بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, سيدنا محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, وسلِّم تسليماً كثيرا, أما بعد:
فـ: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا . [الفرقان:1]
قال تعالى في كتابه الكريم, بعد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرحيم,بسم الله الرحمن الرحيم: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران: 55]
هل حقا ربنا قد أمات عيسى عليه الصلاة والسلام؟
ماذا عن الآيات والأحاديث الأخرى التي تقول بأنه سوف ينزل في آخر الزمان ويقتل المسيح الدجال؟
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد . وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وأنه خليفتي على أمتي . وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه : فإنه رجل مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الشعر ، كأن شعره يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، بين ممصرتين ، يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويفيض المال ، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها ، ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذاب الدجال وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمر مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الغلمان بالحيات ، لا يضر بعضهم بعضا ، فيثبت في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه .رواه مسلم
بداية: تعالوا بنا نقرأ القصة الصحيحة للمسيح عليه الصلاة والسلام كما وردت في القرآن الكريم :
فالله سبحانه وتعالى قد أرسل لبني إسرائيل نبيه عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام لقوله عز وجل: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[آل عمران: 49]
ولقوله فيما نُسب إليه في إنجيل متى15 : 24 فَأَجَابَ وَقَالَ :« لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».
فلمَّا أرسل الله المسيح عليه السلام أصبح هم اليهود الوحيد هو كيف يتخلصون منه , فلما أرادوا قتله ألقى الله شبهه على شخص آخر - مع إيماننا المطلق بحكمة الله عز وجل وعدله سُبحانه- ورفع المسيح من بين أيديهم, فصلبوا ذلك الشخص ظانين أنَّه المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157]
فهذه هي القصة وهذه هي الحكمة.. ولكن...!!
الأية التي ذكرتها أولا تقول : إني متوفيك.!!!
فما معنى متوفيك؟ هل معناها مميتك؟!
قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82]
تعالوا معنا لنتدبر آيات القرآن الكريم كما أمرنا ربنا عزَّ وجل
يقول جل في علاه: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42]
تعالوا نتفكر في هذه الآيات:
الله يتوفى:
1- الأنفس حين موتها ===> فيمسك التي قضى عليها الموت.
2- والتي لم تمت في منامها ===> ويرسل الأخرى الى أجل مسمى
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام:60]
فذكر الوفاة بالليل وذكر بعدها ثم يبعثكم ليقضى اجل مسمى
أي تأت بمعنى الموت أو النوم وتأت بمعنى الأخذ
العرب تقول: توفيت مالي من فلان أي قبضته ( أخذته) منه.
فكيف نعرف المعنى المُراد؟
أولاً: ثبت في أحاديث صحيحة أنَّ عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل آخر الزمان, ورآه النبي صلى الله عليه وسلم في المِعراج
ثانيا:إن لكلمة الوفاة عدة معاني منها القبض, ومنها النوم, ومنها الموت.
لذلك فإن هذه الكلمة هي من المتشابه الذي يجب رده الى المحكم
بمعنى ان المحكم هو نزول المسيح الى الأرض في آخر الزمان والمتشابه هو كلمة الوفاة
فيكون معنى كلمة الوفاة إن رددناه الى المحكم: إما النوم او القبض اي الاخذ
ويمكن أن نجمع بين الامرين فنقول ان الله قبض عيسى عليه السلام من الأرض الى السماء وهو نائم.
وقال بعضهم أن معنى الوفاة هنا هو الموت فعلا ولكن في آخر الزمان إذ حتماً المسيح عليه السلام سوف يموت لقوله عز وجل : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. الزمر (30)
فيكون تقدير الآية ان الله سيرفع عيسى عليه الصلاة والسلام ويطهره من الذين كفروا ثم ينزله في آخر الزمان الى الأرض كي يستوفي أجله وهذا معنى قوله :
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا . النساء (159)
وكما أخبر سبحانه ان المسيح سيكلم الناس وهو صغير وحال كبره : وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ. آل عمران (46).
والمسيح عليه السلام رُفع شابا.
وقد ورد عن بعض السلف القول بأن المسيح أماته الله عز وجل
قال أبو جعفر : ومعلوم أنه لو كان قد أماته الله - عز وجل - ، لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى ، فيجمع عليه ميتتين، لأن الله - عز وجل - إنما أخبر عباده أنه يخلقهم ثم يميتهم ثم يحييهم ، كما قال - جل ثناؤه - : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الروم:40]
وأخيراً أقول لا مشكلة في كون الله عز وجل أمات المسيح ثم رفعه الى السماء, فالإختلاف وارد عن السلف, لكن المشكلة فيمن يأخذ هذا الإعتقاد ليرُد آيات القرآن الأخرى وكذا الأحاديث الصحيحة الثابتة المتواترة بنزول المسيح عليه الصلاة والسلام آخر الزمان, حيث أنَّ السلف وإن تنازعوا في معنى الوفاة إلا أنهم مجمعون على أنَّ المسيح سوف ينزل آخر الزمان كما ورد في الأحاديث المُثبتة الصحيحة
والله تعالى أعلى وأعلم