ماذا قبل القرن الرابع؟
ناقشت في المقالة الأولى كيف أن عقيدة التثليث المعاصرة والتي تدعوا إلى مساواة المسيح بالله الآب إنما هي هرطقة اخترعت في القرن الرابع الميلادي على يد الآباء الكبادوكيين (وهذا رابط المقالة الأولى: https://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=52855 )، ثم في المقالة الثانية بينت تناقض الآباء الكبادوكيين وإدراكهم بأنهم يعبدون ثلاثة آلهة وكيف حاولوا المغالطة لتبرير رأيهم ومدى ركاكته أمام أعينهم، وقد ختمت المقالة الثانية بكلام غريغوريوس النيصي وهو يدعي بأن عقيدته التثليثية إنما استلمها من التقليد الآبائي (وهذا رابط المقالة الثانية: https://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=52877 )، وفي هذه المقالة الثالثة والأخيرة سأبين إن شاء الله مدى بطلان ما ادعاه النيصي.
فقبل زمن الآباء الكبّادوكيين كانت المسيحية بشكل مختلف ونظرة مختلفة نحو علاقة المسيح بالله الآب، فقد كانت هناك ثلاثة أشكال: العقيدة المودالية والعقيدة الخضوعية المنكرة لألوهية المسيح والعقيدة الخضوعية المثبتة لألوهية المسيح، وتفصيل ذلك كالآتي:
1- عقيدة المودالية: أو كما يسميها البعض بالهرطقة السابلّية (نسبة إلى سابلّيوس –الذي عاش في القرن الثالث- وهو غير باسيليوس)، وهي الهرطقة التي تقول بأن الآب والابن هما نفس الشخص وليسا متعددا الشخصية، وإنما الآب والابن مجرد أسماء أو أشكال لنفس الإله، فالآب بالنسبة لهم هو نفسه الابن، والابن هو نفسه الآب، وهذا على عكس عقيدة التثليث التي تقول بأن الآب ليس هو الابن، وأنهما شخصان مختلفان ولكنهما متحدان في الطبيعة، وقد كان بعض أساقفة روما (وهم من يطلق عليهم الكاثوليك اليوم بالباباوات) يؤمنون بالمودالية مثل زيفيرنيوس وخليفته كاليستوس اللذان عاشا في القرن الثالث الميلادي (كما صرّح بذلك معاصرهم هيبوليتوس).
2- عقيدة الخضوعية (أو التبعية): وهذه العقيدة تقول بأن الابن أقل مرتبة من الآب، فالآب أعظم من الابن، ولذلك فالمسيح خاضع وتابع للآب، وتحت هذا المعتقد هناك مذهبان:
أ- أن المسيح ليس بإله، وهذه عقيدة الموحدين من المسيحيين.
ب- أن المسيح إله ولكنه جزء من الله، وعلى ذلك فالمسيح ليس هو الله ولكنه إله ثانوي منبثق منه مثل الشرارة من النار، وهذه عقيدة آباء الكنيسة قبل القرن الرابع الميلادي (وهذه هي التي تهمنا في هذا البحث).
وبدءً من القرن الرابع الميلادي تم دمج العقيدة المودالية (التي تقول بالمساواة ولكن مع عدم اختلاف الأشخاص) مع العقيدة الخضوعية (التي تقول باختلاف الأشخاص مع عدم المساواة) بأسلوب أفلاطوني محدث لتتشكل عقيدة التثليث التي نعرفها اليوم.
فعلى عكس ادعاء غريغوريوس النيصي (والذي ادعى بأن عقيدة التثليث مستلمة من التقليد الكنسي) لم تكن عقيدة التثليث التي تدعوا إلى مساواة الآب والابن متبناة من قِبل الآباء ومعلمي اللاهوت قبله، وإنما هي هرطقة ابتدعها هو وبقية الآباء الكبّادوكيين (وكذلك أثناسيوس الذي عاش في بداية القرن الذي عاشوا فيه)، وإليك تصريح الموسوعات والقواميس بأن الخضوعية هي عقيدة آباء الكنيسة ومعلميها قبل القرن الرابع الميلادي:
- موسوعة أوكسفورد للكنيسة المبكرة (2/797) (Oxford Encyclopedia of the Early Church) تحت عنوان "الخضوعية" (Subordinationism):
"الخضوعية: هكذا نسمي الاتجاه الذي كان قوياً في لاهوت القرن الثاني والثالث الميلادي وهو اعتبار المسيح (كابن لله) أدنى مرتبة من الآب، ويقف خلف هذا الاتجاه التصريحات الإنجيلية التي يؤكد فيها المسيح بنفسه هذا الدنو (يوحنا 14 : 28؛ مرقس 10 : 18؛ 13 : 32 . . إلخ) والتي تطورت خصوصاً في كريستولوجيا-الكلمة."
"SUBORDINATIONISM. Thus we call the tendency, strong in the theology of the 2nd and 3rd cc., to consider Christ, as Son of God, inferior to the Father. Behind this tendency were gospel statements in which Christ himself stressed this inferiority (Jn 14, 28; Mk 10, 18; 13, 32, etc.) and it was developed esp. by the Logos-christology."
- قاموس أكسفورد للكنيسة المسيحية (ص 1319، الطبعة الثانية) (The Oxford Dictionary of the Christian Church):
"الخضوعية: التعليم المختص بالألوهية والذي يعتبر سواء الابن كخاضع للآب أو الروح القدس كخاضع لهما، فهو اتجاه مميز في جزء كبير من عقيدة القرون الثلاثة الأولى، وهي سمة واضحة من هذا القبيل بصورة أو أخرى للآباء الأرثوذوكس مثل القديس يوستينوس وأوريجيانوس."
"SUBORDINATIONISM. Teaching about the Godhead which regards either the Son as subordinate to the Father or the Holy Ghost as subordinate to both. It is a characteristic tendency in much of Christian teaching of the first three centuries, and is a marked feature of such otherwise orthodox Fathers as St. Justin and Origen."
- كتاب ويستمنستر للاهوت آباء الكنيسة (The Westminster Handbook to Patristic Theology) (ص 321، ط 2004) للقس الأرذودوكسي والمؤرخ اللاهوتي البروفسور بجامعة كولومبيا الأمريكية جون أنتوني مكغوكين (وهو كتاب قاموسي):
"الخضوعية: هذا المصطلح عبارة عن مفهوم شائع قديم يُستخدم للدلالة على لاهوتيّي الكنيسة المبكرة الذين أكدوا لاهوت الابن أو روح الله ولكنهم اعتبروه بطريقة أو بأخرى لاهوتاً على شكل أقل من لاهوت الآب، وإنه لمفهوم معاصر ذلك الشديد الغموض الذي لم يسلط الضوء كثيراً على عقيدة معلمي ماقبل نيقية حيث كان المعتقد الخضوعي مشارَكاً به بشكل واسع وبديهي."
"SUBORDINATIONISM. The term is a common retrospective concept used to denote theologians of the early church who affirmed the divinity of the Son or Spirit of God, but conceived it somehow as a lesser form of divinity than that of the Father. It is a modern concept that is so vague that is that it does not illuminate much of the theology of the pre-Nicene teachers, where a subordinationist presupposition was widely and unreflectively shared."
- صناعة الأرثوذوكسية (ص 153، ط 2002) (The Making of Orthodoxy: Essays in Honour of Henry Chadwick) والذي شارك في تأليفه نخبة من علماء اللاهوت البريطانيين؛ نقرأ فيه:
"بالفعل، إلى أن بدأ أثاناسيوس في الكتابة [في القرن الرابع]، فإن كل عالم لاهوتي، سواء أكان في الشرق أو في الغرب، كان يؤمن بشكل معين من عقيدة الخضوعية، وفي حوالي عام 300 يمكن أن تعتبر جزء ثابتاً في لاهوت الكنيسة الجامعة."
"Indeed, until Athanasius began writing, every single theologian, East and West, had postulated some form of Subordinationism. It could, about the year 300, have been described as a fixed part of catholic theology."
ناقشت في المقالة الأولى كيف أن عقيدة التثليث المعاصرة والتي تدعوا إلى مساواة المسيح بالله الآب إنما هي هرطقة اخترعت في القرن الرابع الميلادي على يد الآباء الكبادوكيين (وهذا رابط المقالة الأولى: https://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=52855 )، ثم في المقالة الثانية بينت تناقض الآباء الكبادوكيين وإدراكهم بأنهم يعبدون ثلاثة آلهة وكيف حاولوا المغالطة لتبرير رأيهم ومدى ركاكته أمام أعينهم، وقد ختمت المقالة الثانية بكلام غريغوريوس النيصي وهو يدعي بأن عقيدته التثليثية إنما استلمها من التقليد الآبائي (وهذا رابط المقالة الثانية: https://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=52877 )، وفي هذه المقالة الثالثة والأخيرة سأبين إن شاء الله مدى بطلان ما ادعاه النيصي.
فقبل زمن الآباء الكبّادوكيين كانت المسيحية بشكل مختلف ونظرة مختلفة نحو علاقة المسيح بالله الآب، فقد كانت هناك ثلاثة أشكال: العقيدة المودالية والعقيدة الخضوعية المنكرة لألوهية المسيح والعقيدة الخضوعية المثبتة لألوهية المسيح، وتفصيل ذلك كالآتي:
1- عقيدة المودالية: أو كما يسميها البعض بالهرطقة السابلّية (نسبة إلى سابلّيوس –الذي عاش في القرن الثالث- وهو غير باسيليوس)، وهي الهرطقة التي تقول بأن الآب والابن هما نفس الشخص وليسا متعددا الشخصية، وإنما الآب والابن مجرد أسماء أو أشكال لنفس الإله، فالآب بالنسبة لهم هو نفسه الابن، والابن هو نفسه الآب، وهذا على عكس عقيدة التثليث التي تقول بأن الآب ليس هو الابن، وأنهما شخصان مختلفان ولكنهما متحدان في الطبيعة، وقد كان بعض أساقفة روما (وهم من يطلق عليهم الكاثوليك اليوم بالباباوات) يؤمنون بالمودالية مثل زيفيرنيوس وخليفته كاليستوس اللذان عاشا في القرن الثالث الميلادي (كما صرّح بذلك معاصرهم هيبوليتوس).
2- عقيدة الخضوعية (أو التبعية): وهذه العقيدة تقول بأن الابن أقل مرتبة من الآب، فالآب أعظم من الابن، ولذلك فالمسيح خاضع وتابع للآب، وتحت هذا المعتقد هناك مذهبان:
أ- أن المسيح ليس بإله، وهذه عقيدة الموحدين من المسيحيين.
ب- أن المسيح إله ولكنه جزء من الله، وعلى ذلك فالمسيح ليس هو الله ولكنه إله ثانوي منبثق منه مثل الشرارة من النار، وهذه عقيدة آباء الكنيسة قبل القرن الرابع الميلادي (وهذه هي التي تهمنا في هذا البحث).
وبدءً من القرن الرابع الميلادي تم دمج العقيدة المودالية (التي تقول بالمساواة ولكن مع عدم اختلاف الأشخاص) مع العقيدة الخضوعية (التي تقول باختلاف الأشخاص مع عدم المساواة) بأسلوب أفلاطوني محدث لتتشكل عقيدة التثليث التي نعرفها اليوم.
فعلى عكس ادعاء غريغوريوس النيصي (والذي ادعى بأن عقيدة التثليث مستلمة من التقليد الكنسي) لم تكن عقيدة التثليث التي تدعوا إلى مساواة الآب والابن متبناة من قِبل الآباء ومعلمي اللاهوت قبله، وإنما هي هرطقة ابتدعها هو وبقية الآباء الكبّادوكيين (وكذلك أثناسيوس الذي عاش في بداية القرن الذي عاشوا فيه)، وإليك تصريح الموسوعات والقواميس بأن الخضوعية هي عقيدة آباء الكنيسة ومعلميها قبل القرن الرابع الميلادي:
- موسوعة أوكسفورد للكنيسة المبكرة (2/797) (Oxford Encyclopedia of the Early Church) تحت عنوان "الخضوعية" (Subordinationism):
"الخضوعية: هكذا نسمي الاتجاه الذي كان قوياً في لاهوت القرن الثاني والثالث الميلادي وهو اعتبار المسيح (كابن لله) أدنى مرتبة من الآب، ويقف خلف هذا الاتجاه التصريحات الإنجيلية التي يؤكد فيها المسيح بنفسه هذا الدنو (يوحنا 14 : 28؛ مرقس 10 : 18؛ 13 : 32 . . إلخ) والتي تطورت خصوصاً في كريستولوجيا-الكلمة."
"SUBORDINATIONISM. Thus we call the tendency, strong in the theology of the 2nd and 3rd cc., to consider Christ, as Son of God, inferior to the Father. Behind this tendency were gospel statements in which Christ himself stressed this inferiority (Jn 14, 28; Mk 10, 18; 13, 32, etc.) and it was developed esp. by the Logos-christology."
- قاموس أكسفورد للكنيسة المسيحية (ص 1319، الطبعة الثانية) (The Oxford Dictionary of the Christian Church):
"الخضوعية: التعليم المختص بالألوهية والذي يعتبر سواء الابن كخاضع للآب أو الروح القدس كخاضع لهما، فهو اتجاه مميز في جزء كبير من عقيدة القرون الثلاثة الأولى، وهي سمة واضحة من هذا القبيل بصورة أو أخرى للآباء الأرثوذوكس مثل القديس يوستينوس وأوريجيانوس."
"SUBORDINATIONISM. Teaching about the Godhead which regards either the Son as subordinate to the Father or the Holy Ghost as subordinate to both. It is a characteristic tendency in much of Christian teaching of the first three centuries, and is a marked feature of such otherwise orthodox Fathers as St. Justin and Origen."
- كتاب ويستمنستر للاهوت آباء الكنيسة (The Westminster Handbook to Patristic Theology) (ص 321، ط 2004) للقس الأرذودوكسي والمؤرخ اللاهوتي البروفسور بجامعة كولومبيا الأمريكية جون أنتوني مكغوكين (وهو كتاب قاموسي):
"الخضوعية: هذا المصطلح عبارة عن مفهوم شائع قديم يُستخدم للدلالة على لاهوتيّي الكنيسة المبكرة الذين أكدوا لاهوت الابن أو روح الله ولكنهم اعتبروه بطريقة أو بأخرى لاهوتاً على شكل أقل من لاهوت الآب، وإنه لمفهوم معاصر ذلك الشديد الغموض الذي لم يسلط الضوء كثيراً على عقيدة معلمي ماقبل نيقية حيث كان المعتقد الخضوعي مشارَكاً به بشكل واسع وبديهي."
"SUBORDINATIONISM. The term is a common retrospective concept used to denote theologians of the early church who affirmed the divinity of the Son or Spirit of God, but conceived it somehow as a lesser form of divinity than that of the Father. It is a modern concept that is so vague that is that it does not illuminate much of the theology of the pre-Nicene teachers, where a subordinationist presupposition was widely and unreflectively shared."
- صناعة الأرثوذوكسية (ص 153، ط 2002) (The Making of Orthodoxy: Essays in Honour of Henry Chadwick) والذي شارك في تأليفه نخبة من علماء اللاهوت البريطانيين؛ نقرأ فيه:
"بالفعل، إلى أن بدأ أثاناسيوس في الكتابة [في القرن الرابع]، فإن كل عالم لاهوتي، سواء أكان في الشرق أو في الغرب، كان يؤمن بشكل معين من عقيدة الخضوعية، وفي حوالي عام 300 يمكن أن تعتبر جزء ثابتاً في لاهوت الكنيسة الجامعة."
"Indeed, until Athanasius began writing, every single theologian, East and West, had postulated some form of Subordinationism. It could, about the year 300, have been described as a fixed part of catholic theology."
تعليق