يسعدنا ويشرفنا أن نجلس لنتجاذب أطراف الحديث مع مواطن فرنسي أسلم حديثًا وجاء إلى مصر لتعلم اللغة العربية اسمه "جورج" وبعد الإسلام أصبح اسمه "ياسين"، وكان حوارنا معه حول قصة إسلامه، والظروف التي واجهها بعد إسلامه، وقد كان حوارًا شيِّقًا عرَفنا من خلاله مدى المصاعب التي يتحملها الشباب الأوروبي عند دخوله في الإسلام.
نبدأ الحوار
أخي ياسين نحب أن نعرف ما هي قصة إسلامك ؟
ياسين : أنا منذ صغري كنت أعيش مع مجموعة من الإخوة المسلمين، ولكنهم كانوا مسلمين اسمًا فقط كانوا يفعلون كل شيء ماعدا أكلَ الخنزير فقط، وكنت أعيش مع هؤلاء منذ صغري إلى أن كبرت، حتى جاء رجل من إفريقيا ليعيش معهم وهو يعتبر زميل لهم وبعد فترة أسلم ثم بعد ذلك تركهم؛ لأنه رأى أن الإسلام لا يتمشى مع ما يفعلون.
وهذا الأخ الإفريقيي لم يكن يجلس معهم، ولكنه كلما تحدث تكلَّم عن الدين وخصوصًا معي أنا بالذات؛ لأنه كان عنده احترام للدين النصراني، وأيضًا بحكم أني كنت نصرانيًّا، فهذا الرجل كان يحب أن يتكلم معي لأنه عنده احترام للدين وكنت أحب أن أسمع منه كثيرًا.
وهذا الأخ كان مُصِرًّا دائمًا أن يُكلمني عن الإسلام وأنا أيضا كنت أسأله: لماذا تكلمني أنا خصوصًا عن الإسلام؟ ثم بعد ذلك دعاني هذا الأخ إلى المسجد لأول مرة وكانت هذه أول مرة أذهب إلى المسجد. وذهبت إلى المسجد وكنت ألبس "شورت" طبعا، كان أمرا غريبًا جدًّا والناس كانوا يصلون وأنا جالس انظر إليهم ولم يطردني الناس من المسجد، ولكن كانوا ينظرون لي نظرةً غيرَ لائقة فشعرت أنهم ليسوا مسرورين جدًّا بي، وظللت جالسًا في المسجد حتى بعد الصلاة ثم ذهبت لأتكلم مع الإمام، وهذه كانت النقطة الفاصلة لي في البحث عن الإسلام، وهكذا بدأت أسأل عن هذا الدين حتى وفقني الله، وأيضًا ذهبت بعد ذلك للقساوسة لأسألهم عن هذا الدين.
وبعد ذلك شعرت أن الإسلام هو الدين الحق، ولكن الشيطان كان يوسوس لي ويقول: أنت تنحدر مِن سلالة كاثوليكية فكيف تكون مسلمًا؟ كانت هذه الوسوسة تأتيني دائمًا فأقول: كيف سأصلي؟ ... أنا لا أعرف صلاة المسلمين، أنا من الناس الذين يحبون أكل لحوم الخنزير فكيف سأتركه؟ وكيف سأتعامل مع أهلي؟ هذه الوسوسة أتعبتني كثيرًا.
ثم ذهبت إلى أخي " الإفريقي " هذا الذي كان يكلمني وقلت له: إنني أيقنت أن الإسلام هو دين الحق ولكني لا أستطيع الدخول في هذا الدين؛ لأن هناك الكثير من المشاكل وأنا لا أستطيع التعامل مع هذه المشاكل ، فبدأت أقول له عن هذه المشاكل التي سوف تواجهني ، وبدأ يعرض لي حلولًا لهذه المشاكل وهكذا حتى فتح الله عليّ وأسلمت.
كيف اقتنعت بأن الإسلام هو الدين الحق ؟
الحقيقة أنا عرَفت أن الإسلام هو الحق من خلال هذا الأخ الذي كان يكلمني؛ لأن هذا الأخ كان مثالي في الأخلاق السيئة قبل إسلامه، ولكن بعدما أسلم هذا الأخ والتزم بتعاليم الإسلام أصبح نموذجًا ومثالًا يُحتذى به، فهذا هو ما جعلني أبحث في هذا الأمر، وأسأل نفسي ما الذي جعل هذا الرجل يتغيَّر هكذا رغم أننا كنا نسكن في نفس الحي ثم بدأ يظهر له تصرفاتٌ جميلة جدًّا، فَخَلَقَ هذا لي دافعًا كبيرًا أن أعرف ما السبب الذي جعل هذا الأخ يتغيَّر بهذه الصورة؟ وعرَفت أن السبب الذي جعل هذا الأخ يتغيَّر هكذا لابد أن يكون شيئًا جديرًا بالاحترام.
بعد ذلك ذهبت للقاء بعض القساوسة في باريس وسألتهم فلم أجد عندهم ردًّا مقنعًا، وكأنهم يقولون شيئًا هم غير مقتنعين به، عندئذٍ اقتنعت بالإسلام تمامًا.
ما مدى استفادتك الشخصية بهذا الدين؟
الاستفادة الكبيرة التي استفدتها من الإسلام بعد إسلامي هو أنه قبل إسلامي كان عندي إيمانٌ؛ لأني كنت نصرانيًّا فكنت مؤمنًا بأن هناك «الله» وأن هناك الآخرة، ولكنه كان إيمانًا تقليديًّا من أسرتي، ولكن كان هناك دائمًا خوفٌ واضطرابٌ لما يمكن أن يحدث غدًا، وما يمكن أن يقابلني من مشاكل، وأن هذه الحياة هي الحياة فكنت أحاول الاستفادة بقدر الإمكان من هذه الحياة بعد الإسلام، الأمر أصبح مختلفًا تمامًا وهو أننا نؤمن بأن هذه الحياةَ موجودةٌ؛ انتظارًا للحياة الأخرى " دار الخلود " التي نثق فيها تمامًا، وأننا في الإسلام نعيش ولا نخاف، وأن كل ما يحدث لنا في الدنيا هو مِن الله سبحانه وتعالى، وأن الله بهذا الإيمان سيُعطي لنا أفضل وأكبر الجزاء، وهذا يعطينا نوعًا من الاطمئنان.
وجودك في مصر والبيئة هذه هل هي عامل مساعد على استقرارك أم لا؟
أنا طبعًا جئت من فرنسا وأنا مسلم، وطبعًا هناك فرق كبير بين فرنسا ومصر، ففي فرنسا المسلمون هناك قِلَّة والمساجد قليلة، وتجد المسلمين القلة في فرنسا يعرفون القيمة العظيمة للإسلام؛ لأنهم قلة فيهتمون أكثر بأصول الدين ويهتمون ببعضهم ولا تجدها في مصر، فتجد القلة يتعاونون ويترابطون مع بعضهم لأنهم قلة، فتعتبر هذه ميزة ليست موجودةً في مصر، فمصر بها مساجد كثيرة والحجاب موجود، ولكن تشعر بأن الأمر في مصر روتيني، وفى مصر هنا نحتاج دائمًا للتذكرة كثيرًا للاستمرار عكس فرنسا، كان هناك الإسلام نادر، وكل ما هو نادر فهو قيم، ولكني سعيد بوجودي هنا في مصر، فالعلم ميسر والبيئة، كل شيء ميسر.
ومن الملاحظات أني عندما كنت في فرنسا كنت قدوةً للآخرين؛ لأني كنت النموذج الوحيد هناك ومثلًا أعلى؛ لأن المسلمين في فرنسا قليلون، ولكني عندما جئت إلى مصر وجدت نفسي صفرًا بجانب علماء الأزهر وطلبة الأزهر.
فكنت في فرنسا مثلًا أعلى، وهنا وجدت نفسي لا شيء بجانب العلماء وهذا ما يجعلني أبذل مجهودًا أكثر.
ما هي عَلاقتك بأسرتك بعد الإسلام ؟
أُشبِّه حياتي بعد الإسلام مباشرة بأنها فترة من فترات العصر المكي، ففي البداية بعدما أسلمت كنت خائفًا من أسرتي؛ لأنها ستكون بالنسبة لهم صدمة كبيرة، ولكنهم لاحظوا هذا التغيير، وأوَّلُ مَن لاحظ هذا التغيير هي أمي، فهي لاحظت أني لا أقترب من لحم الخنزير وأحضر إلى البيت اللحوم الحلال، وبعد فترة وجدت أمي كتابًا بالعربية فقالت: هل أنت أصبحت عربيًّا؟ وقامت باستنكار وجود كتاب عربي في البيت. عموما في الأسرة لم يكونوا مسرورين بهذا الأمر، وخصوصًا أبي الذي كان رد فعله شديدًا.
ولكني لا ألومهم على هذا الأمر لأني أضع نفسي مكانهم، ولكن موقف أبي كان شديدًا، حتى أني أتذكر أول يوم عندما قال لي أبي: أنت لست ابني، ونمت هذه الليلة خارج المنزل، وأيضًا عندما كنت أذهب للصلاة كان يذهب أبي وينتظرني خارج المسجد وعند خروج المصلين كان ينهرني بشدة ويوبخني بطريقة سيئة أمام المصلين ويقول لي: أنت غبي، نحن ربيناك على سلوك وأنت تتحول إلى سلوك آخر، أمام كل الناس ولكني لم أكن أرد عليه. وكنت أعاملهم بأخلاق الإسلام.
والحمد لله الآن أمي أسلمت وأخي، لكن أبي هو الذي خائف مما يُذْكَر الآن مثل الإرهاب وغيره، فأبي خائف من هذا الجانب وليس خائفًا من اعتناق الإسلام.
عموما عَلاقتي بأسرتي مرت بمراحل مختلفة وابتلاءات من الله سبحانه تعالى، وأول ابتلاء عندما عرَفت الأسرة فحدث بين الأسرة مشكلة، الأب والأم يتشاجران، فالأب غاضب والأم تبكي، فكانت الأسرة لا تنام الليل إطلاقًا؛ لأن الابن في مفهوم الأسرة ترك الطريق.
في هذا الوقت كان الشيطان يأتيني ويقول لي: انظر إلى هذه الأسرة التي كانت سعيدة، أنت الذي تسببت في أن يكون حالها هكذا.
فمن تأثُّري في هذه المرحلة لم أستطع فعل طاعات كثيرة مثل صوم رمضان وترك بعض الصلوات من كثرة تأثُّري بهذه المشاكل، وبعد هذه المرحلة صبرت على الدين وزاد إيماني كثيرًا واهتممت كثيرًا بالدين وعرَفت قيمته.
وأقول: إن هذا أمر طبيعي لابد من وجود ابتلاءات فإذا الإنسان صبر- يجازيه الله سبحانه وتعالى خير الجزاء.
هل تنوي الاستقرار هنا في مصر والزواج ؟
أنا جئت إلى مصر في الأصل حتى أتعلم اللغة العربية وحتى أستطيع إذا فتحت أيَّ كتابٍ باللغة العربية قراءته، وقد حضرت إلى مصر لهذا الأمر خاصة وحتى أستطيع أيضًا أن أقرأ القران الكريم بالطبع.
ولكني أريد أن أعود إلى بلادي بعد نهاية تعلمي حتى اجتهد على أبي حتى يدخل إلى الإسلام وأيضًا لكي اجتهد على أصدقائي ومعارفي حتى يدخلوا في الإسلام وأشعر أن هذا هو واجبي نحوهم.
المصدر :
جريدة الوسط على الرابط التالي:
http://www.el-wasat.com/details.php?id=5304
تعليق