حكم اتباع الرسم العثماني
اختلف العلماء هل رسم المصاحف توقيفي من النَّبِيّ ، أم اجتهادي؟
فأما الذين ذهبوا إلى أن الرسم توقيفيٌّ، فلم يجيزوا مخالفته، وأما القائلون بأنه اجتهاد واصطلاح من الصحابة، فاختلفوا، فمنهم من أوجب اتباع اصطلاحهم، ومنهم من جوَّز مخالفته، وجوز كتابة القرآن على غيره، ومنهم من أوجب كتابةالمصاحف على الرسم القياسي منعًا للَّبْس.
فتلخص أن العلماء في الرسم العثماني على مذهبين: مذهب يوجب اتباعه (سواء من قال بالتوقيف ومن قال بأنه اصطلاح واجب الاتباع)، ومذهب يرى جواز رسم المصاحف على غير الرسم العثماني، وبعضهم يوجب ذلك.
المذهب الأول: أن رسم القرآن توقيفي، فلا تجوز مخالفته، ولا تجوز كتابة المصحف إلا على الكتبة الأولى، وهو مذهب الجمهور.
واستدلوا على ذلك بأدلة، منها:
1. إقرار النَّبِيّ هذه الكتبة، فقد كان للنَّبِيّ كُتَّاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن على هذا الرسم بين يديه، وأقرهم على تلك الكتابة، ومضى عهده والقرآن على هذه الكتبة، لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل.
2. ما ورد من أن النَّبِيّ كان يوقف كُتَّابه على قواعد رسم القرآن، ويوجههم في رسم القرآن وكتابته.
أ- فعن معاوية أنه كان يكتب بين يدي النَّبِيّ، فقال له: أَلِق الدواةَ،(1) وحرِّف القلمَ، وأقِم الباء، وفرِّق السينَ، ولا تعوِّر الميم، وحسِّن (الله)، ومدّ (الرحمن)، وجوِّد (الرحيم).(2)
ب- وعن أنس أن النَّبِيّ قال: إذا كتب أحدكم (بسم الله الرحمن الرحيم)، فليمدَّ الرحمن.(3)
3. إجماع الصحابة على ما رسمه عثمان في المصاحف، وعلى منع ما سواه.
4. إجماع الأمة المعصوم من الخطأ بعد ذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين على تلقِّي ما نُقِل في المصاحف العثمانية التي أرسلها إلى الأمصار بالقبول، وعلى ترك ما سوى ذلك.(4)
فهذا إجماعٌ من الأمة على ما تضمنته هذه المصاحف، وعلى ترك ما خالفها من زيادة ونقص، وإبدال كلمةٍ بأخرى، أو حرف بآخر.
ولذلك جعل الأئمة موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً شرطًا لقبول القراءة، فقالوا: كل قراءة ساعدها خط المصحف، مع صحة النقل، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهي المعتبرة.(5)
ومِمَّن حكى إجماع الأمة على ما كتب عثمان الإمام أبو عمرو الداني، وروى بإسناده عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان ? المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ.(6)
وقال القاضي عياض: أجمع المسلمون على أن من نقص حرفًا قاصدًا لذلك، أو بدله بحرفٍ مكانه، أو زاد فيه حرفًا مِمَّا لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع، وأُجمع على أنه ليس من القرآن -عامدًا لكل هذا، فهو كافر.(7)
قال البيهقي: مَن كَتَب مصحفًا، فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بِها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مِمَّا كتبوه شيئًا؛ فإنَّهم كانوا أكثرَ علمًا، وأصدقَ قلبًا ولسانًا، وأعظمَ أمانةً منَّا، فلا ينبغي لنا أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم، ولا تسَـقُّطًا لَهم.(8)
وعن زيد بن ثابت قال: القراءة سنةٌ، قال سليمان بن داود الهاشمي: يعني ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع.(9)
قال البيهقي: إنما أراد -والله أعلم- أن اتباع مَن قبلنا في الحروف وفي القراءات سنةٌ متبعةٌ، ولا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمامٌ، ولا مخالفة القراءة التي هي مشهورةٌ، وإن كان غيرُ ذلك سائغًا في اللغة، أو أظهرَ منها.(10)
وقال أيضًا: وبِمعناه بلغني عن أبي عبيد في تفسير ذلك، قال: وترى القرَّاء لم يلتفتوا إلى مذاهب العربية في القراءة، إذا خالف ذلك خطَّ المصحف، وزاد: واتِّباعُ حروف المصاحف عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحدٍ أن يتعدَّاها.(11)
ونقل أحمد بن المبارك(12) عن شيخه عبد العزيز الدباغ(13) أنه قال: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرةٌ واحدةٌ، وإنما هو توقيفٌ من النَّبِيّ ، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة، بزيادة الألف ونقصانِها، لأسرارٍ لا تَهتدي إليها العقول،… وهو سرٌّ من أسراره خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية،… وكما أن نظم القرآن معجزٌ، فرسمه أيضًا معجزٌ.(14)
قال ابن درستويه: خطان لا يُقاس عليهما: خط المصحف، وخط تقطيع العروض… ووجدنا كتاب الله -جلَّ ذكره- لا يُقاس هجاؤه، ولا يُخالَف خطُّه، ولكنه يُتَلقَّى بالقبول على ما أُودع المصحفَ.(15)
والقول بعدم جواز كتابة المصحف على غير الرسم العثماني هو قول أهل المذاهب الفقهية الأربعة.
قال العلامة محمد بن العاقب الشنقيطي16)
رسمُ الكِتابِ سنَّـةٌ متَّبـعهْ كما نحَا أهلُ المناحي الأربعهْ وقد نقل الإمام الجعبري، وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتِّباع رسم المصحف العثماني.(17)
وفيما يأتي أقوال بعض فقهاء المذاهب الأربعة في هذه المسألة:
- الأحناف:
قال في المحيط البرهاني: إنه ينبغي ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني.(18)
- المالكية:
سئل مالك رحمه الله: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى.(19)
قال السخاوي: والذي ذهب إليه مالكٌ هو الحقُّ، إذ فيه بقاء الحالة الأولى، إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى، ولا شك أن هذا هو الأَحرى بعد الأُخرى، إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولية ما في الطبقة الأولى.(20)
قال أبو عمرو الداني: ولا مُخالف لِمالكٍ من علماء الأمة في ذلك.(21)
وقال أبو عمرو الداني أيضًا: سئل مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن تُغَيَّر من المصحف إذا وُجدت فيه كذلك؟ قال: لا.(22)
قال أبو عمرو: يعني الواو والألف الزائدتين في الرسم، المعدومتين في اللفظ، نحو الـواو في: } أولئك {، و} أولات {، و} الربوا {، ونحو الألف في: } لن ندعوَا { و} لأَاوْضَعُوا {.(23)
- الشافعية:
قال الشيخ سليمان الجمل: (الربا) تكتب بِهما، أي: الواو والألف معًا، فتكتب الواو أولاً في الباء، والألف بعدها، وهذه طريقة المصحف العثماني، وقوله: "وبالياء"، أي: في غير القرآن؛ لأن رسمه سنةٌ متبعة.(24)
- الحنابلة:
قال الإمام أحمد بن حنبل: يحرم مخالفة مصحف الإمام في واوٍ أو ألفٍ أو ياء، أو غير ذلك.(25)
المذهب الثاني: أن رسم المصاحف اصطلاحي لا توقيفي، وعليه فتجوز مخالفته.
ومِمَّن جنح إلى هذا الرأي وأيده ابن خلدون في مقدمته، والقاضي أبو بكر في الانتصار، وشيخ الإسلام ابن تيمية.(26)
واستدل القائلون بِهذا الرأي بأدلة منها:
1. أن الرسوم والخطوط ما هي إلا علامات وأمارات، فكل رسمٍ يدل على الكلمة، ويفيد وجه قراءتِها، فهو رسم صحيح.
2. أن كتابة المصحف على الرسم العثماني قد توقع الناس في الحيرة والخطأ، والمشقة والحرج، ولا تمكنهم من القراءة الصحيحة السليمة.
3. أنه ليس في الكتاب العزيز، ولا السنة المطهرة، ولا في إجماع الأمة، ولا في قياس شرعي - ما يدل على وجوب كتابة المصحف برسم معين، وكيفية مخصوصة، ولَم يروَ عن الرَّسُول أنه أمر أحدًا من كتاب الوحي حين كتابة الآيات القرآنية أن يكتبها برسم خاصٍّ، ولا نَهى أحدًا أن يكتبها بِهيئة معينة.
قال ابن خلدون: فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغٍ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة، ولا إلى التوسُّط، لمكان العرب من البداوة والتوحُّش، وبُعْدِهم عن الصنائع، وانظر ما وقع من أجل ذلك في رسمهم المصحف، حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة، فخالف الكثيرُ من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها، ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبرُّكًا بما رسمه أصحاب الرَّسُول ، وخير الخلق من بعده، المتلقون لوحيه من كتاب الله تعالى وكلامه، كما يُقتَفى لهذا العهد خطُّ وليٍّ أو عالمٍ تبرُّكًا، ويُتَّبع رسمه خطأً أو صوابًا، وأين نسبة ذلك من الصحابة فيما كتبوه؟ فاتُّبع ذلك، وأُثْبِت رسمًا، ونبَّه العلماء بالرسم إلى مواضعه.
قال: ولا تلتفتنَّ في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنَّهم كانوا محكمين لصناعة الخط، وأن ما يُتخيَّل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يُتخيَّل، بل لكل وجه، يقولون في زيادة الألف في } لاأذبحنَّه { إنه تنبيهٌ على أن الذبح لم يقع، وفي مثل زيادة الياء } بأييد { إنه تنبيهٌ على كمال القدرة الربانية، وأمثال ذلك مِمَّا لا أصل له إلا التحكم المحض، وما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيهًا للصحابة عن توهم النقص في قلة إجادة الخط، وحسبوا أن الخط كمالٌ فنزهوهم عن نقصه، ونسبوا إليهم الكمال بإجادته، وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه، وليس ذلك بصحيح. اهـ.(27)
وقال القاضي أبو بكر: وأما الكتابة، فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئًا، إذ لم يأخذ على كتَّاب القرآن وخطَّاط المصاحف رسمًا بعينه دون غيره، أوجبه عليهم وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يُدْرَك إلا بالسمع والتوقيف، وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية.
بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهُل، لأن رَسُول اللهِ كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجهًا معينًا، ولا نَهى أحدًا عن كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاحٌ، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال، ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك. اهـ.(28)
بل ذهب عز الدين بن عبد السلام(29) إلى تحريم الكتابة على الرسم العثماني الأول، ووجوب كتابة القرآن على الاصطلاحات المعروفة عند عامة الناس.
قال الزركشي بعد ذكر قول الإمام أحمد في تحريم مخالفة مصحف عثمان: وكان هذا في الصدر الأول، والعلم غضٌّ حيٌّ، وأما الآن، فقد يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة؛ لئلا يوقع في تغيير الجهال.(30)
قال البنا الدمياطي: وهذا كما قال بعضهم: لا ينبغي إجراؤه على إطلاقه؛ لئلا يؤدي إلى درس العلم، ولا يترك شيء قد أحكمه السلف مراعاة لجهل الجاهلين، لا سيما، وهو أحد الأركان التي عليها مدار القراءات.(31)
---------------------------------------------
(1) ألاق الدواة فلاقت: لزق المداد بصوفها. لسان العرب (ليق) (5/4115).
(2) ذكره القاضي عياضٌ في الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/357-358)، والحافظ في فتح الباري (7/575).
(3) رواه الديلمي في مسنده، انظر فردوس الأخبار (1/364) ح 1174.
(4) الكواكب الدرية ص 34.
(5) الكواكب الدرية ص 34.
(6) رواه الداني في المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص 18، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19، ولفظه: ولم ينكر ذلك منهم أحدٌ.
(7) الشفا بتعريق حقوق المصطفى (2/647).
(8) الجامع لشعب الإيمان (5/600).
(9) رواه البيهقي في الجامع لشعب الإيمان (5/600)، وفي السنن الكبرى (2/385)، والحاكم في المستدرك (2/224)، وصححه ووافقه الذهبي.
(10) السنن الكبرى للبيهقي (2/385).
(11) الجامع لشعب الإيمان (5/601)، وانظر البرهان في علوم القرآن (1/380).
(12) أحمد بن المبارك السَّلْجِماسي اللَّمَطِي، فقيه مالكي، عارف بالحديث، ولد في سَلْجِماسة سنة 1090 هـ، 1679م ونشأ فيها، ثم انتقل إلى فاس، فقرأ وأقرأ، حتى صرَّح لنفسه بالاجتهاد المطلق، وتوفي بفاس سنة 1156 هـ، 1743م. الأعلام (1/201-202).
(13) عبد العزيز بن مسعود الدباغ الإدريسي الحسني، متصوفٌ من الأشراف الحسنيين، ولد بفاس سنة 1095 هـ، 1684م، كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولأتباعه مبالغة في الثناء عليه، ونقل الخوارق عنه، توفي بفاس سنة 1132 هـ، 1720م. الأعلام (4/28).
(14) أحمد بن المبارك السلجماسي في كتابه: الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز ص 101.
(15) البرهان في علوم القرآن (1/376)، نقلاً عن الكتاب لابن درستويه ص 7.
(16) انظر التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية للدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ ص 27.
(17) بحث في المصاحف العثمانية للدكتور محمود سيبويه البدوي، مجلة كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، العدد الأول ص 345، نقلاً عن خميلة أرباب المقاصد شرح عقيلة أتراب القصائد للإمام الجعبري.
(18) مناهل العرفان (1/379).
(19) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 9.
(20) مناهل العرفان (1/379).
(21) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19.
(22) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 36، والبرهان في علوم القرآن (1/379)، ومناهل العرفان (1/379).
(23) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 36، والبرهان في علوم القرآن (1/379)، ومناهل العرفان (1/379)، وقد اختلفت المصاحف في هذه الكلمة، ففي بعضها بألف بعد الهمزة، وفي بعضها بغير ألف، والعمل على إسقاط الألف. انظر دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 245.
(24) حاشية الجمل على شرح المنهج، للشيخ سليمان الجمل (3/44).
(25) البرهان في علوم القرآن (1/379)، و الإتقان (4/146).
(26) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 129، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/420-421).
(27) مقدمة ابن خلدون (مقدمة تاريخ بن خلدون) ص 419.
(28) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 129، وانظر: الإبريز ص 99-101، ومناهل العرفان (1/380-381).
(29) هو الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، برع في الفقه والأصول والعربية والتفسير والحديث، رحـل إليه الطلبة من سـائر البلدان، هذا مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. توفي سنة 660?. شذرات الذهب (3/301).
(30) البرهان في علوم القرآن (1/379)، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 9.
(31) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 9-10.
-------------------------------------------------------
تابع : حكم اتباع الرسم العثماني
الرأي الراجح
والرأي الذي تطمئن إليه النفس هو رأي الجمهور الذين ذهبوا إلى أن خط المصاحف توقيف، ولا تجوز مخالفته.
ويترجح هذا الرأي بإجماع الصحابة ومن بعدهم على كتابة المصاحف على هذه الهيئة المعلومة، وعلى رفض ما سواها، فلا يُعتبَر بعد إجماع أهل القرون الأولى خلاف من خالف بعد ذلك، ولا يجوز خرق إجماعهم؛ لأن الإجماع لا يُنْسَخُ.
ويؤيد ذلك أن الرسم الإملائي اصطلاح، والاصطلاح قد يتغير مع تغير الزمان، كما أن قواعد الإملاء تختلف فيها وجهات النظر، فيؤدي ذلك إلى التحريف والتبديل في كلام الله .
فلو أن أهل كل زمانٍ اصطلحوا في كتابة المصاحف على اصطلاح يناسب ما يألفونه من قواعد الإملاء، ثم أتى جيلٌ بعدهم فاصطلح على اصطلاح آخر يناسب ما استجدَّ من القواعد، وانقطعت صلة الأجيال المتتابعة بالمصاحف التي كتبها الصحابة، لو حدث ذلك لوصلنا خلال عقود قليلة إلى نصٍّ مشوَّهٍ من القرآن، وحينئذ لن يستطيع الناس تَمييز القراءة الصحيحة من غيرها، ويؤدي ذلك إلى تحريف كتاب الله، ويحصل الشكُّ في جميعه.
فهذا الرسم العثماني هو أقوى ضمان لصيانة القرآن من التغيير والتبديل.(1)
ومِمَّا يؤيد كون خط المصاحف توقيف: أن الصحابة كتبوا الكلمة الواحدة في بعض المواضع بِهيئة، وفي مواضع أخرى بهيئة أخرى، ولا يظن بعاقلٍ -فضلاً عن الصحابة العلماء النبلاء- أن يسمع الكلمة الواحدة فيكتبها مرة بهيئة ومرة بأخرى إلا أن يكون لذلك علة، ولا علةَ هنا إلا التوقيف.
فقد رسم الصحابة (سعوا) في سورة الحج بزيادة الألف، ولم يزيدوا الألف من نفس اللفظ في سورة سبأ، فرسموها هكذا: (سعو).
وكذلك فعلوا في (عتَوْا) حيث كان فقد رسموه بزيادة الألف، ما عدا موضع الفرقان، فرسموه (عتو) هكذا دون ألف.
وزادوا الألف بعد الواو في قوله ?: (يعفوا الذي) في سورة البقرة، ولم يزيدوها في قوله تعالى: (يعفو عنهم) في سورة النساء.
وكذلك حذفوا بعض أحرف من كلمات متشابِهة دون بعضٍ، كحذف الألف من (قرء نا) بيوسف والزخرف، وإثباتِها في سائر المواضع.
وحذفوا الألف من (سموت) و(السموت) حيث وقع في القرآن، وأثبتوا الألف التي بعد واو (سموات) في فصلت فقط.
وأثبتوا الألف من (الميعاد) مطلقًا، وحذفوها من الموضع الذي في الأنفال.
وأثبتوا الألف في (سراجًا) حيثما وقع، وحذفوه من موضع الفرقان.
وزادوا الألف بعد واو الجماعة في الأفعال حيث وقع في القرآن كقوله: (آمنوا)، واستثنوا من ذلك: (باءو)، (جاءو)، (تبوءو)، (فاءو).
وزادوا الألف في (مائة) دون (فئة)، وزادوا الواو في (سأوريكم) في سورتي الأعراف والأنبياء، وزادوا الياء في (بأييدٍ)، و(بأييكم)، ولا فرق بين هذه الكلمات وغيرها مِمَّا لم يزيدوا فيه الألف أو الواو أو الياء.
فادعاء أن الصحابة اصطلحوا على هذا الرسم اتِّهامٌ لَهم بِمخالفة النَّبِيّ ، ووصمٌ بالجهل والتفريق بين المتماثلات، وهذا مِمَّا لا يظن بآحاد العقلاء -فضلاً عن صحابة خاتم الأنبياء .
قال الدباغ: وأما قول من قال: إن الصحابة اصطلحوا على أمر الرسم المذكور، فلا يخفى ما فيه من البطلان؛ لأن القرآن كُتِب في زمان النَّبِيّ ، وبين يديه، وحينئذ فلا يخلو ما اصطلح عليه الصحابة، إما أن يكون هو عين الهيئة التي كُتِبَت بين يدي النَّبِيّ أو غيرها، فإن كانت عينها بطل الاصطلاح؛ لأن أسبقية النَّبِيّ تنافي ذلك، وتوجب الاتباع.
وإن كان غير ذلك، فكيف يكون النَّبِيّ كتب على هيئة، كهيئة الرسم القياسي مثلاً، والصحابة خالفوا وكتبوا على هيئة أخرى . فلا يصحُّ ذلك لوجهين:
أحدهما: نسبة الصحابة إلى المخالفة، وذلك مُحالٌ.
ثانيهما: أن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف في القرآن، ولا نقصان حرفٍ منه، وما بين الدفتين كلام الله ، فإذا كان النَّبِيّ أثبت ألف (الرحمن) و(العالمين) مثلاً، ولم يزد الألف في (مائة)، ولا في (لأاوضعوا)، ولا الياء في (بأييدٍ) ونحو ذلك، والصحابة عاكسوه في ذلك وخالفوه، لزم أنهم -وحاشاهم من ذلك- تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقصان، ووقعوا فيما أجمعوا هم وغيرهم على ما لا يحلُّ لأحدٍ فعلهُ، ولزم تطرُّق الشكِّ إلى جميع ما بين الدفتين؛ لأنا مهما جوزنا أن تكون فيه حروف ناقصة أو زائدة على ما في علم النَّبِيّ ، وعلى ما عنده، وأنها ليست بوحيٍ، ولا من عند الله، ولا نعلمها بعينها -شككنا في الجميع.
ولئن جوزنا لصحابيٍ أن يزيد في كتابته حرفًا ليس بوحيٍ، لزمنا أن نجوز لصحابي آخر نقصان حرف من الوحي؛ إذ لا فرق بينهما، وحينئذٍ تنحل عروة الإسلام بالكلية.(2)
وأما دعوى ابن خلدون -رحمه الله- أن الصحابة لم يكونوا يحكمون الخط، فمبنيٌّ على آثار غير ثابتة أن أهل مكة إنَّما تعلموا الخط من أهل الحيرة، وأن ذلك كان قبيل بعثة النَّبِيّ ، ولا يثبت ذلك من حيث السند.(3)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخط توقيفيٌّ،(4) وعليه فلم يكن العرب حديثي عهدٍ بالخط زمن بعثة النَّبِيّ ، وبِهذا يتبين عدم ثبوت ما ادعاه العلامة ابن خلدون.
قال ابن فارس: الذي نقوله فيه: إن الخطَّ توقيفٌ، وذلك لظاهر قوله } اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ! الَّذِي علَّم بالقَلَمِ ! علَّم الإنسانَ ما لَم يعلم {،(5) وقال -جلَّ ثناؤه: } ن والقلم وما يسطرون {،(6) وإذا كان كذا، فليس ببعيدٍ أن يوقف آدم ، أو غيره من الأنبياء -عليهم السلام- على الكتاب.(7)
وذهب بعضٌ آخر إلى أن الكتاب العربي وضع زمن إسماعيل ، فقد أخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق عكرمة عن ابن عباس، قال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل.(8)
كما أن دعواه اضطرابَ الصحابة في كتابة المصاحف، ومخالفتهم ما اقتضته صناعة الخط بغير مسوغٍ، فهي اتِّهام لهم بالبلادة وعدم الفهم، كما أسلفنا.
ودعواه -رحمه الله- أن السلف من التابعين ومن بعدهم إنَّما اقتفوا أثر الصحابة في كتابة المصاحف لِمجرد التبرك اتِّهامٌ للأمة جميعها بالتقليد الأعمى، وعدم النظر لِما يصلح دينها.
ومن الواضح البيِّن عدم إصابته -رحمه الله- في ادعاء أن عدم إجادة الخط ليس نقصًا، كيف ذلك، والعقلاء متفقون على أن الأمية نقصٌ يتنَزه عنه عوام الناس، فضلاً عن علمائهم.
وإنَّما لم تكن الأمية نقصًا في حق نبينا لِما أنَّها كانت آية صدقه، إذ مع كونه أميًّا، كان قد حاز من العلوم ما لم يصل إليه غيره من البشر، فكان النقص في حق غيره علامة كمالٍ في حقه ،ـ(9) وتبقى الأمية في حق بقية البشر نقصًا يتنَزه عنه عقلاؤهم.
قال العلامة المارغني معرِّضًا بابن خلدون في رأيه هذا: وقد بلغ التهوُّر ببعض المؤرخين إلى أن قال في مرسوم الصحابة ما لا يليق بعظيم علمهم الراسخ، وشريف مقامهم الباذخ، فإياك أن تغترَّ به.(10)
وأما كلام القاضي الباقلاني فيناقش أيضًا بأن أدلة الجمهور القائلين بوجوب اتباع الرسم العثماني بعضها من السنة، وبعضها من إجماع الصحابة، وهذا يردُّ دعواه عدمَ الدليل على وجوب اتباع رسم المصاحف العثمانية.
وأما قوله: "ولذلك اختلفت خطوط المصاحف … الخ" فغير مسلَّمٍ، لأن الإجماع قد انعقد، وعلم الناس الرسم التوقيفي، كما أن ما ذكره من صور اختلاف الخطوط لا يعدو التغير في صورة الحرف، لا في رسم نفس الكلمة بزيادة حرف، أو نقصان حرف.
ومِمَّا يؤيد الرأي القائل بالتوقيف العلاقة الواضحة بين هذا الرسم العثماني، وبين القراءات القرآنية المتواترة، يدرك هذا من كان له أدنى معرفة بعلم القراءات، إذ يلاحظ بوضوح أن الصحابة عندما خالفوا القياس في الخط، إنَّما كان ذلك لِمقاصد تتعلق بِما ثبتت روايته عن النَّبِيّ من أوجه القراءة في العرضة الأخيرة، فكتبوا في الفاتحة: } ملك يوم الدين {،(11) دون ألف في (ملك) لتحتمل الوجهين من القراءة بالألف (مالِكِ)، وبدونِها (مَلِكِ).
ومن أمثلة ذلك أيضًا كتابتهم قوله تعالى: } إِنْ هَذَانِ لَسَحِرَانِ {،(12) دون الألفات، ودون النقط والشكل هكذا (ان هـدن لسحرن) فاحتملت جميع أوجه القراءة فيها:
1. فقد قرأ أبو عمرو: } إِنَّ هَـذَينِ لَسَحِرَانِ { بتشديد نون (إن)، وبالياء في (هذين)، وتخفيف النون فيها.
2. وقرأ ابن كثير: } إِنْ هـذَانِّ لَسَحِرَانِ { بتخفيف نون (إنْ)، وبالألف في (هذان)، وتشديد النون منها.
3. وقرأ حفصٌ: } إِنْ هَـذَانِ لَسَحِرَانِ { بتخفيف نون (إنْ)، وبالألف في (هذان)، وتخفيف النون منها.
4. وقرأ بقية القراء العشرة } إِنَّ هَـذَانِ لَسَحِرَانِ { بتشديد نون (إنَّ)، وبالألف في (هذان)، وتخفيف النون منها.(13)
فهل يُعَدُّ مثل هذا الرسم مُخالفًا لقياس أهل صناعة الخط؟!
وكذلك كتابتهم تاء التأنيث بالتاء المفتوحة في بعض المواضع نحو (امرأت)، و(رحمت)، و(نعمت)، فيقف عليها جمهور القراء بالتاء، ولو كتبت بالهاء المربوطة، لَتَغَيَّرَ حكمُ الوقف عليها.(14)
قال السيوطي: أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف إبدالاً وإثباتًا وحذفًا، ووصلاً وقطعًا، إلا أنه ورد عنهم اختلافٌ في أشياء بأعيانِها، كالوقف بالهاء على ما كتب بالتاء، وبإلحاق الهاء فيما تقدم وغيره، وبإثبات الياء في مواضع لم تُرسَم بِها … ثم قال: ومن القراء من يتبع الرسم في الجميع.(15)
قال الزركشي: ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم ذلك - كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء، والهمز والمد والقصر، فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا، نحو: } الْخَبْءَ { و} دِفْءٌ {، فصار ذلك كله حجةً.(16)
كما أنه قد يُعترَض على القول بالتوقيف باعتراضين:
أحدهما: كيف كان للنَّبِيّ أن يوقف الصحابة على ما يكتب في المصاحف مع كونه أميًّا؟
ويجاب عن ذلك بأن الأمية لم تكن عيبًا فيه ، وقد كان من الذكاء والفطنة بحيث يستطيع أن يوجههم إلى مثل ذلك.
فقد كان النَّبِيّ مع أميته يعرف أسماء الحروف، وهذا مِمَّا يَجهله الأمي.
فعن عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ.(17)
على أنه قد صح الخبر بِما يدل دلالة قوية على أنه قد علم الخط والكتاب بعدما بُعِثَ.
فَعَنِ الْبَرَاءِ في خبر صلح الحديبية قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ… الحديث.(18)
قال القاضي عياض: وقوله في الرواية التي ذكرناها: "ولا يحسن أن يكتب، فكتب" كالنصِّ أنه كتب بنفسه، قال: والعدول إلى غيره مجازٌ، ولا ضرورةَ إليه.(19)
فلا يَبْعُدُ مع هذا أن يكون من النَّبِيّ التوقيف على ما يُكتب من الحروف وما لا يكتب عند كتابة القرآن بين يديه .
وأما الاعتراض الثاني، فهو: أن يقال: إن كان الرسم توقيفيًّا بوحيٍ إلى النَّبِيّ ، فَلِمَ لم يُنقل تواترًا كما نقلت ألفاظ القرآن، حتى ترتفع عنه الريبة، وتطمئن به القلوب؟
والجواب عن هذا أن رسم المصاحف قد نقل ألفاظًا ورسمًا على الوجه الذي تقوم به الحجة، يدرك ذلك أهل العلم، الذين حفظوا ألفاظه ورسمه، ولم يضيعوا منها شيئًا.
ولا يقدح في ذلك اختلاف علماء الرسم بعض الحروف، إذ إن عثمان قد كتب عددًا من المصاحف، وقد كان بينها بعض الاختلاف لتحتمل ما ثبت من أوجه القراءة، ولا يَضُرُّ جهل مَن جهل دقة هذا النقل، كما لا يَضُرُّ جهل العوامِّ بالقرآن وعدم حفظهم لألفاظه.(20)
وفي ختام هذه المسألة أنوِّه على أنه ليس هناك صعوبة تذكر على قارئ القرآن الكريم، بعد ما أضيف إلى صورة الرسم من رموز النقط والشكل، التي أوضحت مشكله، وأعانت على سلامة النطق به.
وقد مرت القرون على المسلمين، وهم يكتبون المصاحف على ما رسم الصحابة ، ولم يؤدِّ ذلك إلى خطأ في تلاوة القرآن، أو وقوع تحريف، فلله الحمد والمنَّة.
---------------------------------------
(1) انظر مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 149.
(2) الإبريز لأحمد بن المبارك السلجماسي ص 101-103.
(3) انظر الآثار الواردة في ذلك في كتاب المصاحف لابن أبي داود باب خطوط المصاحف ص 9-10.
(4) المقصود بِهذا القول جميع الخطوط، أي خطوط المصاحف وغيرها مِمَّا يكتبه البشر.
(5) سورة العلق، الآيات 3-5.
(6) سورة القلم آية 1.
(7) الصاحبي في فقه اللغة، لابن فارس ص 39.
(8) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/145).
(9) انظر تفسير أبي السعود (3/279).
(10) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 42.
(11) سورة الفاتحة الآية 4.
(12) سورة طه من الآية 63.
(13) انظر النشر في القراءات العشر (2/320-321).
(14) انظر التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية ص 27-29.
(15) الإتقان في علوم القرآن (1/250-251).
(16) البرهان في علوم القرآن (1/378).
(17) رواه الترمذي في جامعه، كتاب فضائل القرآن بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ مَالَهُ مِنَ الأَجْرِ (5/175) ح 2910.
(18) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي بَاب عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، صحيح البخاري مع فتح الباري (7/570-571) ح 4251.
(19) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (12/138).
اختلف العلماء هل رسم المصاحف توقيفي من النَّبِيّ ، أم اجتهادي؟
فأما الذين ذهبوا إلى أن الرسم توقيفيٌّ، فلم يجيزوا مخالفته، وأما القائلون بأنه اجتهاد واصطلاح من الصحابة، فاختلفوا، فمنهم من أوجب اتباع اصطلاحهم، ومنهم من جوَّز مخالفته، وجوز كتابة القرآن على غيره، ومنهم من أوجب كتابةالمصاحف على الرسم القياسي منعًا للَّبْس.
فتلخص أن العلماء في الرسم العثماني على مذهبين: مذهب يوجب اتباعه (سواء من قال بالتوقيف ومن قال بأنه اصطلاح واجب الاتباع)، ومذهب يرى جواز رسم المصاحف على غير الرسم العثماني، وبعضهم يوجب ذلك.
المذهب الأول: أن رسم القرآن توقيفي، فلا تجوز مخالفته، ولا تجوز كتابة المصحف إلا على الكتبة الأولى، وهو مذهب الجمهور.
واستدلوا على ذلك بأدلة، منها:
1. إقرار النَّبِيّ هذه الكتبة، فقد كان للنَّبِيّ كُتَّاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن على هذا الرسم بين يديه، وأقرهم على تلك الكتابة، ومضى عهده والقرآن على هذه الكتبة، لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل.
2. ما ورد من أن النَّبِيّ كان يوقف كُتَّابه على قواعد رسم القرآن، ويوجههم في رسم القرآن وكتابته.
أ- فعن معاوية أنه كان يكتب بين يدي النَّبِيّ، فقال له: أَلِق الدواةَ،(1) وحرِّف القلمَ، وأقِم الباء، وفرِّق السينَ، ولا تعوِّر الميم، وحسِّن (الله)، ومدّ (الرحمن)، وجوِّد (الرحيم).(2)
ب- وعن أنس أن النَّبِيّ قال: إذا كتب أحدكم (بسم الله الرحمن الرحيم)، فليمدَّ الرحمن.(3)
3. إجماع الصحابة على ما رسمه عثمان في المصاحف، وعلى منع ما سواه.
4. إجماع الأمة المعصوم من الخطأ بعد ذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين على تلقِّي ما نُقِل في المصاحف العثمانية التي أرسلها إلى الأمصار بالقبول، وعلى ترك ما سوى ذلك.(4)
فهذا إجماعٌ من الأمة على ما تضمنته هذه المصاحف، وعلى ترك ما خالفها من زيادة ونقص، وإبدال كلمةٍ بأخرى، أو حرف بآخر.
ولذلك جعل الأئمة موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً شرطًا لقبول القراءة، فقالوا: كل قراءة ساعدها خط المصحف، مع صحة النقل، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهي المعتبرة.(5)
ومِمَّن حكى إجماع الأمة على ما كتب عثمان الإمام أبو عمرو الداني، وروى بإسناده عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان ? المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعِبْ ذلك أحدٌ.(6)
وقال القاضي عياض: أجمع المسلمون على أن من نقص حرفًا قاصدًا لذلك، أو بدله بحرفٍ مكانه، أو زاد فيه حرفًا مِمَّا لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع، وأُجمع على أنه ليس من القرآن -عامدًا لكل هذا، فهو كافر.(7)
قال البيهقي: مَن كَتَب مصحفًا، فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بِها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مِمَّا كتبوه شيئًا؛ فإنَّهم كانوا أكثرَ علمًا، وأصدقَ قلبًا ولسانًا، وأعظمَ أمانةً منَّا، فلا ينبغي لنا أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم، ولا تسَـقُّطًا لَهم.(8)
وعن زيد بن ثابت قال: القراءة سنةٌ، قال سليمان بن داود الهاشمي: يعني ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع.(9)
قال البيهقي: إنما أراد -والله أعلم- أن اتباع مَن قبلنا في الحروف وفي القراءات سنةٌ متبعةٌ، ولا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمامٌ، ولا مخالفة القراءة التي هي مشهورةٌ، وإن كان غيرُ ذلك سائغًا في اللغة، أو أظهرَ منها.(10)
وقال أيضًا: وبِمعناه بلغني عن أبي عبيد في تفسير ذلك، قال: وترى القرَّاء لم يلتفتوا إلى مذاهب العربية في القراءة، إذا خالف ذلك خطَّ المصحف، وزاد: واتِّباعُ حروف المصاحف عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحدٍ أن يتعدَّاها.(11)
ونقل أحمد بن المبارك(12) عن شيخه عبد العزيز الدباغ(13) أنه قال: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرةٌ واحدةٌ، وإنما هو توقيفٌ من النَّبِيّ ، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة، بزيادة الألف ونقصانِها، لأسرارٍ لا تَهتدي إليها العقول،… وهو سرٌّ من أسراره خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية،… وكما أن نظم القرآن معجزٌ، فرسمه أيضًا معجزٌ.(14)
قال ابن درستويه: خطان لا يُقاس عليهما: خط المصحف، وخط تقطيع العروض… ووجدنا كتاب الله -جلَّ ذكره- لا يُقاس هجاؤه، ولا يُخالَف خطُّه، ولكنه يُتَلقَّى بالقبول على ما أُودع المصحفَ.(15)
والقول بعدم جواز كتابة المصحف على غير الرسم العثماني هو قول أهل المذاهب الفقهية الأربعة.
قال العلامة محمد بن العاقب الشنقيطي16)
رسمُ الكِتابِ سنَّـةٌ متَّبـعهْ كما نحَا أهلُ المناحي الأربعهْ وقد نقل الإمام الجعبري، وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتِّباع رسم المصحف العثماني.(17)
وفيما يأتي أقوال بعض فقهاء المذاهب الأربعة في هذه المسألة:
- الأحناف:
قال في المحيط البرهاني: إنه ينبغي ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني.(18)
- المالكية:
سئل مالك رحمه الله: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى.(19)
قال السخاوي: والذي ذهب إليه مالكٌ هو الحقُّ، إذ فيه بقاء الحالة الأولى، إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى، ولا شك أن هذا هو الأَحرى بعد الأُخرى، إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولية ما في الطبقة الأولى.(20)
قال أبو عمرو الداني: ولا مُخالف لِمالكٍ من علماء الأمة في ذلك.(21)
وقال أبو عمرو الداني أيضًا: سئل مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن تُغَيَّر من المصحف إذا وُجدت فيه كذلك؟ قال: لا.(22)
قال أبو عمرو: يعني الواو والألف الزائدتين في الرسم، المعدومتين في اللفظ، نحو الـواو في: } أولئك {، و} أولات {، و} الربوا {، ونحو الألف في: } لن ندعوَا { و} لأَاوْضَعُوا {.(23)
- الشافعية:
قال الشيخ سليمان الجمل: (الربا) تكتب بِهما، أي: الواو والألف معًا، فتكتب الواو أولاً في الباء، والألف بعدها، وهذه طريقة المصحف العثماني، وقوله: "وبالياء"، أي: في غير القرآن؛ لأن رسمه سنةٌ متبعة.(24)
- الحنابلة:
قال الإمام أحمد بن حنبل: يحرم مخالفة مصحف الإمام في واوٍ أو ألفٍ أو ياء، أو غير ذلك.(25)
المذهب الثاني: أن رسم المصاحف اصطلاحي لا توقيفي، وعليه فتجوز مخالفته.
ومِمَّن جنح إلى هذا الرأي وأيده ابن خلدون في مقدمته، والقاضي أبو بكر في الانتصار، وشيخ الإسلام ابن تيمية.(26)
واستدل القائلون بِهذا الرأي بأدلة منها:
1. أن الرسوم والخطوط ما هي إلا علامات وأمارات، فكل رسمٍ يدل على الكلمة، ويفيد وجه قراءتِها، فهو رسم صحيح.
2. أن كتابة المصحف على الرسم العثماني قد توقع الناس في الحيرة والخطأ، والمشقة والحرج، ولا تمكنهم من القراءة الصحيحة السليمة.
3. أنه ليس في الكتاب العزيز، ولا السنة المطهرة، ولا في إجماع الأمة، ولا في قياس شرعي - ما يدل على وجوب كتابة المصحف برسم معين، وكيفية مخصوصة، ولَم يروَ عن الرَّسُول أنه أمر أحدًا من كتاب الوحي حين كتابة الآيات القرآنية أن يكتبها برسم خاصٍّ، ولا نَهى أحدًا أن يكتبها بِهيئة معينة.
قال ابن خلدون: فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغٍ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة، ولا إلى التوسُّط، لمكان العرب من البداوة والتوحُّش، وبُعْدِهم عن الصنائع، وانظر ما وقع من أجل ذلك في رسمهم المصحف، حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة، فخالف الكثيرُ من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها، ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبرُّكًا بما رسمه أصحاب الرَّسُول ، وخير الخلق من بعده، المتلقون لوحيه من كتاب الله تعالى وكلامه، كما يُقتَفى لهذا العهد خطُّ وليٍّ أو عالمٍ تبرُّكًا، ويُتَّبع رسمه خطأً أو صوابًا، وأين نسبة ذلك من الصحابة فيما كتبوه؟ فاتُّبع ذلك، وأُثْبِت رسمًا، ونبَّه العلماء بالرسم إلى مواضعه.
قال: ولا تلتفتنَّ في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنَّهم كانوا محكمين لصناعة الخط، وأن ما يُتخيَّل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يُتخيَّل، بل لكل وجه، يقولون في زيادة الألف في } لاأذبحنَّه { إنه تنبيهٌ على أن الذبح لم يقع، وفي مثل زيادة الياء } بأييد { إنه تنبيهٌ على كمال القدرة الربانية، وأمثال ذلك مِمَّا لا أصل له إلا التحكم المحض، وما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيهًا للصحابة عن توهم النقص في قلة إجادة الخط، وحسبوا أن الخط كمالٌ فنزهوهم عن نقصه، ونسبوا إليهم الكمال بإجادته، وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه، وليس ذلك بصحيح. اهـ.(27)
وقال القاضي أبو بكر: وأما الكتابة، فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئًا، إذ لم يأخذ على كتَّاب القرآن وخطَّاط المصاحف رسمًا بعينه دون غيره، أوجبه عليهم وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يُدْرَك إلا بالسمع والتوقيف، وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية.
بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهُل، لأن رَسُول اللهِ كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجهًا معينًا، ولا نَهى أحدًا عن كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاحٌ، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال، ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك. اهـ.(28)
بل ذهب عز الدين بن عبد السلام(29) إلى تحريم الكتابة على الرسم العثماني الأول، ووجوب كتابة القرآن على الاصطلاحات المعروفة عند عامة الناس.
قال الزركشي بعد ذكر قول الإمام أحمد في تحريم مخالفة مصحف عثمان: وكان هذا في الصدر الأول، والعلم غضٌّ حيٌّ، وأما الآن، فقد يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة؛ لئلا يوقع في تغيير الجهال.(30)
قال البنا الدمياطي: وهذا كما قال بعضهم: لا ينبغي إجراؤه على إطلاقه؛ لئلا يؤدي إلى درس العلم، ولا يترك شيء قد أحكمه السلف مراعاة لجهل الجاهلين، لا سيما، وهو أحد الأركان التي عليها مدار القراءات.(31)
---------------------------------------------
(1) ألاق الدواة فلاقت: لزق المداد بصوفها. لسان العرب (ليق) (5/4115).
(2) ذكره القاضي عياضٌ في الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/357-358)، والحافظ في فتح الباري (7/575).
(3) رواه الديلمي في مسنده، انظر فردوس الأخبار (1/364) ح 1174.
(4) الكواكب الدرية ص 34.
(5) الكواكب الدرية ص 34.
(6) رواه الداني في المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار ص 18، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف، ص 19، ولفظه: ولم ينكر ذلك منهم أحدٌ.
(7) الشفا بتعريق حقوق المصطفى (2/647).
(8) الجامع لشعب الإيمان (5/600).
(9) رواه البيهقي في الجامع لشعب الإيمان (5/600)، وفي السنن الكبرى (2/385)، والحاكم في المستدرك (2/224)، وصححه ووافقه الذهبي.
(10) السنن الكبرى للبيهقي (2/385).
(11) الجامع لشعب الإيمان (5/601)، وانظر البرهان في علوم القرآن (1/380).
(12) أحمد بن المبارك السَّلْجِماسي اللَّمَطِي، فقيه مالكي، عارف بالحديث، ولد في سَلْجِماسة سنة 1090 هـ، 1679م ونشأ فيها، ثم انتقل إلى فاس، فقرأ وأقرأ، حتى صرَّح لنفسه بالاجتهاد المطلق، وتوفي بفاس سنة 1156 هـ، 1743م. الأعلام (1/201-202).
(13) عبد العزيز بن مسعود الدباغ الإدريسي الحسني، متصوفٌ من الأشراف الحسنيين، ولد بفاس سنة 1095 هـ، 1684م، كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولأتباعه مبالغة في الثناء عليه، ونقل الخوارق عنه، توفي بفاس سنة 1132 هـ، 1720م. الأعلام (4/28).
(14) أحمد بن المبارك السلجماسي في كتابه: الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز ص 101.
(15) البرهان في علوم القرآن (1/376)، نقلاً عن الكتاب لابن درستويه ص 7.
(16) انظر التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية للدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ ص 27.
(17) بحث في المصاحف العثمانية للدكتور محمود سيبويه البدوي، مجلة كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، العدد الأول ص 345، نقلاً عن خميلة أرباب المقاصد شرح عقيلة أتراب القصائد للإمام الجعبري.
(18) مناهل العرفان (1/379).
(19) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 9.
(20) مناهل العرفان (1/379).
(21) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19.
(22) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 36، والبرهان في علوم القرآن (1/379)، ومناهل العرفان (1/379).
(23) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 36، والبرهان في علوم القرآن (1/379)، ومناهل العرفان (1/379)، وقد اختلفت المصاحف في هذه الكلمة، ففي بعضها بألف بعد الهمزة، وفي بعضها بغير ألف، والعمل على إسقاط الألف. انظر دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 245.
(24) حاشية الجمل على شرح المنهج، للشيخ سليمان الجمل (3/44).
(25) البرهان في علوم القرآن (1/379)، و الإتقان (4/146).
(26) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 129، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/420-421).
(27) مقدمة ابن خلدون (مقدمة تاريخ بن خلدون) ص 419.
(28) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 129، وانظر: الإبريز ص 99-101، ومناهل العرفان (1/380-381).
(29) هو الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، برع في الفقه والأصول والعربية والتفسير والحديث، رحـل إليه الطلبة من سـائر البلدان، هذا مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. توفي سنة 660?. شذرات الذهب (3/301).
(30) البرهان في علوم القرآن (1/379)، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 9.
(31) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 9-10.
-------------------------------------------------------
تابع : حكم اتباع الرسم العثماني
الرأي الراجح
والرأي الذي تطمئن إليه النفس هو رأي الجمهور الذين ذهبوا إلى أن خط المصاحف توقيف، ولا تجوز مخالفته.
ويترجح هذا الرأي بإجماع الصحابة ومن بعدهم على كتابة المصاحف على هذه الهيئة المعلومة، وعلى رفض ما سواها، فلا يُعتبَر بعد إجماع أهل القرون الأولى خلاف من خالف بعد ذلك، ولا يجوز خرق إجماعهم؛ لأن الإجماع لا يُنْسَخُ.
ويؤيد ذلك أن الرسم الإملائي اصطلاح، والاصطلاح قد يتغير مع تغير الزمان، كما أن قواعد الإملاء تختلف فيها وجهات النظر، فيؤدي ذلك إلى التحريف والتبديل في كلام الله .
فلو أن أهل كل زمانٍ اصطلحوا في كتابة المصاحف على اصطلاح يناسب ما يألفونه من قواعد الإملاء، ثم أتى جيلٌ بعدهم فاصطلح على اصطلاح آخر يناسب ما استجدَّ من القواعد، وانقطعت صلة الأجيال المتتابعة بالمصاحف التي كتبها الصحابة، لو حدث ذلك لوصلنا خلال عقود قليلة إلى نصٍّ مشوَّهٍ من القرآن، وحينئذ لن يستطيع الناس تَمييز القراءة الصحيحة من غيرها، ويؤدي ذلك إلى تحريف كتاب الله، ويحصل الشكُّ في جميعه.
فهذا الرسم العثماني هو أقوى ضمان لصيانة القرآن من التغيير والتبديل.(1)
ومِمَّا يؤيد كون خط المصاحف توقيف: أن الصحابة كتبوا الكلمة الواحدة في بعض المواضع بِهيئة، وفي مواضع أخرى بهيئة أخرى، ولا يظن بعاقلٍ -فضلاً عن الصحابة العلماء النبلاء- أن يسمع الكلمة الواحدة فيكتبها مرة بهيئة ومرة بأخرى إلا أن يكون لذلك علة، ولا علةَ هنا إلا التوقيف.
فقد رسم الصحابة (سعوا) في سورة الحج بزيادة الألف، ولم يزيدوا الألف من نفس اللفظ في سورة سبأ، فرسموها هكذا: (سعو).
وكذلك فعلوا في (عتَوْا) حيث كان فقد رسموه بزيادة الألف، ما عدا موضع الفرقان، فرسموه (عتو) هكذا دون ألف.
وزادوا الألف بعد الواو في قوله ?: (يعفوا الذي) في سورة البقرة، ولم يزيدوها في قوله تعالى: (يعفو عنهم) في سورة النساء.
وكذلك حذفوا بعض أحرف من كلمات متشابِهة دون بعضٍ، كحذف الألف من (قرء نا) بيوسف والزخرف، وإثباتِها في سائر المواضع.
وحذفوا الألف من (سموت) و(السموت) حيث وقع في القرآن، وأثبتوا الألف التي بعد واو (سموات) في فصلت فقط.
وأثبتوا الألف من (الميعاد) مطلقًا، وحذفوها من الموضع الذي في الأنفال.
وأثبتوا الألف في (سراجًا) حيثما وقع، وحذفوه من موضع الفرقان.
وزادوا الألف بعد واو الجماعة في الأفعال حيث وقع في القرآن كقوله: (آمنوا)، واستثنوا من ذلك: (باءو)، (جاءو)، (تبوءو)، (فاءو).
وزادوا الألف في (مائة) دون (فئة)، وزادوا الواو في (سأوريكم) في سورتي الأعراف والأنبياء، وزادوا الياء في (بأييدٍ)، و(بأييكم)، ولا فرق بين هذه الكلمات وغيرها مِمَّا لم يزيدوا فيه الألف أو الواو أو الياء.
فادعاء أن الصحابة اصطلحوا على هذا الرسم اتِّهامٌ لَهم بِمخالفة النَّبِيّ ، ووصمٌ بالجهل والتفريق بين المتماثلات، وهذا مِمَّا لا يظن بآحاد العقلاء -فضلاً عن صحابة خاتم الأنبياء .
قال الدباغ: وأما قول من قال: إن الصحابة اصطلحوا على أمر الرسم المذكور، فلا يخفى ما فيه من البطلان؛ لأن القرآن كُتِب في زمان النَّبِيّ ، وبين يديه، وحينئذ فلا يخلو ما اصطلح عليه الصحابة، إما أن يكون هو عين الهيئة التي كُتِبَت بين يدي النَّبِيّ أو غيرها، فإن كانت عينها بطل الاصطلاح؛ لأن أسبقية النَّبِيّ تنافي ذلك، وتوجب الاتباع.
وإن كان غير ذلك، فكيف يكون النَّبِيّ كتب على هيئة، كهيئة الرسم القياسي مثلاً، والصحابة خالفوا وكتبوا على هيئة أخرى . فلا يصحُّ ذلك لوجهين:
أحدهما: نسبة الصحابة إلى المخالفة، وذلك مُحالٌ.
ثانيهما: أن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف في القرآن، ولا نقصان حرفٍ منه، وما بين الدفتين كلام الله ، فإذا كان النَّبِيّ أثبت ألف (الرحمن) و(العالمين) مثلاً، ولم يزد الألف في (مائة)، ولا في (لأاوضعوا)، ولا الياء في (بأييدٍ) ونحو ذلك، والصحابة عاكسوه في ذلك وخالفوه، لزم أنهم -وحاشاهم من ذلك- تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقصان، ووقعوا فيما أجمعوا هم وغيرهم على ما لا يحلُّ لأحدٍ فعلهُ، ولزم تطرُّق الشكِّ إلى جميع ما بين الدفتين؛ لأنا مهما جوزنا أن تكون فيه حروف ناقصة أو زائدة على ما في علم النَّبِيّ ، وعلى ما عنده، وأنها ليست بوحيٍ، ولا من عند الله، ولا نعلمها بعينها -شككنا في الجميع.
ولئن جوزنا لصحابيٍ أن يزيد في كتابته حرفًا ليس بوحيٍ، لزمنا أن نجوز لصحابي آخر نقصان حرف من الوحي؛ إذ لا فرق بينهما، وحينئذٍ تنحل عروة الإسلام بالكلية.(2)
وأما دعوى ابن خلدون -رحمه الله- أن الصحابة لم يكونوا يحكمون الخط، فمبنيٌّ على آثار غير ثابتة أن أهل مكة إنَّما تعلموا الخط من أهل الحيرة، وأن ذلك كان قبيل بعثة النَّبِيّ ، ولا يثبت ذلك من حيث السند.(3)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخط توقيفيٌّ،(4) وعليه فلم يكن العرب حديثي عهدٍ بالخط زمن بعثة النَّبِيّ ، وبِهذا يتبين عدم ثبوت ما ادعاه العلامة ابن خلدون.
قال ابن فارس: الذي نقوله فيه: إن الخطَّ توقيفٌ، وذلك لظاهر قوله } اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ! الَّذِي علَّم بالقَلَمِ ! علَّم الإنسانَ ما لَم يعلم {،(5) وقال -جلَّ ثناؤه: } ن والقلم وما يسطرون {،(6) وإذا كان كذا، فليس ببعيدٍ أن يوقف آدم ، أو غيره من الأنبياء -عليهم السلام- على الكتاب.(7)
وذهب بعضٌ آخر إلى أن الكتاب العربي وضع زمن إسماعيل ، فقد أخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق عكرمة عن ابن عباس، قال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل.(8)
كما أن دعواه اضطرابَ الصحابة في كتابة المصاحف، ومخالفتهم ما اقتضته صناعة الخط بغير مسوغٍ، فهي اتِّهام لهم بالبلادة وعدم الفهم، كما أسلفنا.
ودعواه -رحمه الله- أن السلف من التابعين ومن بعدهم إنَّما اقتفوا أثر الصحابة في كتابة المصاحف لِمجرد التبرك اتِّهامٌ للأمة جميعها بالتقليد الأعمى، وعدم النظر لِما يصلح دينها.
ومن الواضح البيِّن عدم إصابته -رحمه الله- في ادعاء أن عدم إجادة الخط ليس نقصًا، كيف ذلك، والعقلاء متفقون على أن الأمية نقصٌ يتنَزه عنه عوام الناس، فضلاً عن علمائهم.
وإنَّما لم تكن الأمية نقصًا في حق نبينا لِما أنَّها كانت آية صدقه، إذ مع كونه أميًّا، كان قد حاز من العلوم ما لم يصل إليه غيره من البشر، فكان النقص في حق غيره علامة كمالٍ في حقه ،ـ(9) وتبقى الأمية في حق بقية البشر نقصًا يتنَزه عنه عقلاؤهم.
قال العلامة المارغني معرِّضًا بابن خلدون في رأيه هذا: وقد بلغ التهوُّر ببعض المؤرخين إلى أن قال في مرسوم الصحابة ما لا يليق بعظيم علمهم الراسخ، وشريف مقامهم الباذخ، فإياك أن تغترَّ به.(10)
وأما كلام القاضي الباقلاني فيناقش أيضًا بأن أدلة الجمهور القائلين بوجوب اتباع الرسم العثماني بعضها من السنة، وبعضها من إجماع الصحابة، وهذا يردُّ دعواه عدمَ الدليل على وجوب اتباع رسم المصاحف العثمانية.
وأما قوله: "ولذلك اختلفت خطوط المصاحف … الخ" فغير مسلَّمٍ، لأن الإجماع قد انعقد، وعلم الناس الرسم التوقيفي، كما أن ما ذكره من صور اختلاف الخطوط لا يعدو التغير في صورة الحرف، لا في رسم نفس الكلمة بزيادة حرف، أو نقصان حرف.
ومِمَّا يؤيد الرأي القائل بالتوقيف العلاقة الواضحة بين هذا الرسم العثماني، وبين القراءات القرآنية المتواترة، يدرك هذا من كان له أدنى معرفة بعلم القراءات، إذ يلاحظ بوضوح أن الصحابة عندما خالفوا القياس في الخط، إنَّما كان ذلك لِمقاصد تتعلق بِما ثبتت روايته عن النَّبِيّ من أوجه القراءة في العرضة الأخيرة، فكتبوا في الفاتحة: } ملك يوم الدين {،(11) دون ألف في (ملك) لتحتمل الوجهين من القراءة بالألف (مالِكِ)، وبدونِها (مَلِكِ).
ومن أمثلة ذلك أيضًا كتابتهم قوله تعالى: } إِنْ هَذَانِ لَسَحِرَانِ {،(12) دون الألفات، ودون النقط والشكل هكذا (ان هـدن لسحرن) فاحتملت جميع أوجه القراءة فيها:
1. فقد قرأ أبو عمرو: } إِنَّ هَـذَينِ لَسَحِرَانِ { بتشديد نون (إن)، وبالياء في (هذين)، وتخفيف النون فيها.
2. وقرأ ابن كثير: } إِنْ هـذَانِّ لَسَحِرَانِ { بتخفيف نون (إنْ)، وبالألف في (هذان)، وتشديد النون منها.
3. وقرأ حفصٌ: } إِنْ هَـذَانِ لَسَحِرَانِ { بتخفيف نون (إنْ)، وبالألف في (هذان)، وتخفيف النون منها.
4. وقرأ بقية القراء العشرة } إِنَّ هَـذَانِ لَسَحِرَانِ { بتشديد نون (إنَّ)، وبالألف في (هذان)، وتخفيف النون منها.(13)
فهل يُعَدُّ مثل هذا الرسم مُخالفًا لقياس أهل صناعة الخط؟!
وكذلك كتابتهم تاء التأنيث بالتاء المفتوحة في بعض المواضع نحو (امرأت)، و(رحمت)، و(نعمت)، فيقف عليها جمهور القراء بالتاء، ولو كتبت بالهاء المربوطة، لَتَغَيَّرَ حكمُ الوقف عليها.(14)
قال السيوطي: أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف إبدالاً وإثباتًا وحذفًا، ووصلاً وقطعًا، إلا أنه ورد عنهم اختلافٌ في أشياء بأعيانِها، كالوقف بالهاء على ما كتب بالتاء، وبإلحاق الهاء فيما تقدم وغيره، وبإثبات الياء في مواضع لم تُرسَم بِها … ثم قال: ومن القراء من يتبع الرسم في الجميع.(15)
قال الزركشي: ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم ذلك - كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء، والهمز والمد والقصر، فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا، نحو: } الْخَبْءَ { و} دِفْءٌ {، فصار ذلك كله حجةً.(16)
كما أنه قد يُعترَض على القول بالتوقيف باعتراضين:
أحدهما: كيف كان للنَّبِيّ أن يوقف الصحابة على ما يكتب في المصاحف مع كونه أميًّا؟
ويجاب عن ذلك بأن الأمية لم تكن عيبًا فيه ، وقد كان من الذكاء والفطنة بحيث يستطيع أن يوجههم إلى مثل ذلك.
فقد كان النَّبِيّ مع أميته يعرف أسماء الحروف، وهذا مِمَّا يَجهله الأمي.
فعن عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ.(17)
على أنه قد صح الخبر بِما يدل دلالة قوية على أنه قد علم الخط والكتاب بعدما بُعِثَ.
فَعَنِ الْبَرَاءِ في خبر صلح الحديبية قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ… الحديث.(18)
قال القاضي عياض: وقوله في الرواية التي ذكرناها: "ولا يحسن أن يكتب، فكتب" كالنصِّ أنه كتب بنفسه، قال: والعدول إلى غيره مجازٌ، ولا ضرورةَ إليه.(19)
فلا يَبْعُدُ مع هذا أن يكون من النَّبِيّ التوقيف على ما يُكتب من الحروف وما لا يكتب عند كتابة القرآن بين يديه .
وأما الاعتراض الثاني، فهو: أن يقال: إن كان الرسم توقيفيًّا بوحيٍ إلى النَّبِيّ ، فَلِمَ لم يُنقل تواترًا كما نقلت ألفاظ القرآن، حتى ترتفع عنه الريبة، وتطمئن به القلوب؟
والجواب عن هذا أن رسم المصاحف قد نقل ألفاظًا ورسمًا على الوجه الذي تقوم به الحجة، يدرك ذلك أهل العلم، الذين حفظوا ألفاظه ورسمه، ولم يضيعوا منها شيئًا.
ولا يقدح في ذلك اختلاف علماء الرسم بعض الحروف، إذ إن عثمان قد كتب عددًا من المصاحف، وقد كان بينها بعض الاختلاف لتحتمل ما ثبت من أوجه القراءة، ولا يَضُرُّ جهل مَن جهل دقة هذا النقل، كما لا يَضُرُّ جهل العوامِّ بالقرآن وعدم حفظهم لألفاظه.(20)
وفي ختام هذه المسألة أنوِّه على أنه ليس هناك صعوبة تذكر على قارئ القرآن الكريم، بعد ما أضيف إلى صورة الرسم من رموز النقط والشكل، التي أوضحت مشكله، وأعانت على سلامة النطق به.
وقد مرت القرون على المسلمين، وهم يكتبون المصاحف على ما رسم الصحابة ، ولم يؤدِّ ذلك إلى خطأ في تلاوة القرآن، أو وقوع تحريف، فلله الحمد والمنَّة.
---------------------------------------
(1) انظر مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 149.
(2) الإبريز لأحمد بن المبارك السلجماسي ص 101-103.
(3) انظر الآثار الواردة في ذلك في كتاب المصاحف لابن أبي داود باب خطوط المصاحف ص 9-10.
(4) المقصود بِهذا القول جميع الخطوط، أي خطوط المصاحف وغيرها مِمَّا يكتبه البشر.
(5) سورة العلق، الآيات 3-5.
(6) سورة القلم آية 1.
(7) الصاحبي في فقه اللغة، لابن فارس ص 39.
(8) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/145).
(9) انظر تفسير أبي السعود (3/279).
(10) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 42.
(11) سورة الفاتحة الآية 4.
(12) سورة طه من الآية 63.
(13) انظر النشر في القراءات العشر (2/320-321).
(14) انظر التقرير العلمي عن مصحف المدينة النبوية ص 27-29.
(15) الإتقان في علوم القرآن (1/250-251).
(16) البرهان في علوم القرآن (1/378).
(17) رواه الترمذي في جامعه، كتاب فضائل القرآن بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ مَالَهُ مِنَ الأَجْرِ (5/175) ح 2910.
(18) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي بَاب عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، صحيح البخاري مع فتح الباري (7/570-571) ح 4251.
(19) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (12/138).