الملحد ودعواه نسبية الأخلاق

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د/ربيع أحمد مسلم سلفي العقيدة اكتشف المزيد حول د/ربيع أحمد
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د/ربيع أحمد
    4- عضو فعال

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 28 أكت, 2008
    • 551
    • طبيب و طالب علم
    • مسلم سلفي العقيدة

    الملحد ودعواه نسبية الأخلاق

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    وفي هذا المقال سنتناول بإذن الله دعوى يرددها الكثير من الملاحدة واللادينين ألا وهي نسبية الأخلاق و حسب كلامهم أن الأخلاق أمور اعتبارية نسبية لا ثبات لها فهي تختلف من شعب إلى شعب، ومن أمة إلى أمة، ومن زمان إلى زمان... فبعض الأمور تعتبر منافية لمكارم الأخلاق عند شعب من الشعوب أو أمة من الأمم في حين أنها غير منافية لمكارم الأخلاق عند شعب آخر أو أمة أخرى، وبعض الأمور كانت في زمان مضى أموراً منافية لمكارم الأخلاق، ثم صارت بعد ذلك أموراً غير منافية لها؛ وهذا يدل على أن الأخلاق مفاهيم اعتبارية تتواضع عليها الأمم والشعوب، وليس لها ثبات في حقيقتها، وليس لمقاييسها ثبات.

    و يقول بعض الملاحدة واللادينين : من المستحيل أن تعمم على جميع البشر .. نعم قد يتفق مجموعة من الأشخاص على مفاهيم أخلاقية معينة ولكن هذا لا يعني أن التعميم في الأخلاق مستساغ من قبل جميع الناس ؛ لأنه بكل بساطة عادات الناس وطبائعهم مختلفة بعضها عن بعض... فماذا نقول عن بعض المجتمعات التي من عادتها في استقبال الضيوف جلوس الضيف على حضن المستضيف كنوع من التكريم أو التعبير عن المحبة ونجد أن هناك عادات غربية قد يستهجنها الشرقيين وهذا أمر طبيعي ونستطيع أن نطلق إذا صفة النسبية على الأخلاق.

    ويقول بعضهم : كل الأخلاق أخلاق نسبية قد تكون صحيحة هنا و خطأ هناك .

    و يقول بعضهم : الأخلاق مبنية على المنفعة ،ومنفعة الإنسان هي بالطبع السعادة أو البعد عن الألم علي أقل تقدير. و لهذه السعادة متطلبات تختلف من مجتمع لأخر بناءا علي اختلاف الاحتياجات و الخبرات و الثقافات و بالتالي تصبح الأخلاق علي إطلاقها نسبية و لكن بدور في غاية الأهمية ؛ لأنها تضع القوانين التي يستطيع أفراد المجتمع أن يحققوا بها سعادتهم من خلال البناء الاجتماعي و بدون القلق من تعرض أمانهم للاعتداء من الآخرين ... و من هنا تتطور الأخلاق, فكل ما يهدم هذا البناء الاجتماعي و يجعل الفرد في حالة انعدام للأمان هو لا أخلاقي ؛ لأنه يعود بالإنسان ( و لو في لحظة) لحالة العشوائية و قانون الغاب الذي هجره الإنسان ليصل إلي ما هو أفضل منذ أزمان بعيدة .
    ويقول بعضهم: لما كان لكل ثقافة معاييرها الخاصة بها فإن المرغوب فيه يختلف تبعا لذلك من ثقافة إلى ثقافة، ومن ثم تختلف القيم من ثقافة إلى ثقافة .

    ويقول بعضهم: المبادئ الأخلاقية نسبية ومتغيرة ومتطورة؛ لأنها ترتبط بعجلة التطور الاجتماعي، وتخضع لتأثير العوامل الاقتصادية والدينية والثقافية والتاريخية، وهذه كلها متطورة ومتغيرة من عصر إلى عصر، وعليه تتطور الأخلاق بتطور هذه المؤثرات.

    ويقول بعضهم: إن الخير والشر والمرغوب فيه أو غير مرغوب فيه هو ما تقرر الثقافة (والثقافة وحدها هي الحكم) أنه كذلك، فالحرب، والأخذ بالثأر، وقتل أسرى الحرب، واحتكار الأقلية لأرض، والديكتاتورية، كل هذه أمور تكون مرغوبا فيها وذات قيمة إذا قررت الثقافة ذلك، فالقيم إذن نسبية إلى طبيعة الإنسان، كما تتضح هذه الطبيعة في فعله وتفاعله الاجتماعي والثقافي .

    وقبل الرد على هذه الدعاوي لابد من بيان مفهوم الأخلاق ،ومفهوم النسبية الأخلاقية .




    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي
  • د/ربيع أحمد
    4- عضو فعال

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 28 أكت, 2008
    • 551
    • طبيب و طالب علم
    • مسلم سلفي العقيدة

    #2
    رد: الملحد ودعواه نسبية الأخلاق

    مفهوم الأخلاق

    الأخلاق مفرد كلمة خلق ،و الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه .

    والذي يفصلُ الأخلاق وُيميِّزُهَا عن غيرها هي الآثار القَابلة للمدح أو الذَّم، وبذلك يتميز الخُلُق الحسن عن الغريزة فالأكل مثلا غريزة، والإنسان عند الجوع يأكلُ بدافع الغريزة وليس مما يمدح به أو يذم. لكن لو أنَّ إنسانَا أكلَ زائدًا عن حاجته الغريزية، صارَ فعله مذمومًا، لأنه أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الطمع، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود، وهو القناعة. كذلك فإن مسألة حبّ البقاء ليست محلًا للمدح أو الذم في باب السلوك الأخلاقي، لكن الخوف الزائد عن حاجات هذه الغريزة أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الجبن، أما الإقدامُ الذي لا يصلُ إلى حد التهور، فهو أثر لخلق في النفس محمود، وهو الشجاعة .

    وهكذا سائرُ الغرائزِ والدوافع النفسية التي لا تدخلُ في باب الأخلاق، إنَّما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورًا طبيعية ليست مما تُحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم .


    و الخُلُق منه ما هو طبيعي أي فطري يولد الإنسان مجبولا عليه كالحلم والتؤدة والحياء ، ومنه ما هو مكتسب ينشأ من التعود والتدرب والبيئة كالشجاعة والكرم .























    مفهوم نسبية الأخلاق

    نسبية الأخلاق تعني أن الأخلاق تتغير بتغير الزمان والمكان و الثقافة و الأشخاص والمجتمع فلا توجد أخلاق مطلقة، وعليه ليس هناك صواب وخطأ أخلاقي فقد يكون السلوك الأخلاقي محرماً عند شخص ولكنه محلل ‏عند شخص آخر ، وقد يكون السلوك محمودا عند شخص ولكنه مذموم عند شخص آخر ،وقد يكون الفعل من قبيل الرحمة عند شخص ،وعند شخص آخر من قبيل القسوة ،وقد يكون السلوك محمودا في مجتمع ولكنه مذموم في مجتمع آخر .











    مخالفة القول بنسبية الأخلاق للواقع

    إن القول بنسبية الأخلاق يخالف الواقع إذ توجد مجموعة من الأخلاق تفرض نفسها على الجميع فرضا فيوجد سلوكيات مستهجنة عند جميع المجتمعات كالسرقة و الكذب و الغدر و الخيانة و البخل ويوجد سلوكيات مستحسنة عند جميع المجتمعات كالصدق و العدل والأمانة و الوفاء والكرم .

    ومن المستحيل أن يكون الصدق فضيلة عند مجتمع معين و يكون رذيلة عند مجتمع آخر ،ومن المستحيل أن يكون العدل فضيلة عند مجتمع معين و يكون رذيلة عند مجتمع آخر ،ومن المستحيل أن يكون الوفاء فضيلة عند مجتمع معين و يكون رذيلة عند مجتمع آخر ،ومن المستحيل أن يكون الصدق فضيلة في زمن معين و يكون رذيلة في زمن آخر.








    مع القول بنسبية الأخلاق لا يمكن التمييز بين الخير والشر
    مع القول بنسبية الأخلاق لا يمكن التمييز بين الخير والشر فليس لدينا مقياس نفرق به بين الخير والشر ،و ليس لدينا معيار نحكم به أن هذا الخلق خير و هذا الخلق شر ،و ليس لدينا قيم أخلاقية ثابتة مطلقة يمكن أن نحتكم إليها ،و تجعل بوسعنا الحكم والتمييز بين ما هو خير من الخلق و ما هو شر ، و إذا كان مع القول بنسبية الأخلاق لا يمكن التمييز بين الخير والشر ،وهذا أمر باطل فالقول بنسبية الأخلاق قول باطل ؛ لأن ما يلزم منه اللازم الباطل فهو باطل لا اعتبار له .

    و نحن في الكثير من الأحيان نستطيع التّمييز بسهولة بين ما هو خير وما هو شرّ، و إن كان في أحيان أخرى لمؤثرات معينة قد يلتبس علينا الأمر فنظن أن الشيء فيه خيرًا وهو شر، أو نظن أن الشيء فيه شرا وهو خير ،و تمييزنا في كثير من الأحيان بين ما هو خير وما هو شر يدل أن لدينا معايير نحكم بها على أن هذا الخلق خير و هذا الخلق شر ،وهذا يناقض القول بنسبية الأخلاق .

    و من مساوئ القول بالنسبية الأخلاقية أنها تساوي بين قتل عشرات الناس و بين إطعام عشرات الناس فعلى النسبية الأخلاقية قتل عشرات الناس لا خير فيه و لا شر ، وإطعام عشرات الناس لا خير فيه و لا شر .

    و من مساوئ القول بالنسبية الأخلاقية أنها تساوي بين اغتصاب فتاة و بين إنقاذ فتاة من خطر معين فعلى النسبية الأخلاقية اغتصاب فتاة لا خير فيه و لا شر ، وإنقاذ فتاة من خطر معين لا خير فيه و لا شر .
    مع القول بنسبية الأخلاق تلغى الأخلاق

    مع القول بنسبية الأخلاق تلغى الأخلاق فما هو حسن عند شخص يكون قبيحا عند آخر ، و ما هو مستحسن في مجتمع يكون مستقبحا في مجتمع آخر ،وما هو خلق رفيع في زمان يكون خلقا وضيعا في زمان آخر وبالتالي تختفي مع النسبية أي معايير أخلاقية ؛ لأن المبدأ ‏الذي تستند إليه الأخلاق وتحتكم إليه مفقود ،وعليه فالدعوة إلى النسبية الأخلاقية دعوة إلى التحرر من القيم الأخلاقية ودعوة إلى إلغاء القيم الأخلاقية .

    وكيف نحكم على سلوك أنه موافق للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟

    وكيف نحكم على سلوك أنه مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟

    وكيف نحكم أن القتل مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الغدر مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الظلم مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الغش مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟ وكيف نحكم أن الاغتصاب مخالف للأخلاق إذ لم يكن لدينا أخلاق مطلقة نحتكم إليها ؟

    القول بنسبية الأخلاق يهدم المسئولية الأخلاقية

    لو كانت الأخلاق نسبية فستفقد قوتها الإلزامية إذ لا معنى للخير و الشر ،ولا معنى للثواب والعقاب ولا معنى للمدح و الذم في وجود النسبية الأخلاقية ، وكيف يلتزم الإنسان بقيم خلقية يؤمن بأنها متغيرة و نسبية ؟ وكيف يشين المجتمع سلوكا معينا لشخص إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف يشيد المجتمع بسلوك معين لشخص إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وعليه فالقول بنسبية الأخلاق يفقد الأخلاق قوتها الإلزامية وبالتالي يهدم و ينكر مسئولية الفرد الأخلاقية ،و إنكار مسئولية الفرد الأخلاقية مخالف للواقع .

    وكيف للناس تجريم القتل إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تجريم الاغتصاب إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تجريم الغش إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟

    وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص الأمين إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص الشجاع إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص المصلح إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص المخلص إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟ وكيف للناس تكريم أو مدح الشخص الشهم إذ لم يكن لديهم أخلاق مطلقة يحتكمون إليها ؟

    ولو كانت الأخلاق نسبية لما جرم القاتل إذ له أن يحتج بأنه تصرف وفق رأيه الشخصي ومعاييره الخاصة التي يراها صحيحة ، ولو كانت الأخلاق نسبية لما جرم المغتصب إذ له أن يحتج بأنه تصرف وفق رأيه الشخصي ومعاييره الخاصة التي يراها صحيحة ، ولو كانت الأخلاق نسبية لما وجد الكثير من الناس حرجا في التحلي برذائل الأخلاق ،و من هنا ندرك أن الدعوة إلى نسبية الأخلاق دعوة إلى الانحراف الأخلاقي ،ودعوة إلى اقتراف الجرائم و الأخلاق المشينة إذ مع نسبية الأخلاق لا معنى للعقاب و لا معنى للذم و لا معنى للتجريم .








    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

    تعليق

    • د/ربيع أحمد
      4- عضو فعال

      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 28 أكت, 2008
      • 551
      • طبيب و طالب علم
      • مسلم سلفي العقيدة

      #3
      رد: الملحد ودعواه نسبية الأخلاق












      الناس أنفسهم يعملون بخلاف القول بنسبية الأخلاق

      الناس أنفسهم يعملون بخلاف القول بنسبية الأخلاق فتجد الواحد من الناس يحكم على بعض السلوكيات أنها منافية للأخلاق مثل زنا المحارم و السباب و الفساد في الأرض مما يدل على وجود قيم أخلاقية مطلقة ،ومن خلال مطلقيتها حكم الشخص على بعض السلوكيات أنها منافية للأخلاق .

      والواحد من الناس يحكم على بعض سلوكيات الأفراد أنها حميدة مثل الشجاعة والشهامة والكرم مما يدل على وجود قيم أخلاقية مطلقة ،ومن خلال مطلقيتها حكم الشخص على بعض السلوكيات أنها حميدة .

      وهناك سلوكيات كالبخل و الجشع و السباب يذمها جميع الناس إلا النذر اليسير مما يدل على وجود قيم أخلاقية مطلقة ،ومن خلال مطلقيتها حكم الشخص على بعض السلوكيات أنها مذمومة .

      و الناس تمدح الشخص ذي الأخلاق الحسنة وتذم الشخص ذي الأخلاق السيئة ،ولو كانت الأخلاق نسبية لما كان للمدح أو الذم معنى .

      وأي دولة من الدول تجرم بعض السلوكيات من الأفراد ،وتعاقب على فعل بعض السلوكيات و أي مجتمع من المجتمعات يجرم بعض السلوكيات من الأفراد ، ويعاقب على فعل بعض السلوكيات مثل الخيانة والاعتداء والفساد ولو كانت الأخلاق نسبية لما كان للتجريم أو العقاب معنى .
      بعض ملامح المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق

      المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا يأمنُ الناسُ فيه على أنفسهِم ولا أموالهِم ولا أعراضهِم، وكفى بذلك سبباً في عدمِ الأمنِ والاستقرارِ، وانتشارِ الخوف، واضطراب حياةِ الناس إذ كل شخص يفعل ما يريد وفق رأيه الشخصي ومعاييره الخاصة التي يراها صحيحة .

      المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا سعادة فيه ولا أمن ولا استقرار إذ كيف تتأتى السعادة وكيف يأتي الأمن والاستقرار إذا لم يكن هناك أخلاق حميدة يمارسها الفرد ويتوقعها من الآخرين حوله ؟!!.

      المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا يشجع على فضيلة ،ولا يُبَغِض في رذيلة فيقل فيه فعل الفضائل و يكثر فيه فعل الرذائل .

      المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع لا قيمة فيه للعفة و الطهر فيكثر فيه الزنا وإتيان الفواحش .

      المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع يصبح الإنسان فيه كالحيوان فكما أن سلوكيات الحيوان لا تمدح و لا تذم فكذلك إنسان المجتمع النسبي الأخلاق سلوكياته لا تمدح و لا تذم .

      المجتمع الذي يسود فيه اعتقاد نسبية الأخلاق مجتمع ضعيف مفكك لكثرة النزاع والصراع فيه و لا وجود لقيم ثابتة يحتكم إليها الناس فتفض النزاع .















      القائل بنسبية الأخلاق يناقض نفسه

      نجد الكثير من القائلين بنسبية الأخلاق يناقضون أنفسهم فمنهم من يستقبح الظلم و يستحسن العدل و يحب الخير و يكره الشر ،وهذا يخالف مذهبه بنسبية الأخلاق إذ استقباح الظلم و استحسان العدل وحب الخير وكراهة الشر دليل على وجود أخلاق مطلقة .

      ومنهم – إن لم نقل كلهم - من يقابل الظلم في حقه بالانتقام فلما يقابل الظلم في حقه بالانتقام ،والظلم عنده نسبي فما يراه ظلما قد يراه غيره عدلا ؟!!

      ومنهم– إن لم نقل كلهم - من يعاقب ابنه على فعل سلوك غير أخلاقي كالكذب ،ويمدح ابنه على فعل سلوك أخلاقي كالصدق فلما يعاقب ابنه على الكذب و يمدح ابنه على الصدق ولا معنى للعقاب ولا معنى للمدح في إطار نسبية الأخلاق .






      المغالطات التي لجأ إليها الملاحدة و غيرهم من المضللين لتسويغ القول بنسبية الأخلاق

      بعد أن بينا أن القول بنسبية الأخلاق قول باطل يخالف الواقع ،ويستلزم لوازم باطلة ويعمل الناس بخلافه حتى من يعتقد به قد لا يعمل به حري بنا أن نبين المغالطات التي لجأ إليها الملاحدة وغيرهم إلى تسويغ القول بنسبية الأخلاق من كلام الشيخ عبد الرحمن الميداني – رحمه الله – فقد بين و أجاد و أفاد ،وذكر أن المغالطات التي لجأ إليها الملاحدة وغيرهم إلى تسويغ القول بنسبية الأخلاق كالتالي:
      مدُّ عُنوان الأخلاق مداً يشمل التقاليد والعادات والآداب، وبعض الأحكام الدينية التي لا علاقة لها بموضوع الأخلاق من حيث ذاتها.
      مفاهيم بعض الناس للأخلاق ولأسسها، مع أنها مفاهيم غير صحيحة.
      اضطراب الفكر الفلسفي في تحديد المبادئ التي يرجع إليها الأخلاق، كالقوة، والمنفعة، واللذة، وغيرها.

      ومن التعميم الفاسد الذي يطلقونه ويقررونه، ومن مفاهيم بعض الناس غير الصحيحة للأخلاق، ومن اضطراب الفكر الفلسفي في تحديده للمبادئ التي ترجع إليها الأخلاق، يجد المضلون أمامهم مجالاً مُهَيّأً لاستغلال أمثلة تدخل في هذه الأُطر العامة الموسّعة بالباطل، وهذه الأمثلة تخضع للتغيّر والتبدّل، ولا تظهر فيها قِيمٌ خلقية ثابتة، لأنها في الحقيقة ليست من الأخلاق، وإنما دُسَّت في الأخلاق تزييفاً لنقض الأخلاق بها.
      و اللعبة تتم على الوجه التالي: هذه أمثلة من مفردات الأخلاق التي يؤمن بها الأخلاقيون.
      هذه الأمثلة تخضع للتغيّر والتبدّل، فليس لها قيم ثابتة.
      إذن فالأخلاق كلها أمور ذات مفاهيم متغيرة متبدلة.
      إذن فالأخلاق كلها ليس لها قيم ثابتة.
      إذن فالأخلاق أمور اعتبارية، أو نسبية.
      وبلعبة المغالطة هذه يسهل على مدمري الأخلاق في المجتمعات الإنسانية، إفساد الأجيال، حتى تتمرد على جميع الضوابط الخلقية، التي تُمثّل في الأمم قوى مترابطة وتماسكها، وعناصر الدفع لارتقائها الإنساني، وشروط المحافظة على أمجادها الموروثة والمتجددة بأعمالها.


      شرح وتحليل :

      منشأ المشكلة يرجع إلى الخطأ في تحديد مفهوم الأخلاق، وتحديد دوافعها وغاياتها، وتحديد مستوياتها، من قِبَل كثير من الناس، وفيهم كثير من الباحثين في علم الأخلاق، من فلاسفة ومفكرين.
      وهذا هو الذي يفتح الثغرة الفكرية التي يعبُر منها الخبثاء الماكرون، ليهدموا الأبنية الأخلاقية الحصينة التي تتمتع بها الشعوب العريقة بأمجادها، لا سيما المسلمون الذين سبق أن رفعتهم الأخلاق العظيمة إلى قمة مجد لم يطاولهم فيها أحد.

      وحين يتبصر الباحث بالأسس الأخلاقية، التي تم فيها تحديد مستوياتها، وفق المفاهيم المقتبسة من التعاليم الإسلامية، يتبين له بوضوح تساقط أقوال الذين يزعمون أن الأخلاق اعتبارية أو نسبية، وأنها من الأمور التي تتواضع عليها الأمم، وأنها ليست ذات قيم حقيقية، أو حقائق ثابتة .


      فالباحث المتحري للحقيقة يستطيع أن يكتشف بسرعة عناصر المغالطة التي يصطنعها هؤلاء المضللون، إذ يأتون بأمثلة جزئية يزعمون أنها من الأخلاق، ثمّ يثبتون أنها أمور اعتبارية أو نسبية تتواضع عليها الأمم، وليس لها حقائق ثابتة في ذاتها، ثمّ ينقضون بها ثبات الأخلاق نقضاً كلياً، بطريقة تعميمية لا يقبل بها العلم، حتى على افتراض أن هذه الأمثلة هي من الأخلاق فعلاً، لأنه لا يجوز علميّاً الحكمُ على النوع كله من خلال الحكم على بعض أفراه، ما لم يثبت أن سائر الأفراد مشتركة بمثل الصفة التي كانت علة صدور الحكم على بعض الأفراد .


      إن مغالطتهم هذه تشبه مغالطة من يأتي بمجموعة من القرود، ويلبسها لباس بني آدم، ويدخلها بين مجموعاتهم ثمّ يقول: إن الناس جميعهم لهم صفات القرود، بدليل أن هذا الإنسان - ويشير إلى بعض قروده - له صفات القرود، بدليل أن هذا الإنسان - ويشير إلى فرد آخر من هذه المجموعة المزيفة- له صفات القرود. وهكذا يأتي بأمثلة متعددة من هذا العنصر الدخيل، ثمّ يصدر حكمه التعميمي في مغالطة أخرى، فيقول: ومن هذا يتبين لنا أن جميع الناس لهم صفات القرود.


      إن هذه العملية قد تضمنت مغالطة مركبة تمت على مرحلتين:
      المرحلة الأولى: إدخال عنصر ليس من البشر تحت عنوان البشر.
      المرحلة الثانية: تعميم الحكم الذي يَصدر على هذا العنصر الدخيل، وجعله شاملاً للناس جميعاً.


      وهذا مثال مطابق تماماً لمغالطتهم في موضوع الأخلاق، فهي أيضاً تشتمل على إدخال ما ليس من أفراد الأخلاق تحت عنوان الأخلاق، ثمّ تعميمهم حكمهم على هذه الأفراد الدخيلة، وجعله شاملاً لجميع أفراد الأخلاق الحقيقية .

      نماذج من الأمثلة التي يدخلونها في الأخلاق وهي ليست منها :

      فمن الأمثلة الجزئية التي يدخلونها في الأخلاق وليست منها، وغرضهم من ذلك التمهيد لنقض الأخلاق بها، ما يلي:
      1- يقولون: إن أكل لحم الميتة أمر لا يعتبر منافياً للأخلاق عند بعض القبائل، بينما يعتبر منافياً للأخلاق عند الذين لا يأكلون لحم الميتة، حتى حين تأكل بعض القبائل موتاها من الناس فإن لها في ذلك مبرراتها الاقتصادية، إذ ترى أن انتفاعها بلحوم موتاها خير من تركها للدود، وخير من دفنها في التراب، وتركها تتعفن وتتفسخ وتتحلل.

      وهذا يدل على أن الأخلاق أمور اعتبارية ونسبية، وليس لها قيم حقيقية ثابتة، وهي قابلة للتغير والتبدل من زمان إلى زمان، ومن أمة إلى أمة.

      2- ويقولون: إن بعض الأمم تحرم شرب بعض أنواع من الأشربة، كالخمور، وتعتبر شربها عملاً منافياً للأخلاق، بينما ترى أمم أخرى أنه لا شيء في شربها.

      3- ويقولون: إن بروز المرأة بزينتها، وتعريها من ثيابها، وعرضها مفاتنها للرجال الأجانب، أمرٌ لا يعتبر منافياً للأخلاق عند كثير من الشعوب، بينما يعتبر عند شعوب أخرى من الرذائل الخلقية.

      ويأتون بمثال تعدد الزوجات وإباحته عند أمة وتحريمه عند أمة أخرى.

      4- ويقولون: إن دعم مراعاة الأنظمة المتبعة في الطعام والشراب واللباس عند بعض الأمم، يعتبر من الأمور المستنكرة جداً، والمنافية للأخلاق، بينما ترى أمم أخرى خلاف ذلك، إذ ترى أن ترك الإنسان حراً يتصرف كما يحلو له في طعامه وشرابه ولباسه هو الفضيلة الخلقية.

      ويأتون بأمثلة الطقوس في البلاد الأقيانوسية، ومنها تحريمهم الطعام تحت سقف، والمكث في المسكن إذا كان الإنسان مريضاً، وتحريمهم استعمال الأيدي في تناول الطعام بعد فراغ الإنسان من حلق شعره، أو بعد فراغه من صنع زورق، وهكذا يوردون أمثلة هي من العادات والتقاليد الاجتماعية، أو من الظواهر الجمالية، أو من الأحكام الدينية لدين صحيح أو لدين وضعي من وضع البشر.

      قالوا: وكل هذا يدل على أن الأخلاق أمور اعتبارية ونسبية، وليست لها قيم حقيقية مطلقة ثابتة، وهي قابلة للتغير والتبدل من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن بيئة اجتماعية إلى بيئة اجتماعية أخرى، ومن أمة إلى أمة أخرى.

      وحين يورد المضلون مثل هذه الأمثلة الجزئية، لا يعرجون على أخلاق الصدق، والعدل، والأمانة، والوفاء بالعهد والوعد، والكرم، والشجاعة وأمثالها، ولا يذكرون الرذائل الخلقية المضادة لها، كالكذب، والجور، والظلم، والخيانة، والغدر، والشح، والجبن في المواطن التي تحسن فيها الشجاعة، وأمثالها.


      المناقشة:

      لدى تحليل الأمثلة التي يذكرونها لنقض الأخلاق بها، يلاحظ الباحث الفاحص أنها ليست في الحقيقة من فروع الأخلاق، وإنما ترجع إلى أصول أخرى.

      فالمنع من أكل لحم الميتة مثلاً، أو شرب الخمور يرجع إلى أنه حكم دينيٌّ، لابتلاء إرادة الإنسان في الحياة الدنيا، وهو من ناحية أخرى حكم تقتضيه موجبات الحماية الصحية.

      فإدخاله في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلطٌ فكري، أو مغالطة وتزييف.

      وحجاب المرأة وإلزامها بالحشمة، وعدم عرض زينتها ومفاتن جسمها للرجال الأجانب، حكم ديني لابتلاء إرادة الإنسان في الحياة الدنيا، وهو أيضاً أمر اقتضته قاعدة سد الذرائع، فهو يساعد على درء الفتنة، وحماية المجتمع من أن تنتشر فيه الفاحشة، التي يتولد عن انتشارها اختلاط الأنساب، وتفكك الأسر، وانهيار المجتمعات.

      فإدخال هذا الموضوع في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلطٌ فكري، أو مغالطة وتزييف.

      وتعدد الزوجات حكم ديني روعيت فيه مصالح إنسانية لا دخل له في الأخلاق .

      ومراعاة الأنظمة المتبعة عند بعض الأمم في الطعام والشراب واللباس، أمرٌ من الآداب الجمالية الحضارية لديهم، وليس فرعاً من فروع الأخلاق.

      فإدخاله في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلط فكري، أو مغالطة وتزييف.

      أليس عجيباً أن يدخلوا مثل هذه الأمثلة في باب الأخلاق مع أنها في جوهرها من أبواب غير باب الأخلاق، فهي إما أحكام دينية، أو طقوس وعادات وتقاليد؟! وإدخالها في باب الأخلاق مغالطة.

      ولستر مغالطتهم التي يدخلون بها في الأخلاق ما ليس منها، تمهيداً لنسف الأخلاق من جذورها، يعتمدون على مفاهيم بعض الناس الخاطئة للأخلاق، إذ يعتبرون أن هذه المفاهيم جزء من حقيقة الأخلاق.

      مع أن مفاهيم الناس قد تصدق وقد تكذب، فهي لا تمثل جزءاً من حقيقة الشيء الذي هو موضوع البحث، وإنما تمثل مقدار إدراك أصحابها لحقيقة الشيء، وهذا الإدراك قد يكون مطابقاً لحقيقة الشيء، وقد يكون مخالفاً لها، وقد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً، وهو لا يؤثر بحالٍ من الأحوال على حقيقة الشيء.

      لقد كان للفلاسفة القدماء مفاهيم عن السماء، وهذه المفاهيم مخالفة لواقع حال السماء، ومع ذلك فإن أي ذي عقل سليم لا يقبل اعتبار هذه المفاهيم جزءاً من حقيقة السماء.
      وللناس مفاهيم كثيرة باطلة عن الخالق، ولا يجوز مطلقاً أن تكون هذه المفاهيم جزءاً من حقيقة الخالق.

      وينكر كروية الأرض منكرون، ولكن مفاهيمهم هذه لا يمكن أن تجعل الأرض في واقع حالها غير كروية.

      على مثل هذا الغلط الفكري يدخل كثير من الناس في الأخلاق ما هو ليس من الأخلاق، كتقاليد، وعادات، وأحكام وضعية، ليس لها أسس ولا جذور تجعلها نابعة من الأسس الخلقية، أو منبثقة عنها.

      كذلك يجحد كثير من الناس بعض ما هو من الأخلاق فعلاً، فيزعم أنه لا داعي للتقيد بقواعد الأخلاق فيها.

      فهل يؤثر هؤلاء أو هؤلاء على الحقيقة المطلقة للأخلاق؟!.

      إن مفاهيم الناس ليست هي التي تصنع الحقائق، بل وظيفتها أن تعمل على إدراك الحقائق، حتى تكون صورة الحقائق فيها مطابقة لما هي عليه في الواقع.

      وما قيمة مفاهيم الناس حول حقيقة من الحقائق، ولنفرض أن بعض الناس استحسنوا رذائل الأخلاق، ولم يجدوا أي رادع من ضمائرهم يردعهم عنها، فمارسوا الظلم بمثل الجرأة التي يمارسون بها العدل، ومارسوا الخيانة بمثل الجرأة التي يمارسونها بها الأمانة، ومارسوا قسوة القلب بمثل الجرأة التي يمارسون بها الشفقة والرمة، ومارسوا الكذب الضار بمثل الجرأة التي يمارسون بها الصدق النافع، أفيغير ذلك واقع حال الرذائل فيجعلها من قبيل الفضائل؟!.

      كم نشاهد من شعوب تألف القذارات، وتعيش فيها، ولا تشعر بأنها تعمل عملاً غير مستحسن أو غير جميل، فهل تغير مفاهيمهم من واقع حال القذارة القبيح شيئاً؟!.

      إن فساد مفاهيم الناس حول حقيقة من حقائق المعرفة لا يغير من واقع حال هذه الحقيقة شيئاً، وجميع حقائق المعرفة تتعرض لمشكلة فساد مفاهيم الناس عنها، وفساد تصور الناس لها.

      ويوجد سبب آخر للخطأ الذي يقع فيه الباحثون في علم الأخلاق، هو اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، ونسبوا إلى هذا المقياس العصمة عن الخطأ مع أنه مقياس غير كافٍ وحده، فقد يخطئ، وقد يُصابُ عند بعض الناس بعلةٍ من العلل المرَضِيَّة، فيعشى أو يعمى، أو تختلُّ عنده الرؤية، فيصدّر أحكاماً فاسدة .


      تلخيص لأسباب الغلط أو المغالطة:

      مما سبق يتضح أن أسباب الغلط أو المغالطة عند القائلين بأن الأخلاق اعتبارية أو نسبية، وليس لها ثبات ولا قيمٌ حقيقية مطلقة، ترجع إلى ثلاثة أمور:

      الأمر الأول: تعميم اسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميّزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الاجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدنية أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى ذلك بهم إلى الخطأ الأكبر، وهو حكمهم على الأخلاق بأنها أمور اعتبارية أو نسبية.

      الأمر الثاني: أنهم جعلوا مفاهيم الناس عن الأخلاق مصدراً يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، مع أن في كثير من هذه المفاهيم أخطاءً فادحة، وفساداً كبيراً، يرجع إلى تحكم الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد فيها، ويرجع أيضاً إلى أمور أخرى غير ذلك.

      والتحري العلمي يطالب الباحثين بأن يتتبعوا جوهر الحقيقة، حيث توجد الحقيقة، لا أن يحكموا عليها من خلال وجهة نظر الناس إليها، فكل الحقائق عرضة لأن يثبتها مثبتون , وينكرها منكرون، ويتشكك فيها متشككون، ويتلاعب بها متلاعبون، ومع ذلك تبقى على ثباتها، لا تؤثر عليها آراء الناس فيها.

      الأمر الثالث: اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، مع أن هذه عرضة للصواب والخطأ .








      د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
      بعض كتاباتي على الألوكة
      بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

      تعليق

      • د/ربيع أحمد
        4- عضو فعال

        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 28 أكت, 2008
        • 551
        • طبيب و طالب علم
        • مسلم سلفي العقيدة

        #4
        رد: الملحد ودعواه نسبية الأخلاق













        نظرات في كلام بعض الملاحدة

        يقول بعضهم : ( من المستحيل أن تعمم الأخلاق على جميع البشر .. نعم قد يتفق مجموعة من الأشخاص على مفاهيم أخلاقية معينة ولكن هذا لا يعني أن التعميم في الأخلاق مستساغ من قبل جميع الناس ؛ لأنه بكل بساطة عادات الناس وطبائعهم مختلفة بعضها عن بعض ) ،وهذا الكلام باطل إذ المستحيل خلافه فمن المستحيل ألا تعمم الأخلاق على جميع البشر ،ويوجد الكثير من الأخلاق المطلقة التي لا تتغير من أمة لأمة و لا من زمن لزمن كفضيلة الصدق و الوفاء والعدل و الأمانة فكل الأمم تحب مثل هذه الأخلاق و تستحسنها و يوجد خلق أخرى تستقبحها و تكرهها جميع الأمم كالغدر والخيانة و الكذب .

        والاستدلال بتغير عادات الناس وطبائعهم استدلال في غير محل النزاع فليست العادات والطباع من قبيل الأخلاق فالعادات من اسمها أمور تعود الناس على عملها أو القيام بها أو الاتصاف بها ، وتكرَّرَ عملها حتى أصبحت شيئاً مألوفاً ، وهي نمطٌ من السلوك أو التصرُّف يُعتادُ حتى يُفعل تكراراً ، ولا يجد المرء غرابة في هذه الأشياء لرؤيته لها مرات متعددة في مجتمعه وفي البيئة التي يعيش فيها ،وما يكون معهودا في مجتمعه وبيئته قد لا يكون معهودا في مجتمع آخر .

        والطباع مفرد طبع و هو كل ما كان في أصل خِلقة الإنسان، وجُبِلَ عليه أي ثابت الأخلاق التي جبلت النفوس عليها فالطبع مجموعة من السمات الداخلية في الإنسان تؤثر في سلوكه ومن الناس من جبل على الخلق الحسن فيتخلق به ومنهم من جبل على الخلق الرذيل فيتخلق به ، وطباع الإنسان الْخُلُقيِّة يمكن تغييرها بالتهذيب والتربية ،ونحن لا نتكلم عن طباع خلقية يمكن تغييرها بل نتكلم عن استحسان الخلق الحميد و استقباح الخلق الرذيل نتكلم عن وجود أخلاق يمدح صاحبها و أخلاق أخرى يذم صاحبها نتكلم عن أخلاق يحبها جميع الناس و أخلاق أخرى يكرهها جميع الناس .

        ويقول بعضهم : ( كل الأخلاق أخلاق نسبية قد تكون صحيحة هنا و خطأ هناك ) ،و هذا الكلام باطل إذ من الأخلاق ما يكون خيرا و يمدح فاعله بإطلاق كالصدق والعدل والكرم والأمانة ومن الأخلاق ما يكون شرا ويذم فاعله كالكذب والخيانة والإفساد في الأرض فيوجد أخلاق محمودة عند جميع الناس و أخلاق مذمومة عند جميع الناس .

        و يقول بعضهم : ( الأخلاق مبنية على المنفعة ،ومنفعة الإنسان هي بالطبع السعادة أو البعد عن الألم علي أقل تقدير. و لهذه السعادة متطلبات تختلف من مجتمع لأخر بناءا علي اختلاف الاحتياجات و الخبرات و الثقافات و بالتالي تصبح الأخلاق علي إطلاقها نسبية ) و الأخلاق التي تبنى على المنفعة هي الأخلاق النفعية و الأخلاق النفعية خارجة عن محل النزاع إذ هذه الأخلاق لا تحمل من الأخلاق إلا اسمها ،واعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يجعل الأخلاق نسبية ومتغيرة ، فيصبح السلوك الواحد خيرا وشرا في آن واحد ، خيرا عند الذي حقق له منفعة ، وشرا عند الذي لم يتحقق له منفعة وبالتالي لا يوجد خلق حميد و لا خلق رذيل وهذا مخالف للواقع بدليل وجود قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك كالعدالة و الفضيلة والكرم.

        و اعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يلغي الأخلاق ؛ لأن المبدأ ‏الذي تستند إليه الأخلاق وتحتكم إليه مفقود فالمنافع متعارضة ، وما ينفعني قد لا ينفع غيري مما يؤدي لحدوث التنازع و اصطدام مصالح الناس بعضها ببعض وعموم الفوضى .
        و ربط الأخلاق بالمنفعة يحط من قيمة الأخلاق ؛ لأنه ينزلها إلى مستوى الغرائز ،والغرائز موجودة في الإنسان و الحيوان معا فيصبح سلوك الإنسان لا يتميز عن سلوك الحيوان .


        ويقول بعضهم: ( لما كان لكل ثقافة معاييرها الخاصة بها فإن المرغوب فيه يختلف تبعا لذلك من ثقافة إلى ثقافة، ومن ثم تختلف القيم من ثقافة إلى ثقافة ) ،و الجواب أن الثقافة هي الإطار الأساسي والوسط الذي تنمو فيه الشخصية وتترعرع، فهي التي تؤثر في أفكاره ومعتقداته ومعلوماته ومهاراته، وخبراته ودوافعه، وطرق تعبيره عن انفعالاته ورغباته، كما تحدد له القيم والمعايير التي يسترشد بها وتفرض عليه التقاليد التي يتمسك بها .

        ويمكن أن نعرف الثقافة بأنها الطريقة التي يفكر بها الناس في مجتمع ما، ويعملون بها، وتقوم عليها نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والطريقة التي يتحدثون بها, ويسيرون بها في الشوارع، ويقودون بها السيارات، ويتعاملون بها مع بعضهم البعض داخليا، ومع الآخرين خارجيا، وعاداتهم وتقاليدهم.. إلخ .

        و يمكن أن نعرف الثقافة بأنها مجموعة الأعراف والطرق والنظم والتقاليد التي تميز جماعة أو أمة أو سلالة عرقية عن غيرها .
        ولكل أمة ثقافة و أسلوب للحياة و طريقة للتعايش الناس بعضهم مع بعض تتسق مع عقيدتها ،والذي يتغير تبعا للثقافة هو عادات الناس وتقاليدهم فهذه عرضة للتغيير والتبديل أما الأخلاق فلا تتغير بتغير الثقافة بدليل وجود قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها خير عند جميع الأمم كالعدالة و الأمانة والكرم ،ويوجد قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها شر عند جميع الأمم كالكذب و الخيانة ،والشر محبب عند جميع الأمم والثقافات و الشر مذموم عند جميع الأمم والثقافات و الصدق والعدل والكرم والأمانة والشجاعة أخلاق محمودة عند جميع الأمم والثقافات والكذب والغش والخيانة أخلاق مذمومة عند جميع الأمم والثقافات.

        ويقول بعضهم: ( المبادئ الأخلاقية نسبية ومتغيرة ومتطورة؛ لأنها ترتبط بعجلة التطور الاجتماعي، وتخضع لتأثير العوامل الاقتصادية والدينية والثقافية والتاريخية، وهذه كلها متطورة ومتغيرة من عصر إلى عصر، وعليه تتطور الأخلاق بتطور هذه المؤثرات ) والجواب أن الذي يتغير هو أعراف الناس وتقاليدهم وعاداتهم لكن الأخلاق تتمتع بالثبات فكل العصور و كل الأمم عندها الصدق فضيلة والكذب رذيلة ،و كل العصور و كل الأمم عندها الأمانة خير و الخيانة شر ،و كل العصور و كل الأمم عندها الكرم محمود و البخل مذموم.

        هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات


        مراجع المقال :
        التعريفات للجرجاني
        الثقافة والشخصية لسامية الساعاتي
        كواشف زيوف الشيخ عبد الرحمن الميداني
        علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن
        مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها لعلى أحمد مدكور
        موسوعة الأخلاق لخالد عثمان الخراز
        د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
        بعض كتاباتي على الألوكة
        بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

        تعليق

        • د/ربيع أحمد
          4- عضو فعال

          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 28 أكت, 2008
          • 551
          • طبيب و طالب علم
          • مسلم سلفي العقيدة

          #5
          رد: الملحد ودعواه نسبية الأخلاق

          التحميل من هنا أوهنا
          د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
          بعض كتاباتي على الألوكة
          بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ يوم مضى
          ردود 0
          7 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة الراجى رضا الله
          ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ يوم مضى
          ردود 0
          6 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة الراجى رضا الله
          ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, منذ 3 أسابيع
          ردود 0
          9 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة الراجى رضا الله
          ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, 10 أكت, 2024, 01:41 ص
          رد 1
          9 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة الراجى رضا الله
          ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, 10 أكت, 2024, 01:28 ص
          رد 1
          12 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة الراجى رضا الله
          يعمل...