الذمى فى المجتمع المسلم
الواقع أن هناك ثلاثة أصناف من الناس تقيم على إقليم الدولة الإسلامية : المسلمون و الذميون و المستأمنون أما المسلمون فهم يرتبطون مع الدولة برباط العقيدة الإسلامية و يحملون جنسيتها على هذا الأساس .و أما الذميون فهم يرتبطون مع الدولة برباط عقد الذمة و يحملون جنسيتها على هذا الأساس . و أما المستأمنون فهم الأجانب عن دار الإسلام و يرتبطون مع الدولة الإسلامية بعقد الأمان المؤقت و على أساسه يمكنون من الإقامة المؤقتة في إقليم الدولة .
الذميون :
الذمي هو غير المسلم الذي قبل الرعوية الإسلامية و التبعية لدار الإسلام بموجب عقد معها يسمى عقد الذمة .و يشترط لهذا العقد الإيجاب و القبول كما هو الشأن في إبرام العقود و يجوز إبرام عقد الذمة لجميع أصناف غير المسلمين . وهذا هو مذهب الأوزاعي و مالك و ظاهر مذهب الزيدية و هو الراجح في النظر و الأثر ( تفسير القرطبي . شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 139- مواهب الجليل للحطاب ج 3 ص 381 – الروض النضير ج 4 ص 317 – زاد المعاد لابن القيم ج 2 ص 80 )
و يقوم مقام عقد الذمة الصريح - لصيرورة غير المسلم ذميا - القرائن الدالة على رضاه بالذمة و التبعية لدار الإسلام . و من هذه القرائن استمرار إقامته في دار الإسلام بعد أن دخلها بأمان مؤقت بالرغم من إنذاره بلزوم الخروج منها ( المبسوط ج 10 ص 84 ) ومن هذه القرائن الزواج فإذا تزوجت المستأمنةمسلما أو ذميا صارت ذمية تبعا له باعتبار أن زواجها منه وهو أهل دار الإسلام قرينة على رضاه بالدخول في الذمة و التبعية لدار الإسلام لتستطيع البقاء مع زوجها في دار الإسلام ( شرح السير الكبير ج 4 ص 15 )
و هناك الذمة بالتبعية وهذه أيضا تقوم مقام عقد الذمة الصريح فالصغار يتبعون أبويهم أو أحدهما في الذمة فإن كان أحدهما ذميا صاروا ذميين و كذلك إن كان أحدهما مسلما صاروا ذميين من أهل دار الإسلام ( شرح السير الكبير ج 4 ص 119-120 ) .
شروط عقد الذمة و صفته :
و الشرط لصحة عقد الذمة أن يكون مؤبدا فلا يصح مع التوقيت كما يشترط لصحته إعطاء الجزية و التزام أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات . و المعاملات عند الفقهاء تشمل جميع روابط القانون الخاص و العام . و عقد الذمة لازم في دار الإسلام فلا تملك نقضه إذا لم يظهر من الذمي ما يدعو إلى نقضه أو انتقاضه . و هو غير لازم بالنسبة للذمي إذ يحتمل النقض من جهته .و الفقهاء مختلفون في بعض ما ينتقض به فعند الحنفية ينتقض بإسلامه و هذا واضح و مع وضوحه ذكروه و كذلك ينتقض بلحاقه بدار الحرب أو بقيامه مع غيره من الذميين بمحاربة الدولة الإسلامية ( الهداية و فتح القدير ج 4 ص 382 )
و من الفقهاء من توسع فيما ينتقض به عقد الذمة فذكر أشياء ينتقض بها العقد لم يقل بها الأحناف و إن قالوا بمعاقبته عليها وفقا لقانون الدولة الإسلامية . و من هذه الأشياء طعنه في الإسلام أو قطعه الطريق على مسلم أو فتنته له عن دينه . و من الجدير بالملاحظة هنا أن الفقهاء حتى المتوسعين فيما ينتقض به عقد الذمة قصروا حكم النقض على من قام فيه سبب النقض فلا يسري على غيره ممن دخل في الذمة تبعا كالأولاد الصغار و هذا الاتجاه يتفق والأصل المقطوع به في الإسلام وهو عدم مؤاخذة الإنسان بجريرة غيره .قال تعالى " و لا تزر وازرة وزر أخرى "
جنسية الذمي :
و الذمي يتمتع بجنسية دار الإسلام لأن جنسية الدولة الإسلامية تقوم على الإيمان أو الأمان . أي بإسلام الشخص أو بعقد الذمة . و لهذا نجد الفقهاء يقولون عن الذمي أنه من أهل دار الإسلام و أنه بعقد الذمة صار من أهل دار الإسلام ( المبسوط ج 10 ص 281 – الكاساني ج 5 ص 281 )
حقوق الذميين وواجباتهم :
القاعدة العامة في حقوقهم و واجباتهم في دار الإسلام أنهم فيها كالمسلمين إلا ما استثني . حتى شاع بين الفقهاء القول المشهور " لهم ما لنا و عليهم ما علينا " و هناك آثار قديمة بهذا المعنى فقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : "إنما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا و دماؤهم كدمائنا " و في شرح السير الكبير " و لأنهم قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم و حقوقهم كأموال المسلمين و حقوقهم " ( شرح السير الكبير ج 3 ص 250 ) .
أما الاستثناءات القليلة التي ترد على هذه القاعدة فمردها أن بعض الحقوق و الواجبات تستلزم العقيدة الإسلامية أو تقوم عليها أو تتصل بها . و لا يكفي للتمتع بها أو الالتزام بها توافر عنصر المواطنة و الجنسية في الشخص . و الحقيقة أن استثناء بعض المواطنين من بعض الحقوق و الواجبات مسألة داخلية مأخوذ بها بين الدول و تهم الدولة وحدها وهي حرة في تنظيم تمتع المواطنين بالحياة القانونية فقد تساوي بينهم وقد تفرق ( القانون الدولي الخاص المصري . دكتور عزالدين عبد الله ج 1 ص 355 ) . و لا شك أن الدولة عندما تفرق بين المواطنين في بعض الحقوق و الواجبات إنما تقيم هذه التفرقة على أساس اختلافهم في بعض الأوصاف التي تراها كافية لتبرير هذه التفرقة . و الدولة الإسلامية تعتبر الوصف الديني هو الأساس المقبول للتمييز بين المواطنين ببعض الحقوق و الواجبات لأنها محكومة بالإسلام و لا تملك الخروج عن أحكامه .و الإسلام يشترط للتمتع ببعض الحقوق و التحمل ببعض الواجبات توافر العقيدة الإسلامية في المواطن . و على هذا الأساس لا يكلف الذمي بأداء الزكاة و لا بواجب الجهاد و القتال عن دار الإسلام . كما لا يجوز له تولي منصب رئاسة الدولة و نحوه لأن هذه الأمور يشترط لها توافر العقيدة الإسلامية في الشخص .
الحقوق السياسية للذمي :
الحقوق السياسية هي الحقوق التي يكتسبها الشخص باعتباره عضوا في هيئة سياسية مثل حق تولي الوظائف العامة و حق الانتخاب و الترشيح وهي الحقوق التي يساهم الفرد بواسطتها في إدارة شؤون البلاد أو حكمها ( أصول القانون للدكتور السنهوري و حشمت أبي ستيت ص 268 – القانون الدولي الخاص . دكتور جابر جاد ج 1 ص 272 ) .
و إذا نظرنا إلى هذه الحقوق بالنسبة للذمي فإننا نلاحظ أنه ليس فيه كالمواطن المسلم . فليس له تولي بعض الوظائف العامة مثل رئاسة الدولة و الإمارة على الجهاد لأن رئاسة الدولة الإسلامية أو كما يعبر عنها الفقهاء الإمامة هي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين و سياسة الدنيا به كما يقول الفقهاء ( مقدمة ابن خلدون ص 191 .الأحكام السلطانية للماوردي ص 3 ) فمن البديهي أن لا يتولى هذا المنصب إلا من يدين بالإسلام .أما الجهاد- و القتال من أنواعه – وهو يقوم على معنى ديني فمن البديهي ألا يكلف به و لا تناط أعماله إلا بمن يدين بالإسلام . و مع هذا فإذا رغب الذمي في الاشتراك به كان له ذلك و لكن لا يكون أميرا فيه . و يجوز للذمي أن يتولى وزارة التنفيذ و وزبر التنفيذ كما قال الفقهاء يبلغ أوامر الإمام و يقوم بتنفيذها و يمضي ما يصدر عنه من أحكام و قرارات ( الماوردي 25 ) كما نص الفقهاء على جواز إسناد وظائف أخرى للذمي مثل جباية الخراج و الجزية ( الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 124 ) و الواقع أن مركز الذمي من ناحية إسناد الوظائف العامة إليه ليس ما يدعو إلى الاستغراب إذا علمنا أن تولي الوظائف العامة في نظر الشريعة الإسلامية تكليف و ليس بحق . تكليف من الدولة للفرد للقيام بهذه الوظائف و ليس حقا له على الدولة . فمن البديهي أن الدولة الإسلامية لا تكلف أحدا للقيام بإدارة شؤون الدولة لا سيما المهمة منها إلا من يؤمن بعقيدتها و هدفها و نظامها . و هكذا القول في الحقوق السياسية الأخرى للذمي فليس له مثلا حق انتخاب الإمام أي رئيس الدولة الإسلامية لأن هذا الانتخاب يقوم على أساس الحرص على اختيار الأصلح لتنفيذ الشرع الإسلامي . و هذا الحرص يستلزم توافر العقيدة الإسلامية في الشخص إذ بدونها لا يتصور هذا الحرص و لا الاهتمام به و لا الاختيار على أساسه .
الحقوق العامة للذمي :
الحقوق العامة هي الحقوق الضرورية للإنسان باعتباره فردا في مجتمع و لا يمكنه الاستغناء عنها .و هذه الحقوق مقررة لحماية الشخص في نفسه و حريته و ماله : كالحق في التنقل و في الاعتقاد و حرمة المسكن و غيرها ( أصول القانون للسنهوري ص 268 ) و الذمي يتمتع بهذه الحقوق العامة مثل حرية الرواح و المجيء و حماية شخصه من أي اعتداء و عدم جواز حبسه أو توقيفه أو معاقبته إلا بمقتضى القانون الإسلامي . وكذا حريته في التنقل داخل إقليم الدولة و حريته في الخروج منها و العودة إليها .
و من الوثائق المهمة المقررة لهذه الحقوق عهد النبي لأهل نجران و فيه " و لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر " و هذا فضلا عن الأحاديث النبوية الكثيرة في لزوم حماية الدولة الإسلامية لأهل الذمة و دفع أي أذى عنهم و كذلك أوامر الخلفاء الراشدين للولاة و العمال بلزوم رعاية أهل الذمة . و جاء الفقهاء و سلكوا نفس المسلك و نهجوا نفس المنهج فقرروا الأحكام التي تقضي بحماية الذمي في نفسه و ماله و عرضه و حريته حتى إنهم لم ينسوهم و هم يتكلمون عن وجائب المحتسب فقالوا إن عليه أن يمنع المسلمين من التعرض لهم بسب أو أذى و يؤدب من يفعل هذا بهم ( الماوردي 247 ). و في كتب الخراج لأبي يوسف الذي جعله الرشيد قانونا للدولة الإسلامية وصايا كثيرة بهم حتى " لا يظلموا أو لا يؤذوا و لا يكلفوا فوق طاقتهم " كما قال أبو يوسف رحمه الله .
و إذا ما خرج بعض حكام المسلمين عن هذه الحدود وواجب الرعاية لهم بتأويل أو بتعسف أنكر عليه الفقهاء وقد حفظ لنا التاريخ وثيقة مهمة في الإنكار على الحكام لمصلحة أهل الذمة . فقد أنكر الفقيه الأوزاعي على أمير الشام صالح بن عبد الله بن عباس عندما أجلى أهل الذمة من جبل لبنان بعد أن ثبت من بعضهم التجسس لحساب الروم و اللحاق بهم كتب له الأوزاعي ينكر عليه فعله و ما قاله في كتابه له :
" و قد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان من لم يكن ممالئا لمن خرج على خروجه ممن قتلت بعضهم و رددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم و أموالهم و حكم الله تعالى " ألا تزر وازرة وزر أخرى " ثم يقول في رسالته " فإنهم ليسوا بعبيد فتكون من تحويلهم من بلد إلى بلد في سعة و لكنهم أحرارا أهل ذمة " ( تاريخ البلاذري ص 222 .الأموال لأبي عبيد ص 170-171 )
و التزام الدولة الإسلامية بالمحافظة على أهل الذمة لا يقف عند حد حمايتهم من الاعتداءات الداخلية من قبل المواطنين أو من قبل موظفي الدولة بل يمتد إلى حمايتهم من أي اعتداء خارجي قد يتعرضون له وحدهم . و لهذا رد أبو عبيدة بن الجراح الجزية التي استوفوها من بعض قرى أهل الذمة في الشام لما غلب على ظنه عدم قدرته على حمايتهم لاحتمال عودة الروم و مهاجمتهم لهذه القرى . و إذا ما وقع الذميون أسرى بيد العدو فعلى الدولة الإسلامية استنقاذهم و لو بدفع الفداء عنهم من بيت المال . قال الفقيه الكبير الليث بن سعد فقيه مصر " أرى أن يفدوهم من بيت المال و يقرون على ذمتهم " ( الأموال لأبي عبيد ص 127 )
حرية العقيدة :
و يتمتع الذمي بحرية العقيدة و لا يجوز إكراهه على تبديل عقيدته لأن المبدأ الإسلامي الثابت " لا إكراه في الدين" و بناء على هذا الأصل يجوز للذمي مباشرة شعائره الدينية و هناك وثائق قديمة جدا تؤكد هذا المعنى و من ذلك ما جاء بمعاهدة خالد بن الوليد القائد الإسلامي المعروف مع أهل عانات و ذكرها الإمام أبو يوسف في كتابه الخراج محتجا بما جاء فيها فقد ورد فيها : " و لهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات و أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم "( الخراج لأبي يوسف ص 146 ) و مثل هذه المعاهدة معاهدته أيضا مع أهل قرفيسياء وهي بلدة على الخابور ( الخراج لأبي يوسف ص 147 )
كفالة الدولة للذمي :
و يتمتع الذمي بكفالة الدولة الإسلامية له عند الفقر و العجز و العوز ومن السوابق المهمة في تقرير هذا الالتزام على الدولة الإسلامية تجاه الذمي ما جاء في معاهدة خالد بن الوليد لأهل الحيرة و فيها " و جعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر و صار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته و عيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة و دار الإسلام " ( الخراج لأبي يوسف 144 )
و الواقع أن قيام الدولة الإسلامية بالضمان الاجتماعي للذمي و كفالته عند الحاجة من الأمور الثابتة المقررة شرعا و ذكره في المعاهدات من قبيل التأكيد له و الكشف عن وجوده في القانون الإسلامي و في سياسة الدولة و لهذا نجد الخلفاء يسيرون على هذا المبدأ . من ذلك أن عمر بن الخطاب عند مقدمه إلى الشام مر بقوم مجذومين من النصارى فأمر أن يعطوا من بيت المال و أن يجري عليهم القوت ( تاريخ البلاذري ص 177 ) و من السوابق المهمة المقررة لهذا المبدأ في قانون الدولة الإسلامية كتاب الخليفة الفقيه عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة فقد جاء فيه : " أما بعد ... و انظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه و ضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه " ( الأموال لأبي عبيد ص 45-46 )
الحقوق الخاصة للذمي :
الحقوق الخاصة هي التي تنشأ عن علاقات الأفراد فيما بينهم وفقا لأحكام هذا القانون الخاص سواء أكانت هذه العلاقات علاقات عائلية أم مالية . ( القانون الدولي الخاص للدكتور جابر جاد ج 1 ص 317 و القانون الدولي الخاص للدكتور عز الدين عبد الله ج 1 ص 383 ) . و الذمي يتمتع بهذه الحقوق فله أن ينشئ أسرة عن طريق الزواج و يتمتع بجميع حقوق الأسرة من نفقة و إرث و نحو ذلك و حق الملكية بالنسبة له مصون و قد قال الفقهاء " حكم أموالهم حكم أموال المسلمين "( المغني ج 2 ص 444 ) و إن الذمي في المعاملات كالمسلم و له مباشرة التصرفات القانونية لكسب الأموال و التمتع بثمرة كسبه . وقد قال الفقهاء " الذميون في المعاملات و التجارات و البيوع و سائر التصرفات كالمسلمين أما الربا فهو محظور عليهم كالمسلمين " (أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 436 )
واجبات الذمي نحو الدولة :
على الذمي بعض الواجبات نحو الدولة الإسلامية منها الجزية و هي ضريبة مالية زهيدة تجب على الرجل البالغ العاقل غير العاجز القادر على دفعها فلا تجب على امرأة أو صبي أو مجنون أو هرم أو عاجز على دفعها . وهي ليست عقوبة على بقائه على دينه و إلا لفرضت على الجميع و إنما وجبت بدلا عن الدفاع عن دار الإسلام الذي لا يجب عليهم .
و من واجبات الذمي أداء الضريبة على أمواله التجارية إذا اتجر بها في إقليم الدولة وهي التي يسميها الفقهاء بالعشور وهذه لا تجب على المسلم لأنه يدفع عن أمواله التجارية زكاة و الذمي لا يدفع الزكاة .
و على الذمي الامتناع عما يعتبر إخلالا بالنظام العام للدولة الإسلامية مثل الطعن بالإسلام أو بالمسلمين أو إظهار الخمور و بيعها في أمصار المسلمين أو إظهار ما يحرمه القانون الإسلامي .
.....
الحرية الشخصية لغير المسلم :
و الحرية الشخصية مضمونة لغير المسلم لأن القاعدة التي قررها الفقهاء المسلمون هي " لهم ما لنا و عليهم ما علينا " و أنهم – كما يقول الإمام علي بن أبي طالب- " إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا و دماؤهم كدمائنا " ( الكاساني ج 7 ص 111 – المغني ج 8 ص 445 ) و الحق أن غير المسلم ظفر بقسط كبير جدا من رعاية الشريعة و حماية الدولة ففي الحديث " من آذى ذميا فأنا خصمه و من كنت خصمه خصمته يوم القيامة " ( الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 473 ). وعلى ضوء الوصاية النبوية بغير المسلم جاءت أقوال الفقهاء صريحة في وجوب تأمين الحماية لهم و حرمة إيذائهم يقول الفقيه القرافي " فمن اعتدى عليهم – أي على أهل الذمة – و لو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع في واجب تأمين الحماية لهم و حرمة إيذائهم . ذمة الله و ذمة رسوله و ذمة دين الإسلام " ( الفروق للقرافي ج 3 ص 11 )
وحكى ابن حزم في مراتب الإجماع له " أن من كان في الذمة و جاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع و السلاح و نموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى و ذمة رسوله فإن تسليمه دون إذنه إهمال لعقد الذمة "
مستوى رفيع في حرية العقيدة :
و قد بلغت رعاية الفقه الإسلامي لحرية العقيدة مستوى لا نحسب أن تشريعا غير التشريع الإسلامي بلغه فالإمام الشافعي يقول في مسألة إسلام أحد الزوجين غير المسلمين لا يعرض الإسلام على الزوج الآخر خلافا للحنفية الذين يرون العرض و حجته " أن في هذا العرض تعرضا لهم و قد ضمنا بعقد الذمة ألا نتعرض لهم " ( شرح الكنز للزيلعي ج 2 ص 174 ) فالإمام الشافعي يرى أن مجرد عرض الإسلام على الزوج الذي لم يسلم نوع من التعرض به و الإكراه له على الإسلام فلا يجيزه .فأي مستوى رفيع بلغه الفقه الإسلامي في رعاية حرية العقيدة .
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2004&highlight=%D9%E1%C7%E1
الواقع أن هناك ثلاثة أصناف من الناس تقيم على إقليم الدولة الإسلامية : المسلمون و الذميون و المستأمنون أما المسلمون فهم يرتبطون مع الدولة برباط العقيدة الإسلامية و يحملون جنسيتها على هذا الأساس .و أما الذميون فهم يرتبطون مع الدولة برباط عقد الذمة و يحملون جنسيتها على هذا الأساس . و أما المستأمنون فهم الأجانب عن دار الإسلام و يرتبطون مع الدولة الإسلامية بعقد الأمان المؤقت و على أساسه يمكنون من الإقامة المؤقتة في إقليم الدولة .
الذميون :
الذمي هو غير المسلم الذي قبل الرعوية الإسلامية و التبعية لدار الإسلام بموجب عقد معها يسمى عقد الذمة .و يشترط لهذا العقد الإيجاب و القبول كما هو الشأن في إبرام العقود و يجوز إبرام عقد الذمة لجميع أصناف غير المسلمين . وهذا هو مذهب الأوزاعي و مالك و ظاهر مذهب الزيدية و هو الراجح في النظر و الأثر ( تفسير القرطبي . شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 139- مواهب الجليل للحطاب ج 3 ص 381 – الروض النضير ج 4 ص 317 – زاد المعاد لابن القيم ج 2 ص 80 )
و يقوم مقام عقد الذمة الصريح - لصيرورة غير المسلم ذميا - القرائن الدالة على رضاه بالذمة و التبعية لدار الإسلام . و من هذه القرائن استمرار إقامته في دار الإسلام بعد أن دخلها بأمان مؤقت بالرغم من إنذاره بلزوم الخروج منها ( المبسوط ج 10 ص 84 ) ومن هذه القرائن الزواج فإذا تزوجت المستأمنةمسلما أو ذميا صارت ذمية تبعا له باعتبار أن زواجها منه وهو أهل دار الإسلام قرينة على رضاه بالدخول في الذمة و التبعية لدار الإسلام لتستطيع البقاء مع زوجها في دار الإسلام ( شرح السير الكبير ج 4 ص 15 )
و هناك الذمة بالتبعية وهذه أيضا تقوم مقام عقد الذمة الصريح فالصغار يتبعون أبويهم أو أحدهما في الذمة فإن كان أحدهما ذميا صاروا ذميين و كذلك إن كان أحدهما مسلما صاروا ذميين من أهل دار الإسلام ( شرح السير الكبير ج 4 ص 119-120 ) .
شروط عقد الذمة و صفته :
و الشرط لصحة عقد الذمة أن يكون مؤبدا فلا يصح مع التوقيت كما يشترط لصحته إعطاء الجزية و التزام أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات . و المعاملات عند الفقهاء تشمل جميع روابط القانون الخاص و العام . و عقد الذمة لازم في دار الإسلام فلا تملك نقضه إذا لم يظهر من الذمي ما يدعو إلى نقضه أو انتقاضه . و هو غير لازم بالنسبة للذمي إذ يحتمل النقض من جهته .و الفقهاء مختلفون في بعض ما ينتقض به فعند الحنفية ينتقض بإسلامه و هذا واضح و مع وضوحه ذكروه و كذلك ينتقض بلحاقه بدار الحرب أو بقيامه مع غيره من الذميين بمحاربة الدولة الإسلامية ( الهداية و فتح القدير ج 4 ص 382 )
و من الفقهاء من توسع فيما ينتقض به عقد الذمة فذكر أشياء ينتقض بها العقد لم يقل بها الأحناف و إن قالوا بمعاقبته عليها وفقا لقانون الدولة الإسلامية . و من هذه الأشياء طعنه في الإسلام أو قطعه الطريق على مسلم أو فتنته له عن دينه . و من الجدير بالملاحظة هنا أن الفقهاء حتى المتوسعين فيما ينتقض به عقد الذمة قصروا حكم النقض على من قام فيه سبب النقض فلا يسري على غيره ممن دخل في الذمة تبعا كالأولاد الصغار و هذا الاتجاه يتفق والأصل المقطوع به في الإسلام وهو عدم مؤاخذة الإنسان بجريرة غيره .قال تعالى " و لا تزر وازرة وزر أخرى "
جنسية الذمي :
و الذمي يتمتع بجنسية دار الإسلام لأن جنسية الدولة الإسلامية تقوم على الإيمان أو الأمان . أي بإسلام الشخص أو بعقد الذمة . و لهذا نجد الفقهاء يقولون عن الذمي أنه من أهل دار الإسلام و أنه بعقد الذمة صار من أهل دار الإسلام ( المبسوط ج 10 ص 281 – الكاساني ج 5 ص 281 )
حقوق الذميين وواجباتهم :
القاعدة العامة في حقوقهم و واجباتهم في دار الإسلام أنهم فيها كالمسلمين إلا ما استثني . حتى شاع بين الفقهاء القول المشهور " لهم ما لنا و عليهم ما علينا " و هناك آثار قديمة بهذا المعنى فقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : "إنما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا و دماؤهم كدمائنا " و في شرح السير الكبير " و لأنهم قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم و حقوقهم كأموال المسلمين و حقوقهم " ( شرح السير الكبير ج 3 ص 250 ) .
أما الاستثناءات القليلة التي ترد على هذه القاعدة فمردها أن بعض الحقوق و الواجبات تستلزم العقيدة الإسلامية أو تقوم عليها أو تتصل بها . و لا يكفي للتمتع بها أو الالتزام بها توافر عنصر المواطنة و الجنسية في الشخص . و الحقيقة أن استثناء بعض المواطنين من بعض الحقوق و الواجبات مسألة داخلية مأخوذ بها بين الدول و تهم الدولة وحدها وهي حرة في تنظيم تمتع المواطنين بالحياة القانونية فقد تساوي بينهم وقد تفرق ( القانون الدولي الخاص المصري . دكتور عزالدين عبد الله ج 1 ص 355 ) . و لا شك أن الدولة عندما تفرق بين المواطنين في بعض الحقوق و الواجبات إنما تقيم هذه التفرقة على أساس اختلافهم في بعض الأوصاف التي تراها كافية لتبرير هذه التفرقة . و الدولة الإسلامية تعتبر الوصف الديني هو الأساس المقبول للتمييز بين المواطنين ببعض الحقوق و الواجبات لأنها محكومة بالإسلام و لا تملك الخروج عن أحكامه .و الإسلام يشترط للتمتع ببعض الحقوق و التحمل ببعض الواجبات توافر العقيدة الإسلامية في المواطن . و على هذا الأساس لا يكلف الذمي بأداء الزكاة و لا بواجب الجهاد و القتال عن دار الإسلام . كما لا يجوز له تولي منصب رئاسة الدولة و نحوه لأن هذه الأمور يشترط لها توافر العقيدة الإسلامية في الشخص .
الحقوق السياسية للذمي :
الحقوق السياسية هي الحقوق التي يكتسبها الشخص باعتباره عضوا في هيئة سياسية مثل حق تولي الوظائف العامة و حق الانتخاب و الترشيح وهي الحقوق التي يساهم الفرد بواسطتها في إدارة شؤون البلاد أو حكمها ( أصول القانون للدكتور السنهوري و حشمت أبي ستيت ص 268 – القانون الدولي الخاص . دكتور جابر جاد ج 1 ص 272 ) .
و إذا نظرنا إلى هذه الحقوق بالنسبة للذمي فإننا نلاحظ أنه ليس فيه كالمواطن المسلم . فليس له تولي بعض الوظائف العامة مثل رئاسة الدولة و الإمارة على الجهاد لأن رئاسة الدولة الإسلامية أو كما يعبر عنها الفقهاء الإمامة هي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين و سياسة الدنيا به كما يقول الفقهاء ( مقدمة ابن خلدون ص 191 .الأحكام السلطانية للماوردي ص 3 ) فمن البديهي أن لا يتولى هذا المنصب إلا من يدين بالإسلام .أما الجهاد- و القتال من أنواعه – وهو يقوم على معنى ديني فمن البديهي ألا يكلف به و لا تناط أعماله إلا بمن يدين بالإسلام . و مع هذا فإذا رغب الذمي في الاشتراك به كان له ذلك و لكن لا يكون أميرا فيه . و يجوز للذمي أن يتولى وزارة التنفيذ و وزبر التنفيذ كما قال الفقهاء يبلغ أوامر الإمام و يقوم بتنفيذها و يمضي ما يصدر عنه من أحكام و قرارات ( الماوردي 25 ) كما نص الفقهاء على جواز إسناد وظائف أخرى للذمي مثل جباية الخراج و الجزية ( الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 124 ) و الواقع أن مركز الذمي من ناحية إسناد الوظائف العامة إليه ليس ما يدعو إلى الاستغراب إذا علمنا أن تولي الوظائف العامة في نظر الشريعة الإسلامية تكليف و ليس بحق . تكليف من الدولة للفرد للقيام بهذه الوظائف و ليس حقا له على الدولة . فمن البديهي أن الدولة الإسلامية لا تكلف أحدا للقيام بإدارة شؤون الدولة لا سيما المهمة منها إلا من يؤمن بعقيدتها و هدفها و نظامها . و هكذا القول في الحقوق السياسية الأخرى للذمي فليس له مثلا حق انتخاب الإمام أي رئيس الدولة الإسلامية لأن هذا الانتخاب يقوم على أساس الحرص على اختيار الأصلح لتنفيذ الشرع الإسلامي . و هذا الحرص يستلزم توافر العقيدة الإسلامية في الشخص إذ بدونها لا يتصور هذا الحرص و لا الاهتمام به و لا الاختيار على أساسه .
الحقوق العامة للذمي :
الحقوق العامة هي الحقوق الضرورية للإنسان باعتباره فردا في مجتمع و لا يمكنه الاستغناء عنها .و هذه الحقوق مقررة لحماية الشخص في نفسه و حريته و ماله : كالحق في التنقل و في الاعتقاد و حرمة المسكن و غيرها ( أصول القانون للسنهوري ص 268 ) و الذمي يتمتع بهذه الحقوق العامة مثل حرية الرواح و المجيء و حماية شخصه من أي اعتداء و عدم جواز حبسه أو توقيفه أو معاقبته إلا بمقتضى القانون الإسلامي . وكذا حريته في التنقل داخل إقليم الدولة و حريته في الخروج منها و العودة إليها .
و من الوثائق المهمة المقررة لهذه الحقوق عهد النبي لأهل نجران و فيه " و لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر " و هذا فضلا عن الأحاديث النبوية الكثيرة في لزوم حماية الدولة الإسلامية لأهل الذمة و دفع أي أذى عنهم و كذلك أوامر الخلفاء الراشدين للولاة و العمال بلزوم رعاية أهل الذمة . و جاء الفقهاء و سلكوا نفس المسلك و نهجوا نفس المنهج فقرروا الأحكام التي تقضي بحماية الذمي في نفسه و ماله و عرضه و حريته حتى إنهم لم ينسوهم و هم يتكلمون عن وجائب المحتسب فقالوا إن عليه أن يمنع المسلمين من التعرض لهم بسب أو أذى و يؤدب من يفعل هذا بهم ( الماوردي 247 ). و في كتب الخراج لأبي يوسف الذي جعله الرشيد قانونا للدولة الإسلامية وصايا كثيرة بهم حتى " لا يظلموا أو لا يؤذوا و لا يكلفوا فوق طاقتهم " كما قال أبو يوسف رحمه الله .
و إذا ما خرج بعض حكام المسلمين عن هذه الحدود وواجب الرعاية لهم بتأويل أو بتعسف أنكر عليه الفقهاء وقد حفظ لنا التاريخ وثيقة مهمة في الإنكار على الحكام لمصلحة أهل الذمة . فقد أنكر الفقيه الأوزاعي على أمير الشام صالح بن عبد الله بن عباس عندما أجلى أهل الذمة من جبل لبنان بعد أن ثبت من بعضهم التجسس لحساب الروم و اللحاق بهم كتب له الأوزاعي ينكر عليه فعله و ما قاله في كتابه له :
" و قد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان من لم يكن ممالئا لمن خرج على خروجه ممن قتلت بعضهم و رددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم و أموالهم و حكم الله تعالى " ألا تزر وازرة وزر أخرى " ثم يقول في رسالته " فإنهم ليسوا بعبيد فتكون من تحويلهم من بلد إلى بلد في سعة و لكنهم أحرارا أهل ذمة " ( تاريخ البلاذري ص 222 .الأموال لأبي عبيد ص 170-171 )
و التزام الدولة الإسلامية بالمحافظة على أهل الذمة لا يقف عند حد حمايتهم من الاعتداءات الداخلية من قبل المواطنين أو من قبل موظفي الدولة بل يمتد إلى حمايتهم من أي اعتداء خارجي قد يتعرضون له وحدهم . و لهذا رد أبو عبيدة بن الجراح الجزية التي استوفوها من بعض قرى أهل الذمة في الشام لما غلب على ظنه عدم قدرته على حمايتهم لاحتمال عودة الروم و مهاجمتهم لهذه القرى . و إذا ما وقع الذميون أسرى بيد العدو فعلى الدولة الإسلامية استنقاذهم و لو بدفع الفداء عنهم من بيت المال . قال الفقيه الكبير الليث بن سعد فقيه مصر " أرى أن يفدوهم من بيت المال و يقرون على ذمتهم " ( الأموال لأبي عبيد ص 127 )
حرية العقيدة :
و يتمتع الذمي بحرية العقيدة و لا يجوز إكراهه على تبديل عقيدته لأن المبدأ الإسلامي الثابت " لا إكراه في الدين" و بناء على هذا الأصل يجوز للذمي مباشرة شعائره الدينية و هناك وثائق قديمة جدا تؤكد هذا المعنى و من ذلك ما جاء بمعاهدة خالد بن الوليد القائد الإسلامي المعروف مع أهل عانات و ذكرها الإمام أبو يوسف في كتابه الخراج محتجا بما جاء فيها فقد ورد فيها : " و لهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات و أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم "( الخراج لأبي يوسف ص 146 ) و مثل هذه المعاهدة معاهدته أيضا مع أهل قرفيسياء وهي بلدة على الخابور ( الخراج لأبي يوسف ص 147 )
كفالة الدولة للذمي :
و يتمتع الذمي بكفالة الدولة الإسلامية له عند الفقر و العجز و العوز ومن السوابق المهمة في تقرير هذا الالتزام على الدولة الإسلامية تجاه الذمي ما جاء في معاهدة خالد بن الوليد لأهل الحيرة و فيها " و جعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر و صار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته و عيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة و دار الإسلام " ( الخراج لأبي يوسف 144 )
و الواقع أن قيام الدولة الإسلامية بالضمان الاجتماعي للذمي و كفالته عند الحاجة من الأمور الثابتة المقررة شرعا و ذكره في المعاهدات من قبيل التأكيد له و الكشف عن وجوده في القانون الإسلامي و في سياسة الدولة و لهذا نجد الخلفاء يسيرون على هذا المبدأ . من ذلك أن عمر بن الخطاب عند مقدمه إلى الشام مر بقوم مجذومين من النصارى فأمر أن يعطوا من بيت المال و أن يجري عليهم القوت ( تاريخ البلاذري ص 177 ) و من السوابق المهمة المقررة لهذا المبدأ في قانون الدولة الإسلامية كتاب الخليفة الفقيه عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة فقد جاء فيه : " أما بعد ... و انظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه و ضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه " ( الأموال لأبي عبيد ص 45-46 )
الحقوق الخاصة للذمي :
الحقوق الخاصة هي التي تنشأ عن علاقات الأفراد فيما بينهم وفقا لأحكام هذا القانون الخاص سواء أكانت هذه العلاقات علاقات عائلية أم مالية . ( القانون الدولي الخاص للدكتور جابر جاد ج 1 ص 317 و القانون الدولي الخاص للدكتور عز الدين عبد الله ج 1 ص 383 ) . و الذمي يتمتع بهذه الحقوق فله أن ينشئ أسرة عن طريق الزواج و يتمتع بجميع حقوق الأسرة من نفقة و إرث و نحو ذلك و حق الملكية بالنسبة له مصون و قد قال الفقهاء " حكم أموالهم حكم أموال المسلمين "( المغني ج 2 ص 444 ) و إن الذمي في المعاملات كالمسلم و له مباشرة التصرفات القانونية لكسب الأموال و التمتع بثمرة كسبه . وقد قال الفقهاء " الذميون في المعاملات و التجارات و البيوع و سائر التصرفات كالمسلمين أما الربا فهو محظور عليهم كالمسلمين " (أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 436 )
واجبات الذمي نحو الدولة :
على الذمي بعض الواجبات نحو الدولة الإسلامية منها الجزية و هي ضريبة مالية زهيدة تجب على الرجل البالغ العاقل غير العاجز القادر على دفعها فلا تجب على امرأة أو صبي أو مجنون أو هرم أو عاجز على دفعها . وهي ليست عقوبة على بقائه على دينه و إلا لفرضت على الجميع و إنما وجبت بدلا عن الدفاع عن دار الإسلام الذي لا يجب عليهم .
و من واجبات الذمي أداء الضريبة على أمواله التجارية إذا اتجر بها في إقليم الدولة وهي التي يسميها الفقهاء بالعشور وهذه لا تجب على المسلم لأنه يدفع عن أمواله التجارية زكاة و الذمي لا يدفع الزكاة .
و على الذمي الامتناع عما يعتبر إخلالا بالنظام العام للدولة الإسلامية مثل الطعن بالإسلام أو بالمسلمين أو إظهار الخمور و بيعها في أمصار المسلمين أو إظهار ما يحرمه القانون الإسلامي .
.....
الحرية الشخصية لغير المسلم :
و الحرية الشخصية مضمونة لغير المسلم لأن القاعدة التي قررها الفقهاء المسلمون هي " لهم ما لنا و عليهم ما علينا " و أنهم – كما يقول الإمام علي بن أبي طالب- " إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا و دماؤهم كدمائنا " ( الكاساني ج 7 ص 111 – المغني ج 8 ص 445 ) و الحق أن غير المسلم ظفر بقسط كبير جدا من رعاية الشريعة و حماية الدولة ففي الحديث " من آذى ذميا فأنا خصمه و من كنت خصمه خصمته يوم القيامة " ( الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 473 ). وعلى ضوء الوصاية النبوية بغير المسلم جاءت أقوال الفقهاء صريحة في وجوب تأمين الحماية لهم و حرمة إيذائهم يقول الفقيه القرافي " فمن اعتدى عليهم – أي على أهل الذمة – و لو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع في واجب تأمين الحماية لهم و حرمة إيذائهم . ذمة الله و ذمة رسوله و ذمة دين الإسلام " ( الفروق للقرافي ج 3 ص 11 )
وحكى ابن حزم في مراتب الإجماع له " أن من كان في الذمة و جاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع و السلاح و نموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى و ذمة رسوله فإن تسليمه دون إذنه إهمال لعقد الذمة "
مستوى رفيع في حرية العقيدة :
و قد بلغت رعاية الفقه الإسلامي لحرية العقيدة مستوى لا نحسب أن تشريعا غير التشريع الإسلامي بلغه فالإمام الشافعي يقول في مسألة إسلام أحد الزوجين غير المسلمين لا يعرض الإسلام على الزوج الآخر خلافا للحنفية الذين يرون العرض و حجته " أن في هذا العرض تعرضا لهم و قد ضمنا بعقد الذمة ألا نتعرض لهم " ( شرح الكنز للزيلعي ج 2 ص 174 ) فالإمام الشافعي يرى أن مجرد عرض الإسلام على الزوج الذي لم يسلم نوع من التعرض به و الإكراه له على الإسلام فلا يجيزه .فأي مستوى رفيع بلغه الفقه الإسلامي في رعاية حرية العقيدة .
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2004&highlight=%D9%E1%C7%E1
تعليق