بسم الله الرحمن الرحيم
موجات هجرة:
وقد وصل أعداد المسلمين بعد الموجات الثلاث إلى ما يزيد عن (110) آلاف مسلم يعيشون في أغلب المدن الفنلندية، خصوصاً العاصمة هلسنكي وتوركو وتامير، وقد اعترفت الدولة بالإسلام كدين رسمي عام 1925م، وقد تجلى هذا الاعتراف في تأسيس أول مجمع إسلامي فنلندي في هلسنكي، يتبعه مجمع آخر في تامبر كان له دور كبير في إنشاء المساجد والمؤسسات الإسلامية فضلاً عن المقابر.وتمكن المسلمون كذلك من إقامة مؤسسات إسلامية في فنلندا كان أهمها الرابطة الإسلامية التي أنشأت المسجد الكبير في هلسنكي الذي تم افتتاحه عام 1999م، ويضم هذا المسجد مكتبة ومطبعة وحوانيت لبيع اللحم المذبوح وفقاً لمبادئ الشريعة [ ] الإسلامية، فضلاً عن مكتب لتحفيظ القرآن الكريم [ ] واللغة العربية [ ] لأبناء الجالية المسلمة، وينظم دروساً وحلقات تشكل عاملاً مهماً يمنعهم من الذوبان في المجتمع الفنلندي في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وتمكن المسلمون في فنلندا من فتح المدرسة العربية الفنلندية، وقد استلهمت تجارب المدارس العربية والإسلامية في السويدº إذ تجمع هذه المدرسة ما بين المناهج الفنلندية، وبين تدريس اللغة العربية، والدين الإسلامي.غير أن هذه المؤسسات لم تنجح في تحقيق أهدافها كاملةº بسبب معاناة شباب وأطفال [ ] الجالية المسلمة في فنلندا من داء عضال يتمثل في ضعف التمسك بالدين الإسلامي وتعليمهº فبعضهم يقبل على الصلاة بانتظام، والبعض الآخر لا تربطه بالإسلام إلاّ صلات محدودة، ولا يدخلون المساجد إلاّ نادراً، بل يختلطون بالفنلنديينº ويتزوجون منهم، وقد تصاعدت المشكلة حين نعرف أن عدداً كبيراً من السيدات المسلمات يقبلن على الزواج [ ] من الفنلنديين غير المسلمين.
إقبال على الإسلام:
غير أن للقصة جانباً إيجابياً، فعلى قدر ما يعاني المسلمون من ضعف العامل الدعوي بقدر ما حقق من الإنجازاتº فقد نجح في إقناع آلاف من الأفارقة الوثنيين باعتناق الإسلام، وكذلك جذبوا ما يقرب من ألفي فنلندي في السنوات الأخيرة للإسلام، وقد جاء اعتناق أغلب هؤلاء للإسلام عن طريق زاوجهن من مسلمين.ويعيش المسلمون في فنلندا حالة من الرخاءº إذ يتلقون دعماً اجتماعياً من مؤسسات التضامن، فضلاً عن شغل الأغلبية منهم وظائف تدر عليهم دخلاً مناسباً، ويوفر لهم حياة كريمة، غير أن هذه الأموال لا يُستفاد منها في دعم الدعوة [ ] أو إيجاد روابط مع علماء الإسلام أو مع العالم الإسلاميº إذ لا يهتم الأثرياء منهم بجلب دعاة أو أئمة من العالم الإسلامي لتحصين أبنائهم ضد التغريب والعلمانية، وقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتفاقم من أزمة المسلمين في فنلندا، إذ غلب الحذر على تصرفات المسلمين، وقل الإقبال على ارتياد المساجد خصوصاً من جانب النساء [ ] اللاتي لازمن منازلهن خوفاً من تعرضهن لأعمال عنف، بل خلعت بعض المسلمات الحجاب، وصار البحث عن فرصة عمل أكبر صعوبة.غير أن موجة العداء للإسلام قد تراجعت في السنوات الأخيرة التي تلت أحداث إلحادي عشر من سبتمبر بعد أن هدأت الضجة، وبدأ العقلاء في المجتمع الفنلندي يتساءلون عن سبب الضجة المثارة حول الإسلام، واتهامه بالإرهاب، وهو ما جعلهم يقبلون على القراءة عن الإسلام، ويبحثون عن نسخ مترجمة من القرآن الكريم [ ] باللغة الفنلندية - والتي أقرتها رابطة العالم الإسلامي - مما أدّى إلى تحسّن الأجواء، وتخفيف الاحتقان السائد ضد الإسلام، وإيجاد حالة من التعاطي الإيجابي بين الفنلنديين والإسلام.وقد لعب المركز الإسلامي - الذي كانت مؤسسة الحرمين الخيرية قد أسسته - دوراً كبيراً في تغير الصورة النمطية عن الإسلام، وعقدت ندوات حرصت على إظهار الصورة الحقيقية للدين الحنيف، وإظهار الوجه الحقيقي له، وتوضيح معالم الدعوة [ ] الإسلامية التي تقوم على المودة والإخاء والقبول بالآخر، وهي ندوات حققت نتائج إيجابية، ولا تزال تسير في هذا النهج الإيجابي.
إذابة الجليد:من جانبه يرى الشيخ عبد الحكيم أراس نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الإسلامية الفنلندية أن الجالية الإسلامية على الرغم من الصعوبات التي تواجهها إلاّ أنها حققت نجاحات عديدةº أهمها إذابة الجليد بين الرأي العام الفنلندي والإسلام بعد ما ساد نوع من الإسلاموفوبيا لمدة طويلة وخصوصاً بعد أحداث إلحادي عشر من سبتمبر.وأوضح "أراس" أن الجمعية تقوم بدور إيجابي في ربط المسلمين بهويتهم عن طريق تنظيم دورات تقوي معرفتهم بمبادئ الإسلام، وكذلك بطبع كتب وتوزيع شرائط وسيديهات تحتوي على محاضرات إسلامية تقدم لهم قسطاً وافراً من المعلومات الضرورية عن الدين الإسلامي بالنسبة للأطفال.وتابع الشيخ أراس أن تبني المسلمين خطاباً واضحاً ضد العنف كان له دور كبير في إفشال المخططات التي أرادت تشويه صورتهم، بل إن هذا الخطاب الواضح قد غير الصورة النمطية المرسومة عن الإسلام في ذهن الكثير من الفنلنديين، وخفف من الصعوبات التي تواجه المسلمين في البحث عن فرص عمل، أو الالتحاق بوظائف رسمية، ونبّه رئيس الجمعية الفنلندية إلى أن مستقبل المسلمين في فنلندا مطمئن، مطالباً الجالية المسلمة بالتحلي بالثبات [ ] والشجاعة في مواجهة المؤامرات التي تُشنّ ضدها، والوضع في الاعتبار أن التعددية الثقافية والدينية التي يصونها الدستور ستصون حقوقهم، وتجعل النيل منهم أمراً شديد الصعوبة.