالباطل حبًا في الدنيا وتفضيلًا لها على الآخرة .
والخلاصة : ما من شر يصيب الإنسان إلا وسببه مخالفة شرع الله ، وما من خير يصيب الإنسان إلا وسببه التزام شرع الله
تعليق