الإحسان إلى غير المسلمين فى المجتمع المسلم
بقلم د. خالد بن هدوب المهيدب
إن الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، وصالحة لكل زمان ومكان، فهي تحوي مقومات الصلاحية والملاءمة، لكل عصر ومصر، ولما كانت الدعوة الإسلامية عالمية، فإن الله سبحانه أناط بالأمة الإسلامية مسؤولية إبلاغها للناس كافة بالوسائل والأساليب المشروعة والممكنة والملائمة، حتى يمكن عرض محاسن الإسلام ودعوة الناس وترغيبهم في الدخول فيه، وقد تواترت النصوص القرآنية التي تؤكد على وجوب الدعوة إلى الله تعالى، وبعيداً عن الدخول في تفصيلات نوعية الوجوب واختلاف أهل العلم في ذلك؛ لأنني أرى عدم مناسبة الحديث عنه الآن في هذا التمهيد السريع والموجز، أقول: إن النصوص القرآنية أكدت على عالمية الدعوة الإسلامية وكونها جاءت للناس كافة، ومن تلك النصوص ما يلي:-
قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }﴿107﴾ سورة الأنبياء.
وقال تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }﴿158﴾ سورة الأعراف .
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }﴿28﴾ سورة سبأ.
وقــال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }﴿125﴾ سورة النحل .
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على عالمية الدعوة الإسلامية فقال أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء: قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة وأعطيت الشفاعة)( 1).
وتأسيساً على هذه النصوص الشرعية، فإن الدعوة الإسلامية للناس كافة بأصنافهم ومستوياتهم وألوانهم وأجناسهم.
من هذا المنطلق ينبغي العناية بدعوة غير المسلمين سواءً أكانوا أهل كتاب أم غير ذلك من الوثنيين والماديين ومن ضلوا وممن لا يدينون بالإسلام.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-( 2):"والخلق صلاحهم وسعادتهم في أن يكون الله معبودهم الذي تنتهي إليه محبتهم وإرادتهم، ويكون ذلك غاية الغايات ونهاية النهايات وهو الذي يجب أن يكون المراد المقصود بالحركات" ( 3).
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة الناس كافة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصه الشديد على إبعاد أمته عن كل ما يضرهم؛ فقد روى الإمام مسلم ( 4)عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي )( 5).
" وحينما ننظر إلى سيرته المطهرة عليه الصلاة والسلام نجده كان يدعو في جميع الأماكن والأزمان والأحوال، ودعا جميع أصناف الناس كما استخدم جميع الأساليب والوسائل المشروعة المتاحة له.
ومن إتيانه عليه الصلاة والسلام الناس في أماكنهم للدعوة إلى الله تعالى، أنه كان يأتي منازل الناس بمنى في الموسم؛ فقد روى الإمام الحاكم عن ربيعة بن عباد الدؤلي يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: (يا أيها الناس إن الله أمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا).
قال: ووراءه رجل يقول: يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم، فسألت عن هذا الرجل فقيل: أبو لهب" ( 6).
ولم يكن خروجه صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى منازل الناس ومجالسهم في المرحلة المكية فحسب، بل استمر على ذلك بعد هجرته إلى المدينة النبوية، فقد روى الإمام البخاري عن أنس – رضي الله عنه - قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أتيت عبد الله ابن أبيّ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حماراً فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة ( 7) فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك" ( .
"ولم يكن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بدعوة كبار الناس فحسب عند إتيانه منازلهم، بل اعتنى أيضاً عناية شديدة بدعوة عامة الناس" ( 9).
كل ذلك يؤكد على أهمية دعوة غير المسلمين؛ لأن نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية المطهرة أكدت على ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفوت فرصة واحدة إلا واستغلها في دعوة كافة الناس.
إن أهم ما ينبغي التركيز عليه في دعوة غير المسلمين هو التوحيد وغرس العقيدة الصحيحة في نفوسهـم؛ فقضيـة التوحيـد هي القضية الأساس التي بعث الله تعالى لأجلها الأنبياء والرسل، قال تعالـى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }﴿25﴾ سورة الأنبياء .
وقال تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ﴿64﴾ سورة آل عمران .
فالقضية الأساسية التي يبدأ بها ويركز عليها هي قضية التوحيد، ثم تأتى بعد ذلك التشريعات والتكليفات.
وإن مما ينبغي التأكيد عليه في هذا الصدد، أن دعوة غير المسلمين إلى العقيدة الصحيحة والالتزام بما أمر به الشرع واجتناب ما نهى عنه، تكون بالأقوال والأعمال والقدوة الحسنة وغير ذلك من الوسائل؛ كالدعوة إلى الله تعالى بالكتابة والدعوة إلى الله من خلال الأعمال الخيرية والإغاثية والمعاملة الطيبة لهم، والتي يتم من خلالها بيان محاسن الإسلام ورحمته وتحقيقه للمطالب الإنسانية المشروعة.
"إن كثيراً من أفعال الخير تعرفها الفطرة وتعلمها الطبائع الإنسانية بحكم جبلَّتها وفي غريزة البشر حب المشاركة في الخير، فإغاثة الملهوف وإرشاد الضال أو نصرة المظلوم وغير ذلك من أفعال الخير وصور البر التي تمثل الجانب العملي في أساليب الدعوة، وطرق التبليغ أمر ليس مقصوراً على العلماء وحدهم، وإنما هو أمر تتسع دائرته لجهود عوام المسلمين أيضاً.
إن العامة إذا كانوا غير قادرين على دعوة غير المسلمين بالأسلوب النظري المرتبط بالمناهج الدعوية المدروسة فهم قادرون على دعوتهم بالأسلوب العملي. إن العامة قادرون على المساهمة في تمويل المشاريع التي تخدم دعوة غير المسلمين"( 10) .
إن دعوة غير المسلمين تكون بالإحسان إليهم وتأليف قلوبهم وترغيبهم للدخول في الإسلام؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤثر في نفوسهم فيقوي دافع الاستجابة لديهم.
قال تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ﴿8﴾ سورة الممتحنة .
قال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله:"أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم فليس عليكم جناح أن تصلوهم"( 11).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله- "معنى الآية: الرخصة في الإحسان إلى الكفار والصدقة عليهم إذا كانوا مسالمين بموجب عهد أو أمان أو ذمة " ( 12).
" مر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - عند مقدمه من أرض الشام بقوم مجذومين من النصارى فأمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجري عليهم القوت" ( 13).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- "يجوز بل يجب الإعطاء لتأليف من يحتاج إلى تأليف قلبه، وذكر أن المؤلفة قلوبهم نوعان: كافر ومسلم؛ فالكافر إما أنه يرجى بعطيته منفعة كإسلامه أو دفع مضرته إذا لم يندفع إلا بذلك، والمسلم المطاع يرجى بعطيته المنفعة أيضاً" ( 14) .
قال تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }سورة التوبة ﴿60﴾ .
قال الشوكاني –رحمه الله-( 15): "المؤلفة قلوبهم هم قوم كانوا في صدر الإسلام فقيل هم الكفار الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم ليسلموا، وكانوا لا يدخلون في الإسلام بالقهر والسيف، بل بالعطاء، وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم يحسن إسلامهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطاء، وقيل هم من أسلم من اليهود والنصارى، وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليتألفوا اتباعهم على الإسلام (16) .
وقال ابن سعدي: "المؤلف قلبه هو السيد المطاع في قومه ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره أو جبايتها ممن لا يعطيها فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة" ( 17).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - عن الإحسان إلى الكافر:-
"يحسن إليه ولا يؤذى في جواره. ويتصدق عليه إن كان فقيراً، ويهدي إليه إن كان غنياً، وينصح له فيما ينفعه؛ لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه" ( 1.
"ويجوز للمسلم أن يواسي جاره الكافر من لحم الأضحية، ويوسّع عليه؛ تأليفًا لقلبه وأداءً لحق الجوار ولعدم وجود ما يمنع ذلك من الأدلة، ولعموم قوله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }﴿8﴾ سورة الممتحنة ( 19)
روى الترمذي: أن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه - ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)( 20).
إن هذه النصوص الشرعية تؤكد على الإحسان إلى غير المسلمين والعدل فيهم وتوظيف المال في إعانة الفقراء والضعفاء منهم والإهداء إلى أغنيائهم، كل ذلك طمعًا في إسلامهم، ويعد ذلك من قبيل الحوافز التي تحفزهم على الدخول في الإسلام وتظهر محاسن الإسلام ومبادئه في التعامل مع المخالفين.
"إن الوصول إلى قلوب المدعوين من غير المسلمين إنما يكون بمعرفة نفسياتهم ومشاعرهم وعواطفهم، والداعية عليه أن ينتهز الفرص لتقريب دعوته إلى غير المسلمين، ومما يتعلق ببر غير المسلمين، وهو من وسائل دعوتهم وتحبيب الإسلام إلى نفوسهم، إعانتهم بالمال عند الحاجة ومن ذلك: كفالة العاجز منهم عن العمل أو كبير السن، وهذا ما سار عليه الخلفاء الراشدون في صدر الإسلام في معاملاتهم لأهل الذمة، ففي خلافة الصديق - رضي الله عنه - كتب خالد بن الوليد – رضي الله عنه - في عقد أهل الذمة لأهل الحيرة بالعراق وكانوا من النصارى ( 21) : "وجعلت لهم أيَّما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله"( 22).
"ومر عمر بن الخطاب بباب قوم عليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟
فقال: يهودي، فقال: فمن ألجأك إلى ما أرى؟
قال أسال الجزية والحاجة والسن، قال فأخذ عمر – رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا أو ضرباءه؛ فوالله ما أنصفنا أن أكلنا شبيبته ثم نحذله عند الهرم{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عنه الجزية وضربائه"( 23) .
وفي الختام أود أن أقول: إن الإحسان إلى غير المسلمين ومساعدة فقرائهم وعلاج مرضاهم، وتقديم أي نوع من أنواع الخدمات الإنسانية والإغاثية لـه أصول شرعية يستند إليها من الكتاب والسنة وعمل الصحابة – رضي الله عنهم - ، وهذا ما أردت التأكيد عليه في هذا المطلب الذي تحدثت فيه بإيجاز عن التأصيل الشرعي لمساعدة غير المسلمين وإعانتهم في المجالات الاجتماعية المختلفة وظروفهم الطارئة، وتوظيف المال في الدعوة إلى الله تعالى وترغيبهم للدخول في الإسلام، فالنفوس البشرية لها مداخل، ولعل المال واستخدامه في تقديم المساعدات الإنسانية والاهتمام بشؤون الفقراء والمحتاجين من غير المسلمين كل ذلك يشكل مداخل مهمة للتأثير على نفوس غير المسلمين.
فالنفوس اعتادت على حب من يحسن إليها، فإذا كان ما يقدم من خدمات ومساعدات لغير المسلمين يقدم باسم الإسلام فإن ذلك سيكون باعثًا -إن شاء الله تعالى- على حبهم للإسلام واهتمامهم بهذا الدين والاستجابة لدعوتهم للدخول فيه.
ولماكان المال من الأهمية بمكان فإن الوقف الإسلامي يمكن أن يؤدي وظيفة عظيمة في مجال دعوة غير المسلمين ويكون لـه أثره الكبير في استمالة قلوبهم عن طريق الأعمال الإغاثية المدعومة والممولة من المؤسسات الوقفية في العالم الإسلامي، إن النصارى قد قطعوا شوطًا كبيرًا في تقديم المساعدات والخدمات للمنكوبين من المسلمين ومن غير المسلمين بهدف إدخالهم في النصرانية وجندوا لهذه الغاية امكانات مادية هائلة وطاقات بشرية مؤهلة لمباشرة هذه المهمة.
وإن المسلمين أولى بذلك؛ حيث يأمر الإسلام بإعانة غير المسلمين من المحتاجين لأجل دعوتهم للإسلام من خلال تأليف قلوبهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ ــــــــــــــــــ
( 1) صحيح البخاري –كتاب التيمم- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) رقم الحديث 438.
( 2 ) هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني شيخ الإسلام، ولد بحران سنة 661هـ، من أسرة مشهورة بالعلم والصلاح كان عالمًا بارعًا مجتهدًا ناصرًا للسنة قامعًا للبدعة وله مصنفات عديدة وتوفي سجينا بقلعة دمشق سنة 728هـ.
انظر: العقود الدرية لابن عبدالهادي، والبداية والنهاية لابن كثير 14/140.
( 3 ) درء تعارض العقل والنقل- تحقيق د. محمد عطية سالم –9/372-373-ط1-1402هـ مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
( 4 ) هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، ثقة حافظ إمام مصنف عالم بالفقه، صاحب الصحيح، مات سنة 61، وله 57 سنة، انظر: سير أعلام النبيلاء – الذهبي 12/557، تقريب التهذيب لابن حجر ص529.
( 5 ) صحيح مسلم – كتاب الفضائل- باب شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم عما يضرهم- رقم الحديث 2285.
( 6 ) المستدرك على الصحيحين - كتاب الإيمان1/15 وقال الإمام الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ورواته عن آخرهم ثقات أثبات ووافقه الذهبي حيث قال عن الحديث: على شرطهما (التلخيص للحافظ الذهبي 1/14 مطبوع بذيل المستدرك على الصحيحين- بدون رقم أو سنة طبع- دار إحياء التراث العربي).
( 7 ) سبخة: بفتح السين والباء وهي الأرض التي لا تنبت لملوحة أرضها شرح النووي على صحيح مسلم 12/159.
( 8 ) صحيح البخاري -كتاب الصلح باب: ماجاء في الإصلاح بين الناس- رقم الحديث2961.
( 9 ) انظر: الحرص على هداية الناس في ضوء النصوص وسير الصالحين –د. فضل إلهي ص18-25-ط4-1419هـ –1998م مؤسسة الجريسي – الرياض.
( 10 ) انظر: دعوة غير المسلمين إلى الإسلام -د. عبد الله اللحيدان –ص70-71-ط1-1420هـ-2000م –مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان- الرياض.
( 11 ) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان –ص 857.
( 12) نقد القومية العربية –ص 36-ط5-1403ـ- رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد-الرياض.
( 13) انظر: فتوح البلدان- أحمد بن يحيى البلاذري-ص 131-ط1-1403هـ.
( 14 ) مجموع الفتاوى 28/29.
( 15) هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني ثم الصنعاني، ولد في بلدة هجر شوكان سنة 1173هـ، وطلب العلم، وبرع فيه وصنف عدة مصنفات قيمة وتوفي سنة 1250هـ.
انظر : البدر الطالع للشوكاني 2/214، والأعلام للزركلي 3/261.
( 16) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ص 712.
( 17) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 341.
( 1 مجموع الفتاوى- عبد العزيز بن باز 4/266.
( 19) فتاوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية – جمع وترتيب- صفوت الشوادفي-ص 70- الفتوى رقم 2821.
( 20) سنن الترمذي – كتاب البر والصلة- باب ماجاء في حق الجار، وذكره الألباني في صحيح الترمذي –4/183.
( 21 ) دعوة غير المسلمين إلى الإسلام د. عبد الله بن إبراهيم اللحيدان – ص159.
( 22) كتاب الخراج – يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف-ص 306- بدون ذكر رقم طبع 1399هـ- دار المعرفة – بيروت.
( 23) المرجع السابق، ص 126.
المصدر وتم التصرف فى العنوان
http://www.ipc-kw.com/vb/showthread....7590#post17590
بقلم د. خالد بن هدوب المهيدب
إن الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، وصالحة لكل زمان ومكان، فهي تحوي مقومات الصلاحية والملاءمة، لكل عصر ومصر، ولما كانت الدعوة الإسلامية عالمية، فإن الله سبحانه أناط بالأمة الإسلامية مسؤولية إبلاغها للناس كافة بالوسائل والأساليب المشروعة والممكنة والملائمة، حتى يمكن عرض محاسن الإسلام ودعوة الناس وترغيبهم في الدخول فيه، وقد تواترت النصوص القرآنية التي تؤكد على وجوب الدعوة إلى الله تعالى، وبعيداً عن الدخول في تفصيلات نوعية الوجوب واختلاف أهل العلم في ذلك؛ لأنني أرى عدم مناسبة الحديث عنه الآن في هذا التمهيد السريع والموجز، أقول: إن النصوص القرآنية أكدت على عالمية الدعوة الإسلامية وكونها جاءت للناس كافة، ومن تلك النصوص ما يلي:-
قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }﴿107﴾ سورة الأنبياء.
وقال تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }﴿158﴾ سورة الأعراف .
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }﴿28﴾ سورة سبأ.
وقــال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }﴿125﴾ سورة النحل .
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على عالمية الدعوة الإسلامية فقال أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء: قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة وأعطيت الشفاعة)( 1).
وتأسيساً على هذه النصوص الشرعية، فإن الدعوة الإسلامية للناس كافة بأصنافهم ومستوياتهم وألوانهم وأجناسهم.
من هذا المنطلق ينبغي العناية بدعوة غير المسلمين سواءً أكانوا أهل كتاب أم غير ذلك من الوثنيين والماديين ومن ضلوا وممن لا يدينون بالإسلام.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-( 2):"والخلق صلاحهم وسعادتهم في أن يكون الله معبودهم الذي تنتهي إليه محبتهم وإرادتهم، ويكون ذلك غاية الغايات ونهاية النهايات وهو الذي يجب أن يكون المراد المقصود بالحركات" ( 3).
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة الناس كافة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصه الشديد على إبعاد أمته عن كل ما يضرهم؛ فقد روى الإمام مسلم ( 4)عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي )( 5).
" وحينما ننظر إلى سيرته المطهرة عليه الصلاة والسلام نجده كان يدعو في جميع الأماكن والأزمان والأحوال، ودعا جميع أصناف الناس كما استخدم جميع الأساليب والوسائل المشروعة المتاحة له.
ومن إتيانه عليه الصلاة والسلام الناس في أماكنهم للدعوة إلى الله تعالى، أنه كان يأتي منازل الناس بمنى في الموسم؛ فقد روى الإمام الحاكم عن ربيعة بن عباد الدؤلي يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: (يا أيها الناس إن الله أمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا).
قال: ووراءه رجل يقول: يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم، فسألت عن هذا الرجل فقيل: أبو لهب" ( 6).
ولم يكن خروجه صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى منازل الناس ومجالسهم في المرحلة المكية فحسب، بل استمر على ذلك بعد هجرته إلى المدينة النبوية، فقد روى الإمام البخاري عن أنس – رضي الله عنه - قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أتيت عبد الله ابن أبيّ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حماراً فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة ( 7) فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك" ( .
"ولم يكن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بدعوة كبار الناس فحسب عند إتيانه منازلهم، بل اعتنى أيضاً عناية شديدة بدعوة عامة الناس" ( 9).
كل ذلك يؤكد على أهمية دعوة غير المسلمين؛ لأن نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية المطهرة أكدت على ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفوت فرصة واحدة إلا واستغلها في دعوة كافة الناس.
إن أهم ما ينبغي التركيز عليه في دعوة غير المسلمين هو التوحيد وغرس العقيدة الصحيحة في نفوسهـم؛ فقضيـة التوحيـد هي القضية الأساس التي بعث الله تعالى لأجلها الأنبياء والرسل، قال تعالـى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }﴿25﴾ سورة الأنبياء .
وقال تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ﴿64﴾ سورة آل عمران .
فالقضية الأساسية التي يبدأ بها ويركز عليها هي قضية التوحيد، ثم تأتى بعد ذلك التشريعات والتكليفات.
وإن مما ينبغي التأكيد عليه في هذا الصدد، أن دعوة غير المسلمين إلى العقيدة الصحيحة والالتزام بما أمر به الشرع واجتناب ما نهى عنه، تكون بالأقوال والأعمال والقدوة الحسنة وغير ذلك من الوسائل؛ كالدعوة إلى الله تعالى بالكتابة والدعوة إلى الله من خلال الأعمال الخيرية والإغاثية والمعاملة الطيبة لهم، والتي يتم من خلالها بيان محاسن الإسلام ورحمته وتحقيقه للمطالب الإنسانية المشروعة.
"إن كثيراً من أفعال الخير تعرفها الفطرة وتعلمها الطبائع الإنسانية بحكم جبلَّتها وفي غريزة البشر حب المشاركة في الخير، فإغاثة الملهوف وإرشاد الضال أو نصرة المظلوم وغير ذلك من أفعال الخير وصور البر التي تمثل الجانب العملي في أساليب الدعوة، وطرق التبليغ أمر ليس مقصوراً على العلماء وحدهم، وإنما هو أمر تتسع دائرته لجهود عوام المسلمين أيضاً.
إن العامة إذا كانوا غير قادرين على دعوة غير المسلمين بالأسلوب النظري المرتبط بالمناهج الدعوية المدروسة فهم قادرون على دعوتهم بالأسلوب العملي. إن العامة قادرون على المساهمة في تمويل المشاريع التي تخدم دعوة غير المسلمين"( 10) .
إن دعوة غير المسلمين تكون بالإحسان إليهم وتأليف قلوبهم وترغيبهم للدخول في الإسلام؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤثر في نفوسهم فيقوي دافع الاستجابة لديهم.
قال تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ﴿8﴾ سورة الممتحنة .
قال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله:"أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم فليس عليكم جناح أن تصلوهم"( 11).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله- "معنى الآية: الرخصة في الإحسان إلى الكفار والصدقة عليهم إذا كانوا مسالمين بموجب عهد أو أمان أو ذمة " ( 12).
" مر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - عند مقدمه من أرض الشام بقوم مجذومين من النصارى فأمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجري عليهم القوت" ( 13).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- "يجوز بل يجب الإعطاء لتأليف من يحتاج إلى تأليف قلبه، وذكر أن المؤلفة قلوبهم نوعان: كافر ومسلم؛ فالكافر إما أنه يرجى بعطيته منفعة كإسلامه أو دفع مضرته إذا لم يندفع إلا بذلك، والمسلم المطاع يرجى بعطيته المنفعة أيضاً" ( 14) .
قال تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }سورة التوبة ﴿60﴾ .
قال الشوكاني –رحمه الله-( 15): "المؤلفة قلوبهم هم قوم كانوا في صدر الإسلام فقيل هم الكفار الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم ليسلموا، وكانوا لا يدخلون في الإسلام بالقهر والسيف، بل بالعطاء، وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم يحسن إسلامهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطاء، وقيل هم من أسلم من اليهود والنصارى، وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليتألفوا اتباعهم على الإسلام (16) .
وقال ابن سعدي: "المؤلف قلبه هو السيد المطاع في قومه ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره أو جبايتها ممن لا يعطيها فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة" ( 17).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - عن الإحسان إلى الكافر:-
"يحسن إليه ولا يؤذى في جواره. ويتصدق عليه إن كان فقيراً، ويهدي إليه إن كان غنياً، وينصح له فيما ينفعه؛ لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه" ( 1.
"ويجوز للمسلم أن يواسي جاره الكافر من لحم الأضحية، ويوسّع عليه؛ تأليفًا لقلبه وأداءً لحق الجوار ولعدم وجود ما يمنع ذلك من الأدلة، ولعموم قوله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }﴿8﴾ سورة الممتحنة ( 19)
روى الترمذي: أن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه - ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)( 20).
إن هذه النصوص الشرعية تؤكد على الإحسان إلى غير المسلمين والعدل فيهم وتوظيف المال في إعانة الفقراء والضعفاء منهم والإهداء إلى أغنيائهم، كل ذلك طمعًا في إسلامهم، ويعد ذلك من قبيل الحوافز التي تحفزهم على الدخول في الإسلام وتظهر محاسن الإسلام ومبادئه في التعامل مع المخالفين.
"إن الوصول إلى قلوب المدعوين من غير المسلمين إنما يكون بمعرفة نفسياتهم ومشاعرهم وعواطفهم، والداعية عليه أن ينتهز الفرص لتقريب دعوته إلى غير المسلمين، ومما يتعلق ببر غير المسلمين، وهو من وسائل دعوتهم وتحبيب الإسلام إلى نفوسهم، إعانتهم بالمال عند الحاجة ومن ذلك: كفالة العاجز منهم عن العمل أو كبير السن، وهذا ما سار عليه الخلفاء الراشدون في صدر الإسلام في معاملاتهم لأهل الذمة، ففي خلافة الصديق - رضي الله عنه - كتب خالد بن الوليد – رضي الله عنه - في عقد أهل الذمة لأهل الحيرة بالعراق وكانوا من النصارى ( 21) : "وجعلت لهم أيَّما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله"( 22).
"ومر عمر بن الخطاب بباب قوم عليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟
فقال: يهودي، فقال: فمن ألجأك إلى ما أرى؟
قال أسال الجزية والحاجة والسن، قال فأخذ عمر – رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا أو ضرباءه؛ فوالله ما أنصفنا أن أكلنا شبيبته ثم نحذله عند الهرم{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عنه الجزية وضربائه"( 23) .
وفي الختام أود أن أقول: إن الإحسان إلى غير المسلمين ومساعدة فقرائهم وعلاج مرضاهم، وتقديم أي نوع من أنواع الخدمات الإنسانية والإغاثية لـه أصول شرعية يستند إليها من الكتاب والسنة وعمل الصحابة – رضي الله عنهم - ، وهذا ما أردت التأكيد عليه في هذا المطلب الذي تحدثت فيه بإيجاز عن التأصيل الشرعي لمساعدة غير المسلمين وإعانتهم في المجالات الاجتماعية المختلفة وظروفهم الطارئة، وتوظيف المال في الدعوة إلى الله تعالى وترغيبهم للدخول في الإسلام، فالنفوس البشرية لها مداخل، ولعل المال واستخدامه في تقديم المساعدات الإنسانية والاهتمام بشؤون الفقراء والمحتاجين من غير المسلمين كل ذلك يشكل مداخل مهمة للتأثير على نفوس غير المسلمين.
فالنفوس اعتادت على حب من يحسن إليها، فإذا كان ما يقدم من خدمات ومساعدات لغير المسلمين يقدم باسم الإسلام فإن ذلك سيكون باعثًا -إن شاء الله تعالى- على حبهم للإسلام واهتمامهم بهذا الدين والاستجابة لدعوتهم للدخول فيه.
ولماكان المال من الأهمية بمكان فإن الوقف الإسلامي يمكن أن يؤدي وظيفة عظيمة في مجال دعوة غير المسلمين ويكون لـه أثره الكبير في استمالة قلوبهم عن طريق الأعمال الإغاثية المدعومة والممولة من المؤسسات الوقفية في العالم الإسلامي، إن النصارى قد قطعوا شوطًا كبيرًا في تقديم المساعدات والخدمات للمنكوبين من المسلمين ومن غير المسلمين بهدف إدخالهم في النصرانية وجندوا لهذه الغاية امكانات مادية هائلة وطاقات بشرية مؤهلة لمباشرة هذه المهمة.
وإن المسلمين أولى بذلك؛ حيث يأمر الإسلام بإعانة غير المسلمين من المحتاجين لأجل دعوتهم للإسلام من خلال تأليف قلوبهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ ــــــــــــــــــ
( 1) صحيح البخاري –كتاب التيمم- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) رقم الحديث 438.
( 2 ) هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني شيخ الإسلام، ولد بحران سنة 661هـ، من أسرة مشهورة بالعلم والصلاح كان عالمًا بارعًا مجتهدًا ناصرًا للسنة قامعًا للبدعة وله مصنفات عديدة وتوفي سجينا بقلعة دمشق سنة 728هـ.
انظر: العقود الدرية لابن عبدالهادي، والبداية والنهاية لابن كثير 14/140.
( 3 ) درء تعارض العقل والنقل- تحقيق د. محمد عطية سالم –9/372-373-ط1-1402هـ مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
( 4 ) هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، ثقة حافظ إمام مصنف عالم بالفقه، صاحب الصحيح، مات سنة 61، وله 57 سنة، انظر: سير أعلام النبيلاء – الذهبي 12/557، تقريب التهذيب لابن حجر ص529.
( 5 ) صحيح مسلم – كتاب الفضائل- باب شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم عما يضرهم- رقم الحديث 2285.
( 6 ) المستدرك على الصحيحين - كتاب الإيمان1/15 وقال الإمام الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ورواته عن آخرهم ثقات أثبات ووافقه الذهبي حيث قال عن الحديث: على شرطهما (التلخيص للحافظ الذهبي 1/14 مطبوع بذيل المستدرك على الصحيحين- بدون رقم أو سنة طبع- دار إحياء التراث العربي).
( 7 ) سبخة: بفتح السين والباء وهي الأرض التي لا تنبت لملوحة أرضها شرح النووي على صحيح مسلم 12/159.
( 8 ) صحيح البخاري -كتاب الصلح باب: ماجاء في الإصلاح بين الناس- رقم الحديث2961.
( 9 ) انظر: الحرص على هداية الناس في ضوء النصوص وسير الصالحين –د. فضل إلهي ص18-25-ط4-1419هـ –1998م مؤسسة الجريسي – الرياض.
( 10 ) انظر: دعوة غير المسلمين إلى الإسلام -د. عبد الله اللحيدان –ص70-71-ط1-1420هـ-2000م –مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان- الرياض.
( 11 ) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان –ص 857.
( 12) نقد القومية العربية –ص 36-ط5-1403ـ- رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد-الرياض.
( 13) انظر: فتوح البلدان- أحمد بن يحيى البلاذري-ص 131-ط1-1403هـ.
( 14 ) مجموع الفتاوى 28/29.
( 15) هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني ثم الصنعاني، ولد في بلدة هجر شوكان سنة 1173هـ، وطلب العلم، وبرع فيه وصنف عدة مصنفات قيمة وتوفي سنة 1250هـ.
انظر : البدر الطالع للشوكاني 2/214، والأعلام للزركلي 3/261.
( 16) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ص 712.
( 17) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 341.
( 1 مجموع الفتاوى- عبد العزيز بن باز 4/266.
( 19) فتاوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية – جمع وترتيب- صفوت الشوادفي-ص 70- الفتوى رقم 2821.
( 20) سنن الترمذي – كتاب البر والصلة- باب ماجاء في حق الجار، وذكره الألباني في صحيح الترمذي –4/183.
( 21 ) دعوة غير المسلمين إلى الإسلام د. عبد الله بن إبراهيم اللحيدان – ص159.
( 22) كتاب الخراج – يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف-ص 306- بدون ذكر رقم طبع 1399هـ- دار المعرفة – بيروت.
( 23) المرجع السابق، ص 126.
المصدر وتم التصرف فى العنوان
http://www.ipc-kw.com/vb/showthread....7590#post17590
تعليق