الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغُر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.
ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.
وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد، شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَههم.
وفي هذا المقال سنتناول - بإذن الله - استدلال الملحد الخاطئ بالصدفة.
الملاحدة والصدفة:
الصدفة عند الملاحدة لها عدة معانٍ، منها: حدوث الشيء دون علة؛ أي: الحدث لا تعليل له[1]، ومنها: حدوث الشيء بعلة مجهولة[2]،ومنها: حدوث الكون وانتظامه عبر سلسلة من العلل غير العاقلة وغير المدركة، ومنها: التقاء عرضي لسلسلتين من الأسباب[3]، ومنها:توفر مجموعة من العوامل بطريقة غير واعية لتُشكل ظاهرة.
ومن الملاحدة من يدعي أن الكون نشأ صدفة من لاشيء دون علة؛لأن القول بأن كل حادث يحتاج إلى محدِث قولٌ بلا دليل، ولا سبيل للبرهنة عليه، ومهما جمعمن أدلة من العالمفإنها لا تكفي للوصول إلى الكلية؛ لاستحالة اختباركل الحوادث، ومعرفة هل هي محتاجة إلى محدث أو لا، والسببية ما هي إلا عادة ذهنية ترسخت في الذهن عن طريق التكرار.
ومنهم من يدعي أن الكون بهذا الانتظام قد وُجد صدفة نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة، دون تنظيم أو تخطيط سابق.
وبالغ بعضهم فقال: لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير، فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء خلال بلايين السنين.
ومنهم من يدعي أن الحياة نشأت صدفة عبر سلسلة طويلة من التطور الكيميائي ما قبل الحيوي Prebiotic Chemical Evolution استمر لملايين السنين، ابتداءً من الكيميائيات البسيطة، مرورًا بالجزيئات المتعددة polymers، والجزيئات المتعددة الناسخة ذاتيًّا داخلة بدورات تحفيزية، وصولًا إلى كائنات "ما قبل بكتيرية"، وأخيرًا وصولًا إلى بكتريا بسيطة.
ويقول البعض: إذا كان هناك احتمال - ولو ضئيلاً- في أن تنشأ الحياة من المادة صدفة بلا خالق عبر ملايين السنين، فمن الممكن أن تنشأ الحياة من المادة صدفة عبر ملايين السنين، وفي ظل وجود الكثير من الوقت المستحيل يصبح ممكنًا، والممكن يصبح من المحتمل، والمحتمل قد يصبح مؤكدًا، وما على المرء إلا الانتظار، والوقت نفسه ينفذ المعجزات.
ويقول البعض:مادة الكون كانت موجودة قبل نشأة الكون، ثم انفجرت وتباعدت أجزاؤها وتناثرت، وفي اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات؛ حيث كونت فيها أجزاء الذرات، ومن هذه الأجزاء كونت الذرات، وهي ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألَّف الغبار الكوني الذي نشأت منه المجرات فيما بعد، ثم تكونت النجوم والكواكب، وما زالت تتكون حتى وصل الكون إلى ما نراه عليه اليوم، وكل هذا صدفة دون تدخُّل قوى عاقلة مريدة.
ومن الملاحدة من يدعي أن الكون نشأ صدفة من لاشيء دون علة لوجود الفوضى في الكون.
ومنهم من يدعي أن الكون بهذا الانتظام قد تكوَّن صدفة نتيجة سلسلة من العلل المادية غير العاقلة وغير المدركة، وتوافر الظروف والعلل المادية لنشأة الكون أدى لنشأة الكون دون الحاجة لقوة عاقلة.
وقبل الرد على دعاوى الملاحدة حول الصدفة لا بد من بيان مفهوم الصدفة في اللغة وفي الفلسفة.
[1] - حدوث الشيء دون علة يعتبر صدفة مطلقة؛ كغليان الماء دون أي سبب، وهذا مستحيل؛ فمن المستحيل حدوث شيء دون علة وسبب.
[2] - الجهل بالعلة يعني عدم العلم بالعلة، وليس معناه انعدام العلة.
[3] - التقاء عرضي لسلسلتين من الأسبابيعني حدوث حدث معين نتيجة توافر سببه، ويتفق اقترانه بحدث آخر صدفة، وهذا يعتبر صدفة نسبية، وهذا ممكن الوقوع، مثل صديق كان يمشي في شارع لزيارة أحد أقاربه، فوجد صديقًا له كان ذاهبًا لشراء طعام من السوق صدفة، وهنا ترافق وتزامن مشي الصديق الأول مع مشي الصديق الثاني في نفس الشارع، ومثال آخر: يمكن أن تجد في مكان واحد في لحظة واحدة ماءً يتجمد، وماءً يغلي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغُر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.
ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.
وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد، شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَههم.
وفي هذا المقال سنتناول - بإذن الله - استدلال الملحد الخاطئ بالصدفة.
الملاحدة والصدفة:
الصدفة عند الملاحدة لها عدة معانٍ، منها: حدوث الشيء دون علة؛ أي: الحدث لا تعليل له[1]، ومنها: حدوث الشيء بعلة مجهولة[2]،ومنها: حدوث الكون وانتظامه عبر سلسلة من العلل غير العاقلة وغير المدركة، ومنها: التقاء عرضي لسلسلتين من الأسباب[3]، ومنها:توفر مجموعة من العوامل بطريقة غير واعية لتُشكل ظاهرة.
ومن الملاحدة من يدعي أن الكون نشأ صدفة من لاشيء دون علة؛لأن القول بأن كل حادث يحتاج إلى محدِث قولٌ بلا دليل، ولا سبيل للبرهنة عليه، ومهما جمعمن أدلة من العالمفإنها لا تكفي للوصول إلى الكلية؛ لاستحالة اختباركل الحوادث، ومعرفة هل هي محتاجة إلى محدث أو لا، والسببية ما هي إلا عادة ذهنية ترسخت في الذهن عن طريق التكرار.
ومنهم من يدعي أن الكون بهذا الانتظام قد وُجد صدفة نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة، دون تنظيم أو تخطيط سابق.
وبالغ بعضهم فقال: لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير، فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء خلال بلايين السنين.
ومنهم من يدعي أن الحياة نشأت صدفة عبر سلسلة طويلة من التطور الكيميائي ما قبل الحيوي Prebiotic Chemical Evolution استمر لملايين السنين، ابتداءً من الكيميائيات البسيطة، مرورًا بالجزيئات المتعددة polymers، والجزيئات المتعددة الناسخة ذاتيًّا داخلة بدورات تحفيزية، وصولًا إلى كائنات "ما قبل بكتيرية"، وأخيرًا وصولًا إلى بكتريا بسيطة.
ويقول البعض: إذا كان هناك احتمال - ولو ضئيلاً- في أن تنشأ الحياة من المادة صدفة بلا خالق عبر ملايين السنين، فمن الممكن أن تنشأ الحياة من المادة صدفة عبر ملايين السنين، وفي ظل وجود الكثير من الوقت المستحيل يصبح ممكنًا، والممكن يصبح من المحتمل، والمحتمل قد يصبح مؤكدًا، وما على المرء إلا الانتظار، والوقت نفسه ينفذ المعجزات.
ويقول البعض:مادة الكون كانت موجودة قبل نشأة الكون، ثم انفجرت وتباعدت أجزاؤها وتناثرت، وفي اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات؛ حيث كونت فيها أجزاء الذرات، ومن هذه الأجزاء كونت الذرات، وهي ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألَّف الغبار الكوني الذي نشأت منه المجرات فيما بعد، ثم تكونت النجوم والكواكب، وما زالت تتكون حتى وصل الكون إلى ما نراه عليه اليوم، وكل هذا صدفة دون تدخُّل قوى عاقلة مريدة.
ومن الملاحدة من يدعي أن الكون نشأ صدفة من لاشيء دون علة لوجود الفوضى في الكون.
ومنهم من يدعي أن الكون بهذا الانتظام قد تكوَّن صدفة نتيجة سلسلة من العلل المادية غير العاقلة وغير المدركة، وتوافر الظروف والعلل المادية لنشأة الكون أدى لنشأة الكون دون الحاجة لقوة عاقلة.
وقبل الرد على دعاوى الملاحدة حول الصدفة لا بد من بيان مفهوم الصدفة في اللغة وفي الفلسفة.
[1] - حدوث الشيء دون علة يعتبر صدفة مطلقة؛ كغليان الماء دون أي سبب، وهذا مستحيل؛ فمن المستحيل حدوث شيء دون علة وسبب.
[2] - الجهل بالعلة يعني عدم العلم بالعلة، وليس معناه انعدام العلة.
[3] - التقاء عرضي لسلسلتين من الأسبابيعني حدوث حدث معين نتيجة توافر سببه، ويتفق اقترانه بحدث آخر صدفة، وهذا يعتبر صدفة نسبية، وهذا ممكن الوقوع، مثل صديق كان يمشي في شارع لزيارة أحد أقاربه، فوجد صديقًا له كان ذاهبًا لشراء طعام من السوق صدفة، وهنا ترافق وتزامن مشي الصديق الأول مع مشي الصديق الثاني في نفس الشارع، ومثال آخر: يمكن أن تجد في مكان واحد في لحظة واحدة ماءً يتجمد، وماءً يغلي.
تعليق