أين أنت فى عام 2090...
تقليص
X
-
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
-
رد: أين أنت فى عام 2090...
قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى مجلد 15
ومن المعلوم أن اللّه خلق في النفوس محبة العلم دون الجهل، ومحبة الصدق دون الكذب، ومحبة النافع دون الضار، وحيث دخل ضد ذلك فلمعارض من هوي وكبر وحسد ونحو ذلك، كما أنه في صالح الجسد خلق اللّه فيه محبة الطعام والشراب الملائم له دون الضار، فإذا اشتهي ما يضره أو كره ما ينفعه فلمرض في الجسد، وكذلك أيضاً إذا اندفع عن النفس المعارض من الهوى والكبر والحسد وغير ذلك، أحب القلب ما ينفعه من العلم النافع والعمل الصالح، كما أن الجسد إذا اندفع عنه المرض أحب ما ينفعه من الطعام والشراب، فكل واحد من وجود المقتضي وعدم الدافع سبب للآخر، وذلك سبب لصلاح حال الإنسان، و ضدهما سبب لضد ذلك، فإذا ضعف العلم غلب الهوى الإنسان، وإن وجد العلم والهوى وهما المقتضي والدافع فالحكم للغالب.
وإذا كان كذلك فصلاح بني آدم، الإيمان والعمل الصالح،ولا يخرجهم عن ذلك إلا شيئان:
أحدهما: الجهل المضاد للعلم، فيكونون ضلالاً.
والثاني : إتباع الهوى والشهوة اللذين في النفس، فيكونون غواة مغضوبا عليهم؛ ولهذا قال : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1- 2]، وقال "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ".
فوصفهم بالرشد الذي هو خلاف الغي، وبالهدي الذي هو خلاف الضلال، و بهما يصلح العلم والعمل جميعاً، ويصير الإنسان عالماً عادلا، لا جاهلا ولا ظالماً.
وهم في الصلاح على ضربين:
تارة يكون العبد إذا عرف الحق وتبين له اتبعه وعمل به، فهذا هو الذي يدْعَي بالحكمة وهو الذي يتذكر، وهو الذي يحدث له القرآن ذكراً.
والثاني:أن يكون له من الهوى والمعارض ما يحتاج معه إلى الخوف الذي ينهي النفس عن الهوى؛ فهذا يدْعَي بالموعظة الحسنة وهذا هو القسم الثاني المذكور في قوله : {أَوْ يَخْشَى}، وفي قوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
وقد قال في السورة في قصة فرعون: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}[النازعات:17ـ 19]، فجمع بين التزكي والهدي والخشية،كما جمع بين العلم والخشية في قوله:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر:28]، وفي قوله:{وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف:154]،وفي قوله:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء: 66 ـ 68].
وذلك لما ذكرناه من أن كل واحد من العلم بالحق الذي يتضمنه التذكر، والذكر الذي يحدثه القرآن، ومن الخشية المانعة من إتباع الهوى سبب لصلاح حال الإنسان، وهو مستلزم للآخر إذا قوي على ضده، فإذا قوي العلم والتذكر دفع الهوى، وإذا اندفع الهوى بالخشية أبصر القلب وعلم.
وهاتان هما الطريقة العلمية والعملية، كل منهما إذا صحت تستلزم ما تحتاج إليه من الأخرى، وصلاح العبد ما يحتاج إليه ويجب عليه منهما جميعاً؛ ولهذا كان فساده بانتفاء كل منهما.
فإذا انتفي العلم الحق كان ضالا غير مهتد، وإذا انتفي إتباعه كان غاويا مغضوبا عليه.
ولهذا قال: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]، وقال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 1 ـ 4]، وقال في ضد ذلك: {ان يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [النجم: 23]، وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص:50]، وقال: {وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام:119]، وقال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]،وقال في ضده: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]، وقال: {أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]، وقال في ضده: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47]، قال ابن عباس: تكفل اللّه لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه، ألا يضل في الدنيا، ولا يشقي في الآخرة.
فهو سبحانه يجمع بين الهدي والسعادة، وبين الضلال والشقاوة، وبين حسنة الدنيا والآخرة، وسيئة الدنيا والآخرة، ويقرن بين العلم النافع والعمل الصالح، بين العلم الطيب والعمل الصالح، كما يقرن بين ضديهما وهو (الضلال)، و(الغي): إتباع الظن وما تهوي الأنفس.
والقرينان متلازمان عند الصحة والسلامة من المعارض، وقد يتخلف أحدهما عن الآخر عند المعارض الراجح.
فلهذا إذا كان في مقام الذم والنهي، والاستعاذة، كان الذم والنهي لكل منهما: من الضلال، والغي، من الجهل والظلم، من الضلال والغضب؛ ولأن كلا منهما صار مكروها مطلوب العدم، لا سيما وهو مستلزم للآخر، وأما في مقام الحمد والطلب ومنة اللّه فقد يطلب أحدهما، وقد يطلب كل منهما، وقد يحمد أحدهما، وقد يحمد كل منهما؛ لأن كلا منهما خير مطلوب محمود، وهو سبب لحصول الآخر، لكن كمال الصلاح يكون بوجودهما جميعاً، وهذا قد يحصل له إذا حصل أحدهما ولم يعارضه معارض، والداعي للخلق الآمر لهم يسلك بذلك طريق الرفق واللين، فيطلب أحدهما؛ لأنه مطلوب في نفسه، وهو سبب للآخر، فإن ذلك أرفق من أن يأمر العبد بهما جميعا، فقد يثقل ذلك عليه، والأمر بناء والنهي هدم، والأمر هو يحصل العافية بتناول الأدوية، والنهي من باب الحمية، والبناء والعافية تأتي شيئاً بعد شيء، وأما الهدم فهو أعجل، والحمية أعم، وإن كان قد يحصل فيهما ترتيب أيضاً فكيف إذا كان كل واحد من الأمرين سبباً وطريقاً إلى حصول المقصود مع حصول الآخر.
فقوله سبحانه: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه:113]، طلب وجود أحد الأمرين بتبليغ الرسالة،وجاء بصيغة: ( لعل) تسهيلا للأمر ورفقاً وبياناً؛ لأن حصول أحدهما طريق إلى حصول المقصود، فلا يطلبان جميعاً في الابتـداء؛ ولهذا جاء في الأثر: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها .
لا سيما أصول الحسنات التي تستلزم سائرها، مثل الصدق فإنه أصل الخير، كما في الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة،ولا يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند اللّه صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللّه كذاباً".
ولهذا قال سبحانه: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء:221- 222]، وقال: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} [الجاثية: 7- 8]؛ ولهذا يذكر أن بعض المشائخ أراد أن يؤدب بعض أصحابه الذين لهم ذنوب كثيرة فقال: يا بني، أنا آمرك بخصلة واحدة فاحفظها لي، ولا آمرك الساعة بغيرها: التزم الصدق وإياك والكذب، وتوعده على الكذب بوعيد شديد، فلما التزم ذلك الصدق دعاه إلى بقية الخير ونهاه عما كان عليه، فإن الفاجر لا حد له في الكذب.
تعليق
-
مواضيع ذات صلة
تقليص
-
بواسطة الراجى رضا اللهملخص كتاب أيقونات التطور11 : لا شئ فى البيولوجيا يمكن فهمه الا فى ضوء التطور
يردد التطوريون دائما الجملة الشهيرة "لا شئ فى البيولوجيا يفهم الا فى ضوء التطور" و أعتقد أننا بحاجة الى أن نسأل ما هو بالضبط الذى لا يمكننا فهمه الا فى ضوء التطور؟...-
المنتدى: قسم نقد نظرية التطور
-
-
بواسطة مصر المسلمة...الرد على شبهة الطعن فى نسب النبىبرجاء قراءة الموضوع كامل فهو مميزصفعة على قفا من شكك فى نسب النبي المصطفىاننا لسنا بصدد الكلام عن كذبة أبريل بل اننا بصدد الكلام عن أكبر كذبة عرفها العالم وهذه الكذبة ليس لها اى أساس من الصحة وكلها كذب فى كذب وانا اقول للنصرانى يا نصرانى لن تستطيع ان تنصر دينك بالكذب فأنت عديم الفهم عديم العلم كثير الكذب
ان النصارى لديهم مشكلة كبيرة وهى1 أبر, 2022, 09:56 م -
بواسطة محمد سنيبسم الله الرحمن الرحيم
يتشبث النصارى الحاقدون على الاسلام برواية واهية ضعيفة موضوعة و هي رواية الغرانيق لمحاولة الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم
و استشهدوا ببعض الرواياتالضعيفة التي وردت في تفسير قوله تعالى في سورة الحج :
(( و ما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم اياته و الله عليم حكيم ))...-
المنتدى: منتدى الرد على الشبهات حول السنة
-
-
بواسطة الراجى رضا اللهملخص كتاب أيقونات التطور 12: ملايين السنين
“In discussions with biologists I met large difficulties when they apply the concept of ‘natural selection’ in a rather wide field, without being able to estimate the probability of the occurrence in a empirically given time of just those events, which have been important for the biological evolution...they use the...-
المنتدى: قسم نقد نظرية التطور
-
-
(النصيحة الذهبية للأشاعرة المعاصرين ) .. للشيخ عبدالرحمن الوكيل - رحمه الله - سليمان بن صالح الخراشيبواسطة د.أمير عبدالله(النصيحة الذهبية للأشاعرة المعاصرين ) .. للشيخ عبدالرحمن الوكيل - رحمه الله -سليمان بن صالح الخراشي
بسم الله الرحمن الرحيم
تميز الشيخ عبدالرحمن الوكيل – رحمه الله – كما يقول الشيخ محمد علي عبدالرحيم رئيس جماعة أنصار السنة – رحمه الله – بـ " جمال البلاغة...-
المنتدى: منتدى التوحيد والعقيدة
26 يول, 2024, 03:53 م -
-
بواسطة صلاح عامرسلسة مقالات :"الرد البياني علي حكم تارك الصلاة للألباني" 1-5
المقالة الأولى :
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ...-
المنتدى: قنوات أخرى متعددة
16 يول, 2021, 12:09 ص -
- جار التحميل...
- لا مزيد من المواد
مواضيع من نفس المنتدى الحالي
تقليص
المواضيع | إحصائيات | آخر مشاركة | ||
---|---|---|---|---|
[you] .. كتاب جديد يهمك !!
بواسطة توحيد
ابتدأ بواسطة توحيد, 11 يون, 2011, 12:47 ص
|
ردود 39
12,274 مشاهدات
0 ردود الفعل
|
آخر مشاركة
![]()
بواسطة سيف الكلمة
|
||
ابتدأ بواسطة رسالة حق, 13 ماي, 2008, 03:33 م
|
ردود 18
12,701 مشاهدات
0 ردود الفعل
|
آخر مشاركة
بواسطة العبادي محمد
|
||
مغلق, ثابت:
![]()
بواسطة مدير المنتدى
ابتدأ بواسطة مدير المنتدى, 24 ماي, 2013, 03:05 ص
|
ردود 10
9,705 مشاهدات
0 ردود الفعل
|
آخر مشاركة
![]()
بواسطة محب المصطفى
|
||
ابتدأ بواسطة العبادي محمد, 10 مار, 2018, 10:26 م
|
ردود 7
614 مشاهدات
0 ردود الفعل
|
آخر مشاركة
بواسطة صابرين محمد صابر
|
||
ابتدأ بواسطة إجازه معتمده اونلاين, 15 يول, 2012, 03:26 ص
|
ردود 4
7,652 مشاهدات
0 ردود الفعل
|
آخر مشاركة
بواسطة ام فراس
|
تعليق