كبيرهم الذى علمهم السحر
قراءة في فكر الخمينى
قراءة في فكر الخمينى
يقص علينا القرآن الكريم قصة السحرة مع فرعون وموسي عليه السلام ,
وكيف أن السحرة الذين جلبهم فرعون من صعيد مصر آنذاك كانوا أعتى السحرة في بر مصر ليتمكنوا من مواجهة ما رآه فرعون من موسي عليه السلام متمثلا في معجزات النبوة الشهيرة ,
وعند الاختبار ..
وبمجرد أن ألقي موسي عصاه لتلقف ما يأفكون تنبه السحرة جميعا إلى أن موسي عليه السلام ليس بساحر , بل هو حتما نبي مرسل لأن السحرة رأوا بأعينهم تحول العصا إلى ثعبان حقيقي أى أنها ليست من ألاعيب الحواة التي تسحر أعين الناس
فأسلموا لله رب العالمين وخروا ساجدين معترفين برب موسي وهارون .,
لكن فرعون أبي بغروره المعهود أن يستسلم لهذا الإعتراف الجماعى وقال بأن ما جرى أمامه إن هى إلا مؤامرة صاغها موسي عليه السلام مع السحرة ليمكروا به ,
يقول الله عز وجل :
[قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى] {طه:71}
فاتهم السحرة بأنهم تواطئوا مع موسي عليه السلام وصلبهم كما تقول القصة الشهيرة وقطعهم أشلاء ورماهم في ربوع الصعيد المختلفة والتى تسمت بأسماء هؤلاء السحرة منذ ذلك الحين ومنها مدن الصعيد الشهيرة أسيوط وإسنا وأرمنت وسوهاج ودشنا ومنفلوط وأخميم وهى قائمة بأسمائها تلك حتى اليوم ,
وكان من ضمن اتهام فرعون أن موسي عليه السلام هو كبيرهم الذى علمهم السحر !
وبطبيعة الحال كان الإتهام باطلا ,
غير أن تاريخ البشرية شهد العديد من كبراء السحر الذين أضلوا من خلفهم شعوبا وأمما وتولوا كبر الكفر والشرك بالله تعالى وافتتنت بصنائعهم أمم وقبائل ,
وليس المقصود هنا السحر بمعناه المطلق , بل المقصود هو المكر الذى تتفتق عنه أذهان شياطين الإنس لغرض واحد وهو الإضلال الجماعى عن طريق استغلال مكانة التأثير التي تتوافر لهم ,
فكان هناك السامرى في قوم موسي , الذى أضل بنى إسرائيل باتخاذه العجل إلها لهم ,
وكان هناك القديس بولس في النصرانية والذي أسس لما يسمى بالطبيعة الإلهية للمسيح عليه السلام والتى أدت بالنصاري فيما بعد إلى الشرك الأعظم
وكان هناك عمرو بن لحى الذى كان أول من اتخذ أصناما في الكعبة بعد أن رآها في الشام فنقلها ونقل بدعتها إلى مكة وأقامها حول الكعبة وعكف عليها وتبعه قومه بعد ذلك حتى ظهور الإسلام ,
وفى العصر الحديث تقف شخصية روح الله الموسوى الخمينى قائد الثورة الإيرانية في نفس المكانة إلى جوار أمثاله من كبراء الفتنة نظرا لما أحدثه من تغيير جذرى في التشيع فزاده ضلالا على ضلاله ,
والتشيع مر بعدة أطوار ومراحل , اضطلع بكل مرحلة منها كبير للسحر من كبرائهم وكان من أبرزهم عبد الله بن سبأ أول من قال بفرض الإمامة والوصاية في الإسلام [1]
وجاءت من بعده الأفكار الفارسية التي شكلت بقية المراحل , ومنها مرحلة شيطان الطاق الذى يلقبه الشيعة بمؤمن الطاق وكذلك سليم بن قيس الهلالى صاحب الكتاب الشهير باسمه , والذي يعد من كتب الشيعة المعتبرة بكل ما يحويه من أباطيل
ثم جاءت مرحلة التنظير التي قادها بن مطهر الحلى والطوسي والكلينى والمفيد والطبرسي ,
ثم مرحلة التشيع الصفوى والتى قادها باقر المجلسي وأثره في التشيع كان كاسحا حيث يعد المجلسي صاحب موسوعة بحار الأنوار واحد من الذين جعلوا التشيع الإثناعشري كفرا بواحا عن طريق اختراع العقائد الكفرية بأثر رجعى ونسبتها لأئمة آل البيت , فضلا على أنه خصص ثلاثة مجلدات كاملة من موسوعته سالفة الذكر للطعن في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بالإضافة إلى سائر الصحابة وأمهات المؤمنين واتهامهم بالزنا واللواط وغير ذلك من الفظائع واعتبار تلك الأمور من أسس عقيدة التشيع ,
هذا فضلا على إضفاء عقائد الألوهية في الأئمة والغلو فيهم بدرجة أبشع من كل تصور ,
ثم يأتى الخمينى وهو صاحب آخر مرحلة للتطور في الدين الشيعي الإثناعشري ويعد الخمينى هو الذى أنهى خرافة المهدي المنتظر لدى الشيعة الإمامية فعليا , حيث ابتكر وطبق نظرية ولاية الفقيه والتى جعلت الفقيه بمقام الإمام المعصوم تماما ونقلت سائر الإختصاصات التي كفلتها الشيعة للأئمة المعصومين إلى الفقهاء
وهى الخطوة التي تبعتها خطوات حيث لم يكتف الخمينى بذلك بل قام بخطوتين مؤثرتين وهما
أولا : إعادة اكتشاف التشيع من أمهات الكتب التي كانت نوعا ما مخفية , فأعاد طباعة سائر الكتب القديمة وبالذات ـ بحار الأنوار بكامل مجلداتها المائة ـ والكافي والأنوار النعمانية وغيرها , بكل ما فيها من الغلو الفاحش
رغم أن الشاه محمد رضا بهلوى لم يجرؤ على تلك الخطوة وطباعة مجلدات بحار الأنوار كلها خوفا من انتشارها ووقوعها في يد جماهير العالم الإسلامى
ثانيا : التنظير للشيعة بنظريات جديدة في العقائد خلافا لنظرية ولاية الفقيه وإكساب التشيع بعدا جديدا من الغلو .. وهذا الغلو في الأئمة كان ضروريا للخمينى لأنه كلما تزايدت درجة الأئمة لمصاف الآلهة علت درجة الخمينى نفسه باعتباره النائب عن الإمام المعصوم وليتسنى له زعم أن الراد عليه كالراد على الله !
ونظرا للتأثير الذى أثر به الخمينى , سواء على الشيعة أو على السنة الذين انساقوا في فترة ما بعد الثورة الإيرانية خلف شعاراتها البراقة عن جهل شديد وتقصير أشد
كان من الواجب التركيز على فكر الخمينى عبر كتاباته الخاصة والتى تعتبر الميزان الحقيقي الذى يوضح طبيعة المنهج الذى كان يقوم به الخمينى فعليا وهل كان هذا المنهج منهجا إسلاميا وحدوديا كما روج الإعلام له أم لا ؟!
وقبل معالجة فكره يلزم معالجة البيئة التي أنجبته وأنجبت خلفاءه من السائرين على دربه
لنرى ونعرف من هو الخمينى من خلال قلمه وأفعاله وتطبيقاته ,
تمهيد تاريخى :
ظل الفرس قبل الإسلام وعبر حضارتهم المتعمقة في قلب التاريخ ينظرون للعرب في مجموعهم على أنهم قوم من البدو المتخلفين الذين لا يصلحون حتى لمقام العبودية لسادتهم الفرس ,
وتأصلت تلك النظرة في عهد الدولة الساسانية التي أضافت للدين الفارسي مبدأ وجوب توفر الإمامة والحكم الدينى والدنيوى في بيت واحد لا تخرج عنه ,
فكان بيت ساسان وهو كبير كهنة المجوس في زمانه محتويا على كبراء الكهنة وفى نفس الوقت حكام الإمبراطورية الفارسية وظلت تلك السياسة قائمة حتى عهد آخر ملوكهم قبل الإسلام ,
وعندما ظهر الإسلام وراسل النبي عليه الصلاة والسلام قيصر الروم وكسري فارس , تفاوت رد الفعل بين الروم والفرس بحسب نظرتهم للعرب ,
فاكتفي القيصر برفض الدعوة الإسلامية بينما ثار كسري ثورة عارمة واتهم رسول النبي عليه الصلاة والسلام بالتعدى على كبرائه وقتله شر قتلة وأرسل إلى حكام ولاياته في اليمن كى يأتوه برأس هذا الذى جرؤ من العرب على دعوته ..
وعندما تفجرت الحرب بين فارس والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثة وغيرهم من القادة العظام , دعا بعض قادة الفرس نظراءهم في جيش المسلمين إلى العودة لبلادهم بلهجة التهديد المبالغ فيه الذى لا يصدر إلا عن عنجهية عارمة في مواجهة الجنس العربي
ومما أثار جنون الفرس على مستوى الحكام والجماهير معا ,
أن فارس تلك الإمبراطورية الشاسعة التي وقفت ندا بند للحضارة الرومانية سقطت أمام جيوش المسلمين منعدمى الخبرة الحربية وفى خلال شهور معدودة ,
وكان سقوط عرش كسري مدويا لدرجة لا تصدق , حتى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أرسل لخالد بن الوليد كى يؤجل المزيد من الفتوحات إلى فترة قادمة خوفا على الأراضي الشاسعة التي استولى عليها المسلمون خلال ثلاثة أشهر فقط ,
وأمام هذا الإنهيار الذى لم يتكرر في تاريخ أى إمبراطورية كان من الطبيعى أن تتأزم العلاقة النفسية بين الفرس الذين لم يدخلوا الإسلام أو الذين دخلوه نفاقا وبين المسلمين العرب الذين أذلوا ناصيتهم ,
واختلفت ردة فعل الفرس عن الروم ,
فبينما اختارت الروم الحل العسكري للانتقام من المسلمين وتوالت المعارك عبر التاريخ من أول الفتوحات الإسلامية وحتى الحروب الصليبية ووصولا إلى المعارك التي خاضتها الخلافة العثمانية في قلب أوربا ,
اختار الفرس الحل الأيدولوجى الفكرى القائم على تخريب عقائد المسلمين من الداخل ,
وهو الحل الذى تنبه له الروم بعد ذلك فنشأت حركة الإستشراق التي تفرغ فيها كبار مفكري الغرب على مدى ثمانية قرون لدراسة الدين الإسلامى من مصادره الأصلية والبحث عن الثغرات التي تصلح في ثوب الشريعة واستخدامها لمحاولة هتك البناء الداخلى والثقة الكامنة في أعماق كل مسلم بدينه ,
وانتشرت شبهات المستشرقين لا سيما في الحديث النبوى وكانت معاركهم معلنة , وكتاباتهم تفصح عن غرضها لهذا فإن خطرها لم يكن قويا بالشكل الذى كان عليه خطر الفرس ,
فالمستشرقون لا يملكون الطبيعة النفاقية المعقدة للشخصية الفارسية [1] يمكنهم مداراة عداوتهم لهذا جاء تدارسهم لكتبنا معلنا حتى أنهم قاموا بعمل أكبر معجم مفهرس للحديث النبوى في التاريخ كى يساعدهم في البحث والتنقيب وييسر لهم الوصول إلى النصوص الحديثية التي تنتشر في أكثر ستمائة كتاب من كتب السنة ,
وأنفقوا من الجهد والأموال ما فاق الحد لإنجاز هذا الفهرس الذى سقط فيما بعد في أيدى المسلمين فنسخوه ووزعوه واستفادوا منه استفادات عظيمة أصابت المستشرقين بضغط الدم المرتفع !
أما الفرس , ولأنهم أخبث أمم الأرض على الإطلاق ,
فقد تمكنوا من دس مؤامراتهم وصياغتها وحمايتها بالنفاق والمداراة والتسلسل الجزئي رويدا رويدا والتستر بمحبة آل البيت والتشيع لهم حتى يمكنهم الغوص في أعماق الجماهير المسلمة التي تتخذ حب آل البيت دينا تتقرب به إلى الله
ولهذا فقد تلقفوا مبدأ الوصية الإلهية من عبد الله بن سبأ اليهودى أول من قال بفرض الوصاية وأن لكل نبي وصي ووصي النبي عليه الصلاة والسلام هو على بن أبي طالب وأن أبا بكر وعمر اغتصبا حقه في الخلافة ,
فتلقف الفرس هذه النظرية وأبدعوا فيها الأشياء الجديدة المأخوذة من عقائد الساسانية فقالوا بأن الوصاية والعصمة ليست في على أبي طالب وحده بل هى في الخلفاء من أبنائه من بعده تطبيقا للنظرية الساسانية التي تحصر الملك والنبوة والعصمة والدين في بيت واحد ,
وشيئا فشيئا ومع مجئ القرن الثالث الهجرى تمكن الفرس من تكوين عقيدة التشيع الفارسي التي اتخذت من العقائد المنحرفة دينا ونسبتها كلها لآل البيت فامتلأت كتبهم الأصولية بالقول بتحريف القرآن والقول بعقيدة البداء وهى العقيدة الخبيثة التي تعنى أن الله تعالى لا يعلم الشيئ قبل وقوعه !
بالإضافة لعقائد العصمة في الأئمة والذين اختلفت فرق الشيعة في أسمائهم وعددهم , بالإضافة للغلو الفاحش في الأئمة وهو نفس الغلو الذي كان يقول به الساسانيون في كبار كهنة النار وأنهم يملكون أمر الكون والخلائق والتصرف فيها
ثم دس الفرس أخطر عقائدهم ألا وهى تكفير سائر الصحابة والقول بردتهم جميعا ليتسنى لهم العبث في المصادر الأصلية من القرآن والسنة وصرف الناس عنها باعتبار أن الصحابة هم نقلة القرآن ونقلة السنة ,
ونفذوا غرضهم فاعتبروا القرآن محرفا وبالتالى تسقط أحكامه , ومن هنا نفسر تلك الظاهرة المقيتة من الروافض في الاستهانة بصريح آيات القرآن وتعطيل الأحكام وإهمال حفظه وتجويده وتفسيره وتدارسه بل مجرد قراءته قراءة سليمة
وردوا سنة النبي عليه الصلاة والسلام وهى السنة الثابتة باعتبار كفر الصحابة واخترعوا سنة أخرى منسوبة إلى أئمة أهل البيت فيها من الكذب والإفتراء ما لم يتوفر لموهبة في حجم مسيلمة الكذاب !
ثم جاءت عقيدة اعتبار القول بالإمامة والوصية على أساس أنها كشهادة التوحيد ولا يقبل الإيمان بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام من غير القول بالإمامة والتبرؤ من كل الصحابة السابقين في الخلافة[2]
وبالتالى كفروا جميع المسلمين واعتبروهم أنجس من اليهود والنصاري طالما أنهم أنكروا القول بالإمامة والأهم من ذلك جعلوا أهم القربات إلى الله هى استباحة أموال ودماء أهل السنة باعتبارهم نواصب لأهل البيت ,
وبذلك تشكلت العقيدة الشيعية الفارسية التي رعاها الفرس الأوائل ثم تقادم الزمن وظلت الفرقة الإمامية الإثناعشرية هى المتحدث الرسمى باسم تلك العقيدة , بعد أن قامت لهم عدة دول في التاريخ قامت برعاية تلك العقائد
ومظاهر التأثير الفارسي على كتب الإمامية الإثناعشرية تتضح في أن الكتب الأصولية الثمانية المعتمدة في المذهب كلها من تأليف الفرس لا يوجد بينهم عربي واحد , وحتى أكابر علمائهم عبر العصور يندر أن يوجد بينهم عربي حتى في عصرنا الحالى الذى تسيطر عليه القومية الفارسية إلى أقصي درجة ولا يوجد الآن مرجعية واحدة من مراجع الشيعة تستند إلى أصل عربي بل كلهم من الفرس وحتى المرجع العربي الوحيد المعاصر وهو محمد حسين فضل الله أعلنت الحوزات العلمية في قم والنجف البراءة منه والقول بتكفيره وأسست الحوزة العلمية موقعا كبيرا على الإنترنت أطلقوا عليه اسم ضلال نت للتحذير من فضل الله واعتباره كافرا مارقا عن الإسلام !
ويتولى المرجعية الآن حتى في العراق الآية العظمى السيستانى وهو إيرانى الجنسية وحتى عندما عرضوا عليه الجنسية العراقية رفض قبولها مما يدل على طبيعة الأعماق الفارسية المتجذرة فيه !
الهوامش
[1] ـ التشيع .. عقيدة أم عقدة نفسية ـ د. طه الدليمى
[2]ـ نقل المفيد أكبر شيوخ الإمامية الإثناعشرية القدامى اجماع الإمامية على أن منكر الإمامة ضال مستحق للخلود في النار وأن أبا بكر وعمر ضالان كافران بتقدمهما على على بن أبي طالب وذلك في كتابه أوائل المقالات وهو كتاب معتمد لدى الشيعة المعاصرين وتوافق كافة المرجعيات الشيعية المعاصرة في قم والنجف على هذا القول ويتولى مركز الأبحاث العقائدية التابع للسيستانى الترويج لهذا الكتاب
تعليق