كشف الشخصيات 6) برتراند راسل

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
هذا الموضوع مغلق.
X
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سيف الكلمة
    إدارة المنتدى

    • 13 يون, 2006
    • 6036
    • مسلم

    كشف الشخصيات 6) برتراند راسل

    كشف الشخصيات 6
    ) برتراند راسل

    بقلم عبد الرحمن حسن حبنكة الميدانى من كتاب كواشف زيوف
    https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=4581

    "برتراندرسل" وآراؤه الإلحادية

    من هو "برتراندرسل"؟

    هو فيلسوف إنكليزي ملحد معاصر .
    وذو تأثير قوي في ميدان الدراسات الفلسفية .
    عاش ما بين : (1873 – 1970م) .
    وهو من أسرة ارستقراطية معروفة . كان جده رئيساً للوزارة الإنجليزية ، على مبدأ الأحرار .
    وقد أثار حرباً شعواء ليظفر بحرية التجارة ، وبالتعليم العام المجاني ، وبتحرير طائفة اليهود .
    كان "برتراندرسل" أشهر الفلاسفة الذين عرفهم الفكر الفلسفي أثناء الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية .
    كتب في مختلف مجالات الفكر الفلسفي ، وكتب في غيرها أيضاً ، وكان ذا نشاط تأليفي غير عادي ، وقد ظل صاحب الخطوة الأولى لدى الذين يطلقون على أنفسهم تقدميين من المثقفين المعاصرين الملاحدة في أوروبا وذيولها .
    وهو ذو تطرف سياسي . ومتطرف جداً في إلحاده . وقد بسط أفكاره السياسية والإلحادية المتطرفة في كتابات أدبية مؤثرة .
    أثرت كتاباته السهلة على العامة ، وأثرت كتاباته العميقة على الفكر الأوروبي المعاصر كله .
    استعراض لأهم آرائه وأفكاره وحركة فكره الفلسفية :
    أولاً: سار في فلسفته ضمن أطوار ، من المثالية إلى الوضعية . وقد ركز اهتمامه أخيراً على المذهب الوضعي ، فصار يرى أن المعرفة تظل مستحيلة ما لم نستعن في محاولة الوصول إليها بمناهج الطبيعة .
    وواقعية "رسل" قريبة من الواقعية الملاحظة في مذهب "هيوم" التجريبي .
    وقد سيطر على فلسفته مذهب الشك ، حتى كاد الشك المطبق يخيم على جميع جوانب فلسفته .
    وعلى الرغم من حدة ذكائه ، وسعة اطلاعه ، عجز عن أن يضع مذهباً فلسفياً متناسقاً ، يربط بين جميع آرائه ونظرياته ، وعجز أيضاً عن تحاشي الوقوع في التناقض ، إذ يلمس الباحث القارئ لكتبه ، ظاهرة التناقض جلية في بعض جوانب فلسفته .
    لقد تبنى مواقف فكرية كان من سماتها التغير المتواصل ، فلم يكن يثبت عند موقف منها . وانتهى إلى الادعاء بأنه يستحيل إدراك الواقع خارج نطاق مناهج علوم الطبيعة ، فحصر المعرفة في العلوم الطبيعية وحدها ، ثمّ أخذ يتشكك حتى في قيمة تلك المعرفة ،وهو في ذلك يقول :
    "حتى المعرفة التي تمدنا بها علوم الطبيعة لا تعدو أن تكون مجرد معرفة احتمالية".
    ثانياً: رفض "رسل" مثالية "هيجل" كلها رفضاً قاطعأً ، وادعى أن العالم الواقع يتألف من مجرد معطيات حسية تترابط فيما بينها بواسطة علاقات منطقية صرفة . وزعم أن المادة وإن كان لها وجود واقعي ملموس ، فمن المستحيل إدراكها إدراكاً مباشراً.
    ومضى "رسل" في بلورته لنظريته في المعرفة دون أن يخرج بها عن النظرية الأفلاطونية الكلاسيكية ، بيد أنه ينتهي فيما بعد إلى التسليم بعجزه عن تقديم حلول قاطعة لمشكلة المعرفة في جملتها ، نظراً إلى ما يكتنف تلك المحاولة في رأيه من صعوبات جمة ، فنراه يقترب من الموقف نفسه الذي انتهت إليه الوضعية قبله .
    واعترف "رسل" بأن آراءه في علم النفس قد جاءت مغرقة في نزعتها المادية ، ومع ذلك فإنه لم يتبنَّ وجهة نظر مادية خالصة في هذا المجال .
    ثالثاً: ذهب إلى اعتبار الإنسان جزءاً لا قيمة له بين أجزاء الطبيعة . وزعم أن العقل الإنساني خاضع للقوانين الطبيعية ، إذ اعتبرها متحكمة في جميع ضروب الفكر .
    وزعم أن العلم الذي يشكل المصدر الوحيد لمعرفتنا ، لا يمكن أن يفسح مجالاً للاعتقاد بوجود الله ، أو بخلود النفس .
    وزعم أن فكرة الخلود فكرة بالغة البطلان والاستحالة ، إذ لو كان الخلود هو المصير الذي ينتظر النفس بعد الموت ، فما السبب إذن في عجز النفس عن أن تشغل لها حيزاً إلى جانب الجسد في هذه الحياة الدنيا؟ .
    رابعاً : أفرط "برتراندرسل" إفراطاً شديداً في صب هجومه على الدين قائلاً:
    " إن الدين لا يقوم إلا على عوامل الترهيب والتلويح بالعقاب ، وبالتالي فإن الدين يشكل ضرباً من ضروب الشر التي تملأ هذا العالم . وهذا هو السبب في أننا نجد أن أولئك الذين لم يبلغوا بعدُ درجة كافية من النضج الأخلاقي والعقلي هم وحدهم الذين ما زالوا يتمسكون بالمعايير الدينية التي تناهض بطبيعتها جميع المعايير الإنسانية الخيرة التي يجب أن تسود عالمنا الحديث .
    خامساً: يرى "رسل" أن للإنسان إرادة حرة تدفعه إلى أن يقيم لنفسه في الحياة مثلاً عليا ، يطمح بها إلى تحقيق حياة خيرة ، تسير على هدى المعرفة والمحبة الإنسانية ، ومن شأن حرية الاختيار هذه أن تغني الإنسان عن البحث عن نظريات أخلاقية لا طائل وراءها .
    وإذ زعم أنه لا جدوى للنظريات الأخلاقية التجريدية لضرورات الحياة العملية ، فقد بدا له أن يقدم برهاناً على ذلك مثال الأم التي تواجه مرض طفلها الصغير ، فقال : إن تلك الأم لا تحتاج في سعيها وراء شفاء طفلها إلى مشرعين أخلاقيين ، وإنما تحتاج إلى طبيب ماهر قادر على وصف العلاج المناسب .
    وللتشجيع على الإباحية الجنسية ، زعم "رسل" أن القواعد الأخلاقية قد أخذت ترتكز اليوم شيئاً فشيئاً على تصورات خرافية باطلة . منها على سبيل المثال ما نشاهده من انحراف في سن التشريعات الأخلاقية الجنسية ، المتمثلة اتجاه المجتمعات الحديثة إلى تحريم جميع صور الزواج الجماعي ، وقصره على صورته الواحدية ، وفي استهجان الزنى ، ومحاربة الزانين .
    وزعم أن السعادة التي هي الغاية التي يجب أن تطمح الإنسانية إليها ، لا سبيل إلى بلوغها إلا بقهر عوامل الخوف والإرهاب اللذين دأبت الأديان والشرائع الأخلاقية على التلويح بهما في وجه الإنسان ، وذلك بالوقوف في وجههما بفضائل الشجاعة والإقدام ، وتقويتهما عن طريق التربية ، وخلع الكمالات على الإنسان بالتحلي بشتى القيم...
    سادساً: سئل "برتراندرسل" : هل يحيا الإنسان بعد الموت؟
    فأجاب بالنفي ، وشرح جوابه بقوله :
    "عندما ننظر إلى هذا السؤال من زاوية العلم ، وليس من خلال ضباب العاطفة ،نجد أنه من الصعب اكتشاف المبرر العقلي لاستمرار الحياة بعد الموت ، فالاعتقاد السائد بأننا نحيا بعد الموت يبدو لي بدون أي مرتكزٍ أو أساسٍ علمي . ولا أظن أنه يتسنى لمثل هذا الاعتقاد أن ينشأ وأن ينتشر لولا الصدى الانفعالي الذي يحدثه فينا الخوف من الموت . لا شك أن الاعتقاد بأننا سنلقى في العالم الآخر أولئك الذين نكن لهم الحب ، يعطينا أكبر العزاء عند موتهم ، ولكني لا أجد أي مبرر لافتراض أن الكون يهتم بآمالنا ورغباتنا ، فليس لنا أي حق في أن نطلب من الكون تكييف نفسه وفقاً لعواطفه وآمالنا ، ولا أحسب أن من الصواب والحكمة أن نعتنق آراء لا تستند إلى أدلة بينة وعلمية" .
    سابعاً: كتب "رسل" قصة أدبية ، ذكر فيها أن السديم الحار دار عبثاً في الفضاء عصوراً لا تعد ولا تحصى دوراناً ذاتيا ، ثمّ نشأت عن هذا الدوران هذه الكائنات المنظمة البديعة ، بطريق المصادفة ، وأن اصطداماً كبيراً سيحدث في هذا الكون ، يعود به كل شيء إلى سديم ، كما كان أولاً .
    وعلق الملحد "صادق جلال العظم" على هذه القصة الخيالية ، التي سماها قطعة أدبية جميلة فقال :
    " هذا المقطع الذي كتبه "رسل" يلخص لنا بكل بساطة النظرة العلمية الطبيعية للقضايا التالية : نشوء الكون وتطوره . نشوء الحياة وتطورها . أصل الإنسان ونشأته وتطوره . نشوء الديانات والعبادات والطقوس وتطورها . وأخيراً يشدد على أن النهاية الحتمية لجميع الأشياء هي الفناء والعدم ، ولا أمل لكائن بعدها بشيء ، إنه من السديم وإلى السديم يعود" .
    ثامناً : ذكر "وحيد الدين خان" ، أنه قرأ كل أعمال "برتراندرسل" واستطاع بعد قراءتها أن يلتقط من أقواله ما يكشف عن النهايات الفكرية التي انتهى إليها .
    إنه بعد أن درس الفيزياء ، وعلم الحياة ، وعلم النفس ، والمنطق الرياضي ، انتهى إلى أن "مذهب التشكيك في الوجود مستحيل نفسياً". ومع ذلك فإن الإنسان عاجز عن أن يحيط إلا بأقل قدر من المعرفة .
    ويقول بالنسبة إلى الفلسفة :
    "تدعي الفلسفة منذ القدم ادعاءات كبيرة ، ولكن حصيلتها أقل بكثير بالنسبة إلى العلوم الأخرى ".
    ويقول "رسل":
    "عن تصورنا العلمي للكون ، لا تدعمه حواسُّنا التجريبية ، بل هو عالم مستنبط كلياً ".
    ويبلغ به الأمر إلى أن يقول :
    " إن أفكار الناس لا توجد إلا في مخيلاتهم فحسب".
    أي : إن التجربة لا تستطيع أن تثبت مطابقة هذه الأفكار للواقع .
    وانتهى "رسل" أيضاً إلى أن التجربة قد أعطيت لها الأهمية الكبرى ، ولذلك يجب أن تخضع "التجريبية" باعتبارها فلسفةً لتحديات مهمة . يقول هذا حتى في النظريات والقوانين العلمية .
    ومع ذلك فإنه يختار لنفسه مذهب الإلحاد ، ويعتمد على افتراضات لا يمكن إخضاعها للتجربة بحال من الأحوال ، وذلك بالنسبة إلى نشأة الكون والحياة . ويرجح الداروينية مع أنها من وجهة نظره فكرة استنباطية لا تدعمها التجربة ، ولا تزيد على أنها فكرة في مخيلات أصحابها .
    ويقول أيضاً:
    " لقد وجدت معظم الفلاسفة قد أخطؤوا في فهم الشيء الذي يمكن استنباطه بالتجربة فحسب ، والشيء الذي لا يمكن استنباطه بالتجربة ".
    ويقول أيضاً:
    " لسوء حظنا لم تعد الطبيعة النظرية تحدثنا اليوم بالثقة الرائعة نفسها التي كانت تحدثنا بها في القرن السابع عشر . لقد كانت لأعمال "نيوتن" أربعة تخيلات أساسية ، هي : المكان ، والزمان ، والمادة ، والقوة .
    وقد أصبحت هذه العناصر نسياً منسياً في علم الطبيعة الحديث. فقد كان الزمان والمكان من الأشياء الجامدة والمستقلة عند "نيوتن" والآن قد تمَّ تبديلهما بما يُسمى "المكان-الزمان" والذي لا يعتبر جوهرياً أساسياً ، وإنما هو نظام للروابط ، وأصبحت "المادة" شكلاً لسلسلة الوقائع ، وأصبحت "القوة" الآن "الطاقة" . والطاقة نفسها شيء لا يمكن فصله عن المادة الباقية . والسبب كان هو الشكل الفلسفي لما كان يسميه علماء الطبيعة بالقوة ، وقد أصبح هذا التصور قديماً ، إن لم أقل : إنه قد مات فعلاً ، إلا أن هذه الفكرة لم تعد قوية كما كانت من قبل" .
    ويقول "رسل" أيضاً:
    "إنه قد توصل بعد دراسات استنفدت كل عمره ، إلى أن الاستنباط الذي لا يمكن إيضاحه يعتبر أيضاً مقبولاً وجائزاً ، وعند رفض هذا النوع من الاستنباط سوف يصاب النظام الكامل للعلوم والحياة الإنسانية بالشلل".
    ويقول أيضاً:
    " إن العلوم تشمل كلا العالمين :الحقيقي والعالم المتخيّل وجوده . وكلما تقدم العلم ازداد فيه عنصر الاعتقاد ، فبعض الأشياء في العلوم حقائق مشاهدة ، ولكن الأشياء العليا تجريدات علمية يتم استنباطها بناءً على المشاهدة . والحقيقة أنه لا يمكن رفض مذهب الشك الكلي إطلاقاً ، إلا أنه مع ذلك يصعب قبول التشكيك الكلي في نفس الوقت".
    ويقول أيضاً:
    "إنه لا يمكن الادعاء بالقطعية (في النظريات أو الآراء) على النحو الذي سار عليه الفلاسفة المتسرعون بكثرة وبدون جدوى".
    ونظراً إلى واقع حال "رسل" التائه عن الحقيقة ، استطاع البروفسور "ألان وود" أن يقرظه بقوله : "برتراندرسل فيلسوف بدون فلسفة".

    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 30 أكت, 2020, 02:29 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره
  • سيف الكلمة
    إدارة المنتدى

    • 13 يون, 2006
    • 6036
    • مسلم

    #2
    كشف الزيف

    سأقتصر على كشف أهم ما في أقوال "رسل" وفلسفته من زيوف في الكواشف التالية ، عنواناً على سائر زيوفه:
    الكاشف الأول : لقد اكتشفنا من أقوال "رسل" أن فلسفته تعتمد على الاعتراف بأن العلوم متى تجاوزت منطقة المدركات الحسية فإنها لا تملك معارف يقينية ، ولكن مع ذلك لا بد من قبول هذه المعارف التي يتوصّل إليها بالاستنباط ، وإن لم تكن يقينية ، لئلا تتعطل الحياة العملية ، وتقف عن الإنجاز ، إذ لا سبيل إلى اليقين فيها.
    فليس هو في هذا من الذين لا يقبلون إلا ما يدرك بالحس المباشر أو غير المباشر ، وإنما يجعل ما يتوصل إليه من تفسيرات علمية مقبولاً بصفة ترجيحية ، لضرورة العجز عن الوصول إلى اليقين .
    فما الذي صدّه إذن عن الإيمان بالله عزّ وجلّ ، والإيمان باليوم الآخر الذي هو من لوازم حكمته وعدله ، مع أن الأدلة الاستنباطية الترجيحية هنا – إن رُفِض اعتبارها يقينية- أقوى بكثير من التخيلات الأخرى ، التي يفسر بها الملحدون نشأة الكون وتطوره ، ونشأة الحياة وتطورها؟!
    هنا تظهر عقدة الهوى والتعصب ضد الدين ، عند "رسل" وعند سائر الملحدين .
    وهذا التعصب لديهم ، لا تدعمه أية أدلة مرجّحة لقضية الإلحاد ، بل ليس للإلحاد في الحقيقة أي دليل ، غير مجرد سفسطات وتخيلات تقوم في رؤوس أصحابها فقط .
    إن التفسير البديل لقضية الإيمان بالخلق الربّاني إنما هو فرضية الارتقاء الذاتي ، وأزلية المادة .
    أما أزلية المادة فقضية مرفوضة علمياً ومنطقياً.
    وأما الارتقاء الذاتي فيعبّر عنه "السير آرثر كيث" – كما سبق - بقوله :
    "الارتقاء غير ثابت ، ولا يمكن إثباته ، ونحن نؤمن بهذه النظرية لأن البديل الوحيد هو الإيمان بالخلق الخاص المباشر ، وهو أمرٌ لا يمكن حتى التفكير فيه".
    لكن : لماذا لا يمكن التفكير فيه؟
    والجواب الوحيد : لأنه لا يسمح له هواه بأن يعترف بالله الخالق ، وبأن يخضع له بعد ذلك خضوع العبادة والطاعة .
    فتمرده وتمرد نظرائه الملحدين إنما هو تمرد المستكبرين المعاندين ، أو تمرد طالبي الفجور في الأرض ، دون أن يشعروا بأن فوقهم رقيباً محاسباً ، عزيزاً حكيماً .
    وهم يدعون إلى الإلحاد لإضلال الجاهلين ، الذين لم تكشف لهم أضواء المعرفة طريق الحق .
    ما أعجب سلطان الهوى ، وسلطان التعصب ، وسلطان الالتزام بالمبادئ الحزبية على الناس!!.
    إن هذه المؤثرات التي تجنح بهم عن سواء السبيل ، تسوقهم إلى الشقاء الأبدي والعذاب الأليم ، وتجعلهم يؤثرون الضلالة على الهدى ، والظلمات على النور .
    الكاشف الثاني : لقد سقط "رسل" في سخف استدلالي مفضوح جداً ، حين احتج على عدم جدوى النظريات الأخلاقية التجريدية لضرورات الحياة العملية ، على عدم الحاجة إلى مشرعين أخلاقيين ، بمثال الأم التي تواجه مرض طفلها الصغير ، إذ قال : إن تلك الأم لا تحتاج في سعيها وراء شفاء طفلها إلى مشرعين أخلاقيين ، وإنما هي تحتاج إلى طبيب ماهر قادر على وصف العلاج المناسب .
    إنه بهذا الاستدلال قد لعب لعبة التعميم الفاسد مرتين :
    الأولى : حين جعل هذا المثال كافياً لإلغاء حاجة البشرية إلى التشريعات الأخلاقية .
    أظن أن مثل هذا الاستدلال لا يقبله أطفال المتعلمين فضلاً عن عقلاء الناس ومثقفيهم ، وذلك لأن الناس جميعاً يلاحظون أن للإنسان نوعين من السلوك :
    أما أحدهما فهو يلائم هوى الإنسان وعاطفته أو شهوته ، وهو مع ذلك ينطبق على المبادئ الأخلاقية ، ولا يتعارض معها ، ومن ذلك عاطفة الأم التي تتحرك بلهفة لشفاء طفلها المريض .
    وأما الثاني فهو يلائم هوى الإنسان وعاطفته أو شهوته ، لكنه يتعارض مع المبادئ الأخلاقية (الحق والواجب والفضيلة والجمال) ويدخل في هذا النوع الثاني آلاف الأمثلة من السلوك الإنساني . إن أمثلة العدوان على الحقوق ، وظلم الناس للناس ، وجنوح الأهواء الإنسانية إلى ما يسبب الهلاك والدمار ، أمور تدفع إليها الأهواء الإنسانية إلى ما يسبب الهلاك والدمار ، أمور تدفع إليها الأهواء والشهوات أو العواطف الخاصة ، فهي تتلاءم معها ، إلا أنها تنافى مع المبادئ الأخلاقية ، فهي تحتاج إلى مشرعين أخلاقيين .
    فماذا يقول "رسل" وأشياعه ، لو ضربنا آلاف الأمثلة التي يحتاج فيها البشر إلى تشريعات أخلاقية ، وهذه الأمثلة مأخوذة من واقع سلوك المجرمين ، والمنحرفين ، والظالمين في الأرض ، ومأخوذة من كثر من صور السلوك الإنساني التي تتكرر آلاف المرات ، في كل مجتمع مهما صغر ، وتكاد تكون هي الظاهرة الغالبة في كل سلوك إنساني ، تدفع إليه دوافع لا تلتقي أهواؤها مع الدوافع الأخلاقية النبيلة على طريق واحد ، فيلاحَظ من سلوك الناس فيها فعل الشرّ والإثم والبغي والعدوان ، لا فعل الخير والحق والعدل والفيلة وما هو حسن .
    إن هواه في محاربة الدين والأخلاق قد أسقطه في تفاهات فكرية لا يسقط بمثلها الصغار جداً ، فضلاً عن الكبار والعلماء وأعلام الرجال الباحثين .
    وكلمته التي قالها في شأن الأم التي تسعى وراء شفاء طفلها : إنها لا تحتاج إلى مشرعين أخلاقيين ، وإنما تحتاج إلى طبيب ماهر قادر على وصف العلاج المناسب . نقول في مقابلها :
    إن الذين يموتون على أيدي الأطباء المهرة ، وفي المستشفيات المختلفة ، نتيجة الإهمال والرغبة بابتزاز الأموال ، لا يحتاجون إلى أطباء مهرة ، وأمهات حانيات رؤومات ، وإنما يحتاجون إلى تشريعات أخلاقية صارمة ، ومراقبين أخلاقيين ، يأخذون على أيديهم .
    الثانية : حين لعب لعبة الزحف التعميمي ، من النظريات الأخلاقية التجريدية التي بدأ بها كلامه ، والتي قال عنها : "إنها غير ذات جدوى" ، إلى التشريعات الأخلاقية العملية التي أنهى بها كلامه ، بعد أن احتج بمثال الأم التي تسعى وراء شفاء طفلها ، واعتبر بذلك النظريات الأخلاقية التجريدية تشمل بمفهومها التشريعات الأخلاقية العملية التي تضبط سلوك الناس عن الانحراف ، بتوجيه قانوني ومراقبة اجتماعية .
    فهو كمن قال : نحن لا نحتاج إلى الفلسفة النظرية لأصل اللغات . إذن فنحن لا نحتاج في اللغة العربية إلى قواعد النحو وتطبيقاتها على الكلام العربي .
    هذا زحف تعميمي فاسد ، ينتقل به الزاحف من موضوع إلى موضوع ، ومن قضية إلى قضية أخرى مباينة لها تماماً ، والجسر بينها قد يكون كلمة موجودة في كل القضيتين ، لكنها في إحداهما غير تماماً في الأخرى .
    إن مثل "رسل" لا يخفى عليه فساد مثل هذا التعميم ، لكنه إذا أراد التضليل تغابى ، لعل تغابيه يكون حيلة ينخدع بها الأغبياء ، فيأخذون فكرته التي طرحها بالقبول ، ويعتقدونها مبدأ ، وبذلك يكون قد وصل إلى هدفه من تضليلهم .
    الكاشف الثالث : جاء إلى الحقيقة المهمة التي كشف عنها الدين ، وأقرتها العقول الإنسانية الحصيفة ، خلال التاريخ الإنساني الطويل ، وهي التي تثبت تكريم الإنسان وارتفاع قيمته بالنسبة إلى سائر الكائنات المدركة بالحواس ، وذلك بسبب ما لديه من خصائص علمية ، وأدوات معرفة ، وما لديه من صفات نفسية ، وأهمها حرية الإرادة ، بما لديه من قدرات فكرية ونظام جسدي يستطيع بهما السيطرة على الأرض بكل ما فيها ، والانتفاع من كثير من الطاقات المنبثة في السماء والأرض .
    جاء "رسل" إلى هذه الحقيقة المهمة ، فألغاها بمجرد توجيه كلمة الإنكار ، لقيمة هذا الإنسان وبمجرد الإعلان بأن الإنسان جزء لا قيمة له بين أجزاء الطبيعة .
    إن الاعتراف بقيمة الإنسان في هذا الوجود ينبه الفكر الإنساني ، على أن هذا الكائن لم يمنح هذه القيمة ، ولم يُعط هذا التكريم ، ولم يزود بجملة الخصائص الممتازة التي زود بها ، إلا ليوضع موضع الامتحان في ظروف هذه الحياة .
    والاستدلالات المنطقية ترشد الفكر المستنير من خلال هذا المنطلق ، إلى قضيتين :
    الأولى : قضية الإيمان بالرب الخالق الواهب ، الذي منح الإنسان خصائصه ، وفضله وكرمه .
    الثانية : ما يستتبعه الامتحان من ضرورة إقرار مبدأ الجزاء ، لأن الامتحان بلا جزاء عبث ، والإيمان بالجزاء يشق الطريق إلى الإيمان باليوم الآخر .
    ولما كان من الأهداف الرئيسية لفلسفة "رسل" والمقررة في خطته سلفاً ، أن يزلزل لدى قُرّائه عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر ، وما تستتبعه هذه العقيدة من مفاهيم ، كان عليه أن يأتي إلى كل الجذور الفكرية التي يمكن أن تهدي العقل البشري إلى هذه العقيدة ، فيقتلعها ، ولكنه لا يجد حجة منطقية يقتلعها بها .
    إذن : فلْيَلْبَس ثوب الفلسفة العميقة العقيمة ، وليقدم آراءه الفلسفية أقوالاً تقريرية لا دليل عليها ، فهذه الأقوال المزيفة سيكون لها قيمة لدى الأغرار المفتونين بزخرف الفلسفات المعاصرة ، ما دام الذي يقدمها فيلسوفاً مرموقاً جداً ، وصاحب مؤلفات روجتها وسائل الإعلام المغرضة المضللة ترويجاً عظيماً ، وتقبّلتها الرؤوس الفارغة من الموازين الصحيحة .
    كيف ينكر "رسل" قيمة هذا الإنسان ، ويعتبره جزءاً لا قيمة له بين أجزاء الطبيعة؟!
    إن هذا الإنكار لأمر عجيب أن يصدر من مثله علماً وفلسفة .
    أي كائن آخر في هذا الكون المشهود لنا استطاع أن يتوصل بالملاحظة والتجربة والاستنباط إلى كوامن قوى الكون ، ويستخدمها في أغراضه الخيرة والشريرة؟!
    أمع كل ما وصل إليه الإنسان ، من منجزات علمية وحضارية رآها فيلسوف القرن العشرين الميلادي بكل حواسه ، يظل الإنسان في نظره جزءاً لا قيمة له بين أجزاء الطبيعة؟!.
    إنني لا أعتقد مطلقاً أن تكون هذه عقيدته الداخلية ، إنما هي أقوال يصدرها ليفتن بها الذين يثقون بفلسفته من أجيال هذا العصر ، خدمة للمخطط الرامي إلى نشر الإلحاد في الأرض ، وتدمير القيم الأخلاقية .
    الكاشف الرابع : زعم "رسل" أن العلم – الذي يشكل المصدر الوحيد لمعرفتنا- لا يمكن أن يفسح مجالاً للاعتقاد بوجود الله ، أو بخلود النفس .
    ولقد عرفنا أنه حصر "العلم" بالعلم التجريبي ، المستمد من الكون المادي ، وما تعطيه التجربة بشكل مباشر .
    وهذا يعني أنه يرفض الاستنباط والاستنتاج العقلي ، مع أنه قد ناقض نفسه في هذا الموضوع بالذات ، إذ قال :
    " إن تصورنا العلمي للكون لا تدعمه حواسنا التجريبية ، بل هو عالم متسنبط كلياً".
    وإذ قال أيضاً:
    " إنه قد توصل بعد دراسات استنفدت كل عمره ، إلى أن الاستنباط الذي لا يمكن إيضاحه ، يعتبر أيضاً مقبولاً وجائزاً ، وعند رفض هذا النوع من الاستنباط سوف يصاب النظام الكامل للعلوم والحياة الإنسانية بالشلل".
    وإذ قال أيضاً:
    " كلما تقدم العلم ازداد فيه عنصر الاعتقاد ، فبعض الأشياء في العلوم حقائق مشاهدة ، ولكن الأشياء العليا تجريدات علمية ، يتم استنباطها بناءً على المشاهدة".
    وزعم أيضاً أن الكون بدأ من السديم ، ودار عبثاً في أحقاب مديدة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن ، وسوف يصطدم بعضه ببعض ، ويعود بعد ذلك إلى مثل ما كان عليه أولاً.
    هنا نقول له كاشِفين زيوفَه :
    ترى هل فسح العلم لديه مجالاً لهذه المزاعم الخيالية ، التي لا يقدم العلم شيئاً منها ، بعد أن لم يفسح المجال للاعتقاد بوجود الله أو بخلود النفس بحسب زعمه؟!!
    إنه يقفل أسوار العلم ، ويحصره في المعطيات التجريبية المباشرة ، فيبعد عنه قضايا الإيمان بالله واليوم الآخر ، التي يستنبطها العقل استنباطاً ، ويستنتجها استنتاجاً يقينياً ، بعد مشاهدته ظواهر الطبيعة ، وآيات الله في الكون ، وبعد رجوعه إلى موازين الفكر الثابتة ، التي تتفق عليها عقول الناس جميعاً . فيزعم أن العلم لا يمكن أن يفسح مجالاً للاعتقاد بوجود الله ، أو بخلود النفس .
    ثمّ يأتي في مقابل ذلك فيقدم مزاعم خيالية ، دون استدلال علمي ، ودون استنباط عقلي ، ومن المعلوم أن العلوم التجريبية لم تثبت شيئاً من هذه المزاعم .
    ثمّ يأتي أيضاً في غير قضايا الإيمان بالله واليوم الآخر ، فيقرر أن التجريدات العلمية العليا التي يتم استنباطها بناءً على المشاهدة لا يجوز رفضها ، وإلا فسوف يصاب النظام الكامل للعلوم والحياة الإنسانية بالشلل .
    إنه هنا في هذه القضايا استطاع أن يدرك أن العلم يفسح مجالاً للتجريدات العلمية العليا ، ورأى أن الاعتقاد بها أمر ضروري .
    ما بالُه زعم أن العلم لا يفسح مجالاً للاعتقاد بوجود الله ، أو بخلود النفس ، مع أن هاتين القضيتين هما من التجريدات العلمية العليا ، التي لا يقتصر استنباطها على فئة العلماء ، بل يتوصل إلى إدراكها معظم الناس ، بل كل الناس لو وجهوا أفكارهم للبحث عنها؟
    هذا تناقض منطقي سقط فيه "رسل" وما أسقطه فيه إلا هواه الموجه ضد قضية الإيمان بالله واليوم الآخر .
    الكاشف الخامس : زعم "رسل" أن فكرة الخلود فكرة بالغة البطلان والاستحالة ، إذ لو كان الخلود هو المصير الذي ينتصر النفس بعد الموت ، فما السبب إذن في عجز النفس عن أن تشغل لها حيزاً إلى جانب الجسد في هذه الحياة الدنيا؟
    ما أشد ضعف هذا الاستدلال لإبطال فكرة بقاء الروح بعد الموت ، ولإبطال فكرة الحياة الآخرة والخلود فيها .
    إذا كانت ظروف هذه الحياة الدنيا تستدعي كون الجسد المادي هو الوعاء أو الثوب الذي تظهر به في الماديات حركة الروح ، وتظهر به نشاطاتها .
    وإذا كانت خطة الخالق الحكيم القدير قضت ذلك .
    فهل يفيد ذلك أن الروح قد عجزت عن أن توجد مستقلة عن الجسد؟!
    إن هذا الفهم السطحي القاصر هو من لوازم الانغلاق في حدود بعض ظواهر المدركات الحسية ، على أن التعمق القليل فيها يكشف أن معظم الماديات أوعية لطاقات هائلة ، وهذه الطاقات ليس لها وجود مستقل في غير أوعيتها .
    يضاف إلى ذلك أن البصيرة العقلية ومستنبطاتها التجريدية لا تسمح مطلقاً بالانغلاق في حدود المادة .
    إن الشيء الذي لا نشاهده في الواقع الحسي لا يلزم عقلاً أن يكون غير ممكن الوجود ، فعدم الوجود فعلاً لا يدل على استحالة الوجود .
    فما بالك بالحكم على الواقع بأنه غير موجود ، وبأنه مستحيل ، لمجرد أننا لم نشاهده في دوائر حواسنا المحدودة جداً ؟!.
    إن هذه المادّية السطحيّة ذات النظر القاصر ، حتى من وجهة نظر العلميين المادّيين ، فضلاً عن الذين يؤمنون بأن في الوجود الكبير حقائق كبرى ، لا تستطيع الوسائل العلمية التجريبية أن تتوصل إلى إدراكها وإثباتها ، وإنما ثبتها العقل بتأملاته الاستنباطية ، القائمة على اللوازم المنطقية ، والبراهين العقلية .
    أبهذا الاستدلال الواهن الواهي جداً يقرر الفيلسوف "رسل" إمام ملاحدة هذا العصر : أن فكرة خلود النفس فكرة بالغة البطلان والاستحالة؟!
    إنه لسخف عجيب ، ومسلك من أمثاله غريب!!
    الكاشف السادس: حين سُئِل "رسل" : هل يحيا الإنسان بعد الموت؟ وأجاب بالنفي ، ثمّ شرح جوابه بالمقولة التي سبق ذكرها لدى عرض آرائه . لم يقدّم غير الإنكار ، وادّعاء أنه من الصعب اكتشاف مبرر عقلي لهذه الحياة بعد الموت ، وادعاء بأنه ليس له مرتكز أو أساس علمي .
    وأكرر هنا ما كتبته في كتاب "صراع مع الملاحدة حتى العظم" فأقول :
    لا بدّ أن نضع كلام "رسل" تحت مناظير البحث العلمي ، لنرى قيمته من الوجهة العلمية .
    ليس غريباً على "رسل" بعد أن اختار سبيل الإلحاد بالله ، واعتبار الكون ظاهرة مادية بحتة ، على خلاف ما قدّمته الأدلة البرهانية العقلية ، والاستنباطية من الظاهرات الكونية ، أن يصعب عليه – في الإطار المادي الصرف – اكتشاف المبرّر العقلي للحياة بعد الموت .
    وليس غريباً عليه بعد ذلك أن لا يجد لعقيدة الحياة بعد الموت ، وعقيدة الدار الآخرة للحساب والجزاء ، مرتكزاً علمياً يستند إليه .
    إن من ينكر حياة كائن ما بغير دليل ، يجد من الصعب عليه أن يكتشف المبرِّر العقلي لوجود إرادة لهذا الكائن ، لأن إرادته فرع لتصور حياته ، وبعد إنكار الأصل يكون إنكار الفرع شيئاً طبيعياً ، ومذهباً سهلاً ، لكن هذا الإنكار لا يعبّر عن الواقع بحالٍ من الأحوال .
    إن الإيمان بالحياة بعد الموت للحساب والجزاء ، في دار غير هذه الدار ، قضية تعتمد على أصلين:
    الأصل الأول : الإيمان بالله الخالق وعلمه وقدرته وحكمته وعدله ، فمن آمن بالله وبحكمته وعدله ، وضحت له ضرورة الجزاء ، بعد ظروف الامتحان في هذه الحياة الدنيا .
    الأصل الثاني : الإيمان بالوحي الرباني ، وما جاء عنه من أخبار على لسان المرسلين .
    فمن آمن بالله وبرسله ، كان لزاماً عليه أن يصدّق بالأخبار التي تأتي عنه على لسان رسله . ومنها الأخبار التي تبين وقائع المستقبل الذي قضاه الله بمقتضى حكمته ، فهو آتٍ لا محالة كما قضى وكما أخبر .
    إن قضية الجزاء قضية عقلية لا محالة ، وهي مستندة إلى القضية العقلية الأولى ، وهي الإيمان بالله وكمال صفاته ، ومنها حكمته التي لزم منها أن لا يكون الامتحان في هذه الدنيا عبثاً ، فلا بد بعد الامتحان من حساب وجزاء ، في حياة غير هذه الحياة .
    لكن الدار الآخرة وما فيها من جنة ونار قضية خبرية ، تستند إلى ما اختاره الخالق ، فوضعه في خطة الخلق ، وجعل له زماناً يتم فيه تنفيذه . وهي ليست قضية عقلية بحتة ، حتى نبحث في نطاق العقل عن دليل يدل عليها ، دون الاستناد إلى خبر عن الله صاحب الخطة .
    لو أن عالماً من علماء الحيوان تحدث عن وجود حيوان بري غريب رآه بعينيه ، وأخذ يصف مشاهداته الحسية له ، ثمّ جاء سماك فقال :
    لا أجد المبرر العقلي لوجود هذا الحيوان الغريب الذي يتحدث عنه هذا العالم ، فأنا لم أشاهد في البحر نظيره ، لما كان كلامه أكثر سقوطاً من ناحية الاستدلال العلمي من كلام "برتراند رسل" ، إذ أنكر وجود الحياة بعد الموت في ظروف غير ظروف هذه الحياة الدنيا ، على الرغم من أن هذا الرجل فيلسوف وعالم واسع الاطلاع ، إلا أن الهوى قد يحوّل العقل الفيلسوف الكبير ، إلى عقل هذا السماك .
    وأضرب مثلاً آخر يشابه إنكار "رسل".
    لو أن شركة "مرسيدس" الألمانية ، وضعت في خطتها أن تنتج سيارة بعد ربع قرن ، ذات صفات معينة حددتها ، ورسمتها ، وقدمت فيها لعملائها بعض مصوراتها ، وذكرت لهم قرارها في ذلك ، وقدمت لهم عروض مبيعات رخيصة الثمن على طريقة السلف ، أو السلم .
    ثمّ جاء حوذي عربة نقل تجرها البغال في الأدغال ، فقال : لا أجد المبرر العقلي لإمكان وجود هذا النوع من السيارات التي قررت إنتاجها شركة "مرسديس" التي لا أعرفها ولا أؤمن بوجودها .
    ألا يوجد تطابق كبير بين حال هذا الحوذي في إنكاره ، وحال "رسل" الفيلسوف الكبير؟.
    فاعجب للهوى كيف يسقط صاحبه!!
    لقد أراد "رسل" أن يخضع الدار الآخرة ، والحياة الأخرى ، للمقاييس التجريبية التي نخضع لها ظواهر هذا الكون المادّية ، في ظروف الحياة الدنيا التي نعيش الآن فيها ، مع أن الدار الآخرة ، والحياة الأخرى ، لا تخضعان منذ الآن لهذه المقاييس ، وهما عنا وراء ستار الغيب الذي أخبر عنه خالقه وواضع خطته القدير العليم الحكيم .
    إن "رسل" بقياسه هذا يشبه من يزن الضغط الجوي بميزان البقال ، أو يزن الكثافة بميزان الحرارة ، أو يقيس الذكاء بمساحة الجمجمة ، أو يزن بحور الشعر بالسانتمتر .
    ما هو مبلغ إنكار أي فيلسوف من الصحة ، إذا هو أنكر قراراً أصدرته دولة كبيرة قادرة ، بأنها ستنشئ في برنامج خطتها لربع قرن ، مدينة نموذجية بديعة جداً ، ولا تسكن فيها إلا الصالحين من شعبها ، وسجوناً لمعاقبة الجانحين والخارجين على قوانينها وأنظمتها؟!
    فإذا قال فيلسوف كبير: لا أجد مبرراً عقلياً أو علمياً يؤكد أن مَنْشَأَتين من هذا القبيل ستحدثان ، أفيكون كلامه مقبولاً لدى العقلاء الذين علموا بقرار الدولة؟.
    كان الأحرى به أن يبني إنكاره لقضية الحياة بعد الموت ، والدار الآخرة ، على إنكاره لخالق الكون ، وذلك لأنه بجحوده للأساس الأول لزمه أن يجحد كل ما يلزم عنه ، وعندئذٍ تكون مناقشته من مواقع هذا الأساس ، لا مما يتفرع عنه ويُبنى عليه .
    إن من يعتبر أن أساس الوجود مادة لا حياة فيها ، ولا علم ولا إرادة ولا حكمة ، لا بد أن يتصور أن الكون لا يمكن أن يهتم بآماله ورغباته وآلامه وسائر مشاعره ، فيقول مقالة "رسل" :
    "لا أجد أي مبرر لافتراض أن الكون يهتم بآمالنا ورغباتنا ، فليس لنا حق في أن نطلب من الكون تكييف نفسه وفقاً فعواطفنا وآمالنا".
    لكننا إذا تعمّقنا في دراسة نفوس الملاحدة ، الذين أنكروا وجود الله جحوداً ، بعد النظر في الأدلة على وجوده ، نجد أنهم هم الذين يريدون أن يكيّفوا الكون وفق رغباتهم وأهوائهم ، وذلك لأن الإيمان بالدار الآخرة والحياة الآخرة ، إنما هو إيمان بمحكمة العدل الرباني ، وما تستتبع من جزاء ، والرغبات الإنسانية لو تركت وشأنها لحلا لها أن تتخلص من قانون الجزاء لكي تنطلق في فجورها دون أن تقف في طريقها حدود أو ضوابط .
    فقضية الإنكار هي القضية التي تحاول إخضاع الواقع الكوني للأهواء والعواطف والرغبات والشهوات ، لا قضية الإيمان باليوم الآخر .
    وقد كشف القرآن هذه الحقيقة من حقائق نفوس المنكرين ، فقال الله عزّ وجلّ في سورة (القيامة/75 مصحف/31 نزول):
    {بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ}
    بهذا التحليل تبين لنا أن الأمر على عكس ما ادّعاه "رسل" تماماً ، إذ أن عقيدة الدار الآخرة عقيدة قائمة على مفهوم الجزاء والعدل ، والإنسان ميال بأهوائه وشهواته إلى أن يصرف عن تصوره قانون العدل الرباني وما يتصل به ، لينطلق في حياته فاجراً ، دون أن تقف في طريقه تصوّرات قانون العدل .
    لكن الله غر مستعد لأن يغير من سننه وأحكامه ومقاديره القائمة على أسس من علمه وحكمته وعدله ورحمته وفضله ،تلبيةً لرغبات الفاجرين .
    فما حاول أن يستند إليه "رسل" هو في الحقيقة دليل ضدّه ، وليس دليلاً له ، هذا إذا قبلنا بالمنهج الذي سلكه في الاستدلال .
    الكاشف السابع : ما صبّه "رسل" من شتائم ضد الدين , إذ زعم أن الدين لا يقوم إلا على عوامل الترهيب والتلويح بالعقاب ، كلام كذب على الدين .
    وذلك لأن الدين يقوم على ثلاثة عناصر أساسية:
    الأول : الهداية الفكرية للتي هي أقوم ، وهي تشتمل على وسائل الإقناع ، والتعليم ، والتربية المختلفة ، وإيجاد الحافز الذاتي للفعل حباً بالخير ، وابتغاء مرضاة الله .
    الثاني : الترغيب بالثواب العظيم ، لمن آمن واستقام ، وبهذا الترغيب يمارس المؤمن الاستقامة وفعل الخير والأعمال الصالحة ، مدفوعاً بحافز الأمل الكبير فيما أعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، من أجر عظيم ، وثواب جزيل ، في جنة الخلد ، دار النعيم المقيم الذي لا نهاية له.
    الثالث : الترهيب من العقاب بالعدل ، الذي رتبه الله للذين كفروا ويعملون السيئات .
    وقد أعتد الله لهذا العقاب بالعدل ، داراً للجزاء الأكبر ، بعد ظروف هذه الحياة الدنيا .
    وهذا الترهيب نفسُه مقرون بالترغيب في التوبة ، والعفو ، والغفران ، وتكفير السيئات لمن تاب واستغفر ، ما دامت ظروف الامتحان قائمة في هذه الحياة الدنيا .
    وباستطاعة أي إنسان أن يستدرك أمره ، فيتوب من ذنبه ، ويستغفر الدين ، على خلاف ما زعم "رسل" .
    أما وجود الجانب الترهيبي فهو ضرورة ، لا تستقيم المجتمعات البشرية ، ولا تتحقق ، إلا به .
    فهل صحيح كما زعم "رسل" أن الدين لا يقوم إلا على عوامل الترهيب والتلويح بالعقاب ؟
    وهل صحيح أن الدين يشكل ضرباً من ضروب الشر التي تملأ هذا العالم؟.
    الواقع أن أعظم قسط من الشر في العالم ، هو ما يمارسه الملاحدة الماديون الذين لا دين لهم . ومها اقترب الإنسان من الاستمساك بالعقائد والشرائع الدينية الصحيحة خفت الشرور عنده .
    وأقل الناس في الدنيا شراً ، وأكثرهم خيراً هم المؤمنون بالله واليوم الآخر ، الملتزمون تعاليم الدين الحق ، وهم يرجون ثواب الله ويخشون عقابه .
    وقد عرفنا في تاريخ البشرية أن المحرومين من فضائل الأخلاق هم الذين ينفرون من الدين ، لأنه يفرض عليهم الأخذ بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وكلما اشتد في الإنسان الانهيار الخلقي ابتعد عن الدين حتى دركة الإلحاد والكفر بالله واليوم الآخر .
    وبرهان ذلك الملاحدة الشيوعيون ، من مستوى الفرد الشيوعي ، حتى أكبر دولة شيوعية ملحدة ، وكذلك سائر الماديين الملحدين .
    أما النضج العقلي الصحيح فمن ثمراته الإيمان بالحق ، ولما كان الدين الصحيح هو مجمع عناصر الحق الكبرى ، التي تكشف مبدأ الإنسان وواجبه ومصيره ، كان نوابغ الدهر المتمتعون بالنضج العقلي الصحيح ، قمة الآخذين بالدين ، والمستمسكين بتعاليمه ، والداعين إليه .
    وأما زعم "رسل" : "أن المعايير الدينية تناهض بطبيعتها جميع المعايير الإنسانية الخيرة التي يجب أن تسود عالمنا الحديث".
    فلست أدري عن أي معايير يتحدث ، إنه لم يذكر لنا معياراً واحداً من معايير الدين التي يرى أنها تناهض جميع المعايير الإنسانية الخيرة ، التي يجب – فيما يرى – أن تسود عالمنا الحديث؟!.
    إن من أسس معايير الدين التي نعلمها ، وجوب إحقاق الحق وإبطال الباطل ، ووجوب إقامة العدل في الأرض ، ووجوب الدعوة إلى فعل الخير وترك الشر . ونجد من أسس معايير الدين تكريم الإنسان ، ونشر الإحسان في الأرض ، ونجد فضائل التعاون والتآخي والنظام وإتقان العمل ، ونجد محاربة الفحشاء والمنكر والبغي ، ومقاومة الرذائل ، لأن من شأنها جلب الشرور للإنسانية . ونجد من أسس معايير الدين العمل على إسعاد البشرية ورفاهيتها ، وإزالة العداوات والبغضاء التي تولّدها أنانيات أفراداها وجماعاتها ، إلى غير ذلك من معايير لا تجد البشرية أكمل منها ولا أفضل ...
    فعن أي المعايير الدينية يتحدث ، حتى نناقشه في ادّعائه بأنها تناهض جميع المعايير الإنسانية الخيرة؟!.
    أهكذا تُطلَق الشتائم دون أي دليل ، ودون ذكر أي مثال واحد للمدعي؟
    ومع ذلك فإن أحكام "رسل" تأتي أحكاماً تقريرية لها صفة الشمول والعموم .
    أهذا هو المنهج العلمي الرصين للفيلسوف الكبير؟!.
    واعجباً!!


    منطق الملحدينْ * * * منطقٌ مبتكر
    من عُواءِ الكلابْ * * * أو قرون البقرْ
    فاسخري يا عقولْ * * * واهزؤوا يا بَشَرْ

    الكاشف الثامن: زعم "رسل" أن حرية الاختيار في الإنسان تغنيه عن البحث عن نظريات أخلاقية لا طائل وراءها ، مدّعياً أن إرادته الحرة تدفعه إلى أن يقيم لنفسه مُثلاً عليا ، يطمح بها إلى تحقيق حياة خيّرة تسير على هدي المعرفة والمحبة الإنسانية .
    هذه الدعوى الباطلة التي قدّمها دون أي دليل ، منقوضة ببرهان التحليل النفسي ، وبرهان الواقع .
    أما التحليل النفسي فيثبت أن الإرادة الحرة في الإنسان قوة موجهة للسلوك الإنساني حقاً ، إلا أنها تقع تحت تأثير باعثين داخل نفسه : فتقع تحت تأثير العقل الهادي إلى الخير أحياناً ، وتقع تحت تأثير الأهواء والشهوات والنزعات النفسية المختلفة أحياناً أخرى ، وعندئذ يضعف باعث العقل أو يُغشى عليه ، فتفسد رؤيته .
    فو ترك الإنسان وشأنه دون ضوابط أو روادع أخلاقية تحدّ سلوكه في طرق الخير والفضيلة وكل ما هو نافع ومفيد ، لكانت إرادته الحرة عرضة لمؤثرات أهوائه وشهواته وأنانياته ونزغاته الجاحنة إلى سُبل الشرّ ، بنسبة أعظم بكثير من تأثرها بالمعرفة النافعة والمحبة الإنسانية .
    وما من إنسان إلا يعرف هذا من نفسه ، ومن كل من عرف من الناس .
    وأما برهان الواقع فيقدمه واقع حال الظالمين والطغاة والبغاة والمجرمين وكل العصاة في الأرض . وهؤلاء هم النسبة الأكثر في مجموعات الذين لا يخشون الله واليوم الآخر ، ولا تحد من انطلاق إرادتهم الحرة ضوابط أخلاقية مقرونة برجاء ثواب ، أو خوف عقاب .
    الكاشف التاسع : السلوك الأفضل الذي رآه "رسل" هو الإباحية الجنسية ، وصور الزواج الجماعي .
    ولذلك اعتبر أن التشريعات الأخلاقية الجنسية إنما ترتكز على تصورات خرافية باطلة .
    إنه يدعو إلى هذه الإباحية الفوضوية ، رغم ما فيها من شرور صحية واجتماعية ، وانتكاس للمجتمع البشري ، ومنافاة للشروط السليمة التي تضمن سعادة الجنس البشري واستقراره وطمأنينته ، وسعادة الأسر والأنسال .
    على أننا نقول : إن من هان عليه أن يجحد الحقائق الكبرى ، التي تتصل بمبدأ الإنسان وواجبه ومصيره ، لا بد أن يجد الإباحية الجنسية أمراً سهلاً ، فقد أبعد عن تصوّراته وظيفته في الحياة ، وأنه عبد مخلوق ممتحن ، وأن عليه إذا أراد أن يجتاز الامتحان بنجاح أن يؤمن بربّه أولاً ، ثمّ يعبده ثانياً ، فيطيعه ولا يعصيه ، والطاعة تكون بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه .
    ويلاحظ هنا أن المكر الشيطاني يعتمد على تزيين ما تستحليه النفوس ، ودغدغة مواطن الشهوات ، لإيقاظها وتهييجها ، وتبرير انطلاقها الوقح الفاجر ، وإغضاء النظر عن العواقب الوخيمة التي تنتج عن ذلك .
    الكاشف العاشر : اعترف "رسل" بأن السعادة هي المطلب الأسمى للإنسان في هذا الوجود .
    إلا أنه أراد أن يضلل قراءه ، إذ حاول الإيهام بأن السبيل الوحيد للوصول إلى السعادة هو الانطلاق الفاجر الوقح إلى تلبية رغبات النفوس وأهوائها وشهواتها ، دون اكتراث بعوامل الخوف من الجزاء .
    وجعل هذا الانطلاق الفاجر الوقح من فضائل الشجاعة والإقدام ، وزعم أن الإنسان يقهر بهذه الشجاعة وعوامل الخوف والإرهاب ، اللذين دأبت الحياة والشرائع الأخلاقية على التلويح بهما في وجه الإنسان .
    ولكن ماذا سيحصل لو أن الإنسان خلع حياءه ، ولم يبق لديه خوف من الجزاء ، وانطلق في الحياة انطلاقاً فاجراً ، تدفعه إليه أهواؤه وشهواته وأنانياته؟
    إنه حتماً سيكون وحش مسعور ، وبانطلاق الوحوش المسعورة من كل مكان يعم الظلم والطغيان ، والفسق والفجور والعصيان ، ويكثر القتل ، وتنهار أبنية الحضارة .
    أليس هذا هو حال المجرمين في الأرض وقطاع الطرق؟
    نعم : هذه هي النتيجة التي يريدها هذا الفيلسوف وأمثاله ، ومنظمات التدمير البشري التي دفعته لإطلاق قنابل التدمير الإلحادية ، والإباحية غير الأخلاقية .
    الكاشف الحادي عشر : من الخرافات التي تلبس ثوب العلم ، خرافة دراسة الإنسان ذي العقل والإرادة الحرة ، ذات الاختيارات المتناقضة في الأفراد ، وفي الفرد الواحد بأزمان مختلفة ، كدراسة الأشياء غير ذات الإرادات الحرة ، والمسيرة بطبائعها الجبرية .
    وعلى هذه الخرافة قامت أبنية الفكر الإلحادي ، والفكر المادي بوجه عام .
    واعتماد عليها قال "رسل" :
    "إن تحقيق السعادة على وجهها الأكمل للإنسان لا تتم إلا بدراسة الطبيعة ، حتى في صورته الإنسانية دراسة علمية".
    أي : كما تدرس في المعامل الأشياء في الطبيعة ، كسلوك الذرة ، وسلوك الخلية ، وكما يدرس النبات ، وتدرس الحشرات ، والأسماك والضفادع ، وغير ذلك من الكائنات في الطبيعة .
    هذا التوجيه الخرافي يدعو إلى إطلاق السلوك الإنساني دون أي ضابط ، ثمّ إلى دراسته كما هو في الواقع ، واعتبار هذا الواقع هو الصورة الكاملة الصحيحة لسلوك الناس ، وبه تتحقق سعادة الإنسان ، أي : ولو استشرت قوة الأقوياء ، وأهلكت معظم البشرية ، وظلمتهم وعذبتهم واستعبدتهم .
    الكاشف الثاني عشر : كلام "رسل" عن تطور الكون من السديم الذي دار عبثاً ، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن من إتقان عجيب عن طريق المصادفة ، وأنه سيعود إلى ما كان عليه عند انطلاقته الأولى ، وأنه لا أمل لكائن بعد ذلك بشيء ، كلام خيالي صرف ، وهو لا يعبّر بحال من الأحوال عن أية حقيقة علمية .
    إنه محض تخيل يجري نظيره في خيال أي كاتب لقصة خرافية .
    إن مدعي الالتزام بالمناهج العلمية يزعمون أن العلم هو ما تقدمه التجربة ، ويخضع للاختبار المعملي ، حتى إن "رسل" قد حصر العلم – كما سبق بيانه – في العلوم الطبيعية وحدها ، فما باله هنا يتجاوز حدود العلوم الطبيعية والمعارف العقلية إلى الخيال المحض ، ثمّ يجعل من هذا الخيال حقيقة علمية .
    وما بال الملاحدة يعتبرون مثل هذه القصة الخيالية التي تتحدّث عن الكون من الأزل إلى الأبد ، هي النظرة العلمية ، مع أن موضوعها لا يمكن إخضاعه لا للتجربة ، ولا للملاحظة ، ولا للاستنتاج العقلي .
    إنهم يجعلون الاستنتاج العقلي المنطقي خارج قوس النظرة العلمية ، لأن الاستنتاج العقلي المنطقي مهما كان دليله برهانياً ، ليس ثمرة التجربة الحسية .
    فلماذا إذن يجعلون الأوهام الخيالية الخرافية داخل قوس النظرة العلمية ، وهي غير ذات قيمة مطلقاً ، لا عند العقل ولا عند الحس ، إنه الهوى والتَعَصُّب الأعمى ضدّ قضيّة الإيمان بالله الخالق؟
    ما أبعد المناهج العلمية عن القصص التقريرية الخيالية ، التي تستنتجها أخيلة الكتاب والأدباء والشعراء ، أو أخيلة واضعي الآراء والمذاهب الباطلة ، لأغراض معينة!!
    أين الأمانة الفكرية والأمانة العلمية التي يزعمونها ؟!.
    أهذا هو المنهج العلمي السليم لديهم؟!.
    لا بد أن يكتسحهم الحق كما اكتسح الذين من قبلهم من أهل الضلال في تاريخ البشرية ، ولا بد أن يقذفهم كما يقذف السيل الزبد .
    {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ...*}.

    {وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}.

    المصدر
    https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=6362
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 30 أكت, 2020, 02:29 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق

    • سعدون محمد1
      1- عضو جديد

      • 10 أكت, 2019
      • 76
      • باحث
      • مسلم

      #3
      بارك الله فيك، و جعل عملك في ميزان حسناتك

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
      ردود 25
      248 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 4 أكت, 2021, 08:23 م
      ردود 7
      101 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
      ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 28 سبت, 2020, 07:20 ص
      ردود 3
      689 مشاهدات
      1 رد فعل
      آخر مشاركة محمد24
      بواسطة محمد24
      ابتدأ بواسطة eeww2000, 18 يول, 2020, 10:43 ص
      ردود 3
      193 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة سعدون محمد1
      بواسطة سعدون محمد1
      ابتدأ بواسطة eeww2000, 6 فبر, 2020, 08:40 ص
      ردود 2
      242 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة eeww2000
      بواسطة eeww2000
      يعمل...