بسم الله الرحمن الرحيم
دعونى انقل لكم الحوار الموفق و المبارك و الذى بفضل الله رجعت بعده اختنا ايلياء للاسلام بمنتدى التوحيد
المشاركة الاولى ....للاخت ايلياء:
مرحبًا بأعضاء المنتدى، لدي بعض الأسئلة وآمل من حضرتكم الإجابة علي، أو إيحالي إلى مصدر مناسب.
١- إذا كان المخلوق غير كامل فكيف نستدل بأن الخالق كامل ؟ وهل في الجنة سيكون المخلوق كاملًا ؟
٢- أليس المؤمن مطالب بإثبات وجود الله؟ أليست البينة على من ادعى ؟ ماذا لو ادعيت أن محمدًا كان يعلمه بشر، ألن أطالب بالدليل ؟
٣- لماذا اختلفت شرائع الأديان السماوية عن باقي الشرائع السماوية الأخرى السابقة ؟ أليست الأخلاق لا تتبدل ولا تتطور ؟
الرد من الاخ ابو عمر:
أهلا بك اخت إيلياء ، و هداك الله و هدانا إلى الحقّ و الحقيقة و إلى الصراط المستقيم ...
1- نستدلّ بأنّ الخالق كامل من خلال كون المخلوق غير كامل ! فكما هو معلوم في الفلسفة أنّه بالضدّ تعرف الأشياء . فلا نفهم النور إلا بفهم الظلام ، و لا نفهم الخير إلا بفهم الشر ، و لا نفهم القوّة إلا بفهم الضعف ، و بالمثل لا نفهم الكمال إلا بفهم النقص . فلا بدّ من وجود غير الكامل ، لكي نستطيع فهم الكامل . فليس من المنطقي المطالبة بأن يكون الخالق و المخلوق كاملاً !! فهذه المطالبة تشبه المطالبة بأن يكون هناك نور فقط و خير فقط و قوّة فقط .. فهل يمكن فهم هذه الكلمات لولا وجود نقائضها أو أضدادها ؟؟!! أمّا بخصوص الجنّة فلابدّ من التفريق بين الكمال النسبي و بين الكمال المطلق ! فأمّا الكمال النسبي فهو تحقيق كلّ المطلوب بالنسبة لأقران الشيء ، و أمّا الكمال المطلق فهو تحقيق كلّ المطلوب بالنسبة لكلّ شيء. فمثلا ، هناك طالب حصل على درجة 100 من 100 في مادّة الرياضيات في المدرسة . فنقول هذا الطالب حصل على الدرجة الكاملة . هذا الكمال بالنسبة للدرجة المطلوبة في مادة الرياضيات . فالطالب كامل في مادة الرياضيّات في مرحلته الدراسيّة و ليس كامل في مادّة الرياضيّات من حيث علم الرياضيّات كما هو ! و شتّان بين الكمالين .. و عليه ، فالإنسان من الممكن أن يصل ذكاؤه إلى درجة معيّنة ، و أن تصل قوّة إبصاره إلى درجة معيّنة ، و أن تصل قوّة جسده إلى درجة معيّنة ، و هكذا دواليك. فكلّ البشر في الدنيا لم يصلوا إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من صفات خلقيّة و خُلُقيّة و نفسيّة و إدراكيّة . أمّا المؤمنين في الجنّة فسيصلون إلى أقصى ما يمكن أن يصله الإنسان من مواصفات . فهذا هو الكمال النسبي ، أي كالطالب الذي حصل على الدرجة الكاملة في مادته في مرحلته الدراسيّة. أمّا الكمال المطلق و هو كمال العلم و كمال القدرة و كمال الجمال ، فلن يصل إليه الإنسان ، بل سيصل إلى كمال العلم البشري و كمال القدرة البشريّة و كمال الجمال الإنساني و هكذا .. أي كمال الإنسان من حيث هو ، و ليس كمال الوجود من حيث هو !
2- نعم المؤمن مطالب بإثبات وجود الله إذا كان الأصل عدم وجوده . و الملحد مطالب بإثبات عدم وجود الله إذا كان الأصل هو وجوده. فلابدّ من تحديد القاعدة الأصليّة في المسألة ! فمثلا في المحكمة ، اتّفق أهل القانون أنّ الأصل في المتّهم أنّه بريئ . فصار لزاما على جهة الإدعاء أن نثبت كونه مدانا . أمّا لو كان أهل القانون متّفقين على أنّ الأصل في المتّهم أنّه مُدان . فسيصبح لزاما على جهة الدّفاع أن تثبت كونه بريئا ! من هنا نسأل : هل أصل الأفعال وجود فاعل لها أم الأصل عدم وجود فاعل للأفعال ؟ فإن كان الأصل وجود الأفعال ، فيلزم من ذلك أنّ الأصل وجود سبب أوّل لهذا الكون الذي نعيش فيه . و نحن نسمّي هذ السّبب الأوّل " الخالق " . و بالتالي فالأصل وجود خالق ، حتى يظهر لنا دليل بخلاف ذلك . فهل هناك دليل بخلاف ذلك ؟!!
-3 اختلفت شرائع الأديان السماويّة السابقة ؛ لأنّ الشرائع تراعي ظروف الزمان و المكان . فكانت كلّ شريعة تناسب أصحابها و ظروفهم المحيطة بهم. و أمّا مسألة الأخلاق فيجب التفريق بين أمرين : الأوّل : مبادئ الأخلاق . الثّاني : تطبيق الأخلاق . فأمّا مبادئ الأخلاق فهي ثابتة ، و أمّا التطبيقات فهي تختلف . أعطيكي مثالا بسيطا لتوضيح ذلك . هناك مبدأ أخلاقي ثابت و هو " برّ الوالدين " ، و لكن تختلف المجتمعات في كيفيّة تحقيق هذا المبدأ الأخلاقي. فهناك مجتمع يرى أنّ برّ الوالدين العجوزين يكون بإبقائهما في البيت و الجلوس معهما و رعايتهما . و مجتمع آخر يرى بأنّ برّ الوالدين العجوزين يكون بنقلهما إلى مركز متخصّص برعاية المسنّين و صرف المال لهم من أجل تحقيق الرعاية الكاملة لهم . المجتمع الأوّل يرى المجتمع الثاني عاق للوالدين ، و الثاني يرى الأول عاق و بخيل ! فالاختلاف هنا ليس في مبدأ برّ الوالدين ، و لكن في كيفيّة تحقيق ذلك . و عليه ، فالشريعة الإلهيّة تسعى لترسيخ الأخلاق و تطبيقها في المجتمع و عند الأفراد ، و لكن قد تختلف الكيفيّات بما يكون مناسبا لكل عصر من تلك العصور السابقة.
......................................
المشاركة الثانيه من الاخت ايلياء:
شكرًا أبو عمر، بالنسبة للنقطة الأولى واضحة ولكن لدي استفسار، هل يمكن أن يطالب الإنسان بالكمال المطلق في الجنة ؟ -إذا كان رغبات كل إنسان مجابة-
وبالنسبة للنقطة الثانية فهي واضحة جدًا، أما بالنسبة للنقطة الثالثة، فحسبت ما فهمته منك أن الاختلاف كان فقط الكيفيات، أوليس عصرنا الآن يختلف عن عصر ما قبل ١٤٠٠ سنة ؟ لماذا لم يجعل لكل عصر كيفيته الخاصة ؟
ونسيت بأن أضيف سؤالًا آخر عن الأخلاق، بالنسبة لمسألة الرق، فهي كانت مشروعة وكان هذا هو العرف في تلك الأيام، أما الآن فهل يشرع أن يستعبد الناس ؟ وهل من يقوم بذلك يكون عمله غير أخلاقي من وجهة نظر إسلامية ؟ (فلقد سمعت بأن العبودية ما زالت موجودة في اليمن)
الرد من الاخ ابو عمر:
أولا : بالنسبة لسؤالك القائل : هل يمكن أن يطالب الإنسان بالكمال المطلق في الجنّة ؟ فجوابه : " لا ، لن يطلب ذلك " . و ليس هناك مانع عقلي أن يطلب ذلك ، لكن منطق الواقع يمنع ذلك . أعطيكي مثال توضيحي بسيط . هناك طفل عمره 10 سنوات ، أقصى ما يتمنّاه هو الحصول على درّاجة هوائيّة . فإن قلنا له : سنحقّق أيّ طلب تطلبه عندما تبلغ سنّ الأربعين. فهل يُعقل أن يكون الطلب الذي سيطلبه الإنسان حين يبلغ سنّ الاربعين هو الحصول على درّاجة هوائيّة ؟! قطعا لا ،، سيطلب سيّارة أو طيّارة خاصّة ... و عليه ، فأمنيات الإنسان تتغيّر بتغيّر نضوجه العقلي. و الإنسان في الجنّة سيكون في أنضج حالاته ، فهل يُتصوّر من الإنسان العاقل النّاضج ، الذي كافأه ربّه بإدخاله الجنّة ، أن تكون أمنيته في الجنّة أن يكون مثل الله ؟؟!! هذا أمر غير متصوّر عند المنطق الواقعي السليم.
ثانيا : نعم عصرنا مختلف عن عصر ما قبل 1400 سنة . و لكن يجب الانتباه أنّه ليس كلّ التكليفات الشرعيّة مرهونة على الزمان . فالعقائد مثلا لا علاقة لها بالزمان . فهناك مجموعة حقائق تقول بأنّ هناك خالق واحد للكون هو الله ، سيحاسب النّاس يوم القيامة ، و قدّ بلّغ النّاس ذلك عن طريق رسل ، حمل هؤلاء الرسل كتب الله ، نقلها إليهم ملائكة الله . هذه الحزمة من العقائد ثابتة لا علاقة لها بالزمن ، وكلّ البشر مطالبة بالإيمان بهذه العقائد في كلّ مكان و زمان. إضافة إلى أنّ الله أمر المؤمنين بأن يصلّلوا له بطريقة معيّنة ، و يصوموا في شهر رمضان ، و يعطوا الفقراء من مالهم كلّ سنة ، و يحجّوا إن استطاعوا . و أيضا هذه العبادات لا تتغيّر بتغيّر الزمان. فلم تبق إلا مسائل بسيطة هي التي تعتمد على ظروف الزمان و المكان ، ستجدين أنّ شريعة الإسلام و ضع لها حلولا من خلال حزمة من القواعد العامّة مثل قاعدة " إنّما الأعمال بالنيّات " ، " و لا تلقوا بأيديهم إلى التهلكة " ، " لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها " ، " فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " .. و هذه القواعد تجعل التشريعات الإسلاميّة قابلة للتطبيق مهما كانت ظروف الزمان و المكان.
ثالثا : بالنسبة لسؤالك عن الرق ، فالإسلام ترك له بابا واحدا فقط ، و وضع أمام هذا الباب خيارات أخرى بديلة. فمن قام بالاسترقاق خارج هذا الباب ففعله غير شرعي و غير أخلاقي . أمّا من قام بالاسترقاق من خلال الحرب في زماننا ، و رفض المفاداة برغم أنّ العدو طلب ذلك ، فهذا الفعل هو تضييع لروح الشريعة ، فالشريعة في حقيقتها لا تفضّل ذلك. و يكون هذا الفعل غير أخلاقي بالمنظور العرفي ، و مجافي لروح الشريعة ، لكن لا يمكن أن نقول بأنّه غير مشروع ؛ إذ لازال ضمن الخيارات المتاحة !
........................................
المشاركة الثالثه ....للاخت ايلياء:
جميل، وبمناسبة حديثك عن أصحاب الجنة، إذا كان يقال بأن حياة الإنسان بدون الإيمان بالله فهي خالية من المعنى فيقال "الإنسان يأكل ويشرب ويلهو بلا هدف"،إذن فهل حياة الإنسان في الجنة لها معنى ؟ فهو سيفعل نفس ما يفعله الغير مؤمن في الدنيا
الرد من الاخ ابو عمر:
بالطبع الحياة في الجنّة لها معنى . فالمؤمن سيكون في اتصال مباشر مع الله يكلّمه و يناجيه و يسبّحه ليس بينه و بينه ترجمان.
و سؤالك يشبه السؤال القائل : هل حياة الإنسان بعد التقاعد لها معنى أم مجرّد حياة تافهة بلا معنى ؟؟!!
و الجواب ببساطة : الإنسان بعد التقاعد تتحوّل حياته من قاعدة " أحبّ ما تعمل " إلى قاعدة " اعمل ما تحبّ " .
فالإنسان الموظّف مجبر على الذهاب إلى وظيفته لكي يحصل على راتب ، فأصبح ملزما أن يحبّ عمله الوظيفي الإلزامي لكي لا تكون حياته متعبة و شاقّة. و لكنّه بعد التقاعد أصبح يأخذ راتبا بلا وظيفة ، و لكنّه يقوم بالأعمال التي يحبّها من غير فرض من الحكومة ..
و مثالي دقيق إلى حد كبير ، فبدل أن يعبد الإنسان ربّه لينال ثواب ، فيحاول أن يحبّ ما فرضه الله عليه . يتحوّل إلى إنسان ينال ثواب عمله السابق ، و بالتالي سيعمل ما يستحقّه الله عن حبّ و ليس لأنّ الله قد فرض عليه ذلك ...
و لأنّ الإنسان لم يعتد هذا النمط من الحياة ، يظنّ في الوهلة الأولى أنّه بلا معنى .. !!!
الخلاصة : المؤمن يعبد الله في الدنيا لأنّه أمر بذلك ، بينما المؤمن يعبد الله في الجنّة لأنّه يستحقّ ذلك .
.................................................. .......
االمشاركة الرابع للاخت ايلياء............:
شكرًا يا أخي أبو عمر، كنت أقرأ في كتاب النبأ العظيم -بناءًا على نصيحة أحد الأخوة الذي كان هذا المنتدى سببًا في هدايته-، ولكن ما زالت بعض الشبهات تراودني، فطرحتها هنا، ثم أنت أجبت علي وارتاح قلبي لها، فما في وسعي الآن إلا أن أقول "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، الله ينور عليك يا أخي الكريم، وشكرًا لتوفير وقتك الثمين لطرح إجاباتك علي، أما الآن فأستأذنك وسأذهب إلى الصلاة لأول مرة بعد سنتين -عفا الله عني-.
دعونى انقل لكم الحوار الموفق و المبارك و الذى بفضل الله رجعت بعده اختنا ايلياء للاسلام بمنتدى التوحيد
المشاركة الاولى ....للاخت ايلياء:
مرحبًا بأعضاء المنتدى، لدي بعض الأسئلة وآمل من حضرتكم الإجابة علي، أو إيحالي إلى مصدر مناسب.
١- إذا كان المخلوق غير كامل فكيف نستدل بأن الخالق كامل ؟ وهل في الجنة سيكون المخلوق كاملًا ؟
٢- أليس المؤمن مطالب بإثبات وجود الله؟ أليست البينة على من ادعى ؟ ماذا لو ادعيت أن محمدًا كان يعلمه بشر، ألن أطالب بالدليل ؟
٣- لماذا اختلفت شرائع الأديان السماوية عن باقي الشرائع السماوية الأخرى السابقة ؟ أليست الأخلاق لا تتبدل ولا تتطور ؟
الرد من الاخ ابو عمر:
أهلا بك اخت إيلياء ، و هداك الله و هدانا إلى الحقّ و الحقيقة و إلى الصراط المستقيم ...
1- نستدلّ بأنّ الخالق كامل من خلال كون المخلوق غير كامل ! فكما هو معلوم في الفلسفة أنّه بالضدّ تعرف الأشياء . فلا نفهم النور إلا بفهم الظلام ، و لا نفهم الخير إلا بفهم الشر ، و لا نفهم القوّة إلا بفهم الضعف ، و بالمثل لا نفهم الكمال إلا بفهم النقص . فلا بدّ من وجود غير الكامل ، لكي نستطيع فهم الكامل . فليس من المنطقي المطالبة بأن يكون الخالق و المخلوق كاملاً !! فهذه المطالبة تشبه المطالبة بأن يكون هناك نور فقط و خير فقط و قوّة فقط .. فهل يمكن فهم هذه الكلمات لولا وجود نقائضها أو أضدادها ؟؟!! أمّا بخصوص الجنّة فلابدّ من التفريق بين الكمال النسبي و بين الكمال المطلق ! فأمّا الكمال النسبي فهو تحقيق كلّ المطلوب بالنسبة لأقران الشيء ، و أمّا الكمال المطلق فهو تحقيق كلّ المطلوب بالنسبة لكلّ شيء. فمثلا ، هناك طالب حصل على درجة 100 من 100 في مادّة الرياضيات في المدرسة . فنقول هذا الطالب حصل على الدرجة الكاملة . هذا الكمال بالنسبة للدرجة المطلوبة في مادة الرياضيات . فالطالب كامل في مادة الرياضيّات في مرحلته الدراسيّة و ليس كامل في مادّة الرياضيّات من حيث علم الرياضيّات كما هو ! و شتّان بين الكمالين .. و عليه ، فالإنسان من الممكن أن يصل ذكاؤه إلى درجة معيّنة ، و أن تصل قوّة إبصاره إلى درجة معيّنة ، و أن تصل قوّة جسده إلى درجة معيّنة ، و هكذا دواليك. فكلّ البشر في الدنيا لم يصلوا إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من صفات خلقيّة و خُلُقيّة و نفسيّة و إدراكيّة . أمّا المؤمنين في الجنّة فسيصلون إلى أقصى ما يمكن أن يصله الإنسان من مواصفات . فهذا هو الكمال النسبي ، أي كالطالب الذي حصل على الدرجة الكاملة في مادته في مرحلته الدراسيّة. أمّا الكمال المطلق و هو كمال العلم و كمال القدرة و كمال الجمال ، فلن يصل إليه الإنسان ، بل سيصل إلى كمال العلم البشري و كمال القدرة البشريّة و كمال الجمال الإنساني و هكذا .. أي كمال الإنسان من حيث هو ، و ليس كمال الوجود من حيث هو !
2- نعم المؤمن مطالب بإثبات وجود الله إذا كان الأصل عدم وجوده . و الملحد مطالب بإثبات عدم وجود الله إذا كان الأصل هو وجوده. فلابدّ من تحديد القاعدة الأصليّة في المسألة ! فمثلا في المحكمة ، اتّفق أهل القانون أنّ الأصل في المتّهم أنّه بريئ . فصار لزاما على جهة الإدعاء أن نثبت كونه مدانا . أمّا لو كان أهل القانون متّفقين على أنّ الأصل في المتّهم أنّه مُدان . فسيصبح لزاما على جهة الدّفاع أن تثبت كونه بريئا ! من هنا نسأل : هل أصل الأفعال وجود فاعل لها أم الأصل عدم وجود فاعل للأفعال ؟ فإن كان الأصل وجود الأفعال ، فيلزم من ذلك أنّ الأصل وجود سبب أوّل لهذا الكون الذي نعيش فيه . و نحن نسمّي هذ السّبب الأوّل " الخالق " . و بالتالي فالأصل وجود خالق ، حتى يظهر لنا دليل بخلاف ذلك . فهل هناك دليل بخلاف ذلك ؟!!
-3 اختلفت شرائع الأديان السماويّة السابقة ؛ لأنّ الشرائع تراعي ظروف الزمان و المكان . فكانت كلّ شريعة تناسب أصحابها و ظروفهم المحيطة بهم. و أمّا مسألة الأخلاق فيجب التفريق بين أمرين : الأوّل : مبادئ الأخلاق . الثّاني : تطبيق الأخلاق . فأمّا مبادئ الأخلاق فهي ثابتة ، و أمّا التطبيقات فهي تختلف . أعطيكي مثالا بسيطا لتوضيح ذلك . هناك مبدأ أخلاقي ثابت و هو " برّ الوالدين " ، و لكن تختلف المجتمعات في كيفيّة تحقيق هذا المبدأ الأخلاقي. فهناك مجتمع يرى أنّ برّ الوالدين العجوزين يكون بإبقائهما في البيت و الجلوس معهما و رعايتهما . و مجتمع آخر يرى بأنّ برّ الوالدين العجوزين يكون بنقلهما إلى مركز متخصّص برعاية المسنّين و صرف المال لهم من أجل تحقيق الرعاية الكاملة لهم . المجتمع الأوّل يرى المجتمع الثاني عاق للوالدين ، و الثاني يرى الأول عاق و بخيل ! فالاختلاف هنا ليس في مبدأ برّ الوالدين ، و لكن في كيفيّة تحقيق ذلك . و عليه ، فالشريعة الإلهيّة تسعى لترسيخ الأخلاق و تطبيقها في المجتمع و عند الأفراد ، و لكن قد تختلف الكيفيّات بما يكون مناسبا لكل عصر من تلك العصور السابقة.
......................................
المشاركة الثانيه من الاخت ايلياء:
شكرًا أبو عمر، بالنسبة للنقطة الأولى واضحة ولكن لدي استفسار، هل يمكن أن يطالب الإنسان بالكمال المطلق في الجنة ؟ -إذا كان رغبات كل إنسان مجابة-
وبالنسبة للنقطة الثانية فهي واضحة جدًا، أما بالنسبة للنقطة الثالثة، فحسبت ما فهمته منك أن الاختلاف كان فقط الكيفيات، أوليس عصرنا الآن يختلف عن عصر ما قبل ١٤٠٠ سنة ؟ لماذا لم يجعل لكل عصر كيفيته الخاصة ؟
ونسيت بأن أضيف سؤالًا آخر عن الأخلاق، بالنسبة لمسألة الرق، فهي كانت مشروعة وكان هذا هو العرف في تلك الأيام، أما الآن فهل يشرع أن يستعبد الناس ؟ وهل من يقوم بذلك يكون عمله غير أخلاقي من وجهة نظر إسلامية ؟ (فلقد سمعت بأن العبودية ما زالت موجودة في اليمن)
الرد من الاخ ابو عمر:
أولا : بالنسبة لسؤالك القائل : هل يمكن أن يطالب الإنسان بالكمال المطلق في الجنّة ؟ فجوابه : " لا ، لن يطلب ذلك " . و ليس هناك مانع عقلي أن يطلب ذلك ، لكن منطق الواقع يمنع ذلك . أعطيكي مثال توضيحي بسيط . هناك طفل عمره 10 سنوات ، أقصى ما يتمنّاه هو الحصول على درّاجة هوائيّة . فإن قلنا له : سنحقّق أيّ طلب تطلبه عندما تبلغ سنّ الأربعين. فهل يُعقل أن يكون الطلب الذي سيطلبه الإنسان حين يبلغ سنّ الاربعين هو الحصول على درّاجة هوائيّة ؟! قطعا لا ،، سيطلب سيّارة أو طيّارة خاصّة ... و عليه ، فأمنيات الإنسان تتغيّر بتغيّر نضوجه العقلي. و الإنسان في الجنّة سيكون في أنضج حالاته ، فهل يُتصوّر من الإنسان العاقل النّاضج ، الذي كافأه ربّه بإدخاله الجنّة ، أن تكون أمنيته في الجنّة أن يكون مثل الله ؟؟!! هذا أمر غير متصوّر عند المنطق الواقعي السليم.
ثانيا : نعم عصرنا مختلف عن عصر ما قبل 1400 سنة . و لكن يجب الانتباه أنّه ليس كلّ التكليفات الشرعيّة مرهونة على الزمان . فالعقائد مثلا لا علاقة لها بالزمان . فهناك مجموعة حقائق تقول بأنّ هناك خالق واحد للكون هو الله ، سيحاسب النّاس يوم القيامة ، و قدّ بلّغ النّاس ذلك عن طريق رسل ، حمل هؤلاء الرسل كتب الله ، نقلها إليهم ملائكة الله . هذه الحزمة من العقائد ثابتة لا علاقة لها بالزمن ، وكلّ البشر مطالبة بالإيمان بهذه العقائد في كلّ مكان و زمان. إضافة إلى أنّ الله أمر المؤمنين بأن يصلّلوا له بطريقة معيّنة ، و يصوموا في شهر رمضان ، و يعطوا الفقراء من مالهم كلّ سنة ، و يحجّوا إن استطاعوا . و أيضا هذه العبادات لا تتغيّر بتغيّر الزمان. فلم تبق إلا مسائل بسيطة هي التي تعتمد على ظروف الزمان و المكان ، ستجدين أنّ شريعة الإسلام و ضع لها حلولا من خلال حزمة من القواعد العامّة مثل قاعدة " إنّما الأعمال بالنيّات " ، " و لا تلقوا بأيديهم إلى التهلكة " ، " لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها " ، " فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " .. و هذه القواعد تجعل التشريعات الإسلاميّة قابلة للتطبيق مهما كانت ظروف الزمان و المكان.
ثالثا : بالنسبة لسؤالك عن الرق ، فالإسلام ترك له بابا واحدا فقط ، و وضع أمام هذا الباب خيارات أخرى بديلة. فمن قام بالاسترقاق خارج هذا الباب ففعله غير شرعي و غير أخلاقي . أمّا من قام بالاسترقاق من خلال الحرب في زماننا ، و رفض المفاداة برغم أنّ العدو طلب ذلك ، فهذا الفعل هو تضييع لروح الشريعة ، فالشريعة في حقيقتها لا تفضّل ذلك. و يكون هذا الفعل غير أخلاقي بالمنظور العرفي ، و مجافي لروح الشريعة ، لكن لا يمكن أن نقول بأنّه غير مشروع ؛ إذ لازال ضمن الخيارات المتاحة !
........................................
المشاركة الثالثه ....للاخت ايلياء:
جميل، وبمناسبة حديثك عن أصحاب الجنة، إذا كان يقال بأن حياة الإنسان بدون الإيمان بالله فهي خالية من المعنى فيقال "الإنسان يأكل ويشرب ويلهو بلا هدف"،إذن فهل حياة الإنسان في الجنة لها معنى ؟ فهو سيفعل نفس ما يفعله الغير مؤمن في الدنيا
الرد من الاخ ابو عمر:
بالطبع الحياة في الجنّة لها معنى . فالمؤمن سيكون في اتصال مباشر مع الله يكلّمه و يناجيه و يسبّحه ليس بينه و بينه ترجمان.
و سؤالك يشبه السؤال القائل : هل حياة الإنسان بعد التقاعد لها معنى أم مجرّد حياة تافهة بلا معنى ؟؟!!
و الجواب ببساطة : الإنسان بعد التقاعد تتحوّل حياته من قاعدة " أحبّ ما تعمل " إلى قاعدة " اعمل ما تحبّ " .
فالإنسان الموظّف مجبر على الذهاب إلى وظيفته لكي يحصل على راتب ، فأصبح ملزما أن يحبّ عمله الوظيفي الإلزامي لكي لا تكون حياته متعبة و شاقّة. و لكنّه بعد التقاعد أصبح يأخذ راتبا بلا وظيفة ، و لكنّه يقوم بالأعمال التي يحبّها من غير فرض من الحكومة ..
و مثالي دقيق إلى حد كبير ، فبدل أن يعبد الإنسان ربّه لينال ثواب ، فيحاول أن يحبّ ما فرضه الله عليه . يتحوّل إلى إنسان ينال ثواب عمله السابق ، و بالتالي سيعمل ما يستحقّه الله عن حبّ و ليس لأنّ الله قد فرض عليه ذلك ...
و لأنّ الإنسان لم يعتد هذا النمط من الحياة ، يظنّ في الوهلة الأولى أنّه بلا معنى .. !!!
الخلاصة : المؤمن يعبد الله في الدنيا لأنّه أمر بذلك ، بينما المؤمن يعبد الله في الجنّة لأنّه يستحقّ ذلك .
.................................................. .......
االمشاركة الرابع للاخت ايلياء............:
شكرًا يا أخي أبو عمر، كنت أقرأ في كتاب النبأ العظيم -بناءًا على نصيحة أحد الأخوة الذي كان هذا المنتدى سببًا في هدايته-، ولكن ما زالت بعض الشبهات تراودني، فطرحتها هنا، ثم أنت أجبت علي وارتاح قلبي لها، فما في وسعي الآن إلا أن أقول "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، الله ينور عليك يا أخي الكريم، وشكرًا لتوفير وقتك الثمين لطرح إجاباتك علي، أما الآن فأستأذنك وسأذهب إلى الصلاة لأول مرة بعد سنتين -عفا الله عني-.
تعليق