بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
كثيراً ما نجد عند الناس الأخطاء الشنيعه في نتاجهم الفكري والمغالطات في تصوراتهم ومعتقداتهم ، ومن أهم أسباب حدوث ذلك هو المقدّمات الخاطئه والخلط في المعاني ، ومن الامثله على ذلك الخلط بين الغايات والوسائل وقد إسترعى إنتباهي هذا المثال تحديداً لما شاهدته من كم الإنحرافات التي نتجت عن هذا الخلط ، والذي أقصده بالخلط بين الغايات والوسائل هو جعل الوسيلة غايه - وهذا هو الأكثر - وربما يكون العكس أيضاً أمر حادث إلا إنني لا أستطيع تصوره ..
ومن خلال ما شهدتُ أرى أن من أكثر ما وقع فيه ذلك النوع من الخلط هو مفهوم (السؤال أو طلب المعلومه) ..
والسؤال في معناه هو الطلب وقد يكون هذا الطلب هو طلب معلومه (وهو ما سنركز عليه في السطور القادمه) أو طلب مساعده أو طلب حاجه ، فيُعلم من هذا أن المعلومه او المساعده أو الحاجه هم الغايات المرجوه لصاحب السؤال وعليه فيكون السؤال أداة لتحصيل هذه الغايه ، ومن خير ما تُستخدم لأجله هذه الأداه هو تحصيل العلم النافع ولهذا فقد عقد إبن عبد البر رحمه الله باباً في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) بعنوان " حمد السؤال والإلحاح في طلب العلم وذمّ ما مُنِع منه" وفيه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» ، وعن إبن مسعود رضي الله عنه: «زِيَادَةُ الْعِلْمِ الِابْتِغَاءُ، وَدَرْكُ الْعِلْمِ السُّؤَالُ فَتَعَلَّمْ مَا جَهِلْتَ وَاعْمَلْ بِمَا عَلِمْتَ» ، وعن إبن شهاب: «الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَمَفَاتِيحُهَا السُّؤَالُ» ..
وللسؤال لأجل طلب العلم موانع أذكر منها للأهميّه الحياء والكِبر..
أما الأول فهناك من يتعامل معه بطرح السؤال بطريقة غير مباشره كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قد "إستحيا أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَذْيِ لِمَكَانِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ابْنَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ فَأَمَرَ الْمِقْدَادَ وَعَمَّارًا فَسَأَلَا لَهُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ" ، وهناك من يتجاوزه وهذا أكمل فقد ورد عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «رَحِمَ الله نِسَاءَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنْ أَمْرِ دِينِهِنَّ»..
وأما الثاني فهو في ذاته مذموم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" فهو بطبيعة الحال مانع لقبول الحق على العموم ناهيك عن أن يكون مانع للسؤال لطلب العلم ، قال الخليل بن أحمد: «الْجَهْلُ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْحَيَاءِ وَالْأَنَفَةِ» ، وجاء عن علي رضي الله عنه أنه قال:
«خُذُوا عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَلَوْ رَحَّلْتُمْ فِيهِنَّ الْمَطِيَّ حَتَّى أَنْضَيْتُمُوهُ لَمْ تَبْلُغُوهُ، لَا يَرْجُو عَبْدٌ إِلَّا رَبَّهُ، وَلَا يَخَافُ إِلَّا ذَنْبَهُ، وَلَا يَسْتَحِي إِذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَلَا يَسْتَحِي إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ»..
هذه الأداة (السؤال) كمثيلاتها من الأدوات يجب إستخدامها بحكمه حتى توصل مستخدمها لما يبتغي ولا يتضمّن ذلك عندنا إبتغاء التشغيب والتشويش مما يضيع الحق عند صاحبه فهذا شأن المتلقّي يتعامل معه بما تقتضيه الحكمه في التعامل مع أمر كهذا ، وحتى نحسن إستخدام هذه الأداه علينا الحرص على أمرين هامّين:
تعيين الغاية من السؤال:
وهذا هو الأهم في الموضوع كله ، فقبل أن يطرح السائل سؤاله يجب أن يكون مدركاً لما يبتغيه من وراء هذا السؤال فهذا أول العوامل التي توجّه السائل نحو المعرفه المنشوده ، ولابد في ذلك من الحرص على ما ينفع لقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز .." ، أما إبتغاء السائل من الأمور الخافيه مما لا ينفع أو لا يترتب عليه واجب شرعي فقد يكون مدعاة العواقب الوخيمه كما حدث في قصة بني إسرائيل مع نبي الله موسى المعروفه وكما حدث مع عبد الله بن حذافة عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه وكما وقع من الرجل الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الحج في كل عام ، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿المائدة: ١٠١﴾ (*)..
وقد تقع عند الكثير من الناس فكرة أن كثرة السؤال تدل على إتّقاد الذهن وتفتح البصيره والهمّة في البحث عن الحق وغير ذلك فلا يكون عند الواحد منهم همّ إلا أن يبحث عن سؤال ليسأله أو أن يكثر من الأسئلة حتى يدخل النقاش في مرحلة الجدل العقيم الذي لا فائدة منه كما عند من عُرفوا ب(الأرأيتيين) الذين يكثرون من طرح الأمور الإفتراضيه (أرأيتَ إن حدث كذا وكذا) ، فقد ذكر إبن عبد البر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه نهى عن (الأغلوطات) أي صعاب المسائل كما انه عليه الصلاة والسلام نهى عن القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وقد جاء عن الإمام الشعبي أنه قال: "مَا كَلِمَةٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ: أَرَأَيْتَ" وقال : "إِذَا سَأَلْتَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَبْتَ فِيهَا فَلَا تُتْبِعْ مَسْأَلَتَكَ "أَرَأَيْتَ"، فَإِنَّ الله يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] .." ، والسلوك على هذا النهج ينتج عنه غياب بعض الأمور البديهيه عند السائل فقد قيل أن أحدهم سأل الإمام أبي حنيفة رحمه الله عن موعد إفطار الصائم فقال له: "عند غروب الشمس" فسأل الرجل: وماذا لو لم تغرب الشمس؟؟ .. وعدم غروب الشمس طبعاً لا يقع إلا في حالة طلوع الشمس من المغرب وهي الساعة التي لا ينفع معها عمل بالأساس..
فليس بالضرورة إذن أن يكون القول بأن كثرة السؤال تدل على إتقاد الذهن صحيح لأن العبرة ليست بالسؤال نفسه وإنما بطلب العلم النافع الذي يفيد صاحب السؤال وسائر الناس..
صياغة السؤال
وهو أيضاً من الأهمية بمكان ، فحتى لو تحققت الجدّية عند السائل وعُرف مدى إنتفاع الناس بموضوع السؤال لن يكون هذا كافياً لتحصيل المعرفة لو لم تتم الصياغة المناسبة للسؤال المراد طرحه ، وصياغة السؤال تتعلق بها عدة عوامل:
- تعيين الغاية من وراء السؤال على ما ورد آنفاً ..
- إعتبار طبيعة الموضوع المراد السؤال عنه فقد يكون الموضوع مثلاً مسألة نزاع بين طائفتين ..
- إعتبار المتلقي نفسه ..
وليحرص السائل على صياغة السؤال بحيث يوجّه المسؤول نحو الموضوع ويركز عليه دون الإنصراف عنه إلى مواضيع أخرى مما قد يضيع تحصيل الفائده المرجوه ..
هناك بعض الضوابط العامه مثل أن تكون نبرة السائل وديّه وخالية من التجريح أو الإتهام ومثل المقاطعه في حال لم ينته الشخص المراد سؤاله من كلامه وإظهار التوقير إذا كان الشخص المراد سؤاله فقيه أو أي شخصية قياديه في منصب ما ، وقد يقول قائل أن هذه الضوابط قد يمكن تجاوزها في حالات وهذا فيه تفصيل ولكن أحسبُ أن الحرص عليها أكمل والله أعلم ..
هناك كلمة جامعة قالها حبر هذه الأمه عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه عندما سُئل عن كيفية تحصيله للعلم فقال: بلسان سؤول وقلب عقول ..
والجزئيه الثانيه تبين حقيقة الجزئية الأولى ، فلو قيل "بلسان سؤول .." فقط لفُهم من ذلك كثرة الأسئله ولكن الجزئيه الثانيه تبين أن قدر السؤال يكون بحسب ما يتطلبه الوصول إلى المعرفه ، فالقلب العقوول هو القلب الذي يوجه صاحبه السائل إلى ما ينفع دوماً ويصفي ذهنه من كل ما يمكن أن يشغله عن طلب الفائده وهو القلب الذي يميز الحق عن سائر المقالات ويسكن إليه ليعتصم صاحبه به ..
___________________________
(*) تنبيه : قد يحسب أحد ما أن المقصود من الآيه أن يتجنب المسلم البحث عن ما خفي عليه من المسائل في العبادات وغيرها حتى لا تحدث له المشقه ويستدل على ذلك بالآية ، وهذا خطأ لأن النهي في الآية كان مقصوراً على فترة نزول الوحي أي وقت حياة النبي عليه الصلاة والسلام ..
راجع الرابط أدناه:
http://islamqa.info/ar/187398
كثيراً ما نجد عند الناس الأخطاء الشنيعه في نتاجهم الفكري والمغالطات في تصوراتهم ومعتقداتهم ، ومن أهم أسباب حدوث ذلك هو المقدّمات الخاطئه والخلط في المعاني ، ومن الامثله على ذلك الخلط بين الغايات والوسائل وقد إسترعى إنتباهي هذا المثال تحديداً لما شاهدته من كم الإنحرافات التي نتجت عن هذا الخلط ، والذي أقصده بالخلط بين الغايات والوسائل هو جعل الوسيلة غايه - وهذا هو الأكثر - وربما يكون العكس أيضاً أمر حادث إلا إنني لا أستطيع تصوره ..
ومن خلال ما شهدتُ أرى أن من أكثر ما وقع فيه ذلك النوع من الخلط هو مفهوم (السؤال أو طلب المعلومه) ..
والسؤال في معناه هو الطلب وقد يكون هذا الطلب هو طلب معلومه (وهو ما سنركز عليه في السطور القادمه) أو طلب مساعده أو طلب حاجه ، فيُعلم من هذا أن المعلومه او المساعده أو الحاجه هم الغايات المرجوه لصاحب السؤال وعليه فيكون السؤال أداة لتحصيل هذه الغايه ، ومن خير ما تُستخدم لأجله هذه الأداه هو تحصيل العلم النافع ولهذا فقد عقد إبن عبد البر رحمه الله باباً في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) بعنوان " حمد السؤال والإلحاح في طلب العلم وذمّ ما مُنِع منه" وفيه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» ، وعن إبن مسعود رضي الله عنه: «زِيَادَةُ الْعِلْمِ الِابْتِغَاءُ، وَدَرْكُ الْعِلْمِ السُّؤَالُ فَتَعَلَّمْ مَا جَهِلْتَ وَاعْمَلْ بِمَا عَلِمْتَ» ، وعن إبن شهاب: «الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَمَفَاتِيحُهَا السُّؤَالُ» ..
وللسؤال لأجل طلب العلم موانع أذكر منها للأهميّه الحياء والكِبر..
أما الأول فهناك من يتعامل معه بطرح السؤال بطريقة غير مباشره كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قد "إستحيا أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَذْيِ لِمَكَانِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ابْنَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ فَأَمَرَ الْمِقْدَادَ وَعَمَّارًا فَسَأَلَا لَهُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ" ، وهناك من يتجاوزه وهذا أكمل فقد ورد عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «رَحِمَ الله نِسَاءَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنْ أَمْرِ دِينِهِنَّ»..
وأما الثاني فهو في ذاته مذموم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" فهو بطبيعة الحال مانع لقبول الحق على العموم ناهيك عن أن يكون مانع للسؤال لطلب العلم ، قال الخليل بن أحمد: «الْجَهْلُ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْحَيَاءِ وَالْأَنَفَةِ» ، وجاء عن علي رضي الله عنه أنه قال:
«خُذُوا عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَلَوْ رَحَّلْتُمْ فِيهِنَّ الْمَطِيَّ حَتَّى أَنْضَيْتُمُوهُ لَمْ تَبْلُغُوهُ، لَا يَرْجُو عَبْدٌ إِلَّا رَبَّهُ، وَلَا يَخَافُ إِلَّا ذَنْبَهُ، وَلَا يَسْتَحِي إِذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَلَا يَسْتَحِي إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ»..
هذه الأداة (السؤال) كمثيلاتها من الأدوات يجب إستخدامها بحكمه حتى توصل مستخدمها لما يبتغي ولا يتضمّن ذلك عندنا إبتغاء التشغيب والتشويش مما يضيع الحق عند صاحبه فهذا شأن المتلقّي يتعامل معه بما تقتضيه الحكمه في التعامل مع أمر كهذا ، وحتى نحسن إستخدام هذه الأداه علينا الحرص على أمرين هامّين:
تعيين الغاية من السؤال:
وهذا هو الأهم في الموضوع كله ، فقبل أن يطرح السائل سؤاله يجب أن يكون مدركاً لما يبتغيه من وراء هذا السؤال فهذا أول العوامل التي توجّه السائل نحو المعرفه المنشوده ، ولابد في ذلك من الحرص على ما ينفع لقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز .." ، أما إبتغاء السائل من الأمور الخافيه مما لا ينفع أو لا يترتب عليه واجب شرعي فقد يكون مدعاة العواقب الوخيمه كما حدث في قصة بني إسرائيل مع نبي الله موسى المعروفه وكما حدث مع عبد الله بن حذافة عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه وكما وقع من الرجل الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الحج في كل عام ، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿المائدة: ١٠١﴾ (*)..
وقد تقع عند الكثير من الناس فكرة أن كثرة السؤال تدل على إتّقاد الذهن وتفتح البصيره والهمّة في البحث عن الحق وغير ذلك فلا يكون عند الواحد منهم همّ إلا أن يبحث عن سؤال ليسأله أو أن يكثر من الأسئلة حتى يدخل النقاش في مرحلة الجدل العقيم الذي لا فائدة منه كما عند من عُرفوا ب(الأرأيتيين) الذين يكثرون من طرح الأمور الإفتراضيه (أرأيتَ إن حدث كذا وكذا) ، فقد ذكر إبن عبد البر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه نهى عن (الأغلوطات) أي صعاب المسائل كما انه عليه الصلاة والسلام نهى عن القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وقد جاء عن الإمام الشعبي أنه قال: "مَا كَلِمَةٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ: أَرَأَيْتَ" وقال : "إِذَا سَأَلْتَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَبْتَ فِيهَا فَلَا تُتْبِعْ مَسْأَلَتَكَ "أَرَأَيْتَ"، فَإِنَّ الله يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] .." ، والسلوك على هذا النهج ينتج عنه غياب بعض الأمور البديهيه عند السائل فقد قيل أن أحدهم سأل الإمام أبي حنيفة رحمه الله عن موعد إفطار الصائم فقال له: "عند غروب الشمس" فسأل الرجل: وماذا لو لم تغرب الشمس؟؟ .. وعدم غروب الشمس طبعاً لا يقع إلا في حالة طلوع الشمس من المغرب وهي الساعة التي لا ينفع معها عمل بالأساس..
فليس بالضرورة إذن أن يكون القول بأن كثرة السؤال تدل على إتقاد الذهن صحيح لأن العبرة ليست بالسؤال نفسه وإنما بطلب العلم النافع الذي يفيد صاحب السؤال وسائر الناس..
صياغة السؤال
وهو أيضاً من الأهمية بمكان ، فحتى لو تحققت الجدّية عند السائل وعُرف مدى إنتفاع الناس بموضوع السؤال لن يكون هذا كافياً لتحصيل المعرفة لو لم تتم الصياغة المناسبة للسؤال المراد طرحه ، وصياغة السؤال تتعلق بها عدة عوامل:
- تعيين الغاية من وراء السؤال على ما ورد آنفاً ..
- إعتبار طبيعة الموضوع المراد السؤال عنه فقد يكون الموضوع مثلاً مسألة نزاع بين طائفتين ..
- إعتبار المتلقي نفسه ..
وليحرص السائل على صياغة السؤال بحيث يوجّه المسؤول نحو الموضوع ويركز عليه دون الإنصراف عنه إلى مواضيع أخرى مما قد يضيع تحصيل الفائده المرجوه ..
هناك بعض الضوابط العامه مثل أن تكون نبرة السائل وديّه وخالية من التجريح أو الإتهام ومثل المقاطعه في حال لم ينته الشخص المراد سؤاله من كلامه وإظهار التوقير إذا كان الشخص المراد سؤاله فقيه أو أي شخصية قياديه في منصب ما ، وقد يقول قائل أن هذه الضوابط قد يمكن تجاوزها في حالات وهذا فيه تفصيل ولكن أحسبُ أن الحرص عليها أكمل والله أعلم ..
هناك كلمة جامعة قالها حبر هذه الأمه عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه عندما سُئل عن كيفية تحصيله للعلم فقال: بلسان سؤول وقلب عقول ..
والجزئيه الثانيه تبين حقيقة الجزئية الأولى ، فلو قيل "بلسان سؤول .." فقط لفُهم من ذلك كثرة الأسئله ولكن الجزئيه الثانيه تبين أن قدر السؤال يكون بحسب ما يتطلبه الوصول إلى المعرفه ، فالقلب العقوول هو القلب الذي يوجه صاحبه السائل إلى ما ينفع دوماً ويصفي ذهنه من كل ما يمكن أن يشغله عن طلب الفائده وهو القلب الذي يميز الحق عن سائر المقالات ويسكن إليه ليعتصم صاحبه به ..
___________________________
(*) تنبيه : قد يحسب أحد ما أن المقصود من الآيه أن يتجنب المسلم البحث عن ما خفي عليه من المسائل في العبادات وغيرها حتى لا تحدث له المشقه ويستدل على ذلك بالآية ، وهذا خطأ لأن النهي في الآية كان مقصوراً على فترة نزول الوحي أي وقت حياة النبي عليه الصلاة والسلام ..
راجع الرابط أدناه:
http://islamqa.info/ar/187398
تعليق