رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]
ثم دخلت سنة سبع وتسعين
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث
وفيها غزا- فيما ذكر الواقدي- مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، ففتح الحصن الذي كان فتحه الوضاح صاحب الوضاحية.
وفيها غزا عمر بن هبيرة الفزاري في البحر أرض الروم، فشتا بها.
وفيها قتل عبد العزيز بن موسى بن نصير بالأندلس، وقدم برأسه على سليمان حبيب بن أبى عبيد الفهري.
ولايه يزيد بن المهلب على خراسان
وفيها ولى سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان.
*ذكر الخبر عن سبب ولايته خراسان:
وكان السبب في ذلك أن سليمان بن عبد الملك لما أفضت الخلافة إليه ولى يزيد بن المهلب حرب العراق والصلاة وخراجها.
فذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف، أن يزيد نظر لما ولاه سليمان ما ولاه من أمر العراق في أمر نفسه، فقال: إن العراق قد أخربها الحجاج، وأنا اليوم رجاء أهل العراق، ومتى قدمتها وأخذت الناس بالخراج وعذبتهم عليه صرت مثل الحجاج أدخل على الناس الحرب، وأعيد عليهم تلك السجون التي قد عافاهم الله منها، ومتى لم آت سليمان بمثل ما جاء به الحجاج لم يقبل مني فأتى يزيد سليمان فقال: أدلك على رجل بصير بالخراج توليه إياه، فتكون أنت تأخذه به؟ صالح بن عبد الرحمن، مولى بني تميم. فقال له: قد قبلنا رأيك، فأقبل يزيد إلى العراق.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
وحدثني عمر بن شبة، قال: قال علي: كان صالح قدم العراق قبل قدوم يزيد، فنزل واسطا قال علي: فقال عباد بن أيوب: لما قدم يزيد خرج الناس يتلقونه، فقيل لصالح: هذا يزيد، وقد خرج الناس يتلقونه، فلم يخرج حتى قرب يزيد من المدينة، فخرج صالح، عليه دراعة ودبوسية صفراء صغيره، بين يديه أربعمائة من أهل الشام، فلقي يزيد فسايره، فلما دخل المدينة قال له صالح: قد فرغت لك هذه الدار- فأشار له إلى دار- فنزل يزيد، ومضى صالح إلى منزله قال: وضيق صالح على يزيد فلم يملكه شيئا، واتخذ يزيد ألف خوان يطعم الناس عليها، فأخذها صالح، فقال له يزيد: اكتب ثمنها علي، واشتري متاعا كثيرا، وصك صكاكا إلى صالح لباعتها منه، فلم ينفذه، فرجعوا إلى يزيد، فغضب وقال: هذا عملي بنفسي، فلم يلبث أن جاء صالح، فأوسع له يزيد، فجلس وقال ليزيد: ما هذه الصكاك؟ الخراج لا يقوم لها، قد أنفذت لك منذ أيام صكا بمائة ألف، وعجلت لك أرزاقك، وسألت مالا للجند، فأعطيتك، فهذا لا يقوم له شيء، ولا يرضى أمير المؤمنين به، وتؤخذ به! فقال له يزيد: يا أبا الوليد، أجز هذه الصكاك هذه المرة، وضاحكه قال: فإني أجيزها، فلا تكثرن علي، قال: لا.
وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه قال في ذلك: حدثني أبو مالك أن وكيع بن أبي سود بعث بطاعته وبرأس قتيبة إلى سليمان، فوقع ذلك من سليمان كل موقع، فجعل يزيد بن المهلب لعبد الله بن الأهتم مائة ألف على أن ينقر وكيعا عنده، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين! والله ما أحد أوجب شكرا، ولا أعظم عندي يدا من وكيع، لقد أدرك بثأري، وشفاني من عدوي، ولكن أمير المؤمنين أعظم وأوجب علي حقا، وأن النصيحة تلزمني لأمير المؤمنين، إن وكيعا لم يجتمع له مائة عنان قط إلا حدث نفسه بغدرة، خامل في الجماعة، نابه في الفتنة، فقال: ما هو إذا ممن نستعين به- وكانت قيس تزعم أن قتيبة لم يخلع- فاستعمل سليمان يزيد ابن المهلب على حرب العراق، وأمره إن أقامت قيس البينة أن قتيبة لم يخلع فينزع يدا من طاعة، أن يقيد وكيعا به فغدر يزيد، فلم يعط عبد الله ابن الأهتم ما كان ضمن له، ووجه ابنه مخلد بن يزيد إلى وكيع.
رجع الحديث إلى حديث علي، قال علي: أخبرنا أبو مخنف عن عثمان بن عمرو بن محصن، وأبو الحسن الخراساني عن الكرماني، قال: وجه يزيد ابنه مخلدا إلى خراسان فقدم مخلد عمرو بن عبد الله بن سنان العتكي، ثم الصنابحي، حين دنا من مرو، فلما قدمها أرسل إلى وكيع أن القني، فأبى، فأرسل إليه عمرو، يا أعرابي أحمق جلفا جافيا، انطلق إلى أميرك فتلقه وخرج وجوه من أهل مرو يتلقون مخلدا، وتثاقل وكيع عن الخروج، فأخرجه عمرو الأزدي، فلما بلغوا مخلدا نزل الناس كلهم غير وكيع ومحمد بن حمران السعدي وعباد بن لقيط أحد بني قيس بن ثعلبة، فأنزلوهم، فلما قدم مرو حبس وكيعا فعذبه، وأخذ أصحابه فعذبهم قبل قدوم أبيه.
قال علي: عن كليب بن خلف، قال: أخبرنا إدريس بن حنظلة، قال:
لما قدم مخلد خراسان حبسني، فجاءني ابن الأهتم فقال لي: أتريد أن تنجو؟ قلت: نعم، قال: أخرج الكتب التي كتبها القعقاع بن خليد العبسي وخريم بن عمرو المري إلى قتيبة في خلع سليمان، فقلت له: يا بن الأهتم، إياي تخدع عن ديني! قال: فدعا بطومار وقال: انك احمق فكتب كتبا عن لسان القعقاع ورجال من قيس إلى قتيبة أن، الوليد بن عبد الملك قد مات، وسليمان باعث هذا المزوني على خراسان فاخلعه. فقلت: يا بن الأهتم، تهلك والله نفسك! والله لئن دخلت عليه لأعلمنه أنك كتبتها.
قال: ووصل يزيد عبد الملك بن سلام السلولي فقال:
ما زال سيبك يا يزيد بحوبتي ... حتى ارتويت وجودكم لا ينكر
أنت الربيع إذا تكون خصاصة ... عاش السقيم به وعاش المقتر
عمت سحابته جميع بلادكم ... فرووا وأغدقهم سحاب ممطر
فسقاك ربك حيث كنت مخيلة ... ريا سحائبها تروح وتبكر
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
خبر محاصرة مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية
فذكر محمد بن عمر أن ثور بن يزيد حدثه عن سليمان بن موسى.
قال: لما دنا مسلمة من قسطنطينية أمر كل فارس أن يحمل على عجز فرسه مديين من طعام حتى يأتي به القسطنطينية، فأمر بالطعام فألقي في ناحية مثل الجبال، ثم قال للمسلمين: لا تأكلوا منه شيئا، أغيروا في ارضهم، وازدرعوا وعمل بيوتا من خشب، فشتا فيها، وزرع الناس، ومكث ذلك الطعام في الصحراء لا يكنه شيء، والناس يأكلون مما أصابوا من الغارات، ثم أكلوا من الزرع، فأقام مسلمة بالقسطنطينية قاهرا لأهلها، معه وجوه أهل الشام: خالد بن معدان، وعبد الله بن أبي زكرياء الخزاعي، ومجاهد بن جبر، حتى أتاه موت سليمان فقال القائل:
تحمل مدييها ومديى مسلمه
حدثني أحمد بن زهير، عن علي بن محمد، قال: لما ولي سليمان غزا الروم فنزل دابق، وقدم مسلمة فهابه الروم، فشخص إليون من أرمينية، فقال لمسلمة: ابعث إلي رجلا يكلمني، فبعث ابن هبيرة، فقال له ابن هبيرة: ما تعدون الأحمق فيكم؟ قال: الذي يملأ بطنه من كل شيء يجده، فقال له ابن هبيرة: إنا أصحاب دين، ومن ديننا طاعة أمرائنا، قال: صدقت، كنا وأنتم نقاتل على الدين ونغضب له، فأما اليوم فإنا نقاتل على الغلبة والملك، نعطيك عن كل رأس دينارا.
فرجع ابن هبيرة إلى الروم من غده، وقال: أبى أن يرضى، أتيته وقد تغدى وملأ بطنه ونام، فانتبه وقد غلب عليه البلغم، فلم يدر ما قلت.
وقالت البطارقة لإليون: إن صرفت عنا مسلمة ملكناك فوثقوا له، فأتى مسلمة فقال: قد علم القوم أنك لا تصدقهم القتال، وأنك تطاولهم ما دام الطعام عندك، ولو أحرقت الطعام أعطوا بأيديهم، فأحرقه، فقوي العدو، وضاق المسلمون حتى كادوا يهلكون، فكانوا على ذلك حتى مات سليمان قال: وكان سليمان بن عبد الملك لما نزل دابق اعطى الله عهدا الا ينصرف حتى يدخل الجيش الذي وجهه إلى الروم القسطنطينية.
قال: وهلك ملك الروم، فأتاه إليون فأخبره، وضمن له أن يدفع إليه أرض الروم، فوجه معه مسلمة حتى نزل بها، وجمع كل طعام حولها وحصر أهلها وأتاهم إليون فملكوه، فكتب إلى مسلمة يخبره بالذي كان، ويسأله أن يدخل من الطعام ما يعيش به القوم، ويصدقونه بأن أمره وأمر مسلمة واحد، وأنهم في أمان من السباء والخروج من بلادهم، وأن يأذن لهم ليلة في حمل الطعام، وقد هيأ إليون السفن والرجال، فأذن له، فما بقي في تلك الحظائر إلا ما لا يذكر، حمل في ليلة، وأصبح إليون محاربا، وقد خدعه خديعة لو كان امرأة لعيب بها، فلقي الجند ما لم يلق جيش، حتى إن كان الرجل ليخاف أن يخرج من العسكر وحده، وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق، وكل شيء غير التراب، وسليمان مقيم بدابق، ونزل الشتاء فلم يقدر يمدهم حتى هلك سليمان.
مبايعة سليمان لابنه أيوب وليا للعهد
وفي هذه السنة بايع سليمان بن عبد الملك لابنه أيوب بن سليمان وجعله ولي عهده، فحدثني عمر بن شبة، عن علي بن محمد، قال: كان عبد الملك أخذ على الوليد وسليمان أن يبايعا لابن عاتكة ولمروان بن عبد الملك من بعده، قال: فحدثني طارق بن المبارك، قال: مات مروان بن عبد الملك في خلافة سليمان منصرفه من مكة، فبايع سليمان حين مات مروان لأيوب، وأمسك عن يزيد وتربص به، ورجا أن يهلك، فهلك أيوب وهو ولي عهده.
وفي هذه السنة- فيما زعم الواقدي- غزا الوليد بن هشام وعمرو بن قيس، فأصيب ناس من أهل أنطاكية، وأصاب الوليد ناسا من ضواحي الروم وأسر منهم بشرا كثيرا.
غزو جرجان وطبرستان
فذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، أن يزيد بن المهلب لما قدم خراسان أقام ثلاثة أشهر أو أربعة، ثم أقبل إلى دهستان وجرجان، وبعث ابنه مخلدا على خراسان، وجاء حتى نزل بدهستان، وكان أهلها طائفة من الترك، فأقام عليها، وحاصر أهلها، معه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام ووجوه أهل خراسان والري، وهو في مائة ألف مقاتل سوى الموالي والمماليك والمتطوعين، فكانوا يخرجون فيقاتلون الناس، فلا يلبثهم الناس أن يهزموهم فيدخلون حصنهم، ثم يخرجون أحيانا فيقاتلون فيشتد قتالهم.
وكان جهم وجمال ابنا زحر من يزيد بمكان، وكان يكرمهما، وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي له لسان وبأس، غير أنه كان يفسد نفسه بالشراب، وكان لا يكثر غشيان يزيد وأهل بيته، وكأنه أيضا حجزه عن ذلك ما رأى من حسن أثرهم على ابني زحر جهم وجمال وكان إذا نادى المنادي: يا خيل الله اركبي وأبشري كان أول فارس من أهل العسكر يبدر إلى موقف البأس عند الروع محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة، فنودي ذات يوم في الناس، فبدر الناس ابن أبي سبرة، فإنه لواقف على تل إذ مر به عثمان بن المفضل، فقال له: يا بن أبي سبرة، ما قدرت على أن أسبقك إلى الموقف قط، فقال: وما يغني ذلك عني، وأنتم ترشحون غلمان مذحج، وتجهلون حق ذوي الأسنان والتجارب والبلاء! فقال: أما إنك لو تريد ما قبلنا لم نعدل عنك ما أنت له أهل.
قال: وخرج الناس فاقتتلوا قتالا شديدا فحمل محمد بن أبي سبرة على تركي قد صد الناس عنه، فاختلفا ضربتين، فثبت سيف التركي في بيضة ابن أبي سبرة، وضربه ابن أبي سبرة فقتله، ثم أقبل وسيفه في يده يقطر دما، وسيف التركي في بيضته، فنظر الناس إلى أحسن منظر رأوه من فارس، ونظر يزيد إلى ائتلاق السيفين والبيضة والسلاح فقال: من هذا؟ فقالوا: ابن أبي سبرة، فقال: لله أبوه! أي رجل هو لولا إسرافه على نفسه! وخرج يزيد بعد ذلك يوما وهو يرتاد مكانا يدخل منه على القوم، فلم يشعر بشيء حتى هجم عليه جماعة من الترك- وكان معه وجوه الناس وفرسانهم، وكان في نحو من أربعمائة، والعدو في نحو من أربعة آلاف- فقاتلهم ساعة، ثم قالوا ليزيد: أيها الأمير، انصرف ونحن نقاتل عنك، فأبى أن يفعل، وغشي القتال يومئذ بنفسه، وكان كأحدهم، وقاتل ابن أبي سبرة وابنا زحر والحجاج بن جارية الخثعمي وجل أصحابه، فأحسنوا القتال، حتى إذا أرادوا الانصراف جعل الحجاج بن جارية على الساقة، فكان يقاتل من ورائه حتى انتهى إلى الماء، وقد كانوا عطشوا فشربوا، وانصرف عنهم العدو، ولم يظفروا منهم بشيء، فقال سفيان ابن صفوان الخثعمي:
لولا ابن جارية الأغر جبينه ... لسقيت كأسا مرة المتجرع
وحماك في فرسانه وخيوله ... حتى وردت الماء غير متعتع
ثم إنه ألح عليها وأنزل الجنود من كل جانب حولها، وقطع عنهم المواد، فلما جهدوا، وعجزوا عن قتال المسلمين، واشتد عليهم الحصار والبلاء، بعث صول دهقان دهستان إلى يزيد: إني أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي، وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها.
فصالحه، وقبل منه، ووفى له، ودخل المدينة فأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز ومن السبي شيئا لا يحصى، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرا، وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك.
ثم خرج حتى أتى جرجان، وقد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائه الف، ومائتي الف أحيانا، وثلاثمائة ألف، وصالحوهم عليها، فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح وهابوه وزادوه، واستخلف عليهم رجلا من الأزد يقال له: أسد بن عبد الله، ودخل يزيد إلى الإصبهبذ في طبرستان فكان معه الفعلة يقطعون الشجر، ويصلحون الطرق، حتى انتهوا إليه، فنزل به فحصره وغلب على أرضه، وأخذ الإصبهبذ يعرض على يزيد الصلح ويريده على ما كان يؤخذ منه، فيأبى رجاء افتتاحها فبعث ذات يوم أخاه أبا عيينة في أهل المصرين، فأصعد في الجبل إليهم، وقد بعث الإصبهبذ إلى الديلم، فاستجاش بهم، فاقتتلوا، فحازهم المسلمون ساعة وكشفوهم، وخرج رأس الديلم يسأل المبارزة، فخرج إليه ابن أبي سبرة فقتله، فكانت هزيمتهم حتى انتهى المسلمون إلى فم الشعب، فذهبوا ليصعدوا فيه، وأشرف عليهم العدو يرشقونهم بالنشاب، ويرمونهم بالحجارة، فانهزم الناس من فم الشعب من غير كبير قتال ولا قوة من عدوهم على اتباعهم وطلبهم، وأقبلوا يركب بعضهم بعضا، حتى أخذوا يتساقطون في اللهوب، ويتدهدى الرجل من رأس الجبل حتى نزلوا إلى عسكر يزيد لا يعبئون بالشر شيئا.
وأقام يزيد بمكانه على حاله، وأقبل الإصبهبذ يكاتب أهل جرجان ويسألهم أن يثبوا بأصحاب يزيد، وأن يقطعوا عليه مادته والطرق فيما بينه وبين العرب، ويعدهم أن يكافئهم على ذلك، فوثبوا بمن كان يزيد خلف من المسلمين، فقتلوا منهم من قدروا عليه، واجتمع بقيتهم فتحصنوا في جانب، فلم يزالوا فيه حتى خرج إليهم يزيد وأقام يزيد على الإصبهبذ في ارضه حتى صالحه على سبعمائة الف درهم وأربعمائة الف نقدا ومائتي الف وأربعمائة حمار موقره زعفرانا، وأربعمائة رجل؟ على راس كل رجل برنس، على البرنس طيلسان ولجام من فضة وسرقة من حرير، وقد كانوا صالحوا قبل ذلك على مائتي ألف درهم.
ثم خرج منها يزيد وأصحابه كأنهم فل، ولولا ما صنع أهل جرجان لم يخرج من طبرستان حتى يفتحها.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
قال علي: قال أبو بكر الهذلي: كان شهر بن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب، فرفعوا عليه أنه أخذ خريطة، فسأله يزيد عنها، فأتاه بها، فدعا يزيد الذي رفع عليه فشتمه، وقال لشهر: هي لك، قال: لا حاجة لي فيها، فقال القطامي الكلبي- ويقال: سنان بن مكمل النميري:
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
أخذت به شيئا طفيفا وبعته ... من ابن جونبوذ ان هذا هو الغدر
وقال مرة النخعي لشهر:
يا بن المهلب ما أردت إلى امرئ ... لولاك كان كصالح القراء
قال علي في حديثه، عمن ذكر خبر جرجان عنهم: وزاد فيه على ابن مجاهد، عن خالد بن صبيح أن يزيد بن المهلب لما صالح صولا طمع في طبرستان أن يفتحها، فاعتزم على أن يسير إليها، فاستعمل عبد الله بن المعمر اليشكري على البياسان ودهستان، وخلف معه أربعة آلاف، ثم أقبل إلى أداني جرجان مما يلي طبرستان، واستعمل على أندرستان أسد ابن عمرو- أو ابن عبد الله بن الربعة- وهي مما يلي طبرستان، وخلفه، في أربعة آلاف، ودخل يزيد بلاد الإصبهبذ فأرسل إليه يسأله الصلح.
وأن يخرج من طبرستان، فأبى يزيد، ورجا أن يفتحها، فوجه أخاه أبا عيينة من وجه، وخالد بن يزيد ابنه من وجه، وأبا الجهم الكلبي من وجه، وقال: إذا اجتمعتم فأبو عيينة على الناس فسار أبو عيينة في أهل المصرين ومعه هريم بن أبي طحمة وقال يزيد لأبي عيينة: شاور هريما فإنه ناصح وأقام يزيد معسكرا.
قال: واستجاش الإصبهبذ بأهل جيلان وأهل الديلم، فأتوه فالتقوا في سند جبل، فانهزم المشركون، وأتبعهم المسلمون حتى انتهوا إلى فم الشعب فدخله المسلمون، فصعد المشركون في الجبل، وأتبعهم المسلمون، فرماهم العدو بالنشاب والحجارة، فانهزم أبو عيينة والمسلمون، فركب بعضهم بعضا يساقطون من الجبل، فلم يثبتوا حتى انتهوا إلى عسكر يزيد، وكف العدو عن أتباعهم، وخافهم الإصبهبذ، فكتب إلى المرزبان ابن عم فيروز بن قول وهو بأقصى جرجان مما يلي البياسان: إنا قد قتلنا يزيد وأصحابه فاقتل من في البياسان من العرب فخرج إلى أهل البياسان والمسلمون غارون في منازلهم، قد أجمعوا على قتلهم، فقتلوا جميعا في ليلة، فأصبح عبد الله بن المعمر مقتولا وأربعة آلاف من المسلمين لم ينج منهم أحد، وقتل من بني العم خمسون رجلا، قتل الحسين بن عبد الرحمن واسماعيل ابن إبراهيم بن شماس وكتب إلى الإصبهبذ يأخذ بالمضايق والطرق.
وبلغ يزيد قتل عبد الله بن المعمر وأصحابه، فأعظموا ذلك، وهالهم، ففزع يزيد إلى حيان النبطي وقال: لا يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين، قد جاءنا عن جرجان ما جاءنا، وقد أخذ هذا بالطرق، فاعمل في الصلح، قال: نعم، فأتى حيان الإصبهبذ فقال: أنا رجل منكم، وإن كان الدين قد فرق بيني وبينكم، فانى لكم ناصح، وأنت أحب إلي من يزيد، وقد بعث يستمد، وأمداده منه قريبة، وإنما أصابوا منه طرفا، ولست آمن ان يأتيك مالا تقوم له، فأرح نفسك منه، وصالحه فإنك إن صالحته صير حده على أهل جرجان بغدرهم وقتلهم من قتلوا، فصالحه على سبعمائة الف- وقال على بن مجاهد: على خمسمائة الف- وأربعمائة وقر زعفران او قيمته من العين، وأربعمائة رجل، على كل رجل برنس وطيلسان، ومع كل رجل جام فضة وسرقة خز وكسوة.
ثم رجع إلى يزيد بن المهلب فقال: ابعث من يحمل صلحهم الذي صالحتهم عليه، قال: من عندهم أو من عندنا؟ قال: من عندهم وكان يزيد قد طابت نفسه على أن يعطيهم ما سألوا، ويرجع إلى جرجان فأرسل يزيد من يحمل ما صالحهم عليه حيان، وانصرف إلى جرجان، وكان يزيد قد غرم حيانا مائتي الف، فخاف ألا يناصحه.
والسبب الذى له اغرم حيان فيه ما حدثني علي بن مجاهد، عن خالد بن صبيح، قال: كنت مؤدبا لولد حيان، فدعاني فقال لي: اكتب كتابا إلى مخلد بن يزيد- ومخلد يومئذ ببلخ، ويزيد بمرو- فتناولت القرطاس، فقال: اكتب: من حيان مولى مصقلة إلى مخلد بن يزيد، فغمزني مقاتل ابن حيان الا تكتب، وأقبل على أبيه فقال: يا أبت تكتب إلى مخلد وتبدأ بنفسك! قال: نعم يا بني، فإن لم يرض لقي ما لقي قتيبة ثم قال لي: اكتب، فكتبت، فبعث مخلد بكتابه إلى أبيه، فأغرم يزيد حيان مائتي ألف درهم.
فتح جرجان
وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح الآخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد، قال علي، عن الرهط الذين ذكر أنهم حدثوه بخبر جرجان وطبرستان: ثم إن يزيد لما صالح أهل طبرستان قصد لجرجان، فأعطى الله عهدا، لئن ظفر بهم الا يقلع عنهم، ولا يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم، ويختبز من ذلك الطحين، ويأكل منه، فلما بلغ المرزبان أنه قد صالح الإصبهبذ وتوجه إلى جرجان، جمع أصحابه وأتى وجاه، فتحصن فيها، وصاحبها لا يحتاج إلى عدة من طعام ولا شراب وأقبل يزيد حتى نزل عليها وهم متحصنون فيها، وحولها غياض فليس يعرف لها إلا طريق واحد، فأقام بذلك سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء، ولا يعرف لهم مأتى إلا من وجه واحد، فكانوا يخرجون في الأيام فيقاتلونه ويرجعون إلى حصنهم، فبينا هم على ذلك إذ خرج رجل من عجم خراسان كان مع يزيد يتصيد ومعه شاكرية له.
وقال هشام بن محمد، عن أبي مخنف: فخرج رجل من عسكره من طيئ يتصيد، فأبصر وعلا يرقي في الجبل، فأتبعه، وقال لمن معه: قفوا مكانكم، ووقل في الجبل يقتص الأثر، فما شعر بشيء حتى هجم على عسكرهم، فرجع يريد اصحابه، فخاف الا يهتدي، فجعل يخرق قباءه ويعقد على الشجر علامات، حتى وصل إلى أصحابه، ثم رجع إلى العسكر ويقال: إن الذي كان يتصيد الهياج بن عبد الرحمن الأزدي من أهل طوس، وكان منهوما بالصيد، فلما رجع إلى العسكر أتى عامر بن أينم الواشجي صاحب شرطة يزيد، فمنعوه من الدخول، فصاح: إن عندي نصيحة.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
وقال هشام عن أبي مخنف: جاء حتى رفع ذلك الى ابني زحر بن قيس، فانطلق به ابنا زحر حتى أدخلاه على يزيد فأعلمه، فضمن له بضمان الجهنية- أم ولد كانت ليزيد- على شيء قد سماه.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
وقال علي بن محمد في حديثه عن أصحابه: فدعا به يزيد فقال: ما عندك؟ قال: أتريد أن تدخل وجاه بغير قتال؟ قال: نعم، قال: جعالتي؟ قال: احتكم، قال: أربعة آلاف، قال: لك دية، قال: عجلوا لي أربعة آلاف، ثم أنتم بعد من وراء الإحسان فأمر له بأربعة آلاف، وندب الناس، فانتدب ألف وأربعمائة، فقال: الطريق لا يحمل هذه الجماعة لالتفاف الغياض، فاختار منهم ثلاثمائة، فوجههم، واستعمل عليهم جهم بن زحر.
وقال بعضهم: استعمل عليهم ابنه خالد بن يزيد، وقال له: إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت، وإياك أن أراك عندي منهزما، وضم إليه جهم بن زحر، وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه: متى تصل إليهم؟ قال: غدا عند العصر فيما بين الصلاتين، قال: امضوا على بركة الله، فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صلاة الظهر فساروا، فلما قارب انتصاف النهار من غد أمر يزيد الناس أن يشعلوا النار في حطب كان جمعه في حصاره إياهم، فصيره آكاما، فأضرموه نارا، فلم تزل الشمس حتى صار حول عسكره أمثال الجبال من النيران، ونظر العدو إلى النار، فهالهم ما رأوا من كثرتها، فخرجوا إليهم وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا، فجمعوا بين الصلاتين، ثم زحفوا إليهم فاقتتلوا، وسار الآخرون بقية يومهم والغد، فهجموا على عسكر الترك قبيل العصر، وهم آمنون من ذلك الوجه، ويزيد يقاتل من هذا الوجه، فما شعروا إلا بالتكبير من ورائهم، فانقطعوا جميعا إلى حصنهم، وركبهم المسلمون، فأعطوا بأيديهم، ونزلوا على حكم يزيد، فسبى ذراريهم، وقتل مقاتلتهم، وصلبهم فرسخين عن يمين الطريق ويساره، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى الأندرهز- وادي جرجان- وقال: من طلبهم بثأر فليقتل، فكان الرجل من المسلمين يقتل الأربعة والخمسة في الوادي، وأجرى الماء في الوادي على الدم، وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم، ولتبر يمينه، فطحن واختبز وأكل وبنى مدينة جرجان وقال بعضهم: قتل يزيد من أهل جرجان أربعين ألفا، ولم تكن قبل ذلك مدينة ورجع إلى خراسان واستعمل على جرجان جهم بن زحر الجعفي.
[فيه نكارة، إضافة إلى وجود مجاهيل في إسناد هذه الرواية فإنه لحكمة ما لم يعتد أئمة الحديث برواية الرجل الذي لم يوثقه سوى ابن حبان وللا أن العلماء تساهلوا في رواية التاريخ لما ذكرنا رواية هؤلاء في قسم الصحيح، ومع ذلك فإننا قد ضربنا بعرض الحائط كل رواية من طريق رواة هذا إذا كان لهم في المتن نكارة، وأية نكارة أشد من هذا الذي ذكره الطبري هنا عن شيوخ المدائني؟! فكيف يختبز المسلمون عن دماء سفحت والدم المسموح حرام؟]
وأما هشام بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف أنه قال: دعا يزيد جهم ابن زحر فبعث معه أربعمائة رجل حتى أخذوا في المكان الذي دلوا عليه وقد أمرهم يزيد فقال: إذا وصلتم إلى المدينة فانتظروا، حتى إذا كان في السحر فكبروا، ثم انطلقوا نحو باب المدينة، فإنكم تجدوني وقد نهضت بجميع الناس إلى بابها، فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى إذا كانت
الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها مشى بأصحابه، فأخذ لا يستقبل من أحراسهم أحدا إلا قتله وكبر، ففزع أهل المدينة فزعا لم يدخلهم مثله قط فيما مضى، فلم يرعهم إلا والمسلمون معهم في مدينتهم يكبرون فدهشوا، فألقى الله في قلوبهم الرعب، وأقبلوا لا يدرون أين يتوجهون! غير أن عصابة منهم ليسوا بالكثير قد أقبلوا نحو جهم بن زحر، فقاتلوا ساعة، فدقت يد جهم، وصبر لهم هو وأصحابه، فلم يلبثوهم أن قتلوهم إلا قليلا وسمع يزيد بن المهلب التكبير، فوثب في الناس إلى الباب، فوجدوهم قد شغلهم جهم بن زحر عن الباب، فلم يجد عليه من يمنعه ولا من يدفع عنه كبير دفع، ففتح الباب ودخلها من ساعته، فأخرج من كان فيها من المقاتلة، فنصب لهم الجذوع فرسخين عن يمين الطريق ويساره، فصلبهم أربعة فراسخ، وسبى أهلها، وأصاب ما كان فيها.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة توفي أيوب بن سليمان بن عبد الملك، فحدثت عن علي بن محمد، قال: حدثنا علي بن مجاهد، عن شيخ من أهل الري أدرك يزيد، قال: أتى يزيد بن المهلب الري حين فرغ من جرجان، فبلغه وفاة أيوب بن سليمان وهو يسير في باغ أبي صالح على باب الري، فارتجز راجز بين يديه فقال:
إن يك أيوب مضى لشأنه ... فإن داود لفي مكانه
يقيم ما قد زال من سلطانه
ثم دخلت سنة تسع وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
وفاة سليمان بن عبد الملك
وقال علي: قال المفضل بن المهلب: دخلت على سليمان بدابق يوم
جمعة، فدعا بثياب فلبسها، فلم تعجبه، فدعا بغيرها بثياب خضر سوسية بعث بها يزيد بن المهلب، فلبسها واعتم وقال: يا بن المهلب، أعجبتك؟ قلت: نعم، فحسر عن ذراعيه ثم قال: أنا الملك الفتى، فصلى الجمعة، ثم لم يجمع بعدها، وكتب وصيته ودعا ابن أبي نعيم صاحب الخاتم فختمه.
قال علي: قال بعض أهل العلم: إن سليمان لبس يوما حلة خضراء وعمامة خضراء ونظر في المرآة فقال: أنا الملك الفتى، فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا.
قال علي: وحدثنا سحيم بن حفص، قال: نظرت إلى سليمان جارية له يوما، فقال: ما تنظرين؟ فقالت:
أنت خير المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
ليس فيما علمته فيك عيب ... كان في الناس غير أنك فان
فنفض عمامته.
قال علي: كان قاضى سليمان سليمان بن حبيب المحاربي، وكان ابن أبي عيينة يقص عنده.
وحدثت عن أبي عبيدة، عن رؤبة بن العجاج، قال: حج سليمان بن عبد الملك، وحج الشعراء معه، وحججت معهم، فلما كان بالمدينة راجعا تلقوه بنحو من أربعمائة أسير من الروم، فقعد سليمان، وأقربهم منه مجلسا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ص، فقدم بطريقهم فقال: يا عبد الله، اضرب عنقه، فقام فما أعطاه أحد سيفا حتى دفع إليه حرسي سيفه فضربه فأبان الرأس، وأطن الساعد وبعض الغل، فقال سليمان: أما والله ما من جودة السيف جادت الضربة، ولكن لحسبه، وجعل يدفع البقية إلى الوجوه وإلى الناس يقتلونهم حتى دفع إلى جرير رجلا منهم، فدست إليه بنو عبس سيفا في قراب أبيض، فضربه فأبان راسه، ودفع الى الفرزدق اسير فلم يجد سيفا، فدسوا له سيفا ددانا مثنيا لا يقطع، فضرب به الأسير ضربات، فلم يصنع شيئا، فضحك سليمان والقوم، وشمت بالفرزدق بنو عبس أخوال سليمان، فألقى السيف وأنشأ يقول، ويعتذر الى سليمان، وياتسى بن بو سيف ورقاء عن رأس خالد:
ان يك سيف خان أو قدر أتى ... بتأخير نفس حتفها غير شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط القلائد
[قلنا: في إسناده رؤبة بن العجاج، قال ابن القطان: دع رؤبة العجاج. وضعفه غير واحد.
الضعفاء والمتروكين (1/277) لابن الجوزي وللعقيلي (2/64) ولقد أبهم الطبري اسم الوسيط بينه وبين رؤبة]
وورقاء هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، ضرب خالد بن جعفر بن كلاب، وخالد مكب على أبيه زهير قد ضربه بالسيف وصرعه، فأقبل ورقاء بن زهير فضرب خالدا، فلم يصنع شيئا، فقال ورقاء ابن زهير:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
فشلت يميني يوم أضرب خالدا ... ويحصنه مني الحديد المظاهر
وقال الفرزدق في مقامه ذلك:
أيعجب الناس أن أضحكت خيرهم ... خليفة الله يستسقي به المطر
فما نبا السيف عن جبن ودهش ... عند الإمام ولكن أخر القدر
ولو ضربت على عمرو مقلده ... لخر جثمانه ما فوقه شعر
وما يعجل نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامه الذكر
وقال جرير في ذلك:
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك، وقالوا محدث غير صارم
ثم دخلت سنة سبع وتسعين
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث
وفيها غزا- فيما ذكر الواقدي- مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، ففتح الحصن الذي كان فتحه الوضاح صاحب الوضاحية.
وفيها غزا عمر بن هبيرة الفزاري في البحر أرض الروم، فشتا بها.
وفيها قتل عبد العزيز بن موسى بن نصير بالأندلس، وقدم برأسه على سليمان حبيب بن أبى عبيد الفهري.
ولايه يزيد بن المهلب على خراسان
وفيها ولى سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان.
*ذكر الخبر عن سبب ولايته خراسان:
وكان السبب في ذلك أن سليمان بن عبد الملك لما أفضت الخلافة إليه ولى يزيد بن المهلب حرب العراق والصلاة وخراجها.
فذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف، أن يزيد نظر لما ولاه سليمان ما ولاه من أمر العراق في أمر نفسه، فقال: إن العراق قد أخربها الحجاج، وأنا اليوم رجاء أهل العراق، ومتى قدمتها وأخذت الناس بالخراج وعذبتهم عليه صرت مثل الحجاج أدخل على الناس الحرب، وأعيد عليهم تلك السجون التي قد عافاهم الله منها، ومتى لم آت سليمان بمثل ما جاء به الحجاج لم يقبل مني فأتى يزيد سليمان فقال: أدلك على رجل بصير بالخراج توليه إياه، فتكون أنت تأخذه به؟ صالح بن عبد الرحمن، مولى بني تميم. فقال له: قد قبلنا رأيك، فأقبل يزيد إلى العراق.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
وحدثني عمر بن شبة، قال: قال علي: كان صالح قدم العراق قبل قدوم يزيد، فنزل واسطا قال علي: فقال عباد بن أيوب: لما قدم يزيد خرج الناس يتلقونه، فقيل لصالح: هذا يزيد، وقد خرج الناس يتلقونه، فلم يخرج حتى قرب يزيد من المدينة، فخرج صالح، عليه دراعة ودبوسية صفراء صغيره، بين يديه أربعمائة من أهل الشام، فلقي يزيد فسايره، فلما دخل المدينة قال له صالح: قد فرغت لك هذه الدار- فأشار له إلى دار- فنزل يزيد، ومضى صالح إلى منزله قال: وضيق صالح على يزيد فلم يملكه شيئا، واتخذ يزيد ألف خوان يطعم الناس عليها، فأخذها صالح، فقال له يزيد: اكتب ثمنها علي، واشتري متاعا كثيرا، وصك صكاكا إلى صالح لباعتها منه، فلم ينفذه، فرجعوا إلى يزيد، فغضب وقال: هذا عملي بنفسي، فلم يلبث أن جاء صالح، فأوسع له يزيد، فجلس وقال ليزيد: ما هذه الصكاك؟ الخراج لا يقوم لها، قد أنفذت لك منذ أيام صكا بمائة ألف، وعجلت لك أرزاقك، وسألت مالا للجند، فأعطيتك، فهذا لا يقوم له شيء، ولا يرضى أمير المؤمنين به، وتؤخذ به! فقال له يزيد: يا أبا الوليد، أجز هذه الصكاك هذه المرة، وضاحكه قال: فإني أجيزها، فلا تكثرن علي، قال: لا.
وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه قال في ذلك: حدثني أبو مالك أن وكيع بن أبي سود بعث بطاعته وبرأس قتيبة إلى سليمان، فوقع ذلك من سليمان كل موقع، فجعل يزيد بن المهلب لعبد الله بن الأهتم مائة ألف على أن ينقر وكيعا عنده، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين! والله ما أحد أوجب شكرا، ولا أعظم عندي يدا من وكيع، لقد أدرك بثأري، وشفاني من عدوي، ولكن أمير المؤمنين أعظم وأوجب علي حقا، وأن النصيحة تلزمني لأمير المؤمنين، إن وكيعا لم يجتمع له مائة عنان قط إلا حدث نفسه بغدرة، خامل في الجماعة، نابه في الفتنة، فقال: ما هو إذا ممن نستعين به- وكانت قيس تزعم أن قتيبة لم يخلع- فاستعمل سليمان يزيد ابن المهلب على حرب العراق، وأمره إن أقامت قيس البينة أن قتيبة لم يخلع فينزع يدا من طاعة، أن يقيد وكيعا به فغدر يزيد، فلم يعط عبد الله ابن الأهتم ما كان ضمن له، ووجه ابنه مخلد بن يزيد إلى وكيع.
رجع الحديث إلى حديث علي، قال علي: أخبرنا أبو مخنف عن عثمان بن عمرو بن محصن، وأبو الحسن الخراساني عن الكرماني، قال: وجه يزيد ابنه مخلدا إلى خراسان فقدم مخلد عمرو بن عبد الله بن سنان العتكي، ثم الصنابحي، حين دنا من مرو، فلما قدمها أرسل إلى وكيع أن القني، فأبى، فأرسل إليه عمرو، يا أعرابي أحمق جلفا جافيا، انطلق إلى أميرك فتلقه وخرج وجوه من أهل مرو يتلقون مخلدا، وتثاقل وكيع عن الخروج، فأخرجه عمرو الأزدي، فلما بلغوا مخلدا نزل الناس كلهم غير وكيع ومحمد بن حمران السعدي وعباد بن لقيط أحد بني قيس بن ثعلبة، فأنزلوهم، فلما قدم مرو حبس وكيعا فعذبه، وأخذ أصحابه فعذبهم قبل قدوم أبيه.
قال علي: عن كليب بن خلف، قال: أخبرنا إدريس بن حنظلة، قال:
لما قدم مخلد خراسان حبسني، فجاءني ابن الأهتم فقال لي: أتريد أن تنجو؟ قلت: نعم، قال: أخرج الكتب التي كتبها القعقاع بن خليد العبسي وخريم بن عمرو المري إلى قتيبة في خلع سليمان، فقلت له: يا بن الأهتم، إياي تخدع عن ديني! قال: فدعا بطومار وقال: انك احمق فكتب كتبا عن لسان القعقاع ورجال من قيس إلى قتيبة أن، الوليد بن عبد الملك قد مات، وسليمان باعث هذا المزوني على خراسان فاخلعه. فقلت: يا بن الأهتم، تهلك والله نفسك! والله لئن دخلت عليه لأعلمنه أنك كتبتها.
قال: ووصل يزيد عبد الملك بن سلام السلولي فقال:
ما زال سيبك يا يزيد بحوبتي ... حتى ارتويت وجودكم لا ينكر
أنت الربيع إذا تكون خصاصة ... عاش السقيم به وعاش المقتر
عمت سحابته جميع بلادكم ... فرووا وأغدقهم سحاب ممطر
فسقاك ربك حيث كنت مخيلة ... ريا سحائبها تروح وتبكر
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
خبر محاصرة مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية
فذكر محمد بن عمر أن ثور بن يزيد حدثه عن سليمان بن موسى.
قال: لما دنا مسلمة من قسطنطينية أمر كل فارس أن يحمل على عجز فرسه مديين من طعام حتى يأتي به القسطنطينية، فأمر بالطعام فألقي في ناحية مثل الجبال، ثم قال للمسلمين: لا تأكلوا منه شيئا، أغيروا في ارضهم، وازدرعوا وعمل بيوتا من خشب، فشتا فيها، وزرع الناس، ومكث ذلك الطعام في الصحراء لا يكنه شيء، والناس يأكلون مما أصابوا من الغارات، ثم أكلوا من الزرع، فأقام مسلمة بالقسطنطينية قاهرا لأهلها، معه وجوه أهل الشام: خالد بن معدان، وعبد الله بن أبي زكرياء الخزاعي، ومجاهد بن جبر، حتى أتاه موت سليمان فقال القائل:
تحمل مدييها ومديى مسلمه
حدثني أحمد بن زهير، عن علي بن محمد، قال: لما ولي سليمان غزا الروم فنزل دابق، وقدم مسلمة فهابه الروم، فشخص إليون من أرمينية، فقال لمسلمة: ابعث إلي رجلا يكلمني، فبعث ابن هبيرة، فقال له ابن هبيرة: ما تعدون الأحمق فيكم؟ قال: الذي يملأ بطنه من كل شيء يجده، فقال له ابن هبيرة: إنا أصحاب دين، ومن ديننا طاعة أمرائنا، قال: صدقت، كنا وأنتم نقاتل على الدين ونغضب له، فأما اليوم فإنا نقاتل على الغلبة والملك، نعطيك عن كل رأس دينارا.
فرجع ابن هبيرة إلى الروم من غده، وقال: أبى أن يرضى، أتيته وقد تغدى وملأ بطنه ونام، فانتبه وقد غلب عليه البلغم، فلم يدر ما قلت.
وقالت البطارقة لإليون: إن صرفت عنا مسلمة ملكناك فوثقوا له، فأتى مسلمة فقال: قد علم القوم أنك لا تصدقهم القتال، وأنك تطاولهم ما دام الطعام عندك، ولو أحرقت الطعام أعطوا بأيديهم، فأحرقه، فقوي العدو، وضاق المسلمون حتى كادوا يهلكون، فكانوا على ذلك حتى مات سليمان قال: وكان سليمان بن عبد الملك لما نزل دابق اعطى الله عهدا الا ينصرف حتى يدخل الجيش الذي وجهه إلى الروم القسطنطينية.
قال: وهلك ملك الروم، فأتاه إليون فأخبره، وضمن له أن يدفع إليه أرض الروم، فوجه معه مسلمة حتى نزل بها، وجمع كل طعام حولها وحصر أهلها وأتاهم إليون فملكوه، فكتب إلى مسلمة يخبره بالذي كان، ويسأله أن يدخل من الطعام ما يعيش به القوم، ويصدقونه بأن أمره وأمر مسلمة واحد، وأنهم في أمان من السباء والخروج من بلادهم، وأن يأذن لهم ليلة في حمل الطعام، وقد هيأ إليون السفن والرجال، فأذن له، فما بقي في تلك الحظائر إلا ما لا يذكر، حمل في ليلة، وأصبح إليون محاربا، وقد خدعه خديعة لو كان امرأة لعيب بها، فلقي الجند ما لم يلق جيش، حتى إن كان الرجل ليخاف أن يخرج من العسكر وحده، وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق، وكل شيء غير التراب، وسليمان مقيم بدابق، ونزل الشتاء فلم يقدر يمدهم حتى هلك سليمان.
مبايعة سليمان لابنه أيوب وليا للعهد
وفي هذه السنة بايع سليمان بن عبد الملك لابنه أيوب بن سليمان وجعله ولي عهده، فحدثني عمر بن شبة، عن علي بن محمد، قال: كان عبد الملك أخذ على الوليد وسليمان أن يبايعا لابن عاتكة ولمروان بن عبد الملك من بعده، قال: فحدثني طارق بن المبارك، قال: مات مروان بن عبد الملك في خلافة سليمان منصرفه من مكة، فبايع سليمان حين مات مروان لأيوب، وأمسك عن يزيد وتربص به، ورجا أن يهلك، فهلك أيوب وهو ولي عهده.
وفي هذه السنة- فيما زعم الواقدي- غزا الوليد بن هشام وعمرو بن قيس، فأصيب ناس من أهل أنطاكية، وأصاب الوليد ناسا من ضواحي الروم وأسر منهم بشرا كثيرا.
غزو جرجان وطبرستان
فذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، أن يزيد بن المهلب لما قدم خراسان أقام ثلاثة أشهر أو أربعة، ثم أقبل إلى دهستان وجرجان، وبعث ابنه مخلدا على خراسان، وجاء حتى نزل بدهستان، وكان أهلها طائفة من الترك، فأقام عليها، وحاصر أهلها، معه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام ووجوه أهل خراسان والري، وهو في مائة ألف مقاتل سوى الموالي والمماليك والمتطوعين، فكانوا يخرجون فيقاتلون الناس، فلا يلبثهم الناس أن يهزموهم فيدخلون حصنهم، ثم يخرجون أحيانا فيقاتلون فيشتد قتالهم.
وكان جهم وجمال ابنا زحر من يزيد بمكان، وكان يكرمهما، وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي له لسان وبأس، غير أنه كان يفسد نفسه بالشراب، وكان لا يكثر غشيان يزيد وأهل بيته، وكأنه أيضا حجزه عن ذلك ما رأى من حسن أثرهم على ابني زحر جهم وجمال وكان إذا نادى المنادي: يا خيل الله اركبي وأبشري كان أول فارس من أهل العسكر يبدر إلى موقف البأس عند الروع محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة، فنودي ذات يوم في الناس، فبدر الناس ابن أبي سبرة، فإنه لواقف على تل إذ مر به عثمان بن المفضل، فقال له: يا بن أبي سبرة، ما قدرت على أن أسبقك إلى الموقف قط، فقال: وما يغني ذلك عني، وأنتم ترشحون غلمان مذحج، وتجهلون حق ذوي الأسنان والتجارب والبلاء! فقال: أما إنك لو تريد ما قبلنا لم نعدل عنك ما أنت له أهل.
قال: وخرج الناس فاقتتلوا قتالا شديدا فحمل محمد بن أبي سبرة على تركي قد صد الناس عنه، فاختلفا ضربتين، فثبت سيف التركي في بيضة ابن أبي سبرة، وضربه ابن أبي سبرة فقتله، ثم أقبل وسيفه في يده يقطر دما، وسيف التركي في بيضته، فنظر الناس إلى أحسن منظر رأوه من فارس، ونظر يزيد إلى ائتلاق السيفين والبيضة والسلاح فقال: من هذا؟ فقالوا: ابن أبي سبرة، فقال: لله أبوه! أي رجل هو لولا إسرافه على نفسه! وخرج يزيد بعد ذلك يوما وهو يرتاد مكانا يدخل منه على القوم، فلم يشعر بشيء حتى هجم عليه جماعة من الترك- وكان معه وجوه الناس وفرسانهم، وكان في نحو من أربعمائة، والعدو في نحو من أربعة آلاف- فقاتلهم ساعة، ثم قالوا ليزيد: أيها الأمير، انصرف ونحن نقاتل عنك، فأبى أن يفعل، وغشي القتال يومئذ بنفسه، وكان كأحدهم، وقاتل ابن أبي سبرة وابنا زحر والحجاج بن جارية الخثعمي وجل أصحابه، فأحسنوا القتال، حتى إذا أرادوا الانصراف جعل الحجاج بن جارية على الساقة، فكان يقاتل من ورائه حتى انتهى إلى الماء، وقد كانوا عطشوا فشربوا، وانصرف عنهم العدو، ولم يظفروا منهم بشيء، فقال سفيان ابن صفوان الخثعمي:
لولا ابن جارية الأغر جبينه ... لسقيت كأسا مرة المتجرع
وحماك في فرسانه وخيوله ... حتى وردت الماء غير متعتع
ثم إنه ألح عليها وأنزل الجنود من كل جانب حولها، وقطع عنهم المواد، فلما جهدوا، وعجزوا عن قتال المسلمين، واشتد عليهم الحصار والبلاء، بعث صول دهقان دهستان إلى يزيد: إني أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي، وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها.
فصالحه، وقبل منه، ووفى له، ودخل المدينة فأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز ومن السبي شيئا لا يحصى، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرا، وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك.
ثم خرج حتى أتى جرجان، وقد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائه الف، ومائتي الف أحيانا، وثلاثمائة ألف، وصالحوهم عليها، فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح وهابوه وزادوه، واستخلف عليهم رجلا من الأزد يقال له: أسد بن عبد الله، ودخل يزيد إلى الإصبهبذ في طبرستان فكان معه الفعلة يقطعون الشجر، ويصلحون الطرق، حتى انتهوا إليه، فنزل به فحصره وغلب على أرضه، وأخذ الإصبهبذ يعرض على يزيد الصلح ويريده على ما كان يؤخذ منه، فيأبى رجاء افتتاحها فبعث ذات يوم أخاه أبا عيينة في أهل المصرين، فأصعد في الجبل إليهم، وقد بعث الإصبهبذ إلى الديلم، فاستجاش بهم، فاقتتلوا، فحازهم المسلمون ساعة وكشفوهم، وخرج رأس الديلم يسأل المبارزة، فخرج إليه ابن أبي سبرة فقتله، فكانت هزيمتهم حتى انتهى المسلمون إلى فم الشعب، فذهبوا ليصعدوا فيه، وأشرف عليهم العدو يرشقونهم بالنشاب، ويرمونهم بالحجارة، فانهزم الناس من فم الشعب من غير كبير قتال ولا قوة من عدوهم على اتباعهم وطلبهم، وأقبلوا يركب بعضهم بعضا، حتى أخذوا يتساقطون في اللهوب، ويتدهدى الرجل من رأس الجبل حتى نزلوا إلى عسكر يزيد لا يعبئون بالشر شيئا.
وأقام يزيد بمكانه على حاله، وأقبل الإصبهبذ يكاتب أهل جرجان ويسألهم أن يثبوا بأصحاب يزيد، وأن يقطعوا عليه مادته والطرق فيما بينه وبين العرب، ويعدهم أن يكافئهم على ذلك، فوثبوا بمن كان يزيد خلف من المسلمين، فقتلوا منهم من قدروا عليه، واجتمع بقيتهم فتحصنوا في جانب، فلم يزالوا فيه حتى خرج إليهم يزيد وأقام يزيد على الإصبهبذ في ارضه حتى صالحه على سبعمائة الف درهم وأربعمائة الف نقدا ومائتي الف وأربعمائة حمار موقره زعفرانا، وأربعمائة رجل؟ على راس كل رجل برنس، على البرنس طيلسان ولجام من فضة وسرقة من حرير، وقد كانوا صالحوا قبل ذلك على مائتي ألف درهم.
ثم خرج منها يزيد وأصحابه كأنهم فل، ولولا ما صنع أهل جرجان لم يخرج من طبرستان حتى يفتحها.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
قال علي: قال أبو بكر الهذلي: كان شهر بن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب، فرفعوا عليه أنه أخذ خريطة، فسأله يزيد عنها، فأتاه بها، فدعا يزيد الذي رفع عليه فشتمه، وقال لشهر: هي لك، قال: لا حاجة لي فيها، فقال القطامي الكلبي- ويقال: سنان بن مكمل النميري:
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
أخذت به شيئا طفيفا وبعته ... من ابن جونبوذ ان هذا هو الغدر
وقال مرة النخعي لشهر:
يا بن المهلب ما أردت إلى امرئ ... لولاك كان كصالح القراء
قال علي في حديثه، عمن ذكر خبر جرجان عنهم: وزاد فيه على ابن مجاهد، عن خالد بن صبيح أن يزيد بن المهلب لما صالح صولا طمع في طبرستان أن يفتحها، فاعتزم على أن يسير إليها، فاستعمل عبد الله بن المعمر اليشكري على البياسان ودهستان، وخلف معه أربعة آلاف، ثم أقبل إلى أداني جرجان مما يلي طبرستان، واستعمل على أندرستان أسد ابن عمرو- أو ابن عبد الله بن الربعة- وهي مما يلي طبرستان، وخلفه، في أربعة آلاف، ودخل يزيد بلاد الإصبهبذ فأرسل إليه يسأله الصلح.
وأن يخرج من طبرستان، فأبى يزيد، ورجا أن يفتحها، فوجه أخاه أبا عيينة من وجه، وخالد بن يزيد ابنه من وجه، وأبا الجهم الكلبي من وجه، وقال: إذا اجتمعتم فأبو عيينة على الناس فسار أبو عيينة في أهل المصرين ومعه هريم بن أبي طحمة وقال يزيد لأبي عيينة: شاور هريما فإنه ناصح وأقام يزيد معسكرا.
قال: واستجاش الإصبهبذ بأهل جيلان وأهل الديلم، فأتوه فالتقوا في سند جبل، فانهزم المشركون، وأتبعهم المسلمون حتى انتهوا إلى فم الشعب فدخله المسلمون، فصعد المشركون في الجبل، وأتبعهم المسلمون، فرماهم العدو بالنشاب والحجارة، فانهزم أبو عيينة والمسلمون، فركب بعضهم بعضا يساقطون من الجبل، فلم يثبتوا حتى انتهوا إلى عسكر يزيد، وكف العدو عن أتباعهم، وخافهم الإصبهبذ، فكتب إلى المرزبان ابن عم فيروز بن قول وهو بأقصى جرجان مما يلي البياسان: إنا قد قتلنا يزيد وأصحابه فاقتل من في البياسان من العرب فخرج إلى أهل البياسان والمسلمون غارون في منازلهم، قد أجمعوا على قتلهم، فقتلوا جميعا في ليلة، فأصبح عبد الله بن المعمر مقتولا وأربعة آلاف من المسلمين لم ينج منهم أحد، وقتل من بني العم خمسون رجلا، قتل الحسين بن عبد الرحمن واسماعيل ابن إبراهيم بن شماس وكتب إلى الإصبهبذ يأخذ بالمضايق والطرق.
وبلغ يزيد قتل عبد الله بن المعمر وأصحابه، فأعظموا ذلك، وهالهم، ففزع يزيد إلى حيان النبطي وقال: لا يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين، قد جاءنا عن جرجان ما جاءنا، وقد أخذ هذا بالطرق، فاعمل في الصلح، قال: نعم، فأتى حيان الإصبهبذ فقال: أنا رجل منكم، وإن كان الدين قد فرق بيني وبينكم، فانى لكم ناصح، وأنت أحب إلي من يزيد، وقد بعث يستمد، وأمداده منه قريبة، وإنما أصابوا منه طرفا، ولست آمن ان يأتيك مالا تقوم له، فأرح نفسك منه، وصالحه فإنك إن صالحته صير حده على أهل جرجان بغدرهم وقتلهم من قتلوا، فصالحه على سبعمائة الف- وقال على بن مجاهد: على خمسمائة الف- وأربعمائة وقر زعفران او قيمته من العين، وأربعمائة رجل، على كل رجل برنس وطيلسان، ومع كل رجل جام فضة وسرقة خز وكسوة.
ثم رجع إلى يزيد بن المهلب فقال: ابعث من يحمل صلحهم الذي صالحتهم عليه، قال: من عندهم أو من عندنا؟ قال: من عندهم وكان يزيد قد طابت نفسه على أن يعطيهم ما سألوا، ويرجع إلى جرجان فأرسل يزيد من يحمل ما صالحهم عليه حيان، وانصرف إلى جرجان، وكان يزيد قد غرم حيانا مائتي الف، فخاف ألا يناصحه.
والسبب الذى له اغرم حيان فيه ما حدثني علي بن مجاهد، عن خالد بن صبيح، قال: كنت مؤدبا لولد حيان، فدعاني فقال لي: اكتب كتابا إلى مخلد بن يزيد- ومخلد يومئذ ببلخ، ويزيد بمرو- فتناولت القرطاس، فقال: اكتب: من حيان مولى مصقلة إلى مخلد بن يزيد، فغمزني مقاتل ابن حيان الا تكتب، وأقبل على أبيه فقال: يا أبت تكتب إلى مخلد وتبدأ بنفسك! قال: نعم يا بني، فإن لم يرض لقي ما لقي قتيبة ثم قال لي: اكتب، فكتبت، فبعث مخلد بكتابه إلى أبيه، فأغرم يزيد حيان مائتي ألف درهم.
فتح جرجان
وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح الآخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد، قال علي، عن الرهط الذين ذكر أنهم حدثوه بخبر جرجان وطبرستان: ثم إن يزيد لما صالح أهل طبرستان قصد لجرجان، فأعطى الله عهدا، لئن ظفر بهم الا يقلع عنهم، ولا يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم، ويختبز من ذلك الطحين، ويأكل منه، فلما بلغ المرزبان أنه قد صالح الإصبهبذ وتوجه إلى جرجان، جمع أصحابه وأتى وجاه، فتحصن فيها، وصاحبها لا يحتاج إلى عدة من طعام ولا شراب وأقبل يزيد حتى نزل عليها وهم متحصنون فيها، وحولها غياض فليس يعرف لها إلا طريق واحد، فأقام بذلك سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء، ولا يعرف لهم مأتى إلا من وجه واحد، فكانوا يخرجون في الأيام فيقاتلونه ويرجعون إلى حصنهم، فبينا هم على ذلك إذ خرج رجل من عجم خراسان كان مع يزيد يتصيد ومعه شاكرية له.
وقال هشام بن محمد، عن أبي مخنف: فخرج رجل من عسكره من طيئ يتصيد، فأبصر وعلا يرقي في الجبل، فأتبعه، وقال لمن معه: قفوا مكانكم، ووقل في الجبل يقتص الأثر، فما شعر بشيء حتى هجم على عسكرهم، فرجع يريد اصحابه، فخاف الا يهتدي، فجعل يخرق قباءه ويعقد على الشجر علامات، حتى وصل إلى أصحابه، ثم رجع إلى العسكر ويقال: إن الذي كان يتصيد الهياج بن عبد الرحمن الأزدي من أهل طوس، وكان منهوما بالصيد، فلما رجع إلى العسكر أتى عامر بن أينم الواشجي صاحب شرطة يزيد، فمنعوه من الدخول، فصاح: إن عندي نصيحة.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
وقال هشام عن أبي مخنف: جاء حتى رفع ذلك الى ابني زحر بن قيس، فانطلق به ابنا زحر حتى أدخلاه على يزيد فأعلمه، فضمن له بضمان الجهنية- أم ولد كانت ليزيد- على شيء قد سماه.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
وقال علي بن محمد في حديثه عن أصحابه: فدعا به يزيد فقال: ما عندك؟ قال: أتريد أن تدخل وجاه بغير قتال؟ قال: نعم، قال: جعالتي؟ قال: احتكم، قال: أربعة آلاف، قال: لك دية، قال: عجلوا لي أربعة آلاف، ثم أنتم بعد من وراء الإحسان فأمر له بأربعة آلاف، وندب الناس، فانتدب ألف وأربعمائة، فقال: الطريق لا يحمل هذه الجماعة لالتفاف الغياض، فاختار منهم ثلاثمائة، فوجههم، واستعمل عليهم جهم بن زحر.
وقال بعضهم: استعمل عليهم ابنه خالد بن يزيد، وقال له: إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت، وإياك أن أراك عندي منهزما، وضم إليه جهم بن زحر، وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه: متى تصل إليهم؟ قال: غدا عند العصر فيما بين الصلاتين، قال: امضوا على بركة الله، فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صلاة الظهر فساروا، فلما قارب انتصاف النهار من غد أمر يزيد الناس أن يشعلوا النار في حطب كان جمعه في حصاره إياهم، فصيره آكاما، فأضرموه نارا، فلم تزل الشمس حتى صار حول عسكره أمثال الجبال من النيران، ونظر العدو إلى النار، فهالهم ما رأوا من كثرتها، فخرجوا إليهم وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا، فجمعوا بين الصلاتين، ثم زحفوا إليهم فاقتتلوا، وسار الآخرون بقية يومهم والغد، فهجموا على عسكر الترك قبيل العصر، وهم آمنون من ذلك الوجه، ويزيد يقاتل من هذا الوجه، فما شعروا إلا بالتكبير من ورائهم، فانقطعوا جميعا إلى حصنهم، وركبهم المسلمون، فأعطوا بأيديهم، ونزلوا على حكم يزيد، فسبى ذراريهم، وقتل مقاتلتهم، وصلبهم فرسخين عن يمين الطريق ويساره، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى الأندرهز- وادي جرجان- وقال: من طلبهم بثأر فليقتل، فكان الرجل من المسلمين يقتل الأربعة والخمسة في الوادي، وأجرى الماء في الوادي على الدم، وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم، ولتبر يمينه، فطحن واختبز وأكل وبنى مدينة جرجان وقال بعضهم: قتل يزيد من أهل جرجان أربعين ألفا، ولم تكن قبل ذلك مدينة ورجع إلى خراسان واستعمل على جرجان جهم بن زحر الجعفي.
[فيه نكارة، إضافة إلى وجود مجاهيل في إسناد هذه الرواية فإنه لحكمة ما لم يعتد أئمة الحديث برواية الرجل الذي لم يوثقه سوى ابن حبان وللا أن العلماء تساهلوا في رواية التاريخ لما ذكرنا رواية هؤلاء في قسم الصحيح، ومع ذلك فإننا قد ضربنا بعرض الحائط كل رواية من طريق رواة هذا إذا كان لهم في المتن نكارة، وأية نكارة أشد من هذا الذي ذكره الطبري هنا عن شيوخ المدائني؟! فكيف يختبز المسلمون عن دماء سفحت والدم المسموح حرام؟]
وأما هشام بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف أنه قال: دعا يزيد جهم ابن زحر فبعث معه أربعمائة رجل حتى أخذوا في المكان الذي دلوا عليه وقد أمرهم يزيد فقال: إذا وصلتم إلى المدينة فانتظروا، حتى إذا كان في السحر فكبروا، ثم انطلقوا نحو باب المدينة، فإنكم تجدوني وقد نهضت بجميع الناس إلى بابها، فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى إذا كانت
الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها مشى بأصحابه، فأخذ لا يستقبل من أحراسهم أحدا إلا قتله وكبر، ففزع أهل المدينة فزعا لم يدخلهم مثله قط فيما مضى، فلم يرعهم إلا والمسلمون معهم في مدينتهم يكبرون فدهشوا، فألقى الله في قلوبهم الرعب، وأقبلوا لا يدرون أين يتوجهون! غير أن عصابة منهم ليسوا بالكثير قد أقبلوا نحو جهم بن زحر، فقاتلوا ساعة، فدقت يد جهم، وصبر لهم هو وأصحابه، فلم يلبثوهم أن قتلوهم إلا قليلا وسمع يزيد بن المهلب التكبير، فوثب في الناس إلى الباب، فوجدوهم قد شغلهم جهم بن زحر عن الباب، فلم يجد عليه من يمنعه ولا من يدفع عنه كبير دفع، ففتح الباب ودخلها من ساعته، فأخرج من كان فيها من المقاتلة، فنصب لهم الجذوع فرسخين عن يمين الطريق ويساره، فصلبهم أربعة فراسخ، وسبى أهلها، وأصاب ما كان فيها.
[في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك]
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة توفي أيوب بن سليمان بن عبد الملك، فحدثت عن علي بن محمد، قال: حدثنا علي بن مجاهد، عن شيخ من أهل الري أدرك يزيد، قال: أتى يزيد بن المهلب الري حين فرغ من جرجان، فبلغه وفاة أيوب بن سليمان وهو يسير في باغ أبي صالح على باب الري، فارتجز راجز بين يديه فقال:
إن يك أيوب مضى لشأنه ... فإن داود لفي مكانه
يقيم ما قد زال من سلطانه
ثم دخلت سنة تسع وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
وفاة سليمان بن عبد الملك
وقال علي: قال المفضل بن المهلب: دخلت على سليمان بدابق يوم
جمعة، فدعا بثياب فلبسها، فلم تعجبه، فدعا بغيرها بثياب خضر سوسية بعث بها يزيد بن المهلب، فلبسها واعتم وقال: يا بن المهلب، أعجبتك؟ قلت: نعم، فحسر عن ذراعيه ثم قال: أنا الملك الفتى، فصلى الجمعة، ثم لم يجمع بعدها، وكتب وصيته ودعا ابن أبي نعيم صاحب الخاتم فختمه.
قال علي: قال بعض أهل العلم: إن سليمان لبس يوما حلة خضراء وعمامة خضراء ونظر في المرآة فقال: أنا الملك الفتى، فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا.
قال علي: وحدثنا سحيم بن حفص، قال: نظرت إلى سليمان جارية له يوما، فقال: ما تنظرين؟ فقالت:
أنت خير المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
ليس فيما علمته فيك عيب ... كان في الناس غير أنك فان
فنفض عمامته.
قال علي: كان قاضى سليمان سليمان بن حبيب المحاربي، وكان ابن أبي عيينة يقص عنده.
وحدثت عن أبي عبيدة، عن رؤبة بن العجاج، قال: حج سليمان بن عبد الملك، وحج الشعراء معه، وحججت معهم، فلما كان بالمدينة راجعا تلقوه بنحو من أربعمائة أسير من الروم، فقعد سليمان، وأقربهم منه مجلسا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ص، فقدم بطريقهم فقال: يا عبد الله، اضرب عنقه، فقام فما أعطاه أحد سيفا حتى دفع إليه حرسي سيفه فضربه فأبان الرأس، وأطن الساعد وبعض الغل، فقال سليمان: أما والله ما من جودة السيف جادت الضربة، ولكن لحسبه، وجعل يدفع البقية إلى الوجوه وإلى الناس يقتلونهم حتى دفع إلى جرير رجلا منهم، فدست إليه بنو عبس سيفا في قراب أبيض، فضربه فأبان راسه، ودفع الى الفرزدق اسير فلم يجد سيفا، فدسوا له سيفا ددانا مثنيا لا يقطع، فضرب به الأسير ضربات، فلم يصنع شيئا، فضحك سليمان والقوم، وشمت بالفرزدق بنو عبس أخوال سليمان، فألقى السيف وأنشأ يقول، ويعتذر الى سليمان، وياتسى بن بو سيف ورقاء عن رأس خالد:
ان يك سيف خان أو قدر أتى ... بتأخير نفس حتفها غير شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط القلائد
[قلنا: في إسناده رؤبة بن العجاج، قال ابن القطان: دع رؤبة العجاج. وضعفه غير واحد.
الضعفاء والمتروكين (1/277) لابن الجوزي وللعقيلي (2/64) ولقد أبهم الطبري اسم الوسيط بينه وبين رؤبة]
وورقاء هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، ضرب خالد بن جعفر بن كلاب، وخالد مكب على أبيه زهير قد ضربه بالسيف وصرعه، فأقبل ورقاء بن زهير فضرب خالدا، فلم يصنع شيئا، فقال ورقاء ابن زهير:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
فشلت يميني يوم أضرب خالدا ... ويحصنه مني الحديد المظاهر
وقال الفرزدق في مقامه ذلك:
أيعجب الناس أن أضحكت خيرهم ... خليفة الله يستسقي به المطر
فما نبا السيف عن جبن ودهش ... عند الإمام ولكن أخر القدر
ولو ضربت على عمرو مقلده ... لخر جثمانه ما فوقه شعر
وما يعجل نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامه الذكر
وقال جرير في ذلك:
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك، وقالوا محدث غير صارم
تعليق